أ.د. طالب
مهدي الخفاجي
من القضايا
التي يلاحظها الباحث في تاريخ مصر القديم هي امتزاج مفهومي
السحر والدين وهذا من شأنه أن يضع العقبات أمامنا لكي نحدد
مرحلة فاصلة في تاريخ مصر القديم بين كلا المفهومين. فنحن
عندما ننظر إلى السحر في مصر القديمة نكون في قلب الدين،
وعندما ننظر إلى الدين المصري نكون في قلب السحر.
أما القضية
الاخرى فهي إنه في حالة الديانة المصرية القديمة، لم ينفصل
السحر عن الدين انفصال ظاهرتين روحيتين، بل ينهد الجذر
الاساس للعقائد المصرية القديمة إن لم نر الحالة السحرية
تندك في مداكلها وبنائها وزخرفها الداخلي والخارجي لدرجة رأى
فيه القدماء بل المعاصرون في (الفراعنة) سراً من الأسرار
الخفية بحكم ما خلفوه من آثار مدهشة ليس لها مثيل في العالم
حتى الآن.
والان
نحتاج إلى وقفة لتعريف السحر والدين. ميز علماء الانسان بين
السحر والدين قائلين: إن السحر فردي خاص وإن الدين اجتماعي.
ويبدو إن تعرفهم هذا اصطدام باختلاط الحالتين اختلاطاً
واضحاً بيناً، كيف أن طقوس السحر تدخل في اطار اجتماعي من
جميع مستوياتها وظروفها ووظيفتها وينغرز في الدين الوعي
الاكبر بالذات.
في السحر
تتحول الاشياء كلها إلى رموز فيصبح الشيء هو الرمز نفسه،
والرمز هو الكلمة بينما يرتبط الدين بالقدرة الخارقة للآخرين
سواء أكانوا آباءً أم الهة لكنهم أيضاً يمارسون الفعل عبر
الرمز لكن تحقق الفعل لا يتم بتحول الموضوعات إلى رموز.
ولتفصيل الامر اكثر دعنا نر الانسان في مرحلته الاولى كحيوان
دب على الارض وعاش على الصيد والقطاف فاكتشف بعد مضي زمن
طويل ان تحقق حاجاته الاولية يحتاج إلى جهد. واكتشف أيضاً
القدرة على التعلم واكتساب الخبرة. وتميز عن الحيوان بانه
قادر على الكلام وقادر على العمل وقادر على المشي وهي قدرات
فعالة تحقق له حاجاته بحالة اشبه بالسحر فالكلام يجلب النجدة
ويسهل الاتصال ويراكم الخبرة. وهذا هو الذي جعل التعليم
النفسي والتكيف الثقافي في اكتساب خبرات المجموعات الماضية،
يحل محل الغرائز الحيوانية شيئاً فشيئاً ثم مرة واحدة. وهذا
ما جعل العمل ايضاً ضرورة ملحة للحصول على الحاجة.
فاذا كان
العمل ضرورة ملحة للحصول على الحاجة، يمكن أن نلاحظ ظهور
مسافة جديدة بين الحاجة وتحققها تعبر عن عجز الذات في
التلبية بالكلمات فقط. والسؤال هنا ما الذي خلق هذا العجز؟
هناك
أجابتان، الأولى خارج الانسان والثانية داخله. وفيما يتعلق
بخارج الانسان يمكن القول إن الطبيعة القاسية التي لا تستجيب
دائماً في الطفولة الانسانية، كانت أثر قسوة بردها وحرها
وأعاصيرها وزلازلها وفيضاناتها.
أما ما
يتعلق بداخل الانسان، فهو تطور ذاته أو بمعنى أصبح الوعي
بالذات الذي انبثق عبر الصراع واكتساب الخبرات المتواصلة
وخاصة عندما أصبح للآخر دور في مواجهة الأنا. أي (الأنا)
مقابل (الهو) ليس بمصطلح علم النفس وإنما بالمعنى الاجتماعي،
عندما دب الصراع بين افراد الاسرة الواحدة وظهر التنافس على
الحاجات البيولوجية وعلى النساء. وهكذا انزرع العجز في نفس
الانسان ليكتشف بان السير والكلام لا يحافظان على القدرة
الكلية التي عرفها في الرحم حيث كان لا يفكر في أي خلل بين
الرغبة والعالم.
وإذا كان
التعلم والعمل والكلام غير قادرة على اشباع حاجات هذا
المخلوق المتكاثر بلا توقف، فمعنى هذا إن احساسه بالعجز سيظل
يتفاقم لأن العجز الاصلي يضاف اليه عجز جديد يتزايد
باستمرار.
ويمكن أن
يضاف إلى ما تقدم حجم المجهول بالنسبة للإنسان، الذي يرى
العجز متأت من ثلاثة ابعاد: 1-عجز الولادة الانسانية أي
الانتقال من الحيوانية او من المرحلة الوحشية. 2-العجز بوعي
الذات 3-العجز بادراك حجم المجهول بسبب التعلم والوعي
بامكانات الذات الضرورية والاجتماعية. هنا لا يحل السحر
المسألة وإن كان يسهم بقدر ضئيل عندما تنغرز الحقيقة
الخارجية غير الشخصية أي قوة (المانا /
Mana)
السحرية الملازمة للأشياء والأرواح أو (الهيكاو /
Hekaw):
كلمات القدرة في إطار أوسع هو إطار الدين، لكن ليس معنى هذا
إن المسألة خطية، بحيث تبدو في الترتيب على النحو الآلي: سحر
ثم دين، لأن كلاً منهما يمكن أن يأتي مختلطاً في أي لحظة من
الزمن. وهي (لحظة) تعقيدات ثقافية ليست بسيطة، بل يمكن أن
يخرج السحر من عبارة الدين في ظل أزمة تنام الآلهة عن حلها،
فينكص الإنسان إلى وسائل التكيف المبكرة الناجمة ويأخذ
الساحر أو العراف دوراً أكثر أهمية من الدور البنوي الغائب
مع الله في طيات التاريخ المجرد. أما التاريخ الحي فيحتوي
ممثله الرمزي في ذلك الولي الصالح أو المقام أو المزار أو
صانع التمائم وكاشف الاسرار.
وقد أشار (Wallis
Budge)
إلى هدف السحر والاعتقاد به فقال: وقد هدف السحر معظم الشعوب
البدائية إلى نقل القوة من كائن علوي كلي القدرة إلى الإنسان
ليتمكن بها من اكتساب نتائج (فوق بشرية) وليصبح كلي القدرة
كمالك القوة الاصلي. لكن هدف السحر المصري ان يهب الانسان
وسائل اجبار القوى الصديقة والمعادية في آن بل في عصور
متأخرة، أن يجبر الإله نفسه لكي ينفذ رغبات الانسان سواء
أرادت هذه القوى ذلك أم لم ترده.
إن
الاعتقاد في السحر - بمعناه الدقيق - أقدم في مصر من
الاعتقاد في الله. ومن المؤكد أن عدداً كبيراً من المراسيم
والطقوس الدينية التي كانت تؤدى في عصور لاحقة كجزء مكمل
لعبادة روحية أرقى لها جذورها في التقاليد الخرافية التي
ترجع إلى وقت كان فيه الاله. تحت أي اسم او شكل - لم تدركه
عقول المصريين بعد. ومن المحتمل حقاً أن يشير استخدام علامة
تمثل الفأس في النقوش الهيروغليفية مع الله أو الالهة إلى أن
هذا السلاح أو هذه الاداة كانت تستعمل في تأدية بعض الطقوس
المتعلقة بالسحر الديني فيما قبل التاريخ. وفي ضوء ذلك يمكن
القول إن السحر والدين تطوراً وازدهرا جنباً إلى جنب في مصر
طوال كل عهودها التأريخية وبان أي دراسة لاحدهما تقتضي
بالضرورة دراسة الآخر.
واشار (Wallis
Budge)
إلى أنواع السحر عند المصريين قائلاً: كان السحر عند
المصريين على نوعين هما: 1-السحر الذي كان يستخدم لاغراض
مشروعة من اجل مصلحة الحي أو الميت على السواء.
2-السحر
الذي كان يستعمل في تدبير المكائد القذرة والوصفات الشريرة
وكان مقصوداً به جلب البلايا للموجه ضدهم.
|