الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

حين يقطع (التفصيخ) أملك بالعثور على سيارتك المسروقة! سيارات حديثة.. وأخرى (خردة).. ومعارض (كيفية).. من الذي ينظم حقاً عملية دخول السيارات المضطردة إلى العراق؟

احمد السعداوي

تصوير: سمير هادي

السيارة التي تدخل إلى العراق هذه الايام تجد نفسها في امتحان عجيب، فهي (اولاً) لا تعرف.. اهي داخلة إلى بلد أم بارك كبير للسيارات القادمة من كل اتجاه . وإذا نزلت إلى الشارع حاملة (مشتريها) فلا يمكنها ان ترى أي شيء سوى المساحة المخصصة لها من الشارع كي تسير فيه.ثم ان سيل السيارات الجارف الذي لا يتوقف في دخوله إلى العراق. يحمل معه الهويات الملغزة لهذه السيارات. التي يصعب الكشف عنها وسط غياب أو ضعف سلطة الدولة. وليس أغرب الحوادث ما حدث مؤخراً في مدينة البصرة، حيث تم الكشف في ميناء (ابو فلوس) المطل على الخليج العربي عن وجود سيارتين مفخختين داخل حشد طويل من السيارت المستوردة القادمة من مكان مجهول.هناك من سيعترض على كلامي ليقول: ان وصفك غير دقيق. فالعراق، بسبب تدفق  السيارات المتزايد على شوارعه لا يقترب من كونه (باركاً) للسيارات، وإنما مقبرة للسكراب ونفايات السيارات التي زهدت بها بلدانها الاصلية، فقذفوا بها إلى العراق لتردم هناك.. اقصد (لتباع) هناك وتستخدم.

حصة السيارة من الشارع

اين حصتي من الشارع؟ ستنطق سيارة منفيست (نص عمر) بذلك ان لم تتوقف هذه الأزمة المتزايدة والمنفلتة من كل رقابة أو سيطرة، ولكن مأساة السيارة هنا افتراضية إزاء مأساة أكثر جدية يعيشها المواطن العراقي يومياً، فإذا سلم هذا المواطن من الزحام الأسطوري، فإنه لا يسلم من العوادم التي تطلقها سياراتنا القديمة المستهلكة، والسيارات (الحديثة!) الفاقدة لصلاحية السير في شوارع دول المنشأ. كما ان من يتورط ويشتري سيارة منفيست، فأنه سيضيف تفاصيل أكثر للمأساة العامة، فسيارته قابلة للذوبان والتبخر، وإذا سرقت فعليه ان يقرأ عليها السلام..لأن محال تفصيخ السيارات المنيفيست وتحويلها إلى (خردة) ـ فوق ما هي عليه من خردة ـ جاهزة ومستعدة لقطع الأمل بعودة السيارة الحديثة إلى صاحبها.و(لا من يقرأ ولا من يكتب) هي الآن عبارة مقدسة تسوغ كل شيء وتضفي الطمأنينة على الاعمال التي تجري في جنح الليل وبعيداً عن اعين (الضمير) وليس هناك ما ينفي انها تجري (تحت جنح) النهار أيضاً!

مشاكل السيارات

Text Box: السيارات                                                                                              ص7/الخميس/141           محمد
ما هو الظرف الذي يشجع على استيراد هذه الاعداد الهائلة من السيارات؟ وهل هناك حقاً مستهلكون ومشترون لهذه السيارات، خصوصاً إذا علمنا ان السيارة، هي من (السلع المعمرة)؟ ولا يشتري الشخص سيارة كل يوم أو كل شهر في المعتاد.يجيبنا السائق حيدر إلياس فيقول: ان أهم (المشجعات) على بقاء وتيرة الاستيراد ثابتة بالنسبة لسيارات المنفيست هو الاعتقاد السائد لدى المواطنين، خصوصاً أصحاب السيارات ذات الموديلات القديمة، من ان الدولة ستسقط سياراتهم وتمنحهم تعويضاً بدلاً عنها، وهذا ما يمكنهم من شراء سيارة حديثة. اما من جهة المستوردين، فهم يشترون سيارات رخيصة الثمن بسبب كونها مستعملة، وهم رابحون في كل الاحوال. فالسوق العراقية متعطشة للسيارات الحديثة، وحتى لو توقف الاستيراد، فإن أصحاب المعارض وتجار السيارات سيستفيدون أيضاً من ارتفاع سعر السيارات بسبب ذلك.السيد رياض عودة، صاحب مكتب لبيع وشراء السيارات في شارع فلسطين، يقول: ان أكثر المشاكل الآن تأتي من السيارات. فسرقة السيارات هي من أكثر الجرائم انتشاراً الآن. مع ما يصاحبها من عنف وقتل، وقبل فترة وقف احد معارفنا امام مطعم، وقبل ان يوقف صديقه السيارة امام المطعم استطاع ان يميز احدى السيارات الواقفة، فقد كانت سيارته التي سرقت منه قبل اشهر، وبعد اخذ ورد، تبين ان السيارة مسجلة باسم رجل مهندس بطريقة قانونية، ولكن هذا المهندس لا يعرف ان السيارة التي اشتراها مسروقة. وتعقدت القضية فالسيارة محجوزة الآن، والمهندس موقوف في مركز شرطة القناة.كيف يمكن ان يحدث ذلك؟ سألنا السيد رياض فأجاب هناك صعوبة في فزر المنفيست المزور عن الاصلي، وقد سجلت السيارة المسروقة في دائرة المرور بمنفيست مزور.

تفصيخ غير قانوني

المشكلة الأخرى التي المحنا إليها في بداية الكلام، هي محال التفصيخ غير القانونية التي ينتهي عندها اثر السيارة المسروقة وينقطع.يقول السيد المهداوي صاحب محل للأدوات الاحتياطية.. ان هذه المحال لا تكون في الواجهة.. وتكون عادة في اماكن خفية غير معروفة يتم فيها تفصيخ سيارات المنفيست المسروقة ثم تباع كأدوات احتياطية.وحين سألناه عن طبيعة عمله قال: ان الادوات الاحتياطية التي في محله مسجلة قانونياً وداخلة من الحدود كأدوات تفصيخ، وليست كسيارات صالحة للعمل، أي انها مسقطة أصلاً في البلد المصدر. وندفع عنها كمارك.ولكن إذا جاءتك ادوات احتياطية مصدرها سيارة مسروقة كيف يمكن ان تميزها؟ سألنا السيد ليث فأجاب بأنه لا يشتري من السوق وإنما يقوم بالاستيراد بنفسه، ثم ان الادوات التي تعرض في الأسواق ومصدرها سيارات مسروقة.. تكون رخيصة لأن اصحابها يريدون بيعها بسرعة.وقال لنا حسين نعمة مجيد صاحب معرض الكرادة لبيع السيارات: منذ بداية هذا العام امتنعت مديرية المرور عن تسجيل السيارات المنفيست التي تكون موديلاتها أدنى من سنة 1990. ولكن هذه الموديلات استمرت بالدخول إلى العراق، وبسبب كونها مسقطة في بلادها الاصلية ولا يمكن تسجيلها في العراق، لذا تباع كتفصيخ، وهناك مزادات الآن في الموصل تباع فيها هذه السيارات بالأكوام.

عودة القانون

ولكن، اين الدولة المعمعة؟ يقول رياض عودة، للسيطرة على السيارات (التفصيخ) يجب ان تعاد القوانين التي كانت تعمل سابقاً فيتم تفصيخ السيارة قانونياً وليس بطريقة (كيفية) وعادة ما تكون السيارة المحطمة بسبب الحوادث المرورية هي التي تباع كتفصيخ فيجب ان يقدم صاحب السيارة كشف لجنة من المرور، ثم يذهب إلى الجمارك فيسقطونها. ويؤشرون امامها انها سيارة تحولت إلى (خردة).الشيء الآخر هو ضرورة وجود حاسبة مركزية في الجمارك واخرى في دائرة المرور تسجل فيها جميع السيارات الداخلة إلى العراق، بحيث تتم السيطرة على اعداد السيارات وكذلك يسهل تحديد المسروق منها، وتثبيت العائدية.والملاحظ حالياً ان عقود بيع وشراء السيارات لا تصدق من قبل المرور وهذا يشجع على تزوير هذه العقود والتلاعب بها.

جمارك عشائرية

ولكن حال الجمارك لا تسر، يقول ليث المهداوي.. منذ شهر ونصف فقد بدأ عمل الجمارك على المنافذ الحدودية (الوليد، القامشلي، طريبيل، أم قصر، البصرة ميناء ابو فلوس) ولكنها جمارك عشائرية! بمعنى ان تحديد نسبة الجمرك كيفية وحسب مزاج الموظفين فهناك من يحتسب 7% أو 4% أو 10%.كذلك نسبة التسليب عالية في البصرة، وهذا ما يجعل عملنا صعباً.اما عن الرشاوى فحدث ولا حرج، فهي منتشرة مثل الجدري في كل مفاصل رحلة السيارة من النقاط الجمركية وحتى تسجيل ارقامها.

 معارض كيفية

معارض السيارات تحتضن مشكلة أخرى، فسابقاً كانت معارض السيارات معروفة ومحددة، لكن الحال تغير الآن، فهناك ما لا يعد أو يحصى من المعارض تنتشر بصورة كيفية وغير نظامية في كل مكان.يقول حسين نعمة مجيد/ صاحب معرض الكرادة في منطقة المعارض قرب النهضة.. هناك معارض جديدة تنبثق كل يوم.. في الشارع وعلى الارصفة.. وهذا يؤثر على عملنا، فنحن ندفع ايجارات بحدود الـ 20 أو 25 مليون دينار في السنة، فيأتي شخص ويتجاوز كل ذلك ويسيج عرصة أو منطقة من الرصيف ويقيم معرضاً للسيارات دون ان يدفع ايجاراً أو غرامة أو ماء أو كهرباء.حولنا الآن في منطقة المعارض حوالي 40 معرضاً كيفياً. والمشكلة انهم يسدون الطرق المؤدية إلى معارضنا بسياراتهم المعروضة بحيث يصعب الدخول أو الخروج من المنطقة التي يخنقها الزحام.أشخاص آخرون اخبرونا عن غرائب في هذا الموضوع، فجملة كبيرة من المشاتل تحولت بين ليلة وضحاها إلى معارض للسيارات. كما اخبرنا احد المواطنين بانه اضطر إلى تسييج المنطقة الفارغة أمام منزله وتركها هكذا، منعاً من تحويلها إلى معارض للسيارات كما حدث في القطع والأماكن الفارغة امام البيوت المجاورة.هذا المواطن يقول بان منطقته السكنية اصبحت لا تطاق، ولا تستطيع العائلة الخروج بسبب امتلاء الشارع والارصفة بالسيارات والباعة والناس الذين يتفرجون على السيارات.الغريب (يقول السيد حسين نعمة مجيد) ان هناك معارض في الشوارع وعلى الارصفة مقابل مجمع الكندي، في الشارع المؤدي من النهضة إلى ساحة بيروت. جاءت البلدية وانذرت هؤلاء باخلاء الشارع، لكن بعد ايام عاد الوضع كما كان، والسبب ان أصحاب المعارض الكيفية دفعوا (جم فلس) فألغي الأمر بالتخلية!

 

وما زال مطر السيارات منهمراً

القادمون من نقطة الوليد الحدودية، قالوا ان هناك ما يناهز الاربعين كيلو متراً من البضائع المحملة على الشحانات، والمقصود بالبضائع هنا سيارات منفيست قابلة للاستخدام! واخرى (تفصيخ وخردة).لو صح هذا الكلام، وان منظر السيارات هذا هو منظر يومي مألوف كما يقول الشهود، فأننا بالتأكيد مقبلون على اختناقات مرورية اشد، ومعارض كيفية أكثر، وفوضى متزايدة في كل ما يتعلق بالسيارات.السيارات في نقطة المنذرية الحدودية تخرج من العراق ولا تدخل، بسبب طلب السوق الايراني لهذه السيارات الرخيصة.. يقول ليث المهداوي ذلك كي يخفف الصورة المرعبة عن تزايد اعداد السيارات المضطرد.لكن ذلك بالتأكيد لا يمثل علاجاً مثالياً لهذه الازمة المتعددة الجوانب، ولربما سنصحو ذات يوم، ان لم تتخذ الجهات المسؤولة اجراءً واضحاً، لنجد ان عدد السيارات في العراق قد تجاوز عدد سكانه بكثير.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة