في
أربيل.. وأمام جدار القلعة التاريخية .. مصورون شمسيون..
ديجتال
أربيل/أحمد
السعداوي
تصوير/سمير
هادي
سبع
كاميرات شمسية، تصطف متباعدة عن بعضها على الرصيف أمام قلعة
أربيل الشهيرة في الخلف، حيث يتكئ على جدارها الحجري، وفي
الأمام، الشارع الذي تسير فيه السيارات الهوينى، بسبب احتشاد
الناس في هذه المنطقة المهمة، حيث دوائر العقاري والأحوال
المدنية والضريبة. في قلب مدينة أربيل.
لا يمكن
للذي يرى أربيل أول مرة، أن لا يجتذبه - من بين أشياء كثيرة
- المنظر الظريف لصناديق الكاميرات الشمسية هذه، وسيظن
للوهلة الأولى أن المدينة ما زالت تعيش زمناً غابراً، حين
كان الناس يلجأون إلى آلة التصوير العتيقة هذه.
ولكن هذا
الظن سرعان ما يتبدد، حين يقترب - مثل أي زبون آخر - ويسأل
المصورين عن حقيقة الأمر.
هذه
الكاميرات عاطلة.. ولا تعمل). يقول هوراز (18 سنة) وهو يجمع
كلماته العربية بصعوبة. ثم يشير بإصبعه إلى الواجهة الجانبية
لصندوق الكاميرا، كي يفهمنا الأمر.. (إنها دعاية لا أكثر..)
قال ذلك بينما إصبعه تضغط على كلمة حمراء مخطوطة بعناية
(ديجيتال)!
(جنبر) تصوير
آريي أنور
مولود وعادل حميد.. شابان في الثلاثينيات يجاوران هوراز..
تقدما إلي وشاركا هوراز في الكلام، ثم نبهاني إلى الكابينات
الخشبية التي تلاصق سياج القلعة خلف صناديق الكاميرات
الشمسية تماماً، ودهشت حين شاهدت أن كل كابينة خشبية منها
تحتوي جهاز كمبيوتر مع طابعة ملونة.. كرسياً ومنضدة و(UPS)
لحماية الجهاز.. مع عشرات الصور الملصقة في الداخل كدعاية عن
جودة التصوير..
كان الأمر
بالنسبة لي شبيهاً بما يجري في سائر البضائع والخدمات الأخرى
في عموم البلاد. فهناك محل (رسمي) كأن يكون للأحذية أو
الملابس أو الأدوات المنزلية.. وهناك في الجانب الآخر..
(جنبر) غير رسمي يعرض الأشياء نفسها.
وهذه
الكوميبوترات المنصوبة على الرصيف تقدم خدمتها (الجنبرية)
بشكل لا أعتقد أن له مثيلا في أي مكان آخر. لقد اختزل هؤلاء
الشباب ستوديوهات التصوير ومختبراتها بأقل ما يمكن من
الأدوات والأثاث، وبأصغر مساحة ممكنة من الرصيف، لتبدو
الكاميرا الشمسية العاطلة على الرصيف بخرقتها السوداء
وأرجلها الخشبية الثلاث.. وكأنها روح المهنة التي لم تغادر
بعد، برغم التقنية الرقمية التي يستخدمها هؤلاء المصورون..
إنهم وفق هذا الوصف. مصورون شمسيون ديجتال!!
عادي وملون
آريي وعادل
قالا: إن دوائر الحكومة لم تعد تقبل المعاملات بالصور
الاعتيادية (الأبيض والأسود) وأصبحت صور المعاملات كلها
ملونة، وهذا المكان يحفل بمجموعة من الدوائر الحكومية،
وأهمها الأحوال المدنية، حيث يقبل المتزوجون حديثاً على أخذ
الصور الملونة.. وهما (أي عادل وآريي) يعملان بالتصوير هنا
منذ عام 1993. ولم يكن هنالك في قوتها غير مصورين أو ثلاثة
في هذا المكان.
أما محمد
عزيز فيقول إنه يعمل في هذا المكان منذ 1999، وبعد أن شحت
فرص العمل لديه كمصور.. عمد إلى بيع أثاث بيته لشراء
الكاميرا الرقمية وجهازي الكومبيوتر والطابعة الملونة، ليأخذ
فيما بعد موقعه مع زملائه الذين سبقوه.
يقول عزيز
أن الظرف في التسعينيات كان سيئاً، لكنه تعود على مهنته
الحالية وأحبها، وهي تسد متطلباته المعيشية. وهو سعيد لأن
الزيجات قد تزايدت هذا العام.. فهذا يعني عملاً أكثر ومورداً
أكبر.
كاميرا قديمة
أما أقدم
هؤلاء المصورين في المهنة فهو بهرام عباس، الذي يبدو في
الخمسينيات من عمره، حيث قال.. كنت أعمل منذ سنة 76 على
كاميرا شمسية، وتنقلت في أماكن كثيرة من العراق وكردستان.
وحين سألته
عن الكاميرا الشمسية التي كانت منتصبة أمام كابينته، قال
إنها كاميرته الأصلية، وكان قد اشتراها مع شريك له من (خان
بني سعد) في ضواحي بغداد.. وبعد فترة استطاع الاستقلال
بعمله، أما الآن فيبدو أن زمن هذه الكاميرا قد ولى إلى غير
رجعة، وهو منذ سنة يعمل مصور ديجتال.. لكنه لا يريد مفارقة
كاميرته القديمة التي أعالته وعائلته سنين طوال.
قال بهرام
عباس ذلك وهو يربت على كاميرته الشائخة مثلما يفعل حوذي مع
عربة فقدت حصانها العجوز.
يوم جيد للعمل
في ذلك
الوقت المبكر من الصباح. عبرت إلى الرصيف المقابل حيث دوائر
الطابو والجنسية والمحاكم المختلفة.. وشاهدت مناضد وشمسيات
(العرضحالجية) وهي تزدحم بالمواطنين.وقبل أن
يلتحق بي.. انتقل زميلي المصور سمير هادي بالتقاط صور فنية
أخيرة معبرة لهؤلاء المصورين وهم يتوسطون (جنابرهم).
كان
الزبائن قد بدأوا يتوافدون عليهم.. وهذا ما يبشر بيوم عمل
جيد.
|