تحقيقات

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

طلبة كلية الهندسة يرتدون زي مغاوير الشرطة في احتفالات تخرجهم هذا العام

  • تكريماً لرجاله وإدانة للمجرمين الذين يتنكرون به

بغداد/اياد عطية -نصوير :هيثم ياسين

اذا اردت ان تصبح رائداً في الشرطة او الجيش اذهب الى الباب الشرقي واحمل معك خمسين الف دينار لا غير!!
ارتدى خريجو قسم الكهرباء في كلية الهندسة بالجامعة المستنصرية زي مغاوير الشرطة في احتفالات تخرجهم هذا العام..
ويقول الطالب رائد الربيعي رئيس الرابطة الطلابية في كلية الهندسة: ارتداؤنا لزي مغاوير الشرطة في احتفالات التخرج هذا العام كان اشارة ذات مغزى.. لقد اردنا ان نحيي رجال الامن الذين يرتدون هذا الزي المقدس.. فهؤلاء الرجال يمثلون يد العدالة وقبضة القانون قدموا التضحيات واكدوا على الدوام اصرارهم على مطاردة فلول الجريمة والارهاب، انهم الرجال الذين يرتدون الزي الذي يمنحنا الثقة بالامن والاطمئنان، لكننا اردنا ان نوجه صرخة ادانة واحتجاج بوجه ثلة من المجرمين الذين يحاولون الاساءة لقدسية هذا الزي عبر التنكر به وتنفيذ جرائم بشعة يندى لها جبين الانسانية.. هؤلاء القتلة ارادوا ان يحولوا الزي الذي يرتديه رجال الامن الى زي يرعبنا بدلاً من ان يمنحنا الشعور بالاطمئنان..
في الواقع فان العديد من جرائم القتل والاختطاف التي طالت المواطنين وبينهم اساتذة جامعات وطلاب نفذها مجرمون يتنكرون بزي الشرطة..
سهولة الحصول على الزي
يقول الطالب اوس خليل من كلية الهندسة: ليس من الصعوبة الآن الحصول على زي الشرطة او الجيش فالمحال التجارية في الباب الشرقي تبيع هذه الازياء بشكل علني، وليس هذا فقط بل يمكنك ايضاً شراء أي رتبة عسكرية تريدها.. خلال نصف ساعة وبمبلغ قد لا يتجاوز الخمسين الف دينار يمكنك ان تتحول من مدني الى رائد في الشرطة او نقيب في الجيش.
كما ان أي خياط في العراق الآن لن يرفض لك طلباً في خياطة اية كمية من البدلات العسكرية، لقد حدث ذلك معنا عندما اشترينا البدلات التي ارتديناها في حفل التخرج..
يقول اوس: اعتقد ان الامر لا يختلف كثيراً بالنسبة الى السيارات، فأي سيارة مدنية يمكن تحويلها الى سيارات عسكرية بمجرد طلائها باللون الازرق انها عملية سهلة بالنسبة الى المجرمين لا يترددون في تنفيذ ابشع الجرائم من اجل الحصول على المال.
قوة لمكافحة الارهاب
يقول اللواء رشيد فليح قائد مغاوير الشرطة.. ربما لا يعرف الجميع ان مغاوير الشرطة هي اول قوة عراقية التأسيس والانتماء قارعت قوى الارهاب والجريمة وهي القوة التي مزقت فلول الارهاب وانقذت مدن العراق من سيطرة هؤلاء القتلة هذه القوة لم تخضع للمحاصصات الطائفية والفئوية والحزبية وانما الكفاءة والالتزام بخدمة المواطن وتحقيق امنه وامن الوطن هي اساس بنائها..
وتابع اللواء رشيد يقول: ولان هذه القوة حظيت باحترام وتقدير الشعب العراقي وحازت ثقته فان القتلة والمجرمين ادركوا ذلك واستغلوه لتنفيذ جرائمهم، وقد عمل عدد من العصابات والمجاميع الارهابية على التنكر بزي مغاوير الشطرة وقد نفذت بالفعل عدداً من الجرائم، لكننا تمكنا من القاء القبض على العديد من هذه العصابات والزمر الارهابية وتم التحقيق مع عناصرها واحيلوا الى القضاء لينالوا جزاءهم العادل..
إندساس
وقال: ان من المؤسف القول ان بعض هؤلاء المجرمين اندسوا بين صفوف منتسبينا واستغلوا انتماءهم لاجهزة الشرطة وتم تجريمهم وفصلهم واحالتهم الى القضاء.. لكن العصابات الارهابية ما زالت تحاول التنكر بزي القوات الامنية العراقية ونحن بدورنا اتخذنا اجراءات لكشف هؤلاء، وباكتمال تجهيز قواتنا بالاسلحة وبالهويات والباجات التي يصعب تزويرها فان اسقاط هؤلاء القتلة واكتشافهم لن يكون صعباً، ونحن متأكدون تماماً ان يد العدالة ستلاحقهم وتسقطهم.
جهود كبيرة
وجدد رشيد عزم قواته على مواصلة عمها لحماية امن المواطن، وقطع دابر كل مجرم يحاول زعزعة الامن، وقال ان رجاله يتمتعون بالكفاءة في ردع المجرمين وتحقيق الامن لكل المواطنين.
واشار الى ان وزارة الداخلية تبذل جهوداً كبيرة في تطوير الاجهزة والمعدات والاسلحة لمنتسبي قواتها وهناك خطط او اجراءات لمواجهة العناصر التي تشغل او تتنكر بزي الشرطة ومركباتها.. وقد حققنا تقدماً بالفعل في هذا المجال.
وقال علينا ان نعرف اننا في مواجهة مجرمين قتلة لا يتورعون عن استخدام اية وسيلة مهما كانت بشاعتها من اجل تنفيذ عملياتهم الاجرامية.
فهؤلاء استخدموا دور العبادة وتستروا بزي رجال الدين.. وانتهكوا كل المقدسات، واستغلوا كل شيء يسهل لهم تنفيذ جرائمهم.. ولذلك فلا غرابة ان يستغلوا زي الشرطة او الجيش ليتمكنوا من ايقاع وخداع ضحاياهم من المواطنين الابرياء.


إنتبه ممنوع التجوال..عطل رسمية وغير رسمية تشل الحركة والحياة معاً

بابل/ مكتب المدى

في سوق الحلة الكبير عربات واكشاك لباعة متجولين (مخلص عباس) الذي بدا متذمراً يتأفف وهو يقول: هل ان احداً يعقل بان تبقى الشوارع مغلقة لايام من دون ان نعرف السبب واصبحت معاناتنا كبيرة جداً في ظل اوضاع تسوء يوماً بعد آخر ولك ان تتصور باننا ندفع اجرة يومية والبعض الآخر يدفعون لاصحاب المحال اضافة الى اجرة مبيت العربة الا ان الكثير منا لا يحصل الف على دينار يومياً.
لقد كان عملنا يزدهر ايام العطل والمناسبات والاعياد اما اليوم فاصبحت العطل والاعياد تمثل كساداً وتعطلاً خاصة اذا ما صاحبها ممنوع التجوال.
اسبوع عطلة
ايمان محمد طالبة في الصف السادس العلمي بدت حائرة لا تعرف بماذا ترد على من يسألها عن حال الدراسة هذا العام فالطالبات لم يستوعبن المنهاج المقرر بسبب كثرة العطل التي اكثرها غير رسمية أول مرة في تاريخ العراق تعطل المدارس لاكثر من اسبوع واتمنى من السادة المسؤولين في وزارة التربية مراعاة حالنا خاصة ان الامتحانات الوزارية لا تأخذ بعين الاعتبار تطبيق المدارس في المحافظات بالمنهج المقرر ولك ان تتصور عشرات الطالبات تركن الدراسة وفضلن التأجيل وكذلك الطلبة كي يضمنوا معدلاً في السنة المقبلة اوليس من المستحيل الاستمرار في هكذا وضع ونحصل على الدرجات العالية.
ازمة الوقود
عبد الله محمد سائق تاكسي نقلنا الى محل عملنا من دون ان نوجه أي سؤال ابتدأ الحديث والشكوى هل هذا معقول؟ هل حدث هذا في بلد قبلنا؟ انني حائر ويجب عليّ ان اسدد سلفة اشتركت بها من اجل شراء اطارات جديدة اضافة الى تصليح السيارة.
ان سواق التاكسي اصبحوا بالآلاف ولم تعد المهنة مقتصرة على احد بل ان كل من يملك سيارة (منفيست) وما اكثرهم له الحق في العمل كسائق تاكسي هذا غير همّ الانتظار في طوابير محطات الوقود حتى اصبحنا نقضي الليل امام المحطات بانتظار ان نحصل على الوقود في اليوم التالي.
العطل والاقتصاد
عباس فاضل موظف اكد ان العطل وان كان تأثيرها على اصحاب الاجور اليومية والكسبة لكنها تؤثر وبشكل خاص وكبير على الاقتصاد العراقي الذي يعاني اصلاً من مشاكل عديدة اضافة الى الملل الذي يصيب الناس فالمصانع تعاني من انقطاع التيار الكهربائي المستمر وقلة الانتاج الذي بدوره يقلل نسبة الارباح والحوافز التي يحصل عليها العاملون في المصانع والدوائر الانتاجية اما دوائر الدولة الاخرى فهي ايضاً تعاني من عدم تلبية طلبات المواطنين وخاصة المعاملات في دوائر العقارات والطابو والاحوال المدنية والبلديات.
حركة مشلولة
المدرسة الهام عزيز تساءلت: كيف يريدون من الطالبات النجاح وتحقيق معدل. ان الذهاب الى المدرسة اصبح مشكلة كبيرة للكثير من البنات مع معاناة الكثير من العوائل الى درجة انهم يرافقون بناتهم في الحل والترحال خوفاً عليهن اما منع التجوال فصار يمثل لنا مشكلة كبيرة لانه يشل حركة الناس ولا يمكن ان نأتي مشياً لمسافة (5) كم ذهاباً واياباً يومياً اما نسبة الغيابات فقد تجاوزت الحد المسموح به مما يؤثر سلباً على نسبة النجاح التي تمثل مستقبل الكثير منهن لذلك اتمنى ان نعمل وبسرعة لتلافي ما يحصل فالوقت قصير ولم يتبق لنا سوى اسابيع.
مساطر العمال
عشرات العمال يحملون غداءهم في صرر وهم في حيرة ينتظرون عسى ان يأتي احد يدعوهم للعمل اربعة ايام وهم ينتظرون وهذا يعني الكثير لهم يعملون بأجر يصرفونه في نفس اليوم وها هم ينتظرون والامل يحدوهم على الرغم من ان الساعة تجاوزت العاشرة صباحاً حتى ان احدهم (صبار غافل) ناشدنا ان ندعو الحكومة الى مراعاة حالهم وحال عوائلهم معلقاً متى تتحسن احوالنا اننا نعاني الامرين من قلة العمل يضاف اليها متاعب العطل ومنع التجوال الذي قطع ارزاقنا.
دفع بلا مورد
المواطن عباس كاظم طه بين لنا ان التحسن الملحوظ في الحقوق والحريات الشخصية وحرية التعبير كان ينقصه الكثير وكما تعلم فان الامن والامان مطلوبان لكن الكثير من الامور اصبحت تعكر سير حياتنا اليومية ومن هذه الامور منع التجوال الذي اصبح مؤرقاً ومتعباً وخاصة العمال واصحاب المحال الذين يعملون لحسابهم الخاص فهؤلاء الناس لا يملكون راتباً ومطالبون بدفع الايجارات العالية اضافة الى اجور الحراسات والمولدات.
عيادات ومرضى
ساحات واماكن عيادات الاطباء تحولت الى ساحة لكرة القدم وكذلك الكراجات الخالية من السيارات يمارس بها الاطفال هواياتهم المفضلة اما المرضى فقد اجل البعض زيارته للطبيب والذي لا تحتمل حالته تأجيلاً جاء به اهله امام العيادة ينتظر الطبيب الذي لن يأتي بسبب منع التجوال واذا ما ارادوا نقله الى المستشفى فالامر اصعب بسبب اجراءات منع التجوال حتى ان الاطباء لا يستطيعون الوصول الى المستشفى وفي قسم الطوارئ يتكدس العشرات من المرضى ينتظرون دورهم في الفحص طبيبة واحدة وصيدلية صغيرة ومعاناة كبيرة.
ام سامر ربة بيت قالت: انها تكره العطلة ومنع التجوال لان البيت يتحول الى هرج ومرج فالاولاد ووالدهم اضافة الى الاطفال يصير لهم المنزل سوقاً وملعباً يحولون غضبهم علينا ويشعرون وكأنهم سجناء وكما تعلم فان الرجال يحبون الخروج واذا ما اجبروا على البقاء في المنزل فانهم يشعرون بالضيق والعصبية وتعكير المزاج.
اماني واحلام
الناس يحلمون ومن حقهم بالحياة الآمنة وهذا اقل ما يتمنونه من الحكومة التي نتمنى ان تأخذ بعين الاعتبار معاناتهم المستمرة التي بدأت بالحواجز الكونكريتية والطوابير والتصريحات التي لا طائل منها ولم تنته بمنع التجوال والعطل الرسمية وغير الرسمية.
ان ما فاتنا كثير وان مرحلة البناء تتطلب منا اعادة تقويم واصلاح ما تهدم ولا يتم ذلك اذا ما قررنا اعطاء الناس عطلة ثلاثة ايام في الاسبوع وبمختلف المبررات.


آراء متباينة في مراسيم العزاء .. إمتصاص الصدمة وارتفاع التكاليف ودعوة لتحديث تقاليد الفاتحة

بغداد/علي الاشتر

تعكس مراسيم الفاتحة (العزاء)، كمناسبة اجتماعية مهمة في حياة العراقيين، جانباً من ثقافتهم، ورؤيتهم للحياة والموت، والعلاقات الانسانية، واستمرارها على النحو الذي نراه يبرهن ديمومة التقليد والعادة وقوة ثباتهما، فكيف يرى العراقيون شكل هذه المناسبة من حيث وظيفتها النفسية (في المشاركة الاجتماعية للعائلة المصدومة بفقدان احد افرادها، والتكاليف الباهظة لاتمامها.
امتصاص الصدمة
يتوافد الاقارب والاصدقاء والجيران في الحي، لمدة ثلاثة ايام متتالية على عائلة الميت ليشاركوهم الحزن والدعاء. اعداد كبيرة تفد على العائلة، فتنغمس في عملية الاستقبال والضيافة والتوديع؛ وتسهم هذه المشاركة والحضور الاجتماعي في التخفيف من أثر صدمة فراق الميت. والعراقيون عاطفيون يرتبطون ببعضهم باواصر محبة قوية تختلف عن بقية الشعوب، وعلى الرغم من ان دياناتهم تعلمهم ان هذه سنة طبيعية، وانها تمثل أرادة الخالق، الا انهم يحزنون بشدة لافتة للنظر، وقد يصل حزن بعضهم حتى الموت؛ ولهذا تجد العوائل (المنكوبة)، مواساة ومداراة كبيرة من الوسط الاجتماعي، حتى وان كان الميت ينتمي الى عشيرة ثانية او دين آخر. ان هذه الوظيفة النفسية هي احد الاسباب غير المرئية للتمسك بمراسيم الفاتحة، كوسيلة لامتصاص الصدمة النفسية لمفارقة عزيز في العائلة.
ويعتقد العديد منهم ان اهم ما يقدمه هذا التقليد الاجتماعي، هو التخفيف عن اهل العزاء، وهذا اهم بكثير مما يراه البعض الآخر من كلفة عالية وباهظة، وقد سعينا للوقوف على آراء عدد من العراقيين بشأن هذا التقليد الاجتماعي من حيث مراسيمها، وامكانية تحديثها، ووجدنا تبايناً في الآراء حيث انقسمت الآراء الى صنفين، احدهما يؤيد الابقاء على الشكل السائد لهذا التقليد، اما الآخر فيرى امكانية تحديث المراسيم.

نقد المراسيم
ينتقد المواطن مجيد حميد الشكل الحالي لمراسيم الفاتحة، فيقول: الطريقة الحالية غير صحيحة لانها تثقل العائلة المصابة مادياً ومعنوياً وصحياً حيث تستنفر العائلة لمدة ثلاثة ايام لاستقبال وتضييف عشرات المعزين وتقديم ثلاث وجبات للطعام مع الشاي والسكائر والخيم وملحقاتها، وغالباً ما تخسر الفاتحة عندما يحدث فرق بين ما يرد من (واجب)، وبين ما يصرف، كما انها تثقل كاهل المواطن المعزي ذلك لانه ملزم اجتماعياً وعشائرياً بدفع مبلغ الى اهل الميت، ونحن نعلم حجم العلاقات الاجتماعية للانسان العراقي، اذ يصادف ان تحدث ثلاث مناسبات او اكثر في نفس الشهر، وصدقني لقد دفعت هذا الشهر مبلغ (250) الف دينار للفواتح وهذا ما عدا الاعراس والمواليد وانا رجل كاسب، كما ان الفواتح تسبب مضايقة للجيران والاقارب اذ لا يستطيع صاحب العزاء ان يضيف الجميع لضيق المكان الامر الذي يضطر بقية الاقارب الى ان يحولوا بيوتهم الى فنادق طوارئ، واقترح ان تقوم الفاتحة وتنظم مراسيمها في دور العبادة ولوقت محدد، وان لا يقدم فيها سوى الشاي او القهوة مع السكائر، اضافة الى ذلك فان الطريقة الحالية فيها مضيعة للوقت، اعرف صديقاً لي توقفت سيارته عن العمل لمدة تسعة ايام بسبب المناسبات الاجتماعية وسوء تنظيمها.
تحديث المراسيم
اما المواطن سعد عيدي فكان من رأيه تحديث بعض جوانب هذا التقليد الاجتماعي (ان الاسلام لا يكلف الانسان ما لا يطيقه)، فبدلاً من ان تتكبد العائلة المفجوعة مبلغ (3) ملايين دينار، يمكن اقامة الفاتحة في الجامع ويحدد لها وقت مناسب ويقدم خلالها الشاي او القهوة مع السكائر، وبلا (واجب) والمبالغ التي تصرف لا معنى لها، والشكل الحالي للفاتحة في المناطق الشعبية غير حضاري، ويجب ان نغيره من دون ان يتعارض مع قيمنا الاجتماعية والدينية وبالنسبة للتخفيف عن الصدمة فيمكن للمقربين القيام بهذا الواجب للتخلص من الاثر النفسي.
واتذكر انني ذات يوم حضرت مجلس فاتحة لصديق لي في الكرادة، اعجبني تنظيمه، واسينا الرجل في اليوم الاول في الحسينية عصراً، وجمعنا مبلغاً من المال ووضعناه في ظرف وحين اعطيته له، رفض وقال: ان طريقتنا هذه ترفض اخذ المال (الواجب)، ودعانا لحضور اليوم الثالث وقد وضعوا مجموعة من الاواني الكبيرة المليئة بالطعام وعلى عدد من المناضد وكانت هناك العشرات من الصحون الفارغة والملاعق وكل ضيف يقوم بأخذ صحن ويملأه من الطعام، يأخذ ما يحتاجه، وثمة منضدة للفاكهة.. هذه الطريقة فيها فوائد صحية، في مجتمع (الخيمة) يتواجد الاقارب وغير الاقارب وانت مجبر على مصافحتهم، واستخدام ما يستخدمونه كالمنشفة على سبيل المثال، وهذه فرصة لانتشار الامراض.
النسيج الاجتماعي
اما رأي المواطن قيس المختار فيقول: انا أؤيد الشكل الحالي للفاتحة لانه داعم كبير لتقوية الاواصر في العلاقات الاجتماعية.. ومسألة المشاركة في (الخسائر المالية) التي تحصل جراء اقامة المآتم الكبيرة ليست عامة ولا مطبقة في كل العشائر وانما تنحصر فيمن يتفقون على ذلك، واعتقد بانني اذا ما شاركت في رفع العبء عن اخوتي واقاربي في هذا المجال فانهم بلا شك سيقفون معي ذات الموقف، ونظامنا الاجتماعي يختلف كثيراً حتى عن الدول العربية، ومن خلال تجربتي التي عشتها في الخارج وجدت ان العلاقات الاجتماعية هناك تنحصر في اداء التحية، وقد حضرت العديد من المآتم في البلد الذي كنت فيه وكم كنت اشعر بالحزن لتلك الحالات التي شاهدتها هناك حيث شعرت حقاً ان صاحب المصيبة يعيش مصيبته وحده على عكس ما موجود في مجتمعنا.
وهناك مسألة مهمة اخرى وهي ان هذه العادة تزيد من الثقة في النفس لدى الشاب وتنمي شخصيته الاجتماعية وحتى الثقافية وهناك حكمة تقول (ان المجالس مدارس) والمأتم او العزاء عند ابناء الجنوب اكثر سخونة من المآتم في المناطق الاخرى من العراق حيث يكثر خلالها تبادل الاحاديث الدينية والاجتماعية، واحياناً يجري تداول المواضيع السياسية والثقافية.
عودة (العراضة)
وهناك من يصر على شكل الفاتحة الحالي، ويرى ان هذا الشكل يتطور من تلقاء ذاته، ويلاحظ عودة (العراضة)، فالسيد سعد الكعبي يقول: ان الفاتحة عرف عشائري وديني سائد وهو تراث وتقليد نعتز به ولا نستطيع التقليل من مظاهره، واعتقد ان نصب خيمة افضل من اقامتها في الجامع، صحيح هناك تكاليف باهظة، ولكنها تسهل امام اللحمة العشائرية، فنحن مثلاً استحدثنا صندوقاً مالياً ندفع منه لكل شخص فقد عزيزاً عليه بما يسهل عليه الصرف، ويحضر الجميع الى الفاتحة وقد عادت (العراضة) أي الاهازيج التضامنية والمفرح ان الشباب هم الذين يقومون بها.
تشابه المراسيم
ومع التعددية التي تسم المجتمع العراقي وتنوع الثقافات فان الوظيفة الجوهرية لمراسيم العزاء، واحدة وهي المواساة الاجتماعية والمشاركة الانسانية بـ(الحزن) وتتفاوت المراسيم تبعاً للقومية او الدين، وقد التقينا بعدد من الاخوة المسيحيين للوقوف على رأيهم بهذه المسألة.
الآنسة شموني مملوك (آثورية) تقول: اعتقد ان المراسيم متشابهة حيث يجري دفن المتوفى، ثم يقام قداس خاص على روح المتوفى داخل الكنيسة ويؤدي رجل الدين صلاة خاصة على روح الميت وبحضور الاهل والاقارب والجيران، وفي المنزل يقوم الناس بزيراة العائلة المفجوعة لمواساتها وهناك من يقدم المساعدات المادية (المالية او الغذائية)، ويجري استقبال المعزين بحسب حجم المنزل ونادراً ما تنصب خيمة للعزاء. وبعد مضي ستة ايام يجري اقامة قداس في الكنيسة وبعد مرور اربعين يوماً كذلك يقام القداس.
اما الصديق ابو رياض (سرياني كاثوليكي) من بغداد فيرى: المراسيم تبدأ من البيت الى الكنيسة بواسطة السيارات او مشياً على الاقدام وتجري إقامة (الصلاة المتممة) في الكنيسة بحضور ذوي المتوفى وبعدها يدفن مع وضع اكاليل الزهور، وفي المثوى الاخير يقوم القس او الشماس بتأدية الصلاة ثم يعودون الى البيت او قاعة الكنيسة لمدة ثلاثة ايام ويحدد الوقت مثلاً من الساعة الرابعة الى الثامنة، وتوزع السكائر والقهوة ويتم تبادل الذكريات عن المتوفى وتذكر اعماله، وبعد ذلك تنتهي المراسيم في اليوم الثالث تجري تهيئة طعام خاص ويدعى (طعام الميت)، ومن يأكل منه تحصل له البركة والرحمة والثواب للميت، وتبعاً لامكانيات الاهل المادية. وهو تقليد يساهم في تعزيز الاخوة الانسانية.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة