مكتب المدى / بابل / سعد الحداد
تصوير: قاسم عبد الرضا
هل تذوقت أنواعاً من الحلويات تختلف عن المألوف من الحلويات
الحديثة؟ وهل تتذكر تلك الأنواع أو نداءات الباعة للترويج
عنها أيام زمان مثل أبو العسل والكركي وشعر بنات وغيرها؟.
أغلب تلك الأنواع لم يعد لها وجود لأسباب كثيرة بعد دخول
المكائن الحديثة التي تصنع الحلوى أو استيراد أنواع مختلفة
من الشكولاته المصنعة من الحليب أو المغطسة بالكاكاو أو
المطعمة بالفواكه والثمار أو المحشاة بالمكسرات كالبندق
والجوز واللوز والفستق.
اليوم في مدينة الحلة كما قبل نصف قرن ما زال نداء الباعة
يصدح بترنيمات تسحر آذان الأطفال وتبهرهم بأشكال جميلة
والوان زاهية فيهرولون حال سماعهم النداء الأثير (أبو
العسل.. أبو العسل) الذي اجتزئ من النداء القديم (ابو
العسل.. فلسين واحد).
حين يقع بصرك على (طاوليات) تلك الحلوى تحس بمتعة فتطيل
التمعن بالنقوش والزخارف وهي مصفوفة على شكل خطوط مستقيمة
متناسقة بأنواع كثيرة من الأسلحة والثمار والحيوانات
والجمادات، بمجموعها ترسم لوحة من الفسيفساء جميلة المنظر،
حلوة المذاق. تذوب في الفم حال كسر غلافها الرقيق فيسيل
السكر عذباً حلواً طيباً.
هاهم الصغار يحملون (صوانيهم) المليئة بالحلوى ويطوفون في
الأزقة القريبة من بيوتهم تتملكهم فرحة البيع ومعاكسة
أقرانهم ويزيدهم فرحاً ما يحصلون عليه من ربح يسير يشعرهم
بما قدموه من عمل ممتع مربح ببراءة الطفولة ونقائها.
هذا الحلوى التي تسمى (أبو العسل) يحدثنا السيد حسن عباس
عبود (45 سنة) عن موسم صنعها فيقول:
موسمها قصير يبدأ مع بداية العطلة الصيفية ويستمر لأسبوع من
انتهاء العطلة في بداية الموسم يكون الإقبال شديداً حيث
يزدحم الأطفال للحصول على ما يريدون شراءه ثم يأخذ الموسم
بالتناقص تدريجياً لأن الرغبة تبدأ بالتضاؤل.
*وكيف تصنع أبو العسل؟
- عملية صنعه بسيطة جداً ومواده الأساسية هي (السكر والماء)،
فكل قدح ونصف من الماء يقابله كيلو واحد من السكر. نبدأ
بعملية إذابة السكر في الماء ليتكون (شيرة) ثم نصفي (الشيرة)
ونضيف بعض الأصباغ المستعملة في صنع (الموطا) مختلفة الطعم
ونضع المنتوج في دورق حديدي فنسكب (الشيرة) في الطاولي
الخشبي المعد أصلاً والمتكون من طبقة سميكة من الطحين
المفورش وقد طبعت فوق سطحه طبعات مختلفة من الأشكال. نسكب
(الشيرة) داخل فراغ كل طبعة ثم يترك لعدة ساعات ليتجمد
وبعدها يكون جاهزاً للبيع والأكل ويضيف السيد ضياء مظلوم (46
سنة): إن الطبعات كثيرة وإحجامها مختلفة وتمثل حيوانات
كالفيل والعقرب والحية والسمكة ومنها ما يمثل أسلحة كالسيف
والسهم والخنجر والبندقية وهناك طبعات أخرى كالهلال والنجوم
والسيارات والمفاتيح وغيرها يحبها الصغار ونرى بعضهم يفضل
أنواعاً معينة ويتفاخر بأكلها.
ويقول السيد حسن إن هذه الحلوى أكثر انتشاراً في مدينة الحلة
ولدينا زبائن من بغداد والمحافظات المجاورة يأتون ليتسوقوا
بكميات كبيرة لعدم توفرها هناك.
*وهل تصنعون أنواع أخرى من الحلوى؟
- هذا العام اختفىنوع جميل من الحلوى (شعر بنات) لصعوبة عمل
هذه الحلوى وقلة من يصنعها فقد توفي الذين كانوا يصنعونها
ولم يتوارث هذه المهنة إلا أناس معدودون، ومن ناحية ثانية
فهي تدر ربحاً مجزياً قياساً لارتفاع إيجارات المحلات
والظروف المعاشية القاسية.
*إذاً ماذا تصنعون بعد نهاية الموسم؟
- يحدثنا السيد محمد السيد جاسم قائلاً: نعمل في صناعة أنواع
أخرى من الحلويات كالساهون واللقم والملبس والرملية وحلاوة
الراشي إضافة إلى الأنواع المعروفة أيام رمضان مثل الزلابية
والبقلاوة والبرمة وغيرها وأخيراً نتمنى أن يزدهر هذا الوطن
فيذوق شعبه العزيز حلاوة أخرى طيبة مع الرفاه والأمان وكل
عطلة وأبو العسل بخير وعافية.
|