الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

إضاءة... عصابات مفخخة بالشر

محمد درويش علي

يحتاج المواطن إلى الامان كي يعيش ويمارس حياته على نحو طبيعي. والأمان لا يأتي بالنيات أو التمنيات، بل يأتي نتيجة استقرار الحياة، ووجود عيون ساهرة بإمكانها متابعة الحركة اليومية في الشارع. فالأمان الآن هو المطلب الأول الذي يريده المواطن، ليقوم بعدها بعملية بناء بلده الذي دمرته الحرب، ويد التخريب. ففي هذا البلد الذي سمي عبر القرون بدار السلام والأمان، لا يشعر فيه الإنسان لا بالأمان ولا بالسلام. فالمواطن يريد ان يخرج من بيته ويعود إليه سالماً معافى، دون ان يتعرض للتسليب في أية لحظة، وفي أي مكان، وبكل الطرق، أو يتعرض للموت المجاني بطلقة طائشة ،أو ان يخطف وهذه كارثة أخرى تضاف إلى كوارثنا الكثيرة. وهنالك عشرات القصص التي باتت تصلح ان تكون مادة للحديث والتندر على طريقة شر البلية ما يضحك! احد الاصدقاء اوقفه شاب، وطلب منه اجرة العودة إلى احدى المحافظات لأنه تعرض إلى السرقة حسب ادعائه، فما كان من هذا الصديق إلا ان نقده ألف دينار، فضحك الشاب بعد ان شهر سكيناً بوجهه اعطنيٍ كل ما عندك، لأني لست متسولاً، وإنما امتلك كل الوسائل لإفراغ جيوبك!

وصديق آخر قال: صعدت في احد باصات نقل الركاب الحكومية، وفي شدة الازدحام صعدت مجموعة إلى الباص، وشهرت السلاح بوجه السائق ليوقف باصه، ومن ثم انزلوا الركاب واحداً واحداً بعد ان افرغوا جيوبهم إلا من مائتين وخمسين ديناراً للعودة إلى البيت!

تصوروا.. يحصل هذا في بغداد العاصمة التي يفترض ان يكون الأمن فيها موجوداً، ويتنقل الناس فيها بإطمئنان! اليسوا اذن مفخخين، ولكن بماذا؟ بالشر، مستغلين غياب الاجهزة الأمنية، وسلطة القانون وقديماً قيل: إذا غاب القط ألعب يا فأر!


من مقهى الواق واق إلى مقهى الطرف

زياد مسعود

تصوير: عادل قاسم

اتخذ المقهى عند العراقيين منذ ظهورها في زمن العباسيين صيغة اجتماعية يجتمع فيها الناس للراحة والمتعة وتبادل الاحاديث والسمر.

واختلفت مهمات المقاهي وانواعها حسب الظرف التاريخي وحسب المكان، فمقهى (الطرف) الشعبي الذي يجمع وجوه القوم عصراً وليلاً في خمسينيات القرن الماضي وتحل فيه مشاكل وتخلق فيه ازمات احياناً يختلف عن مقهى الطريق الذي يتخذ مكانه بين مدينة واخرى أو في شارع عام يستريح فيه الناس من (وعثاء) السفر، حيث يشربون الشاي ثم ينطلقون إلى الجهة التي عزموا السفر اليها وبذلك تكون هذه المقهى متحركاً لا علاقة اجتماعية وثيقة فيه، فزبائنه في تغيير دائم وبشكل يومي.

بعض المقاهي حتى التسعينيات كانت متخصصة فهناك مقاه للجنود الذين ينوون السفر إلى (جبهات) الدم وهناك مقاه للآلاتية والمطربين قرب الاذاعة وهناك مقهى للخرسان لا يزال موجوداً في بغداد.

وقديماً كانت هناك مقاه خاصة لهواة الخيل والفروسية في الكرخ ومقاه للـ(بكيّه) الذين يراهنون على خيول (الريسز) قبل غلقه.

ومن المقاهي الخاصة مقاهي الادباء والفنانين مثل مقاهي البلدية والبرلمان وحسن العجمي (وحدها ظلت موجودة) وكانت مقهى (الواق واق) مقابل نادي الاعظمية مقراً لجماعة (الوقت الضائع) التي تزعمها الفنان الكبير جواد سليم ومعه حسين مردان وفؤاد التكرلي ومحسن مهدي وغيرهم من الطليعيين من الرسامين والشعراء الشبان.

كانت المقهى مقرها اجتماعياً معروفاً فمقهى خليل في شارع الرشيد كانت مقهى تصل إلى صاحبها معاشات طلبة الكليات من اهاليهم ويقوم الحاج خليل عند تأخر راتب الاهل بتسليف رواده من الطلبة لحين وصول (المقسوم).

بعض المقاهي كانت للندوات وكبار الادباء والفنانين مثل مقهى البرلمان قديماً التي كانت مقراً للنواب والاعيان زمن الحكم الملكي فهي قريبة من سكن هؤلاء القادمين من المحافظات ومن مقر البرلمان أيضاً (وكان مقرها بيت الحكمة الحالي) ومن هذه المقاهي المقهى البرازيلي الانيق في شارع الرشيد ومقهى (سوسي كوفيه) الذي لا يجرأ مفلس مثلي على الدخول فيه لغلاء أسعار الشاي والحليب والكيك الفرنسي.

خلال زمن الحروب تغيرت اوضاع المقاهي وحلت مقاهي (السرعة) و(اشرب وانته ماشي) محل ذلك الاسترخاء القديم الذي لم يعد موجوداً. ان استعادة صورة المهقى التقليدية باطار جديد امر يعد أكثر من ضروري اذ لا يجد التاجر والفنان والاديب والاذاعي مكاناً جديراً بلقاء اصدقائه لتحقيق وقت طيب سوى البيت كما ان تطوير تجربة مقهى الجماهير بانشاء مقاه تتسم بالشعبية وبالاناقة والنظافة معاً أمراً حيوياً يتم لصالح الجماعات المثقفة التي تبحث عن مكان للحوار والاسترخاء غير مقرات الاحزاب والجمعيات وتلك مهمة يمكن ان تضطلع بها وزارة الثقافة وامانة بغداد في العاصمة والمجالس المحلية في المحافظات.. ومتى توفرت النية كان التنفيذ ممكناً فهل سألتقي يوماً مع اصدقاء لي في مقهى (ثقافي)؟

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة