الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

النقد الثقافي كنشاط  

كتاب أيزابرجر يمتاز بقدر من الاحاطة والتنوع والشمول لموضوعه، مما يجعله أهم ما صدر عن موضوع «النقد الثقافي». من اصدارات (المشروع القومي للترجمة) عن المجلس الأعلى للثقافة، الذي يرأسه د.جابر عصفور، هو كتاب نقدي مهم (النقد الثقافي) للكاتب أرثر أيزابرجر وترجمة د. رمضان بسطويسى ود. وفاء ابراهيم.

يتميز الكتاب بداية بقدر من الاحاطة والتنوع والشمول لموضوعه، مما يجعله -ربما- أهم ما صدر عن موضوع (النقد الثقافي)، الذي لم يحط به جيدا في العربية، وبهذا الكتاب المترجم، سوف يلقى الموضوع شعبية ثقافية واجبة.

أما المؤلف فهو أستاذ في فنون الاتصال الالكتروني، وتجربته تقوم على استخدام المصطلحات والمفاهيم المعتادة في نظرية الأدب أو النقد على اختلاف أنواعه (ماركسي- سيميوطيقي- نسوي- تفكيكي..الخ).. ويطبقها على النصوص. وقد سعى الى تفسير مفاهيم كبار المفكرين، وهو ما أخذ لقب (النقد الثقافي)، وهو ما يعني بداية أن النقد الثقافي هو نشاط وليس مجالا معرفيا خاصا بذاته.. يستخدم فيه النقاد المفاهيم التي قدمتها المدارس الفلسفية والاجتماعية والنفسية والسياسية في تراكيب وتباديل معينة، ثم يطبقونها على الفنون الراقية والثقافة الشعبية. صحيح كثيرا ما يرتبط ناقد (النقد الثقافي) بوجهة نظر ما، ماركسية مثلا أو غيرها، والمخاطب أيضا متنوع في الجنسية ودرجة الثقافة، لذا عليه أن يبسط تلك المفاهيم والمصطلحات. وهو في هذا يدمج (الجغرافيا والتاريخ معا في تناول النص الجديد. وفى مثال لكيفية تناول الكاتب للمفاهيم المختلفة وادماجها في النقد الثقافي).

فقد قدم المفكر (ابرامز) تصنيفا للاتجاهات النقدية في الفن، حيث قسمها الى أربعة اتجاهات: المحاكاة- الموضوعية - البرجماتية- التعبيرية.. ويدور العمل الفني فيها حول الكون، حيث استبدل (برجر) الكون بالمجتمع، ووضع الوسيط الاعلامي في المنتصف على شكل مربع، ليكون في المركز فيتسنى مناقشة النصوص في اطار مبدعيها ووسائل الاعلام التى تنشرها ومتلقيها ومجتمعها ككل.

وبذلك امتد المصطلح وسمح للنموذج بالتفاعل عبر سياق ثقافي عام.

كما حرص الكاتب أن يتناول المصطلحات الأدبية والنقدية بالتبسيط والتوضيح مثل: النص، الأجناس الأدبية، التأويل، نظرية التلقي..الخ. ولما كان العصر، هو عصر الصورة، أي النص المرئي وليس النص المقروء، لذا يطالب الكاتب بآلية نقدية جديدة ومختلفة لتصل الى القارئ أو المشاهد العادي، حتى يستمتع هذا المشاهد العادي بثقافة النخبة. فجاء النقد الثقافي وكأنه ثورة في مجال الثقافة وهي التي تتوجه الى الانسان العادي قبل المتخصص. يقع الكتاب في ستة أبواب..

الباب الأول.. قدم الكاتب فكرته وهدف مسعاه الى تقديم نقدا جديدا (ثقافيا) شموليا، يضيف الى القارئ العادي معطيات مثقفى النخبة. وقد تعرض لمشكلة المصطلح المتمثلة في كون أصحاب الفكر ليسوا على حال الاستقرار والاتفاق مع ذواتهم على

المصطلح نفسه طوال حياتهم الفكرية، بل في تفاعل جدلي دائم..وهو ما يلزم ناقد (النقد الثقافي ) الاستيعاب والاحاطة.

الباب الثانى.. وفيه اطلالة الى مجمل المذاهب والمصطلحات المطروحة في الساحة الثقافية النقدية. وقد توقف أمام نظرية الأدب، المحاكاة، الأجناس الأدبية، التأويل، نظرية التلقى، النقد النسوي، الشكلية..الخ.

الا أنه انتهى الى مقولة مهمة: (لقد عالجنا في هذا الفصل عددا من أهم النظريات الأدبية.. وهى ذات قيمة لأنها تضفى المعنى على النص..حيث أن نظرية النقد والأدب تطرح مسائل مهمة حول النص والقارىء و والمتلقين، والعلاقة بين العمل الفني والثقافة، وعلاقة القضايا الثقافية بالمجتمع والسياسة). والنقد الثقافي لا يدور حول الفن والأدب فقط، بل حول الثقافة، لأن للثقافة نتائج وثمار -على حد تعبير الكاتب.

الباب الثالث: يعد وقفة أمام النظم والأفكار الماركسية بالدرجة الأولى، ويرى أن الماركسية عولت على الاقتصاد مهمة التغيير والتطوير البشرى وتجاهلت العنصر البشرى وتأثيره..وهو ما تسبب في فشل الدول التي أخذت بها، حتى تفكك الاتحاد السوفييتي، والكتلة الشرقية. وفي وقفة طريفة آخر الباب يشير الى أن الرأسمالية أيضا أدت الى القسوة والمعاناة. وذكر النكتة القديمة: ان الرأسمالية هي ذلك النظام الذي فيه يستغل الانسان أخيه الانسان، وفى ظل الشيوعية يحدث النقيض!! الباب الرابع.. توقف الكاتب في هذا الباب أمام (السيميوطيقا والنقد الثقافي)، حيث تطرق الى بعض المفاهيم الأساسية في السيميوطيقا، وكيف تساعدنا على فهم النصوص. وقدم بعض النماذج التطبيقية. فقد توقف أمام.. العلامات، الرموز والعلاقات وكيف تعمل، الأيقونات والأدلة، الصور، الشفرات، الدلالات أو المفهوم الضمني، فك العلامات والدلالات الرمزية، الاستعارة، الكناية، التناص. الباب الخامس.. وهو الباب الذي عنى بنظرية التحليل النفسي، حيث أن النظرية أحد أهم المناهج المستخدمة لدى النقاد الثقافيين. لذا توقف أمام المصطلحات: اللاوعي، الهو أو اللاشعور، الأنا، الأنا العليا، عقدة أوديب، التكثيف، الاحلال، النرجسية، التسامي، العزم، الأسطورة، أبطال، الظل، النموذج الأصلى...ويقول : (المدهش هو الدرجة التى عندها يمكن استخدام الأفكار المصاحبة لها على تحليل وتفسير النصوص. حيث تمكنا نظرية التحليل النفسي من فهم منطق النفسية العاطفية والحدسية واللاعقلية والمكبوتة). وهي المناطق التي يتصل بها الفنان والمبدع في العمل الابداعى بأنواعه.

أما الباب الأخير فيدرس العلاقة بين النظرية الاجتماعية والنقد الثقافي، وهو أقرب الى النقد الاجتماعي وتطبيقه في النقد الثقافي. يعد الكتاب وهذا العرض عنه مبتورا للقارىء ان لم يقرأ بكامله، بل وتدار حوله المناقشات الجدلية، فهو من تلك الكتب التي تثير الأسئلة وتطرح مفاهيمها من خلال اضافة القارئ ومدى استيعابه للفكرة الرئيسة.


في حوار مع الفنان ((كريم رسن))

* على الفنان ان يكون ريادياً في ترسيخ الموقف الانساني.

* تجربة (النقد الفني) في العراق، لا زالت تجربة محدودة..

* انا من جيل (الثمانينيات)، جيل الحروب والحصار.

حوار- س . ق

في معرضه الاخير الذي أقيم في (عّمان)، عرض الفنان (كريم رسن- 1961)، لوحات ومجسمات ودفاتر رسم، تمثلت موضوعاتها فضاءات الحرب الاخيرة على العراق ونتائجها.

حيث دلالة الالوان الصريحة التي استخدمها في اعماله.. هي الوان وهج قصف الطائرات وانفجار القذائف، هي استعارة خيال هذا المشهد الغريب. وكأن الفنان العراقي، لم يكفيه انه عاش قسوة الحرب، بل عليه بعد ذلك، ايضاً ان يكون ساخراً.. كي يصف جمالياتها.

(دفاتر الرسم) التي قدمها كانت بمثابة يوميات بصرية عن حرائق المدينة وبعض جدرانها  التي لم تهدم والتي أضحت مساحتها نصوصاً وخطابات يومية، تطالب، وترفض او تأمل زمناً آخر.

بمناسبة معرضه هذا كان لقاؤنا مع الفنان (رسن)، للحوار عن جيله، وتجربته، ومنجزه الاخير.

* لقد اصطحبني بعد سقوط النظام مباشرة في جولة بشوارع (بغداد) وشاهدنا معاً آثار الدمار والحرب والموت. كان الامر اكثر من سقوط نظام وكان الثمن كذلك أكثر  فداحة. أثناء ذلك، اطلعني على مجموعة (تخطيطات)ـ توثق فنياً ما حدث....

- أفترض ان هذه التخطيطات هي بمثابة (يوميات)، عن فترة ما قبل السقوط وما بعده، كنت اتصور مالذي سوف يحدث، كيف تدخل القوات الامريكية، وكيف تحتل المدينة وكيف يكون شكل الحرب. كنت أتخيل الجندي الامريكي (روبوت)، الاقدام عبارة عن عجلات حديدية وسرف دبابات، ولقد لمست بالفعل بعد الاحتلال، هذه المقاربة، وشاهدتهم عن قرب مدججين بالاسلحة والاجهزة الغريبة.

اثناء العمليات العسكرية ومع تصاعد القصف والدمار كان  كل منا في وضع يستحضر فيه خيالات  وافكار غريبة. كنا جميعاً مشروعاً للموت، هذا القادم ما بين لحظة وأخرى.

رسمت هذه الاحداث في حدود (40) تخطيطاً بالحبر الصيني على ورق، اعتبر ما انجزته وثيقة مهمة بالنسبة لي...

* تحدثت عما سوف  يحصل اثناء وبعد الاحتلال، وكأن الفنان قادر أيضاُ على صناعة سيناريو للحرب...!

-شكل السيناريو هنا يختلف، للفنان القدرة على توثيق ما يحدث بصرياً وتعبيرياً. وقمت بهذا الدور، رسمت الطائرات المغيرة والدمار وهو ما حصل بالفعل، على الارض وفي السماء. وأكدت هذه التجربة خاصة، بعد ذلك، بدفتر أسميته (حرائق بغداد)، وهو عن تلك الحرائق والدمار واعمال السلب التي حصلت، كان أشبه بسيناريو شخصي، يوثق برؤية تشكيلية الخراب الذي لحق بأماكننا الثقافية وما تحتويه من فكر وابداع، (المكتبة الوطنية، المتاحف، المؤسسات الثقافية الاخرى، لقد كانت كل صفحة منه تشير الى مكان ثقافي وما لحق به، مع الاستفادة من الدلالة التعبيرية له، (مركز الفنون، المكتبات، القصر العباسي)، وغير ذلك من الاماكن التي اصابها الضرر.

 

* اثناء فترة الحصار كنت قد انجزت سلسلة دفاتر فنية، كيف بدأ هذا المشروع معك، وكيف اخترت مواضيع هذه الدفاتر.

-الحقيقة ان موضوع الدفتر  شكل حالة إثارة بالنسبة لي. باشرته منذ عام 1995، وكات قد سبقني إليه، فنانون آخرون، إن مشروع دفتر الرسم أو ما يسمى بكتاب الرسم، موجود في المنجز والثقافة الفنية الاوروبية والعربية، وبالنسبة للفن العراقي، هناك (شاكر حسن آل سعيد)، الفنان (ضياء العزاوي).

فكرة الدفتر تكون بتمثيل موضوع وما بعدد من الصياغات التشكيلية، فكل صفحة هي معالجة جديدة لهذا الموضوع.

لقد بدأت بتجربة سميتها (حياة الحلاج)، ثم تناولت بعد ذلك موضوعة (الحصار) بدفتر سميته (درب الآلام)، الذي اعتبره منجزاً مهماً.

هناك معالجة جديدة فيما يتعلق بالرؤية والصياغة الاسلوبية، لقد استفدت في دفاتري من الاشارة والكتابة القديمة، والموروث الرمزي القديم لها، وتناولت مواضيع اخرى ذات دلالة واقعية، عن احداث تمت معايشتها من قبلنا نحن العراقيين.

موضوعة الحرب والحصار، هنالك دفتر اسميته (حضارة اليورانيوم) عن استخدام قذائف اليورانيوم في جنوبي العراق.

بعض هذه الدفاتر عرض في بغداد وعمان وباريس ولندن.

* تستمد بعض مواضيعك من إحداث مر بها العراق، دعنا نتحدث عن موقف الفنان وخطابه تجاه مثل هذه الاحداث.

- لا شك ان تاريخ العراق، مليء بالتحولات والاحداث الكبيرة نحن مثلاً، جيل الثمانينيات، شهدنا حروباً وحصاراً، وكانت معارضنا وفعلنا الفني قد تم تقديمه ضمن هذه الفضاءات الملتبسة، والتي دامت نحو ربع قرن، لقد عاصرنا هذه الاحداث.

وترتب في ضوئها موقف معارض للحرب والموت والكراهية.

كانت سنوات مرّة تلك التي عشناها.

ما يتعلق بي، عدا الموقف الجمالي لتجربتي في ان يكون حداثوياً وطليعياً، ومعاصراً للاتجاهات والاحداث الفنية الجديدة، كان هناك اتجاه آخر، يتعلق بموقفي تجاه ما أعيشه، والذي ترتب على الرفض، ولكنه كان يستعير وسائل فنية في العمل، كنت أشير الى نوع الخراب، الذي أحياه ويحياه الآخرون.

أزعم ان  تجربتي قد تضافرت مع الحدث، وكما بينته في مواضيع دفاتر الرسم أو اللوحات التي أنجزتها.

من هنا،  أجد ان على الفنان ان يكون ريادياً في اتخاذ الموقف الانساني. وإظهاره في عمله، هذا الامر كان بالنسبة لي ولكثير من الفنانين العراقيين، واضحاً خاصة من الذين عاشوا تجربة الثمانينيات والتسعينيات.

* ولكن الان، ومع عمق التحولات التي نشهدها، هل تجد ان على الفنان ان يكتفي بخبراته الجمالية التي يظهرها من خلال العمل الفني، أم عليه ان يفترض موقفاً سياسياً وجتمعيناً؟.

- في العراق، الفنانون كما المثقفون، تدربوا على التفاعل مع الحدث. ولا اجد ان شكل الموقف هو المعم هنا. ولكن الموقف ذاته هو الاكثر اهمية. وهو ما يجب ان نتلمسه في العمل الفني، ولكن لا أرغب بتسميته سياسياً. في معرضي الذي اقمته مؤخراً في (عمان) كان هنالك في العديد من اللوحات، أثر الحرب والتحولات السياسية والانسانية التي نشهدها. فلا يمكن لتجربتي ان تكون خارج هذا المدى، واجد ان التفاعل مع الحدث عملية مؤثرة ومهمة، والا فان هنالك نوعاً من الخلل الثقافي والفكري.

يبقى العمل الفني هو خبرة الفنان وخلاصة وعيه الانساني والفكري.

* تتأثر خبرة الفنان أيضاً، بخبرات فنانين سابقين عليه، اين تجد تأثير الآخرين عليك، سواء في الفن العراقي أو العالمي.

- في مرحلة الثمانينيات كانت تأثيرات التعبيرية التجريدية واضحة على تجربتي، وخاصة التعبيرية الالمانية ومن ثم كانت هناك تأثيرات (بول كليه) والفنان التونسي (قويدرالتريكي)، وهي ما دلتني على الاهتمام بالفن البدائي، في بداية التسعينيات، وبالتحديد في معرضي الشخصي الاول، تجاوزت جميع التأثيرات باتجاه الاهتمام بسطح اللوحة والملمس والمادة الوسيطة في التعبير، ضمن هذا المنحى كان هناك تأثير لتجربة (شاكر حسن آل سعيد) والتي اجدها تجربة تستحق العالمية، ودفعتني للتأمل في الفن القديم، وأهمية تحول الاشكال الى عنصر إشاري أو رمزي،  والانتباهة الشديدة الى بنية اللوحة. ضمن هذه الرؤية، كانت موضوعة (التعرية والتراكم) ومجالات تحققها في العمل الفني، بناء اللوحة ونموها من الداخل، تآلف طبقات وانزياح طبقات صورية وشكلية، يشبه ما يحصل للقية الاثرية، من هنا بدأت بمقارنة تجاربي مع تجارب أخرى محلية وعربية.

اجد ان تجربتي حققت قدرات من الخصوصية، وهو رأي العديد من النقاد، وهي مستفيدة بالطبع من تجارب فنانين سابقين.

* موضوعة (التراكم والتعرية)، تعد مفهوم ورؤية انجز فيها (شاكر حسن آل سعيد) العديد من الاعمال الفنية، هل لا زالت تنتهج ذات التجربة... أم انك افترقت عنها؟

- اعترف ان هناك ما يشبه العامل المشترك ما بين تجربتي وتجربة الفنان (شاكر حسن آل سعيد). ان اعماله في نهاية الثمانينيات، التي تمثل خلالها ملمح الجدار والاشارة، الجدار المعاصر الذي يحتفظ بالحدث والفعل الآني.

اتمثلها بشكل مفارق ومختلف، أني أرجعت هذا الفعل الى تاريخ آخر، الى ما هو قديم، الى الأثر واللقية، وهي رؤية رغبت باستحضارها ومعالجتها بشكل معاصر.

أما ما يخص التقنية والمواد الوسيطة لها وإظهار الملمس البارز، فهي معالجة متاحة للجميع.

لقد رغبت في تجربتي  ان استحضر التحولات التي تحدث على الاشياء والتأثير  البيئي والتاريخي عليها. وهو الاتجاه الذي دلني على الاستفادة من موضوعة المخطوطة, الوثيقة، الطرس، كما الاهتمام بالحدث وطرحه بشكل جمالي، ومن هنا كان استدلالي على معالجات ومواضيع تختلف كثيراً  عن تلك التي تناولها (شاكر حسن آل سعيد).

* ولكن هل تجد ان تجربتك هي تطوير للخلاصات الفنية التي توصّل إليها (شاكر حسن آل سعيد)، أم انها افترقت عن هذا المؤثر، واصبحت هي خلاصاتك بالتحديد.

- لا أجدني مهتماً بتطوير تجربة (شاكر حسن)، كما لا اعتقد بوجود فنان يكمل تجربة فنان آخر. هناك تأثيرات وهو أمر مشروع، إلا ان شاغلي الوحيد هو تطوير تجربتي. حينما أبدأ بتنفيذ العمل الفني، هناك هواجس تشغلني، ليس التأثير بالآخر أهمها، فأنا اعمل تماماً على ان أقود تجربتي باتجاه يختلف عن الآخرين.

* أين تجد اضافاتك في معرضك الاخير، الذي أقيم في (عمان) فيما يتعلق بالجوانب التجريبية والشكلية او الموضوعات التي تطرقت إليها.

- هذا المعرض كان بعنوان (تنقيبات الرسم الجدراني)، موضوعه استحضار اثار الحرب، من خلال تلك العلاقة بين الرسم الجداري القديم، والرسوم والآثار التي وحدتها على الجدران والمباني بفعل الحرب، لقد استخدمت معالجات نفذتها بصبغات لونية صريحة، سألني الناقد (سهيل سامي نادر) الذي قدم لي هذا المعرض، عن وجود هذه المساحات التي تتمتع بصفاء لوني وتلك الصياغات الشكلية ذات الطابع العفوي، والتي كانت غالباً باللون الاسود، قلت له اني بهذه الاعمال استذكرت فعل الحرب، كنا نرى لقصف الطائرات والصواريخ اشكالاً وألوانا، كما كنا نتخيل ان للموت اشكالاً وألواناً، حينما كانت تنفجر القذائف وتتشظى يظهر وهجها، وكنا نتخيل اننا سنموت مع هذا الانفجار ووهج الوان هذه القذائف.

ربما لم نتخيل ان نموت موتة وردية او صفراء، أو موتة حمراء.

* إنك هنا، كمن يتحدث عن جماليات للقصف..

-كلا، ولكن مثل هذا الاقتران يضعه الفنان.  في الحقيقه  ليس هناك لون للموت، ولكن مثل هذه الاستحضارات يضعها انسان يفكر بالمشهد البصري بشكل مختلف. ان ادوات الفنان وحساسيته تجاه الحدث هي ليست ادوات وحساسية الانسان العادي. ولكن الفعل هنا، هو كيف تخرج من الحدث بنتيجة وانجاز، وبصورة تبين للملتقى، انك قد عشت هذا الفعل وربما تعلمه كيف خرجت من ركامه.

* من ضمن اعمالك المشاركة في معرضك الاخير، دفتر للرسم سميته (شعارات الجدران بعد الاحتلال)، كيف تبلورت هذه الفكرة لديك وكيف تجدها كموضوع فني.

- لقد اتت الفكرة بعد توقّف العمليات العسكرية، خرجت الى الشارع بصحبة كاميرا لأصور الاحداث، المباني المحترقة والفوضى والدمار الذي لحق ببغداد، استوقفني كذلك ظهور الشعارات للاشخاص والاحزاب والقوى السياسية على الجدران. بدأت بتوثيق هذه العملية بشكل يومي، كانت هنالك دائماً شعارات جديدة، وأخرى تظهر فوق شعارات سابقة، المثير في الامر، ان ظهور هذه الالوان والكتابات واشكالها الخطية، كانت تمثل ما يمكن تسميته بخطاب الشارع، ثقافة وخطاب الشارع اليومي المتغير دائماً. اذ كانت هي المساحة المتاحة والمأهولة للآخرين للتعبير عن حرية الرأي. نفذت الدفتر وهو كبير الحجم بقياس (0.56×ام) باستخدام مواد مختلفة نفذت بطريقة الكولاج والفرشاة السريعة وطريقة الرش.

لقد كانت تجربة متميزة بالنسبة لي، سواء على مستوى الموضوع او الصياغة الشكلية والجمالية لها.

* انت من الفنانين الذين تناولك النقاد بكثرة، إلى مَ تعزو هذا الاهتمام، وهل تثق تماماً بعملية النقد؟

- نعم، لقد تمت الاشارة والكتابة عن تجربتي منذ منتصف الثمانينيات وتناولها العديد من النقاد. ولكن هناك القليل من حاول الدخول الى تجربتي. في الحقيقة ان لدي راياً شخصياً حول هذا  الامر، فتجربة (النقد الفني) في العراق، لا زالت تجربة محدودة، وان كثير من الذين يعملون في هذا الاتجاه، هم غير مختصين، فالنقد الفني له أسسه ومنهجياته. والكثير ممن كتبوا في هذا المجال لم تكن كتاباتهم سوى كتابات انطباعية عن التجربة الفنية. فالشاعر والقاص والاديب، الجميع كتبوا عن النقد الفني.وخاصة ما بعد التسعينيات التي اختلطت فيها انواع متعددة من الكتابات ولكن هذا لا يعني  عدم وجود كتابات جادة ونقاد جيدين.

* لقد اجبتني بلغة عامة، هلا تؤشر لي النقاد الجادين الذين تعنيهم.

- لا اعتقد انه يوجد مبرر لذكر الاسماء.. فالامر لا يخلو من الحرج

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة