حميد طارش
الساعدي
كان النظام الصدامي المباد واحداً من اشهر الانظمة على مر
التاريخ، التي مارست عمليات الاعتقال، بكم هائل، على ابناء
شعبها، ورميهم في غياهب السجون السرية المنتشرة على طول
البلاد وعرضها ومورست في هذه السجون ابشع الاساليب اللا
أخلاقية التي طالت كرامة السجناء وشرفهم بل امتدت إلى ذويهم
بغية الحصول على اعتراف منهم ووصلت الوحشية إلى ذروتها عند
(تعذيب) طفل رضيع أمام والده لكي يعترف. وكانت هناك (حصانة)
للقائمين بالتعذيب تعفيهم من العقاب على موت الأعداد الهائلة
من البشر نتيجة التعذيب على ايديهم.
التعذيب
كانت وسائل التعذيب متنوعة ولا تمت إلى الانسانية والاخلاق
بشيء، فمن التعذيب باستخدام الكهرباء على الاعضاء التناسلية
إلى ربط المتهم في السقف عن طريق يديه وتدلي الجسد والذي
يؤدي إلى خلع الكتفين، مروراً بالضرب المبرح بأنواع الهراوات
والسياط وقلع الاضافر والكي وصولاً إلى قلة الطعام التي تبقي
فقط على الحياة وانعدام العناية الصحية وكثيراً مالاقوا
حتفهم في السجون نتيجة الاصابة بالامراض المختلفة وانعدام
العلاج.
سجون متنوعة
ولقد تفنن النظام المباد في انشاء السجون فمنها على شكل
سراديب مظلمة في وسط الصحاري واخرى محاجر بمساحة متر مربع
يوضع فيها الشخص لسنين مجهولة والبعض الآخر على مشارف
الصحاري في الحدود البعيدة حيث تسجن عوائل بكاملها كما حدث
في الشيحيات على الحدود السعودية من محافظة السماوة وهناك
المغلقة في ابي غريب حيث أن نزلاءها لا يعرفون الايام ولا
الليل أو النهار وامواتهم يظلون فترة معهم حتى تأتي عربة
النفايات لتنقلهم إلى مكان مجهول للدفن، كانوا عبارة عن
هياكل بشرية فيها ارواح لا يعرفون شيئاً عن العالم الخارجي،
والعالم الخارجي معرض عنهم ولا يعرف عنهم شيئاً وكانت
الامراض جنباً إلى جنب مع التعذيب تأخذ الواحد تلو الآخر
للقاء حتفه، أما المخابرات، ارادت أن تتميز، فسمتها القاصات
حيث يوضع السجناء في قاصات لا تفتح القاصة إلا عندما يرمى
إليهم فتات الطعام، أو لإنزال التعذيب بأحدهم، أو لإخلاء
ميت، وهناك في مديرية امن بغداد الرصافة سميت بالتابوت حيث
تصميمها يشبه التابوت وبمجرد إنزال السجين فيها تخترق حشرة
القرادة جلده لتجعله في حك مستمر لجلده وما يرعبه أكثر تحول
جلده إلى منجم لاخراج حشرات القراد باستمرار اثناء الحك وهذا
السجن من ابداع المقبور ناظم كزار.
مسؤولو السجون
العاملون في هذه السجون ليسوا من ابناء كوكبنا، فهم مجردون
من كل معاني الرحمة، الانسانية، والشفقة، فنحن في حياتنا
اليومية كثيراً ما نشعر بالألم نتيجة ايذاء حيوان أو التسبب
في مشقة لانسان آخر، واتذكر جيداً ذلك الصديق الذي ظل اياماً
لما سببه لآخر عند غلق باب السيارة على اصبعه، فما بالك وهم
يتلذذون بقلع الاضافر بل الاصابع نفسها، بل قطع الرؤوس، ترى
هؤلاء عديمي الهوية الانسانية بكل معناها الواسع.
قانون السجون رقم 151 لسنة 1969
تم خرق هذا القانون من قبل النظام المباد بشكل سافر وهذا ما
يمكن أن يشكل إدانة صريحة لجميع العاملين في السجون إضافة
إلى رؤسائهم من وزير العمل والشؤون الاجتماعية ورئيس النظام
المباد وغيرهم، حيث أكد القانون المذكور على اهداف السجون
المتمثلة في اصلاح السجناء وتأهيلهم سلوكياً وثقافياً
ومهنياً، وتشكيل لجنة فنية لدراسة حالة السجين وتشخصيه
وتصنيفه ووضع برنامج لمعاملته وتأهيله السلوكي والثقافي
والمهني، والالتزام بالعناية الصحية من خلال إنشاء مديرية
للشؤون الصحية تعنى بصحة السجناء الجسمية والعقلية والنفسية
وتقديم الخدمات الوقائية والعلاجية اللازمة لهم، وأن يكون
العاملون في السجون من المدنيين الذين ينطبق عليهم قانون
الخدمة المدنية وقانون انضباط موظفي الدولة، كما اشار
القانون إلى تأسيس مركز يسمى مركز الاستقبال والتشخيص الذي
يقسم السجناء إلى قسمين رئيسين هما، السجناء لاول مرة،
والسجناء العائدون واعداد ملف خاص لكل سجين يحتوي على دراسة
اجتماعية كاملة لحالته الفردية وتقارير عن صحته الجسدية
والعقلية مع دراسة أسباب السجين إلى الاجرام وكيفية معالجتها
من خلال وضع برنامج يلائم حالة السجين، وقرر القانون المذكور
أن العمل هو جزء من تنفيذ العقوبة وليس جزء من العقوبة وعدم
استخدام العمل كعقوبة تأديبية لأن العمل شرف والغرض منه
لتأهيل السجين وأعالته حيث أعطى القانون لإدارة مصلحة السجون
شخصية معنوية واستقلال إداري مرتبط بالوزارة لوضع سياسة
صناعية وزراعية عامة للسجن تتناسب وحالة السجناء وحاجة
البلاد الصناعية والزراعية والاشراف على الانتاج والتسويق
للمنتجات وتحديد أجور السجناء واستيراد شراء الآلات والاجهزة
والمواد التي تحتاجها وأن يتم العمل في السجن بواسطة اللجنة
الفنية مع تقريب ظروف العمل فيه إلى ظروف العمل خارج السجن
من حيث النوع وطريقة الاداء وأنواع الادوات والآلات
المستعملة وقد نص القانون على تقاضي السجين أجراً عن العمل
الذي يؤديه ويمنح مكافأة في حالة اصابتة بحوادث العمل ويضاف
على ذلك اتاحة الفرصة المتكافئة لجميع السجناء في ممارسة
النشاط الرياضي والترفيهي الذي يرغبون فيه.
وهكذا يمكن ملاحظة، وبسهولة، مدى الخرق وعدم الالتزام بهذا
القانون حتى بمواجهة السجناء لاسباب إجرامية ناهيك عن
السجناء لاسباب سياسية وهنا تبدو واضحة أسباب صدور هذا
القانون وهو يحمل مستوى متطوراً في معاملة السجناء وذلك
للتغطية على انشاء سجن ابي غريب في نفس السنة لصدور القانون
(1969) وهو سجن لم يعتاد عليه العراقيون من حيث الضخامة وكبر
المساحة أما السبب الآخر فهو الدعاية لنظامة الجديد آنذاك.
تجدر الاشارة إلى أن القانون المذكور تضمن ما ينافي حقوق
الانسان وما وصلت اليه المعايير الدولية في معاملة السجناء
والتي يفترض إلغاؤها وهي عقوبة الحبس الانفرادي للسجين
كعقوبة تأديبية وما يترتب عليها من حرمانه طيلة فترة الحجز
من وجبات الطعام الخاصة. والغاء الفصل السابع من قانون
السجون الخاص بمعاملة السجناء والموقوفين السياسيين باعتبار
أن ابداء الرأي والمعارضة والانتماء إلى حزب سياسي لا تعتبر
باي حال من الاحوال جريمة يعاقب عليها القانون ومن ثم فانه
لا يترتب على ذلك وجود أي سجين سياسي.
قانون متحضر للسجون في العراق
إذا اردنا الابقاء على هذا القانون لما يحمله من المبادئ
المشار اليها اعلاه، بعد الالغاء المنوه عنه انفاً، يتطلب
إضافة ما يلي:
1-لا يجوز توقيع أي من العقوبات التأديبية المنصوص عليها في
القانون إلا بعد إجراء تحقيق يتضمن مواجهته بالفعل المنسوب
اليه وسماع أقواله وتحقيق دفاعه مع ضرورة إصدار إقرار مسبب،
وأن يتم إجراء التحقيق كتابة.
2-إن لا يمنع توقيع عقوبة تأديبية بحق السجين من اطلاق سراحه
من السجن إذا صادف قبل انتهاء العقوبة التأديبية.
3-اعطاء الحق للموقوفين والسجناء بالاتصال بمحاميهم على
انفراد داخل السجن وللاجانب السجناء أو الموقوفين الحق في
الاتصال بسفاراتهم أو الجهات التي تعنى بمصالحهم.
4-عدم السماح لأفراد السلطة العامة بالاتصال بالموقوفين أو
السجناء إلا بأذن كتابي من المدعي العام.
5-معاملة السجينة الحامل بما يلائم حالتها ومنحها رعاية طبية
خاصة.
6-نقل السجين المصاب بمرض عقلي إلى مستشفى للأمراض العقلية.
7-اعتماد الافراج الصحي في حالة تهدد حياة السجين بالخطر أو
حياة الاخرين بالخطر وبعد تثبيت الحالة المرضية للسجين يصدر
الافراج بقرار من المدعي العام.
8-ابلاغ ذوي السجين عند تدهور حالته الصحية.
9-ضرورة تسليم جثث السجناء إلى ذويهم مع اعداد تقرير مفصل عن
سبب الوفاة وتاريخها والاجراءات المتخذة بصدد الحالة الصحية.
قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية
نصت الفقرة (حـ) من المادة (15) على (لا يجوز اعتقال احد أو
حجزه خلافاً للقانون، ولا يجوز احتجازه بسبب معتقدات سياسية
أو دينية) وأما المادة (23) التي اكدت على عدم تفسير تعداد
الحقوق في هذا القانون بأنها الحقوق الوحيدة بل يضاف اليها
جميع الحقوق المنصوص عليها في المعاهدات والاتفاقيات الدولية
وغيرها من وثائق القانون الدولي أو تعد ملزمة له بموجب
القانون الدولي، وهذا يعني الاستفادة من نص المادة (10) من
العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن (يعامل جميع
المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية، تحترم الكرامة الأصلية
في الشخص الانساني) وكذلك المادة (7) من العهد المذكور الذي
أكد على عدم اخضاع احد للتعذيب أو العقوبة القاسية أو
للاإنسانية، وإن القاعدتين (81.56) من القواعد النموذجية
الدنيا لمعاملة السجناء واللتين تقضي بأن نظام السجن لا يجوز
أن يزيد من المعاناة الملازمة للحرمان من الحرية وضرورة أن
يسعى نظام السجن إلى تقليل الفارق بين الحياة داخل السجن
والحياة في ظل الحرية إلى أقصى درجة.
ضمانات التطبيق
وقد يتبادر إلى الذهن التساؤل عن الضمانة في تطبيق القانون
بشكل سليم وعدم خرقه مجدداً كما حدث في العهد المباد ويمكن
الاجابة بسهولة، بأنه لا يمكن تصور تحقق العدالة في أي شيء
في ظل نظام دكتاتوري فردي تغيب فيه جميع وسائل الرقابة وعلى
العكس من هذا، فالنظام الديمقراطي القائم على التعددية
وتأمين كافة أنواع الرقابة القضائية، البرلمانية، السياسية،
الصحفية، الشعبية، مؤسسات المجتمع المدني، تمنع فيه الحكومة
من اية تصرف مخالف للقانون وخير مثال على ذلك ما حدث مؤخراً
في فضيحة تعذيب السجناء في سجن ابي غريب على ايدي قوات
التحالف، والذي لا يشكل هذا التعذيب أية نسبة بالمقارنة مع
تعذيب صدام وأزلامه للسجناء، لكن لم تحدث اية فضيحة لهذا
الاخير بصدد التعذيب
|