الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

 

 

عمل وزارة الثقافة في حوار للمثقفين الشباب الأدباء والفنانون يناقشون عمل المؤسسة الثقافية

 

أجرى القسم الثقافي حواراً مع مجموعة من المثقفين الشباب حول النشاط الثقافي في العراق وتركز الحوار في مجمله حول أداء وزارة الثقافة وعملها للفترة الماضية. وتحدث الكثير من هؤلاء الأدباء والفنانيين بحرية وشفافية حول مشكلات عمل الوزارة في مجمل النشاطات.

ووجدنا هنا في (المدى الثقافي) ان نوسع هذا الحوار ليشتمل على مجموعة كبيرة من المثقفين ومن كل المشارب والاتجاهات والاجيال، بهدف ان نستطلع مواقفهم وتصوراتهم عن عمل وزارة الثقافة. لهذا سنبدأ بآراء الشباب في هذا الاستطلاع لننطلق فيما بعد إلى مواقف الآخرين. وننشر هنا الجزء الأول من هذه الآراء على ان نستكمل بقية الآراء في حلقات قادمة.

المدى الثقافي

 

 

عمل صحيفة يومية يتجاوز ما تقوم به وزارة الثقافة

نبيل وادي

ليس من قبيل المصادفة ان نفاجأ بميزانية وزارة الثقافة العراقية التي تؤشر بوضوح أنها تضع الثقافة العراقية في آخر السلم من حيث الأولويات.. وسبق ان قال زملائي في استطلاعات سابقة الرضا بالممكن يقود دائماً إلى سوق التبريرات التي تتحول إلى أمر واقع علينا القبول به مختارين ام غير مختارين، ان ما تفعله صحيفة يومية في صفحاتها الثقافية من إشاعة أجواء الحوار الثقافي والنشر يمكن ان يتجاوز بأشواط مجمل ما قدمته الوزارة إلى الثقافة والمثقفين العراقيين منذ تشكيل الوزارة الجديدة، وإذا ما أردنا الغوص في حيثيات عمل الوزارة يبدو واضحاً اننا نكاد نجهل دورها حتى هذه اللحظة، هل لنا ان نلوم الوزير؟

نلوم المجتمع الثقافي الذي لم نسمع له صوتاً مؤثراً على الخريطة السياسية التي تشكلت وفق هواجس أمنية (ومناصبية) قبل ان تتشكل على وفق رؤيا بعيدة المدى؟ ثمة من يرى ان اشخاصاً يعملون في الوسط الثقافي قادرون على أداء دور في المشهد الثقافي يوازي ما تقوم به هذه الوزارة التي نخجل احياناً من انتقاد وزيرها بسبب انه لا يملك ما يستطيع ان يفعله للحياة الثقافية في العراق، ما زال المثقف يعيش رهاباً حياتياً اذ لا يستطيع ان يؤمن على ابداعه بالقدر الذي لا يستطيع ان يؤمن على حياته وما زال الكثير من المثقفين يتمسكون بعروة الصحافة تجنباً لسفح ماء الوجه وإذا ما افترضنا ان ابرز مؤسسات وزارة الثقافة الآن هي دار الشؤون الثقافية فأرى ان ازمات هذه الدار تنذر بمشكلات لا حصر لها. وأورام وعقد سابقة للعهد الجديد، وهذا ما نذرت به الايام الماضية مع صدور عدد من الكتب التي وزع فيها خمسون نسخة لكل كتاب والبقية تؤثث بها المخازن، وهنا الطاقة الحقيقية، فما فائدة ان تكتب وأنت تعلم ان كتابك سيبقى في الظلمات..

والأهم من كل هذا ما هي تصورات الوزارة لواقع الثقافة الجديد، ستنفتح على ماذا؟ كيف ستتعامل هذه المؤسسة من المشهد السياسي التآلف بحكم الضرورة والمتضاد بحكم التكوين أية ثقافية ستسود؟ ما هو حجم المغامرة ومداها المتاح والمحتمل، لهذه المؤسسة؟ يعتقد البعض أن الأولوية الآن للأمن، والكهرباء والبلديات والماء. نعم هذا صحيح في وجه من الوجوه ولكن أليس من الأجدى التوجه لإعمار الإنسان ان جازت هذه التسمية، أليس من الأجدى ان ننفخ في صدره الأمل قبل ان يهوي بمعوله لبناء عمارة.

ان مجرد قبول الوزير بهذا المبلغ التافه بكل المقاييس، هو قبول بتنازلات ستستمر دوائرها إلى ما لا نهاية.

والغريب حقاً ان تنافساً شديداً على هذه الوزارة كان ابعد الخيارات الأخرى في أجندة الكثير من القوى التي ترى في وزارة النفط أو المالية أو الوزارات الأخرى، أكثر جدوى هو الذي سيوردنا مورد التهلكة الحضارية، ما زالت واقيات الرصاص أكثر أهمية من برنامج ثقافي يعرض في التلفزيون وسيارة دبل قمارة نيسان للشرطة أفضل من بناء مكتبة حكومية ولأن المعادلة مختلة وغير منصفة فإننا ابعد ما يكون عن التفاؤل وعلى الأقل هذا ما اعتقده الآن .

 

 

خابت آمالنا بوزارة الثقافة

د/حسين علي هارف

وزارة الثقافة تأملنا منها الكثير وخابت آمالنا فضلاً عن عدم فاعلية كوادرها الوسطى.. الوزارة لم تنفتح على الوسط الثقافي واكتفت بانشطه رسمية محدودة وبذلك ابتعدت عن هموم وآمال المثقف العراقي. كما ان دائرة السينما والمسرح لم يكن لها حضور يتناسب مع طموح المسرحيين العراقيين ـ ثم تحولت الدائرة إلى مكان مغلق بعد ان كانت منفتحة على المؤسسات الثقافية والفنية.

نأمل من الوزارة اتخاذ خطوات مهمة وفعالة من اجل تنشيط الحراسة الفنية والثقافية في العراق.

 

 

وزارة مكبلة بالسلاسل

وامكانات محدودة

كاظم النصار/فنان مسرحي

أنطلق من تقييمي لأداء وزارة الثقافة من واقعية الوضع السياسي الراهن والتركة الثقيلة التي تركتها المؤسسات السابقة وليس عندي شك بنوايا الوزارة ازاء تفعيل المناخ الثقافي وبناء الثقافة ومؤسساتها من جديد وأظن ان الوزارة قد استلمت مقترحات هائلة من مثقفين وعليها ان تنظر لهذه المقترحات بواقعية أيضاً وترى امكانية تطبيقها.. الآن الوزارة تتحرك برأس واحد وبإمكانيات حكومية بالضرورة وهناك بنية ثقافية تتشكل للتو بعد خراب طويل.. عليها ان تخبرنا ببرنامجها السنوي على الاقل واماكنية تحقيقه من مهرجانات وبناء جديد لمراكز الثقافة وتحسين وضع المثقف معنوياً وإعادة صلته بالعالم.. المهم ان الوزارة مطالبة أكثر من السابق في إضفاء علامات فارقة واضحة وواقعية وهي جديرة بذلك وعليها ان تتخلص من السلال الحديدية التي تكبلها بأسرع ما يمكن.

 

 

الحوار معدوم بين المثقف والوزارة

علي رستم/شاعر

ان الكيفية التي تعمل بها الوزارة تعبر عن عدم معرفتها بالواقع الثقافي في العراق. فالفجوة قائمة منذ البداية بينها وبين المثقف العراقي. وعلى وجه التحديد ذلك المثقف الذي عانى من التغييب والتهميش ايام النظام السابق. فالحوار معدوم تقريباً بين مجموعة كبيرة من المثقفين الجادين والمؤثرين في الساحة الثقافية وبين الوزارة.

والذي حصل على وجه التقريب هو ان ذات الوجوه القديمة عادت لتتصدر المواقع المهمة في الوزارة الجديدة. ولا أعرف كيف تم التقارب بين الاثنين. ان ادعاء (كادر) الوزارة التام من الخارج عدم معرفته بالوقائع هو خلل بحد ذاته.

مع انني اشك في انها لا تعرف الوقائع. وإذا كانت كذلك فلتترك موقعها لآخرين يتحملون المسؤولية.

 

 

انحياز الوزارة لأدباء الخارج

ضياء الخالدي

كثرت الآراء حول فاعلية وزارة الثقافة، ودورها في تحقيق الجانب المنشود في ثقافاتنا العراقية الراهنة، وجاءت اغلبها ذات خصوصية لا ترى اللحظة المعاشة وزمنها الصعب، فالاسئلة المطروحة عن هموم المثقف العراقي والثقافة عموماً هي من الأسئلة المستقبلية التي تتطلب مدة طويلة ودراسة لأبرز امراضها ومشكلاتها العميقة الأثر. ولا يمكن ان توفر وزارة عاشت اشهرا قليلة وبميزانية فقيرة جداً، والدور الذي ظهر حتى الآن يبشر بنقلة قد تكون غير ظاهرة لنا الآن، لكنها ستتبلور في القادم من الأيام، حين يقف الوضع الاجتماعي في البلد على اقدامه وتأخذ الصورة في الوضوح.

ان وجود بعض الهنات في الوزارة تأتي من عدم جلاء المشهد الثقافي لموظفيها ومنهم السيد الوزير، كقضية الاسماء الثقافية العائدة من خارج القطر وتفضلها على كتاب بارزين في الداخل، الذين يلمسون غبناً لهم، وغصة قد تنسحب إلى آخرين. وكذلك فإن اغلب الموجودين في الوزارة يبعدون كل البعد عن الواقع الثقافي الموجود في الساحة، فاصوات الثقافة الشبابية أو بالأحرى الابداعات الشبابية غير معروفة لمن كانوا في الخارج، وغير معروفة لمن كانوا في الداخل القريبين من الوزارة..

وتلك مشكلة ينتبه إليها احد.

وبما ان الوزارة ستبقى بملاكاتها كافة لمدة أخرى هي فترة الحكومة الانتقالية فان الأسئلة ستزداد حول فاعلية ادائها، ويمكن ان تقوم ببعض الاعمال غير المكلفة مادياً وذهنياً، مثل بعض الكتب النائمة تحت الغبار في مخازن دار الشؤون الثقافية العامة، التي تستطيع الخروج إلى ميادين القراء والتصدير إلى خارج القطر، وبالتالي تقدم خدمة لنفسها من حيث المادة، وخدمة لأسماء الكتاب الذين دارت حول بعضهم الشبهات لأنهم طبعوا اعمالهم في فترة النظام السابق وبالامكان انهاء هذه المشكلة بلجنة من الخبراء تفصل الكتابات الصدامية عن كتابات الديمقراطية..

 

 

المؤسسات الثقافية

لا علاقة لها بالثقافة

عبد الخالق كريم/مؤلف مسرحي

بدءاً لابد من الإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية مفادها ان الحياة الثقافية لا ترتهن أبداً بعمل مؤسسة ما. والحديث هنا عن النتاج الثقافي الذي يمكن ان تتساعد عليه وزارة الثقافة.

يجب ان ينطلق من موقف الفصل بين الثقافة وادارة شؤونها.

وبالتالي فأن تصميم عمل مؤسسة ما هو تقييم لآلية اشتغالها وليس لمعرفية الانتاج. ووزارة الثقافة هي آلية متأخرة جداً وعاجزة عن اللحاق بالقفزات الثقافية الحاصلة في العالم، فعمل مثل هذا لا تقوم به وزارة عاجزة.

ربما لأن المؤسسة الثقافية لا علاقة لها بالثقافة وهي مؤسسة يافطة مرادفة لدار الرعاية الاجتماعية لاهم لها إلا توفير قوت البعض.

 

 

 

مفهوم العلاقة الشخصية يوجه عمل الوزارة

محمد الحمراني/روائي

ليس من السهل ان نحكم على عمل وزارة الثقافة الآن فنحن لم نشاهد برنامج عمل منها يمكن ان نضعه بين كفتي الميزان.. وكأننا خلال المرحلة الماضية كنا في استراحة ولكننا لم نشاهد أي نشاط فاعل في الداخل أو في الخارج فالكتب التي صدرت قبل سقوط نظام صدام والتي كان أغلبها يدين سياسية البعث والأخرى التي صدرت في الأيام القليلة الماضية تنام أسفل ركام من التراب في مخازن دار الشؤون الثقافية.. أليس من باب التعريف بمنجز الثقافة العراقية اختيار بعض العناوين في معرض للكتاب العراقي يتنقل في بعض الاقطار العربية التي لم يعرف أغلب ادبائها.. الكثير من أدباء العراق خاصة من رفضوا اغراءات المنفى وبعناد بطولي كتبوا اعمالاً مهمة أشاد بها الكثير في الداخل والخارج اتمنى ان اتعرف على برنامج مكرر واضح لوزارة الثقافة ولا تعنيني  الاحتفالات أو الشعارات التي لا تنزل إلى أرض الواقع، لقد بدأ الآن تسلل الكثير من الدخلاء على الثقافة إلى المشهد وهذا ما يؤكده اختيار ممثلي اللجان الثقافية في المحافظات والتي لم يكن لوزارة الثقافة أي تدخل فيها وهذا ما جعل الكثير من أدباء المحافظات المهمين تحت طائلة بعض الحزبيين الذين حصلوا على هذا المقعد لعلاقات شخصية في الأغلب. وهناك اسئلة كبيرة نبحث عن اجابة لها ومنها مثلاً من يقوم باختيار اسماء المدعويين إلى المهرجان العربية أو البعثات ولماذا تتكرر الاسماء.. نحن لا نريد ان نكتب عن الوزارة من الخارج لكننا نراقب عملها جيداً ولا نريد ان نضع مقارنات مع وزارة صدام الثقافية والتي كان يدعمها شخصياً والتي هي من (العواجيز) في الاغلب نحب نطمح إلى بناء وزارة ثقافة شابة.. تفتح حوارات موسعة مع المثقفين في انحاء مختلفة من البلد وهنا سؤال أريد ان اطرحه على الوزارة: هل ذهب احد منكم إلى ادباء المحافظات وتعرف على وجهات نظرهم.. اننا نعيش في دائرة من الأسئلة ربما لا يتحملها هذا الاستطلاع لكن على المعنيين في وزارة الثقافة ان يتركوا مكاتبهم قليلاً ويتعرفوا على الكثير من مشاكلنا والتي هي طوق في اعناقهم.

 

 

الوزارة بحاجة إلى مستشارين متخصصين

نصيف فلك/شاعر

حقاً لوزارة الثقافة دور مهم ومسؤولية بالغة الخطورة، وقامت مشكورة بنشاطات أدبية وفنية جادة ومتميزة خلال الأشهر الماضية، ولكن أيقتصر عملها على ذلك فحسب؟ المثقف هو الوحيد الذي يشعر بأنه الوحيد بلا سند. ولا احد يشد أزره (يعني الوزارة). لذلك اقترح ان تشكل وزارة الثقافة نوعاً جديداً من جهاز المعلومات يتقصى عن أحوال المثقفين، أي تعمل وتترصد وتراقب المثقف لأجل مساعدته واعانته على العيش ومواصلة الكتابة والأبداع، باختصار معلومات تعمل عكس مخابرات البعث وصدام، التي دفعت بالمبدع إلى الانتحار.

هناك الكثير من الاسماء البراقة كذباً مثل بريق الذهب المغشوش، هذه الاسماء كرست نفسها في زمن البعث وتحتل الآن مناصب مرموقة وكأن الساحة الثقافية والفنية تخلو إلا منهم. وهؤلاء انفسهم يواصلون تغييبهم للأصوات الجادة سابقاً والسبب واضح فيما اعتقد. الوزارة بحاجة إلى طراز خاص من المستشارين لا ينتمون لأي حزب أو تنظيم لكي يروا منطقة الابداع جيدا بدون تدخل أي ايدلوجية، وهؤلاء المستشارين تحتاجهم جميع الوزارات الأخرى فاي حكومة سيكون مصيرها الفشل دون مثقفين يشتغلون خلف الكواليس بعيداً عن الاضواء. كلما اقتربت الثقافة من الشارع وهمومه وضعت يدها على مصدر الداء، هل تفكر الوزارة بنشاطات واعمال مجدية للشارع العراقي، لأنه يشكو من الجهل والتخلف واختلطت عليه الاوراق والألوان.

حظاً أوفر وعملاً اجمل وأروع مما قدمته في الايام السابقة.

 

 

يجب ايجاد فضاء حر للثقافة

د.جبار خماط

من بين ما يتوفر عليه خطاب الثقافة، أفق المشاركة ما بين المضمون الثقافي والقارئ، بعدياً عن انغلاق المؤسسة التقليدية والاعتقاد الجاهز الذي يعكس مقولات المرجع الجاهزة، ويؤدي إلى موت حداثة التفكير والأفق الابداعي لكل من يسعى إلى ايجاد ما هو ممكن في دائرة البث الثقافي. ومما لا شك فيه، ان تحول الأداء الوظيفي لدى وزارة الثقافة، افرز حرية في انتاج المعرفة بعيداً عن سلطة الرقابة القمعية التي كانت سائدة في عهد وزارة الثقافة السابقة ـ لكن ما نريدهُ هو أيجاد الانتاج الحر لدى وزارة الثقافة على المؤسسات الثقافية الخاصة بنية ايجاد مناخ تدعيمي يفرز الكثير من العطاء يماثل ما هو موجود في بعض الدول العربية.

التي أوجدت انماطاً ثقافية متنوعة وحرة، تداخلت فيها الانماط الادائية الفنية والأدبية على حد سواء وهذا يعطي للمثقف والمؤسسة نصيباً من التداخل الابداعي.

 

 

الامكانات المحددة للوزارة

ناظم محمد/ روائي

حددت سلفاً دورها الهش في الواقع الثقافي اعتقد انه من الطبيعي ان تقوم وزارة الثقافة في العراق تبنى دور اساسي يتلاءم على الاقل مع التغيير الذي حدث في العراق، الا ان المراقبة للوضع الثقافي لا يعطي الانطباع بوجود برنامج ثقافي ينتشل الواقع الثقافي من ركوده الذي جمدته الدكتاتورية طيلة عقود متتابعة وعطلت فاعليته حتى الموت بإستثناء المشاريع الفردية التي كافحت ولولا جهودها لما افلحت الثقافة العراقية في ان تصبح كياناً يمكن الاشارة اليه. ان الامكانيات المتاحة لوزارة الثقافة حددت سلفاً هشاشة الدور الذي يمكن ان تفعله في واقعنا المهدد بالفوضى والعنف، والسؤال الاكثر الحاحاً هو: لم يكن في مقدور المعنيين ان يشيروا الى من بيده الامر – كما يقال- بضرورة اعطاء الجانب الثقافي جدية تليق بخطورة الثقافة وما تمثله لمجتمع في طور التحرك في مجتمع مدني حضاري؟ ولابد من التذكير ان النشاط الثقافي العام لن يحقق دفعة قوية ما لم يتلمس النقاط الاكثر جوهرية في المنظومة الثقافية، فليس الامر احتفائية بإسم او اقامة لإحتفالية وانما هو برامج وستراتيجيات يشتمل على نشاطات جادة تصنع في منظورها صورة ما يجب ان تكون عليه الثقافة العراقية في المرحلة القادمة، فإذا كان العذر هو انعدام القدرات فما الذي ينتظر من القائمين عدم مطالبتهم بحقوقهم الوزارية اسوة بالآخرين؟ نأمل بخطوات جادة ومثمرة لكي لا نعاود تلك الأساليب المجانية التي كنا نشهدها في العهود السابقة وأدت إلى ضياع فرصة كبيرة كان يمكن ان تنقل الثقافة العراقية إلى مستوى تجنبنا حالة الركود والتقهقر الذي نشهده.


هاينريش بول في مختاراته القصصية (كان مساء . . .)

(المؤرخ المبدع لعصر مضطرب)

دمشق ـ ابراهيم حاج عبدي

 يعتبر هاينريش بول ( 1917 ـ 1985 ) أحد كبار ممثلي الأدب الألماني المعاصر،وينظر إلى كتاباته على أنها وثيقة صادقة وجرئية تتناول الواقع الألماني بعد الحرب العالمية الثانية، فهو صوّر وأظهر في قصصه ورواياته عملية التطور الاجتماعي للمجتمع الألماني بدءاً من فترة ما بعد الحرب وحتى الثمانينات ،وقد عرف شهرة واسعة منذ بداية الخمسينات خارج حدود اللغة الألمانية.

وتتجسد هذه الرؤية خير تجسيد في مختاراته القصصية التي صدرت مؤخرا بترجمة سمير جريس عن دار المدى بدمشق تحت عنوان (كان مساء . . .) تعود تواريخ قصصها إلى الخمسينات ،فقد كتب بول متذكرا بداياته (كنت أريد دوما ان اصبح كاتبا بل وحاولت مبكرا غير انني لم أجد الكلمات إلا أخيرا) ويبدو ان تجربة الحرب التي خاضها بول كجندي هي التي وضعت الكلمات على فمه، وقدمت له مادة خصبة وظفها بإتقان في قصصة متأثرا بأسلوب القصة الأمريكية القصيرة وبخاصة لدى أرنست همنغواي.

 

 

تركزت أعماله في فترة الخمسينات على عبثية الحرب وقلة حيلة الجنود في الميدان والتأثيرات السلبية التي تتركها الحرب في نفوس الأفراد لدى عودتهم من ساحات المعركة، وعجز الإنسان البسيط ان يفعل شيئا إزاء ما يقرره الساسة والجنرالات ولعل هذا المنحى يتجلى في قصصه (موت إلزه باسكولايت) و (عند الجسر) و (إذا وصلت أسبـ...) وهو في هذه القصص لا يذهب إلى ساحات المعارك ليصور أهوال الحرب، بل يتناول بأناة التداعيات التي تتركها الحرب في بنية المجتمع، إذ يركز على التفاصيل السلبية الصغيرة التي نتجت عن حرب لم يكن للضحية أي دور فيها،ومن هنا يرسم بول في هذه القصص عالما قاسيا فظيعا غير منمق؛ إنه الواقع اليومي لسنوات الحرب وما بعد الحرب بكل ما فيه من أشياء وأماكن ومواقف وبشر.

 

بعد ان وضعت المعركة أوزارها عاشت ألمانيا فترة من العجز ثم استفاق المارد من القمقم وعاشت ألمانيا المعجزة الاقتصادية بمساعدة مشروع مارشال الأمريكي لإعادة إعمار دول أوربا الغربية، فتحولت ألمانيا الخارجة من أنقاض الحرب العالمية الثانية( 1939 ـ 1945 )  إلى أقوى دولة في القارة العجوز حيث انتشر الرخاء الاقتصادي والرفاهية والترف في بلد عانى من الجوع والعوز والفاقة لعقود خصوصا في عشرينات القرن الماضي وسنوات الحرب الست، فانتقل بول إلى تصوير هذه الطفرات ورأى خلف هذه الواجهة البراقة أمراض المجتمع الجديد الذي اخذ فيه المال قيمة تعلو على كل القيم. مجتمع غرق في جمع الثروة وتكديسها متناسيا مسؤوليته في نشوب الحرب التي راح ضحيتها الملايين. إن واجهة الأمان هذه التي توحي بالثبات والاستقرار ليست إلا زيفاً ووهماً كما يرى بول، ومثل هذه الموضوعة يتناولها في قصصه (الشغل شغل) و (كما يحدث في الروايات السيئة) و (من نوادر هبوط أخلاقيات العمل).

قاد هذا الوعي بول إلى رفض ان يصبح الفرد رقما مهملا في آلة الصناعة الألمانية الجبارة، ليختار لأبطال قصصه بدلا من ذلك الحياة على الهامش بكامل الوعي فالتواصل الإنساني, ولو كان قصيراً وبلا كلمات, هو أكثر أهمية من إعادة التعمير المادي بما يكتنفه من مغريات تجر وراءها التكبر والعنف، وهذا ما نقرأه في قصصه (الضاحك) و (هنا تيبتن) و (سيحدث شيء).

هذه القصص في مجموعها تشكل مرآة تعكس طبيعة المجتمع الألماني في تلك المرحلة التي أعقبت الحرب بكل خيباته وهزائمه وانتصاراته الهشة، وهي مكتوبة في حبكة سلسة وأسلوب بسيط وسرد خفيف يتوسل التقاط الفكرة دون أي بلاغة لغوية أو استعارات أو رموز بل يسعى الكاتب إلى انتقاد وإدانة الحرب ويسخر كذلك من صعود النازية في مطلع الثلاثينات تلك الفلسفة التي قامت على التعصب العرقي، والتوسع الاستعماري، وخنق الحريات، وإسكات صوت المعارضة وهذا ما دفع الكثير من الكتاب الألمان إلى مغادرة بلادهم والعيش في المنفى أو فضلوا الصمت كثمن للبقاء في بلاد قادها هتلر إلى أتون حرب خلفت الماسي والويلات، و(الإنسان الطيب من كولونيا) كما كان يوصف بول لم يستطع ان يغمض عينيه حيال هذه الماسي فراح يراقب ما يجري حوله، ويوثقها في قصص قصيرة لاقت صدى واسعا على الصعيدين النقدي والجماهيري وخولته لنيل ارفع جائزة أدبية سنة 1972 ألا وهي جائزة نوبل.

أبطال قصصه ينتمون إلى قاع المجتمع, بسطاء، هامشيون، يعانون من المصاعب والمتاعب نفسها ولسان حالهم يقول:أنى لهم أن يعيشوا ومم يعيشون؟ كيف يمكن أن تستمرأَ الحياة من جديد؟ يقول العائد من الحرب التائه في الحياة: (لا أدري ما الذي ينقصنا. ربما اكتشفه ذات يوم أستاذ جامعي وكتب عنه في الجريدة. فهم عندهم لكل شيء تفسير).

نشأ هاينريش بول في فترة ما بين الحربين العالميتين ،وحين تولى هتلر مقاليد الحكم مطلع عام 1933 كان هذا أهمّ وأخطر تجربة مرّ بها بول في مرحلة الصبا لكنه حارب النازية لانه ترعرع في بيت كان يسوده جوّ من النقاش الحر والتواضع والجد, وما من موضع في أدب هذا الكاتب ينمّ عن أنّ هناك سوءَ علاقة بين الأب والابن أو رفضاً لقيمه أو هجوماً على عالمه أو كرهاً صريحاً أو دفيناً تجاه الأسرة ،يقول بول: (أبواي, اخوتي وأخواتي وأصدقاء كثر وأصدقاء أصدقائي وبعض أساتذتي حفظوني من أن أصبح نازياً).

سجل في الجامعة لدراسة اللغات القديمة؛ وفي سنة 1939 وقبيل اندلاع الحرب استدعي إلى الجيش وهو شاب في الحادية والعشرين, لكنه ناضج في أعماقه. وساقته الحرب من فرنسا إلى روسيا عبر رومانيا والمجر ومرّ بتجربة الحرب وجرح أربع مرات ثم أصبح جندياً فاراً بأوراق مزورة وانتهى به المطاف كما انتهى بملايين الألمان في معسكرات السجون الإنكليزية والأمريكية بعد أن انهزمت ألمانيا على كل الجبهات في الداخل والخارج.

حين انتهت الحرب كان بول في الثامنة والعشرين, في سن تكفي لأن يعرف ما حدث، وفي نهاية سنة 1945 عاد إلى الوطن المدمر إنساناً مريضاً وسط فلول المهزومين, وبعد تنقله بين أعمال كثيرة وفي سنة 1955 تفرغ للكتابة حتى وفاته منتصف الثمانينات، وحصل على جوائز أدبية كثيرة وميداليات ومنح ثلاث دكتوراه فخرية.

كتب القصة والرواية والتمثيلية الإذاعية والتلفزيونية والمسرحية وسلسلة من الأعمال النقدية تتناول الأدب وممثليه وقضايا الساعة. وعمل في مجال الترجمة، وفي حين ان بعض أعماله لم تر النور فان من بين رواياته المنشورة، هناك رواية (صورة جماعية مع سيدة) و (نساء أمام طبيعة نهرية) و (لم يقل كلمة واحدة) و (بيت بلا حراس) و (خبز الأعوام السابقة) و (صمت الدكتور موركس) و (آراء مهرج)، و(بلياردو في التاسعة و النصف) و غيرها من الأعمال التي يبرز فيها سخف الحرب بكل صورها وأشكالها ومحنة الأخلاق التي أفرزت الفاشية والنازية لذلك وصف بـ (مؤرخ عصره), أو أنه (المؤرخ الرسمي لجمهورية ألمانيا الاتحادية).

ويقول صلاح حاتم بوصفه أحد أهم مترجمي بول إلى العربية معلقا على أدب بول (مؤلفاته كلها مطبوعة بطابع الاشمئزاز من كل شكل من أشكال العنف, والشرط الوحيد لحياة جديرة بالإنسان هو الرفض لكل ما يعيق التطور الذاتي للفرد). ورغم هذه النزعة الإنسانية التي تمتع بها لكنه لم يسلم من النقد فهوجم على صفحات الصحف اليمينية: فمنهم من رأى فيه ذلك (المخرّب) الفاسد المفسد والرائد الفكري للعنف والإرهاب وأنّ الآثار الدموية لأعمال العنف تؤدي إلى بول, ولكن مقابل ذلك رأى فيه الآخرون ،المنافح النزيه عن الحقوق المدنية والمدافع عن الإنسانية.

ويؤكد حاتم بانه (ما من كاتب بقي بكتاباته لصق الواقع الألماني على نحو مستمر مثل بول المتمرد الوديع, ذلك أنّ مؤلفاته تصور تطور ألمانيا الاتحادية إلى اليوم وتنتقدها بدءاً من أول قصص العائدين من الحرب وفترة ما بعد الحرب مروراً بروايات الإصلاح وإعادة التعمير والمعجزة الاقتصادية وانتهاء بكتبه عن الصحافة الألمانية وهستيريا الإرهابيين وما إلى ذلك).

بعد موت بول عبر زميله الكاتب سيغفريد لينس عن قناعته فقال: (هاينريش بول الكاتب الذي أراد أن يصور في عمله عصره فقط وبذلك كتب لكل الأزمان ولن يطويه النسيان).

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة