الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

Text Box: ح حسين     العدد130    ص7     النساء في

 النساء في العمارة.. هذه الأيام

محمد الحمراني

واحدة من أهم المشاكل، التي يعاني منها المجتمع العراقي خلال هذه المرحلة هي صعوبة تجول النساء في الأماكن العامة، وهذا ما جعل المرأة بالتحديد تشعر بحالات اختناق. ولكن هذه المشكلة لا وجود لها في محافظة ميسان فالنساء يجلسن في الكازينوهات الصيفية ويتجولن إلى ساعات متأخرة من النهار في سوق العمارة الكبير.

علاقات عشائرية

في كازينو دجلة، كانت تجلس عائلة وتمارس طقوسها بحرية تامة، المواطنة (ن، ع) والدة لأربعة أطفال قالت: نحن معتادون على هذا الطقس.. منذ سنوات.. نبدأ الجولة من السوق مروراً بالحدائق لتنتهي الجولة في الكازينو.. وفي بعض الأحيان نتعشى في المطاعم المجاورة. وأضافت: في بداية الحرب كنا نخاف من أن نخرج لأن الشوارع ممتلئة بالغرباء، وهذا ما جعل زوجي يتحسس من ذلك، ولكن بمرور الأيام عادت العادات القديمة إلى وضعها على الرغم من المحاذير الكثيرة التي نضعها أمامنا خلال الـ(طلعة). (ر. خ) مواطنة أخرى كانت تتجول بمفردها عصراً.. حين سألناها إن كانت تتعرض إلى تهديد أو مخاطر أثناء تجوالها في السوق. أجابت: إن الكثير من النساء يتجولن في سوق العمارة وبعضهن من الشابات ويمارس مهناً كالخياطة والبيع في المحلات ولم يتجرأ أحد على التحرش بهن أو الإساءة لإحداهن. وروت لي حادثة لصديقة لها قال لها أحد المارة حين شاهدها: (ليش متلبسين حجاب؟) فرد عليه شخص خلفها: (ليش إنتة ولي أمرها؟).. فخاف الأول وانزوى بعيداً وأضافت: إن الاعتداء على امرأة من قبل رجل أو التشهير بها ربما يعرض هذا الرجل إلى القتل. أحد الشباب واسمه (حميد) كان يستمع إلى حديثنا ورغب في المشاركة فقال: إننا في مدينة تؤمن بالعلاقات العشائرية وصلاتها اجتماعية متينة، وأغلب النساء اللواتي يتجولن في السوق إذا كن من داخل المحافظة فنحن نعرف عوائلهن وإذا كن قرويات ففي الأغلب يصاحبهن أزواجهن ولا يتأخرن كثيراً إلى ساعات ما بعد الظهر. وفي الأغلب يأتين للتبضع بثيابهن المحتشمة ولا يتعرضن للأذى والمضايقات خلال التسوق.

البعثيون والتحرش

الطبيبة (ف. ح) في لقاء معها أكدت إن أغلب الطبيبات يمارسن عملهن بجدية وبدون حمايات أو وجود أقارب يحدون من المشاكل. وعلى الرغم من أن المحافظة حصلت فيها عملية قتل لأحد الأطباء في عيادته ولكن اتضح أن سبب ذلك مشاكل عشائرية وأضافت: على حد علمي لم تتعرض أي طبيبة إلى مضايقة أو إحراج، وهنا أتكلم عن المستشفيات والعيادات الخاصة. طالبة في الصف الثالث المتوسط واسمها: (ح. ع) كانت الأكثر جرأة وهي تتحدث: أنا وصديقاتي نذهب يومياً إلى المدرسة من دون أي إساءة أو مخاطر لأن مدرستنا تقع في حي يعرف كل واحد فيه الآخر. وأضافت: ربما كانت هذه التجاوزات في زمن صدام.. خاصة من قبل بعض رجال الأمن وأولاد المسؤولين الحزبيين الذين (يتحرشون) بالطالبات بعد خروجهن من الدوام الرسمي.. هذه الطالبة كانت هي وصديقتها تتجولان بين حين وآخر في سوق بيع الأقمشة وكذلك في أسواق الكهربائيات ولم تتعرضا إلى أية إساءة من أحد.

مجرد تحريات

من أجل الغوص في أسرار هذا الموضوع أجريت تحريات عن سجل الجرائم لدى دائرة شرطة العمارة ولم أعثر على أي جرم وقع ضد أي امرأة خلال الشهر الماضي، فلا توجد جرائم قتل أو اختطاف مسجلة رسمياً وهذا ما شجعنا على خوض حوار مع محام (رفض ذكر اسمه) قال: إن الفترة  بعد سقوط صدام شكلت رقماً قياسياً في عدد الزيجات، لأن في بلدنا الكثير من الأشخاص الذين كانوا مهجرين وبعضهم كان هارباً من الخدمة العسكرية ويخاف أن يتزوج في ظل نظام طاغية مثل صدام.. الشباب عادت لهم حياتهم وهذا ما جعلهم يسعون للزواج. وأضاف: حدثت خلال هذه الفترة حالات طلاق ولكنها قليلة جداً.

سلطة الستلايت

إذن النساء في العمارة بلا حماية وربما يختلفن بعض الشيء عن نساء بغداد أو بعض المدن العراقية.. كان الكثير من أهل المدينة يخافون التجاوز على النساء في الشوارع بسبب الإجراءات القمعية لنظام صدام، ولكن زوال هذا النظام ولد أكثر من سلطة ومنها: سلطة العشيرة وسلطة المحلة وهناك سلطة أكثر تحضراً تجعل المرأة مرتبطة بمنزلها وهي سلطة الستلايت.. مجموعة السلطات الجديدة أتاحت للمرأة أن تعي حريتها وتتبختر من جديد لأن لديها ظهراً كونكريتياً يتشكل أينما حلت.


بعد أن ظل زينة وخزينة: الذهب الكربلائي بين أرباب المهنة الأصيلة والطارئين عليها

كربلاء/ المدى

الذهب زينة وخزينة. هكذا تقول النساء وهن يلبسن الذهب الأصفر ليتباهين به..فكان الذهب زينة النساء وعلامة الزواج الأولى.والخطوة التي تجعل من قطعة ذهبية مدورة توضع في إصبع من أصابع اليد اليمنى عنوانا لزواج قادم وفترة تمتد بين الخاتم وهو في الإصبع الأيمن تسمى الخطوبة ليتحول الخاتم إلى اليد اليسرى ليكون الزواج دليلا مكتملا بعد عقد القران.ولان الذهب زينة النساء وهن يتبرجن ويتفاخرن به أمام البنات ويكون لهن ذخرا للأيام السود القادمة إن حصل عطل في الحياة، فقد كان الصائغ عنوانا لهذا الامتياز فتميز بينهم البارع والفنان والباعة من كل الصنوف والأديان..ففي مدينة كربلاء كان الصاغة قد امتهنوا هذه المهنة لما لهذه المدينة من اثر نفسي في نفوس العرسان وخصوصا لأهل العروس..فيأتون من كل المدن ليشتروا الذهب من كربلاء تيمنا وتبركا بالمكان المقدس حيث الضريحين الشريفين للإمام الحسين وأخيه العباس (ع)..وككل المدن السياحية تزدهر في كربلاء الحركة التجارية والصناعية ولانها عاصمة السياحة الدينية كانت للذهب حصة في تاريخها قبل أن تبدأ الصناعة في الازدهار وحتى قبل أن تبدأ الحركة التجارية بدوران عجلتها.

الخميس الكربلائي والبيع على الدواب قبل قرن

يقول الصائغ رضا الخفاجي لقد ازدهرت كربلاء قبل غيرها من المدن لقدسيتها فكان أن أخذت الصناعات الشعبية فيها مكانها في العملية التجارية ومنها المصوغات الذهبية..ويؤكد الخفاجي على أن صناعة الذهب اشتهرت في كربلاء قبل اكثر من قرن وقبل وجود الكهرباء..عندما كانت تعتمد عملية الصياغة على المهارة اليدوية ذات الطابع الفني المبدع المعتمد على المجهود الفكري والعضلي في الوقت نفسه..ويضيف: لم تكن هناك بطبيعة الحال في ذلك الزمان محال خاصة بالصاغة..بل كان الصاغة المهرة يعملون في بيوتهم ويتفننون في نقش المصوغات الذهبية المختلفة، بعدها يحملون ما اكملوا صياغته ويتنقلون على ظهور الدواب ويجوبون القرى البعيدة والمدن والقصبات لبيع مصوغاتهم..ثم تطورت الصناعة مع تطور الحركة السياحية وتوفر وسائط النقل الحديثة كالسيارات. وبعد أن اصبح الوصول إلى كربلاء ايسر مما مضى اتخذ أصحاب هذه المهنة محال لهم في المدينة ..ويؤكد الخفاجي على ان يوم الخميس كان يوما مشهودا للصاغة لان الزوار يتوافدون في هذا اليوم على زيارة المرقدين الشريفين وبالتالي كانوا يشترون الذهب من كربلاء لأسباب دينية..ومن اشهر العوائل التي اتخذت هذه المهنة طريقا لها عائلة ألبو جحش ومن اشهر الصاغة المرحوم الصائغ الحاج كاظم الجحش والحاج نعمة عبد الرزاق وعائلة آل ياسين والحاج عباس جيوان لتبرز في المرحلة اللاحقة أسماء جديدة من قبيلة خفاجة مثل الحاج حسين القصاب وعباس القصاب والحاج كاظم جواد الخفاجي وعدد من أبناء عمومته. ويضيف: لقد تحول الأمر بعد ازدهار الصياغة والبيع والثقة بمهارة صائغي كربلاء إلى البيع بالجملة.

العرسان وذهب كربلاء

كنت قد فعلتها قبل اكثر من عشرين عاما..كانت كربلاء محطة روحية لزواج يراد منه أن يكون مباركا..لا تتخلله المشاكل..وكان الأهل والأقارب والمعارف لا يشترون الذهب إلا من كربلاء..فيسافرون إليها ليكون الذهب الخزينة والزينة قلادة الزواج الإيماني، وكانت الرحلة إلى كربلاء تعادل الرحلة إلى دولة ما..سفر مبارك وبقعة مقدسة وسياحة ترويحية لأيام ستبقى ذكراها عالقة في رحلة الحديث عن أيام الزواج الأولى..فلكربلاء هيبتها في نفوس المسلمين التي جعلت منها مكانا مباركا لإقامة حفلات الزواج بشكلها المبسط..فيأتون من المحافظات وخاصة المحافظات الجنوبية لتكون أيام الزواج الأولى في كربلاء..ويقول الخفاجي: ليس الأمر بهذه الطريقة فحسب بل ان (نيشان) الخطوبة يشترى من كربلاء أيضا..حيث يأتي العريس مصطحبا الفتاة التي اختارها شريكة لحياته ويشتري خاتمي الخطوبة ويلبسانه في الحضرتين الشريفتين..ولا تزال هذه الطقوس تمارس حتى يومنا هذا..إذ أن الأمر في تجارة الذهب في كربلاء لا يقتصر على أهالي المدينة بل تعدى ذلك إلى الزوار الذين يأتون من مدن العراق وحتى من الدول المجاورة..خاصة بعد أن فتحت الحدود وصار الوصول إلى كربلاء أيسر من السابق في عهد النظام البائد.

غياب الرقابة وغش الطارئين

مع الذهب لا بد من أن تكون الثقة هي العنوان الأبرز..فاللون الأصفر لا يعني أن ما يشترى ذهبا..وليس كل من تعلم الصياغة صار أمينا على مهنته.ولان دولاب التجارة يركبه كل من استطاع الركوب، فان الأمر لا يخلو من مخاطرة في الشراء لان الغش الصناعي طال كل أنواع الصناعات..فحدث هناك غش من قبل الطارئين مستغفلين الزبائن باللون الأصفر، ولان الذهب يحتاج إلى معرفة خاصة يقع في الفخ من لا يمتلك الخبرة في معرفة الذهب عن التقليد أو ما يسمى (الفالصو) أو (خشالة).

يقول الخفاجي: في سبعينيات القرن الماضي..كانت هناك مؤسسة تعنى بشؤون المهنة، حيث كان البنك المركزي العراقي وبجميع فروعه في المحافظات يخصص حصصا شهرية من السبائك الذهبية للصاغة..كلاً حسب أهميته وعمله..إلا أن هذه الحصص ألغيت بعد الحرب مع إيران.. فاضطر الصاغة إلى البحث عن مصدر آخر لإدامة هذه الصناعة وجعلها متواصلة في عملها وموثوقاً بها.. وبقيت المؤسسة المختصة بشؤون المهنة تمارس دور الرقابة ووسم المصوغات وإعطاء الإجازات المتخصصة لأصحاب المحال والورش الفنية..إلا أن الأمر ازداد سوءا  - يقول الخفاجي - بعد أن غابت جميع المؤسسات الرقابية حال سقوط النظام البائد..إذ أغلقت أغلب المؤسسات وتعطلت عن العمل ومنها السيطرة النوعية قسم المصوغات الذهبية..ويضيف: إن غياب دور الرقابة جعلنا نعتمد على الذهب الخليجي إذ نطمئن على صحة الوسم عليه.. لان الطارئين أكدوا إن لا ثقة فيما يباع الآن.. ان هذه المهنة يمتزج فيها الإبداع الفني بالرؤى والأفكار الخلاقة التي تقترب كثيرا من فن النحت..وكما للنحت مدارسه فان فن الصياغة له مدارسه أيضا ومن اشهرها المدرسة العراقية والإيطالية والهندية وان كربلاء والنجف والكاظمية خير من يمثل المدرسة العراقية حيث تبرز الملامح العربية والإسلامية في النقش على الذهب خاصة في المصوغات الكبيرة كالقلائد التي تتحول إلى لوحات فنية تبرز هذه العناصر من خلال النحت الجميل الذي لا يبرع فيه إلا الفنان الذي عشق المهنة.ولان المدرسة العراقية مدرسة أصيلة فان الطلب على الذهب العراقي ما زال في اوجه فهو سفير الفن العراقي إضافة إلى كونه ذهبا اشتري من أماكن مقدسة.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة