الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

قانون ادارة الدولة العراقية المؤقتة والاجراءات الجنائية لحماية حقوق الانسان

د. حيدر ادهم الطائي

يكفل الدستور حريات الناس وحقوقهم مانعاً المساس بها كما يكفل قانون اصول المحاكمات الجزائية حماية الحرية الشخصية وتبدو هناك مجموعة من النصوص التي تحمي جانباً من الحقوق الاساسية للانسان في مجال الاجراءات الجنائية طالما كان التسليم بعلاقة قانون اصول المحاكمات الخزائية والدستور امراً وارداً اذ ان توفير الحريات العامة والشخصية وعدم انتهاك حرمة المساكن وعدم صبط الاموال الخاصة او الاستيلاء عليها الا لسبب قانوني ومحاكمة الفرد امام هيئات قضائية مختصة تتمتع بالاستقلال الكامل في ادارة العملية القضائية كلها امور ذات اهمية تنص عليها الدساتير.

وعلى هذا الاساس فقد تضمن قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية نصوصاً حاولت ان توفر الحماية للانسان في الاجراءات الجنائية منها:

1. مبدأ قرينة البراءة

نصت المادة (15) الفقرة (هـ) على (المتهم بريء حتى تثبت ادانته بموجب القانون وله الحق كذلك بتوكيل محام مستقل وذي دراية، وبأن يلزم الصمت ولا يجوز اكراهه على الادلاء بأقواله لأي سبب من الاسباب، وان يشارك في التحضير لدفاعه وان يستدعي شهوداً ويناقشهم ويطلب من القاضي القيام بذلك ويجب تبليغ الشخص عند اعتقاله بهذه الحقوق) والحقيقة ان هذا المبدأ تقضي به طبيعة الامور اذ ان الاصل في الانسان البراءة حتى تثبت ادانته بحكم بات. وهومبدأ معروف في الشريعة الاسلامية مأخوذ عن قوله (ص) (ادرأوا الحدود بالشبهات) كما جاء هذا المبدأ في اعلان حقوق الانسان والمواطن الصادر عام 1789 في مادته التاسعة، كما تردد في الاعلان العالمي لحقوق الانسان في مادته الحادية عشرة والمادة الرابعة عشرة من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية . ويمكن اجمال النتائج التي تترتب على اعمال هذا المبدأ بما يأتي:

أ- ضرورة مراعاة قرينة البراءة في قواعد الاجراءات الجنائية كالاستجواب والقبض والحبس الاحتياطي والتفتيش وغيرها فهناك شروط عديدة يجب ان تتوافر لإتخاذ أي من هذه الاجراءات.

ب- وقوع عبء الاثبات على عاتق سلطة الاتهام اذ لا يلزم المتهم بتقديم ادلة النفي.

جـ- ان الاحكام التي تصدر من جانب الهيئات القضائية يجب ان تقوم على الجزم واليقين لاعلى مجرد الاحتمال او الظن، ومن ثم فإن أي شك سيسفر لمصلحة المتهم وقد نصت المادة الخامسة عشرة في الفقرة (د) على (يضمن للجميع الحق بمحاكمة عادلة وعلنية في محكمة مستقلة وغير متحيزة سواء كانت المحاكمة مدنية او جنائية. ان اشعاراً بالمحاكمة واساسها القانوني يجب ان يوفر للمتهم بلا تأخير) كما نصت الفقرة (و) على (ان الحق بمحاكمة عادلة وسريعة وعلنية حق مضمون).

2. مبدأ المشروعية

نصت الفقرة (أ) من المادة (15) على هذا المبدأ (لا يكون لأي من احكام القانون المدني اثر رجعي الا اذا ورد فيه نص بذلك لا جريمة ولا عقوبة الا بقانون ساري المفعول عند ارتكاب الجريمة) ويقصد به ان المشرع وحده الذي يضطلع بتحديد الجرائم والعقوبات الخاصة بها الامر الذي يترتب عليه ان القاضي ليس له ان يعتبر أي فعل مهما بلغت خطورته من الجرائم اذا لم ينص عليه في القانون كونه جريمة وكذلك الامر بالنسبة للعقوبة.

ومن ثم فإن مبدأ المشروعية سوف يكفل حقوق الافراد ويضمن حماية حرياتهم في التصرف ولو لم يكن موجوداً لأفضى ذلك الى تعطيل نشاط الافراد والتضييق من حياتهم بسبب التوجس والخوف من العقاب. كذلك فإن المنطق المجرد والعدالة يقضيان بتطبيق هذا المبدأ اذ ان معرفة الافراد مقدماً ما هو محرم عليهم القيام به من الافعال يعد من مقتضيات العدالة. ويضمن مبدأ المشروعية تحقيق المصلحة العامة من خلال ضمان وحدة القضاء الجنائي فضلاً عن الحد من تعسف القضاة اذا ما ترك لهم تقرير الجرائم والعقوبات.

3- حقوق المتهم عند استجوابه

وردت في الاعلان العالمي لحقوق الانسان عبارة عامة تسري  على المتهم وغيره اذ نصت المادة (15) على (لا يعرض أي انسان للتعذيب ولا للعقوبات او المعاملات القاسية او الوحشية او الحاطة بالكرامة).

وبهذا الشأن يشار ان دساتير دول العالم قد تفاوتت في النص على ضمانات الاستجواب فقد اكدت المادة (20) من دستور الهند لعام 1949 على انه لا يجوز اكراه متهم بجريمة على ان يكون شاهداً ضد نفسه. كما نصت المادة (38) من دستور اليابان الصادر عام 1967 على انه (لا يجوز اكراه احد على الادلاء بأقوال تسيء الى مصالحه، والاعتراف الذي يتم نتيجة للاكراه او التعذيب او التهديد او القبض او الحبس لفترة تتجاوز ما يقضي به القانون لا يجوز ان ينهض دليلاً في الاثبات، كما لا يجوز ادانة احد او توقيع عقوبة جنائية عليه اذا كان اعترافه هو الدليل الوحيد القائم ضده).

اما قانون ادارة الدولة العراقية فقد جاء بمجموعة من الضمانات الهادفة الى حماية حقوق المتهم عند استجوابه اذ اكدت الفقرة (هـ) من المادة (15) على ان لكل متهم الحق بتوكيل محام مستقل وذي دراية، وبأن يلزم الصمت ولا يجوز اكراهه على الادلاء بأقواله لأي سبب من الاسباب وان يشارك في التحضير لدفاعه، وان يستدعي شهوداً ويناقشهم ويطلب من القاضي القيام بذلك ويجب تبليغ الشخص عند اعتقاله بهذه الحقوق.

اما الفقرة (ي ) من المادة ذاتها فقد حرمت اللجوء الى التعذيب بكل اشكاله الجسدية منها والنفسية في جميع الاحوال كما حرمت التعامل القاسي والمهين ولا يجوز بالتالي لأية محكمة ان تقبل كدليل أي اعتراف انتزع بالاكراه  او التعذيب او التهديد لأي سبب كان وفي أي من الاجراءات الجنائية الاخرى. وهنا فقد تبنى هذا الدستور المؤقت الجديد للعراق ولأول مرة مفهوماً ما كان منصوصاً عليه في الدساتير العراقية السابقة ولا في قانون اصول المحاكمات الجزائية وهو حق المتهم في لزوم الصمت ووجوب تبليغ الشخص الذي يجري اعتقاله بهذه الحقوق.

4. الحق في الحرية والقيود الواردة عليه:

نصت المادة الثالثة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان على انه (لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه) بينما نصت المادة التاسعة على (لايجوز القبض على أي انسان او حجزه او نفيه تعسفاً) وتمشياً مع هذه النصوص المهمة فقد جاء قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ليؤكد هذا المضمون في الفقرة (ج) من المادة (15) التي اشارت الى عدم جواز اعتقال احد او حجزه خلافاً للقانون فضلاً عن عدم جواز احتجازه بسبب معتقدات سياسية او دينية.

اخيراً من الضروري التأكيد على ما يعرف بحق السر الذي جاءت به المادة (15) في الفقرة (ب) من قانون ادارة الدولة العراقية اذ نصت على عدم جواز انتهاك حرمة المساكن الخاصة من قبل الشرطة او المحققين او السلطات الحكومية الاخرى الا اذا اصدر قاضٍ او قاضي تحقيق اذناً بالتفتيش طبقاً للقانون وبناءً على معلومات ادلى بها شخص اقسم يميناً وهو يعلم ان اليمين الكاذب يعرضه للعقاب. ان ظروفاً ملحة للغاية طبقاً لما تقرره محكمة ذات الاختصاص، قد تبرر اجراء التفتيش بلا اذن وبشرط عدم التوسع في تفسير هذه الظروف الملحة وفي حالة اجراء التفتيش بلا اذن عند عدم وجود ظرف ملح للغاية فإن الادلة او القرائن التي يعثر عليها في مثل هذا التفتيش لا يعتد بها بِشأن تهمة جنائية الا اذا قررت المحكمة ان الذي قام بالتفتيش بلا اذن كان يعتقد بشكل مقبول وبحسن نية ان التفتيش موافق للقانون.

ويبدو واضحاً ان هذا النص لم يعد يكتفي بالمحافظة على هذا الحق من خلال اعتماد نص عام لكنه حدد شروطاً لإنتهاك حرمة السر، وخاصة حرمة المسكن واوردت في سبيل ذلك تفصيلاً يستحق النظر اليه ودراسته بعناية. ومع ذلك فإن كل ما ورد من حقوق جاء بها قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية هي منوطة في نجاحها بوجود نظام قضائي عادل وفعال والا فإنه سيصدق قول القاضي الامريكي بلدوين الذي قال (اذا كنت واسع الاطلاع ومتمكناً من القانون فتحدث الى القاضي واذا كنت متأكداً من الحقيقة فتحدث الى المحلف واذا لم تكن واثقاً من القانون او الوقائع الحقيقية فتحدث مع الحيوانات البرية وليكن حديثك في مثل خوار الثور).


جميع الشرائع السماوية والوضعية حرمتها : جريمة القتل في قانون العقوبات العراقي .. بين الاعدام .. والسجن الذي يصل الى سبع سنوات

المحامي حميد طارش الساعدي

هي اشد الجرائم خطورة على المجتمع لأنها تستهدف الانسان الذي هو اساس كل شيء في المجتمع لذا شددت جميع الشرائع السماوية والوضعية على حرمتها، وا متدت تلك الحرمة الى الاعمال التي تؤدي الى القتل والتي تبدو لأول وهلة وكأنها غير مكونة لأركان جريمة القتل حيث اشار القرآن الكريم الى تحريم قتل النفس وجعل قتل النفس بمثابة قتل الناس جميعاً كما ورد في سورة المائدة (انه من قتل نفساً بغير نفس او فساد في الارض  فكأنما قتل الناس جميعاً) وامتد تحريم قتل النفس في الشريعة الاسلامية ليشمل الانتحار وتحريم اذن الانسان لآخر بقتله وتحريم المبارزة التي تؤدي الى قتل الانسان، وهي رياضة كانت موجودة في بعض المجتمعات، وتحريم قتل الجنين عن طريق الاجهاض او الاسقاط ولم يقف الامر عند هذا الحد بل وصل الى التشجيع على العفو من قبل ذوي المقتول عن القاتل وعدم انزال عقوبة القصاص التي تؤدي الى قتله.

اما في العرف الاجتماعي فكان ولا زال وجهاء القوم لا يألون جهداً في سبيل ادانة جريمة القتل وايقاف آثارها المتمثلة في الاستمرار بالقتل وفق مفهوم الثأر وذلك عن طريق فرض عقوبة التعويض والتهجير القسري للقاتل.

اما في مواثيق حقوق الانسان فقد تم التأكيد على حرمة حياة الانسان بإعتبارها الحق الاساسي الذي يترتب عليه حقوق الانسان الاخرى حيث لا يمكن الحديث عن حقوق الانسان بدون حقه في الحياة وضمان هذا الحق وحمايته لذا كان من الطبيعي ان يبدأ الاعلان العالمي لحقوق الانسان بالتأكيد على حق الفرد في الحياة في المادة الثالثة منه، والتي بدأ منها الاعلان في النص على حقوق الانسان، وجاء الامر هنا منسجماً مع ما ذكر آنفاً، حيث تنص مواثيق حقوق الانسان وتعمل الهيئات الخاصة بحقوق الانسان ويعمل نشطاء حقوق الانسان على احترام حق الانسان في الحياة ووجوب ضمان وحماية هذا الحق بغض النظر عن كل سبب وان كان عقوبة لجرائم قتل ليس رأفة بالجاني او اشاعة لجريمة القتل ولكن لإحترام قدسية هذا الحق وتضييق نطاق القتل وقد نجحوا، الى حد ما، في التأثير على الغاء عقوبة الاعدام ووجدوا في ذلك نصيراً لهم في مجال القانون حيث هناك العديد من فقهاء القانون لا يقولون بشرعية عقوبة الاعدام، او بأقل من هذا ضرورة ايقافها.

ولا اريد هنا التنظير الى الغاء عقوبة الاعدام والتي تم التعامل مع الغائها او ابقائها في الدول المختلفة، وخاصة المتقدمة، على اساس العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ونسبة ارتكاب الجريمة ومستوى تقدم المجتمع، قبل الاخذ بآراء الناشطين في حقوق الانسان او فقهاء القانون، لكن ما قصدته من ذلك هو بيان الحق المقدس في الحياة للانسان الذي اصبحت حمايته ملزمة بغض النظر، احياناً، عن الاسباب وان كانت سلوكاً اجرامياً. وهذا مقارنة مع ما يحصل يومياً للانسان العراقي من قتل منظم لأسباب تصل الى حرمان العراقي من قدسية حقه في الحياة ويبدو معها حقاً تافهاً.

وتجدر الاشارة هنا الى بيان ما يلزم العراقيين بعدم ارتكاب جريمة القتل والعقوبة المترتبة عليها في حالة ارتكابها من خلال قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المادة (405) نصت على (من قتل نفساً عمداً يعاقب بالسجن المؤبد او المؤقت) المادة (406/1) يعاقب بالاعدام من قتل نفساً عمداً في احدى الحالات التالية:

أ- اذا كان القتل مع سبق الاصرار او الترصد.

ب- اذا حصل القتل بإستعمال مادة سامة، او مفرقعة او متفجرة.

جـ- اذا كان القتل لدافع دنيء او مقابل اجر، او اذا استعمل الجاني طرقاً وحشية في ارتكاب القتل.

د- اذا كان المقتول من اصول القاتل.

هـ- اذا وقع القتل على موظف او مكلف بخدمة عامة اثناء تأدية وظيفته او خدمته او بسبب ذلك.

و- اذا قصد الجاني قتل شخصين فأكثر فتم ذلك بفعل واحد.

ز- اذا اقترن القتل عمداً بجريمة او اكثر من جرائم القتل عمداً او الشروع فيه.

ح- اذا ارتكب القتل تمهيداً لإرتكاب جناية او جنحة معاقب عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنة او تسهيلاً لإرتكابها او تنفيذاً لها او تمكيناً لمرتكبها او شريكة على الفرار او التخلص من العقاب.

ط- اذا كان الجاني محكوما عليه بالسجن المؤبد عن جريمة قتل عمدي او شرع فيه خلال مدة تنفيذ العقوبة.

2. وتكون العقوبة الاعدام او السجن المؤبد في الاحوال التالية:

أ- اذا قصد الجاني قتل شخص واحد فأدى فعله الى قتل شخصين فأكثر.

ب- اذا مثل الجاني بجثة المجني عليه بعد موته.

جـ- اذا كان الجاني محكوماً بالسجن المؤبد في غير الحالة المذكورة في الفقرة (1-ط) من هذه المادة وارتكب جريمة قتل عمدي خلال مدة تنفيذ العقوبة.

اما جريمة الضرب الذي يؤدي الى موت الشخص ولم تكن نية الجاني قتل المجني عليه فنصت المادة (410) على (من اعتدى عمداً على آخر بالضرب وبالجرح او بالعنف او بإعطاء مادة ضارة او بإرتكاب أي فعل آخر مخالف للقانون ولم يقصد من ذلك قتله ولكنه افضى الى موته يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمسة عشر سنة.

وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشرين سنة اذا ارتكبت الجريمة مع سبق الاصرار او كان المجنى عليه من اصول الجاني او كان موظفاً او مكلفاً بخدمة عامة ووقع الاعتداء عليه اثناء تأدية وظيفتة او خدمته او بسبب ذلك. وفيما يخص جريمة القتل الخطأ فنصت المادة (411/1) على (من قتل شخصاً خطأ او تسبب في قتله غير عمد بأن كان ذلك ناشئاً عن اهمال او رعونة او عدم انتباه او عدم احتياط او عدم مراعاة القوانين والانظمة والاوامر يعاقب بالحبس والغرامة او بإحدى هاتين العقوبتين) وشددت الفقرات اللاحقة في هذه المادة على العقوبة لتصل الى سبع سنوات لجريمة القتل الخطأ.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة