المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

من أوراق أسبوع المدى الرابع .. المثقف والسلطة تمثلات العلاقة في المسرح العراقي

ياسر عبد الصاحب البراك
على مدى عقود ما أصطلح عليه بـ (الدولة العراقية الحديثة) لا تبدو علاقة المثقف بالسلطة علاقة سويّة، لأنها قائمة أصلا على ثنائية (الإحتواء / الإقصاء)، فالتيارات السياسية العاملة في المشهد السياسي العراقي طوال العقود الماضية تعتمد أيديولوجيات راديكالية هدفها قيام أنظمة حكم محددة (شيوعية، أو قومية، أو إسلامية)، ولذلك كان المثقف بالنسبة لهذه التيارات (مثقفاً حزبياً) أي خاضعاً لأيديولوجية الحزب سواء كان الحزب في السلطة أو المعارضة، وهذا يقودنا بالتالي إلى تصنيف الثقافة العراقية إلى تصنيفين أساسيين، الأول : ثقافة يسارية ممثلة بالحزب الشيوعي العراقي، والثاني ثقافة قومية تندرج ضمنها الأحزاب ذات التوجه القومي، بينما يكاد (المثقف الإسلامي) يكون غائبا عن ساحة الثقافة العراقية تماماً
إلا مع إستثناءات نادرة جداً وعلى هذا نجد أن جميع رموز الثقافة العراقية يميلون إما إلى اليسار الشيوعي، أو إلى التيار القومي بيمينه ويساره، أما أولئك المثقفون المستقلون وهم ندرة في الثقافة العراقية فهم مستقلون بالقول فقط، وإلا فان فحص منجزهم الإبداعي سيكشف ميلهم إلى أحد التصنيفين السالفين، وهذا الأمر لا ينطبق على جنس أدبي أو فني محدد، بل يشتمل على كل الأجناس الثقافية والفنية، وقد كان المسرح العراقي واحداً من تمثلات هذه العلاقة غير السوية بين المثقف والسلطة، وإذا ما علمنا أن فن المسرح يتمتع باللقاء الحي بين الممثل والجمهور، وهو لقاء ملغوم بالأسئلة والحوار والكشف والتعرية والتحريض، ولذلك كان فن المسرح في العراق من أخطر الفنون التي لعبت دوراً مهماً في الكشف عن ثنائية (الإحتواء / الإقصاء) في علاقة الفنان المسرحي بالسلطة، لذلك نجد أسئلة كثيرة بدأت تتناسل في فضاء المسرح العراقي بعد سقوط الدكتاتورية واتساع مساحة التفاؤل المفرط بمستقبل العراق الذي يظن البعض انه سيكون مغايرا تماما لما كان في العقود الماضية، حيث هيمنة مؤسسات الدولة على صناعة المشهد الثقافي بسيطرتها على وسائل الإنتاج وتأميمها الثقافة العراقية وفق أيديولوجيا وتصورات الفكر القومي الذي كان يمثله حزب البعث بما هو معروف عنه من نزعة شوفينية لا تؤمن بالحوار مع الآخر الثقافي أو المعرفي أو الأيديولوجي، وهذا التأميم جاء جزءاً من (مشروع بعثي) لتأميم المجتمع بدءاً من النفط كثروة أساسية وانتهاءً بتحويل العمال إلى موظفين لتهجين الطبقات الاجتماعية، ولعل السؤال الأبرز يتمثل في شكل الخطاب المسرحي الذي سوف يسود في المشهد المسرحي العراقي العام، والآليات الجمالية التي سيتبعها في تحقيق الاتصال الفاعل والمؤثر بالمتلقي، وما أثاره محور ملتقى المدى الثقافي (المثقف والسلطة)، يشكل أحد خيارات الوعي النقدي العراقي لاستشراف مستقبل المسرح العراقي من خلال تثبيته شكل الخطاب الذي يتصوره نقاد المسرح العراقي عبر تفكيك مقولات مسرحية سابقة شكلت منجز المسرح العراقي السابق، ومقولات جديدة بدأت تطفو على السطح المسرحي العراقي بعد سقوط الدكتاتورية، ومع أن هذه (الظواهر) الجديدة المفترضة لم تتبلور على شكل (ظاهرة) يمكن النظر إليها على أساس ما تحققه في بنية المشهد المسرحي العراقي من مؤثرات سلبية أو إيجابية، بل لم تزل مجرد (إطروحات) مسرحية ربما استطاع بعض دعاتها تطبيق (بعض) فرضياتها، فان استباق الإطروحات المسرحية المغايرة للفكر المسرحي السائد، بأحكام نقدية لا تنطلق من داخل تلك الظواهر يمثل إشكالية منهجية ينبغي على الخطاب النقدي أن يحذر من الوقوع فيها، وعليه أيضا أن يسلّم (اعتمادا على ما يفرزه المنطق التاريخي) ببديهيتين أساسيتين، تتمثل الأولى بالإرتباط الوثيق بين حركة المسرح العراقي والحركة الوطنية السياسية التي كانت تياراتها الحزبية المختلفة تدعم النشاط المسرحي باعتباره أحد مظاهر العمل بين الجماهير، وقد يتنوع هذا الدعم بين المادي أو المعنوي، إلا انه في المحصلة النهائية يكون دعما (نفعيا) حتى لو تقنع بأقنعة مختلفة، ولعل مثال (فرقة المسرح الفني الحديث) من الأمثلة الواضحة على الدعم المتبادل بين المسرح كمؤسسة معرفية وجمالية وبين الحزب السياسي كمؤسسة أيديولوجية تسعى لاستلام السلطة وإنجاز مشروعها السياسي، من خلال ما كانت تقدمه التيارات السياسية التقدمية اليسارية وعلى رأسها (الحزب الشيوعي العراقي) من دعم للفرقة التي كانت تقدم خطابات مسرحية ذات طبيعة فنية ومعرفية تنسجم وأيديولوجيا اليسار العراقي سواء على مستوى الرؤية الجمالية المؤسسة على فلسفة الفن الاشتراكي، أو على مستوى الفكر المؤسس على فلسفة المادية الديالكتيكية، ولم تنته هذه الإشكالية بسيطرة البعثيين على السلطة في العراق وتحول المسرح العراقي إلى حاضنة للفكر القومي بحكم سيطرة الفكر القومي البعثي على جميع مؤسسات المسرح، وليس أدل على ذلك من نزول الخط البياني لإنتاجات فرقة المسرح الفني الحديث بانحسار حركة اليسار العراقي في الساحة السياسية وتسيّد حركة الفكر القومي الذي تتقاطع معه إطروحات الفرقة المسرحية حتى تلاشت تلك الإنتاجات تماما ولم تفلح جميع الحلول الترقيعية التي سعى إليها بعض أعضاء الفرقة الذين بقوا في العراق ولم يغادروا إلى المنافي في إعادة مجد الفرقة المسرحي الذي تصاعد بشكل لافت للنظر منذ أواخر الخمسينيات وتألق في الستينيات وبدايات السبعينيات، حتى بدأ بالتلاشي أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي، في حين شهدنا بديلاً جديداً لفرقة المسرح الفني الحديث وأخواتها من الفرق الأخرى تمثل بتأسيس (الفرقة القومية للتمثيل) لاحظ دلالة الإسم التي أممت كل الكفاءات المسرحية لصالحها بصيغة موظفين أو متعاقدين، مما شكل تدميراً حقيقياً لكل البنى المسرحية التحتية التي أسستها الفرق المسرحية المستقلة (الحديث، الشعبي، اليوم،...... الخ) على مدى عقود من عمر التجربة المسرحية في العراق، فاحتكرت الفرقة القومية (السوق المسرحي) وأغلقت كل المسارح الخاصة تدريجياً.
أما البديهية الثانية فهي منبثقة من البديهية الأولى، فمع التسليم بارتباط حركة المسرح العراقي بالحركة الوطنية السياسية
كما أسلفنا فان هذا يعني تقرير البديهية الثانية التي تتمثل بازدهار المسرح العراقي بازدهار الخيارات السياسية في الحياة العامة، وتراجع خيارات المسرح بتراجع الخيارات السياسية واقتصارها على الفكر الشمولي الذي مارسه البعثيون طوال عقود الدكتاتورية ولعل اصدق تعبير عن هذه البديهية ما قاله الأستاذ شفيق المهدي (سقوط الواحد يعني ولادة وانبثاق المتعدد و المتنوع -) وهي من أبجديات الحياة وجدليتها، وإذا ما اعترفنا بهاتين البديهيتين في حركية تاريخ المسرح العراقي فإننا سنصل إلى قراءة مغايرة للقراءات السائدة في مناقشة إطروحات المسرحيين العراقيين بعد سقوط الدكتاتورية ودعواتهم (المختلفة) لأنماط مسرحية يرون أنها ستكون معبرة اصدق من غيرها عن ذلك التلازم الجدلي بين المسرح العراقي وتيارات السياسة في العراق.
وإذا كانت علاقة الفنان المسرحي بالسلطة قد أوجدت لنا تيار (المسرح الرسمي) الذي كانت تحتكره السلطة البعثية عبر منافذ الإنتاج المسرحي التابعة لها، فان المسرحيين راحوا يبحثون عن خيارات تكتيكية لاختراق سلطة تلك المؤسسات وتقديم عروض مسرحية معارضة من داخل المؤسسة نفسها وبدعم مادي ومعنوي منها، مرة لأن المؤسسة تريد أن توحي للآخرين بأنها (ديمقراطية) في التعامل، وأخرى أنها وجدت في مثل هكذا عروض مسرحية (قدرة تنفيسية) للجمهور المكبوت والمقموع سياسياً، وفي أحيان أخرى تأتي تلك العروض نتيجة لذكاء المسرحيين في تمرير خطاباتهم المسرحية عبر سلطة الرقيب التي لا تخلو من عناصر غبية لاترى أبعد من أنفها ولها خلفيات أمنية أكثر من خلفياتها الثقافية أو الفنية، أما الآن وبعد سقوط الدكتاتورية وتعالي الدعوات إلى مجتمع مدني، تعددي، فيدرالي، هل يمكن لنا إستشراف طبيعة تلك العلاقة وإنعكاساتها على حركة المسرح العراقي ؟
لقد بدأت تظهر دعوات مسرحية تنطلق من مختلف المحافظات العراقية لإشاعة (المسرح الديني) كتيار من تيارات المسرح العراقي، وتُرْجِمَت هذه الدعوة في العديد من المحافظات العراقية إلى عروض مسرحية، ومحاضرات، ومقالات، وتنظيرات، وبدأت تستقطب جمهورها الخاص بها، وتطرح آليات اتصال وتأثير في المتلقي من خلال العديد من الفرضيات الإخراجية التي تتبنى مقترحات جمالية غير منقطعة عن آليات بناء وتركيب المشهد المسرحي في المسرح الحديث، وقد يظن البعض أن (المسرح الديني) يمكن أن يكون مجردا من (الحداثوية) و (الطليعية)، إذ ينبغي علينا أن نفرق بين شكل المسرح الديني كما هو معروف في مرجعياتنا المسرحية وبين الفرضيات الجديدة التي يمكن أن تمزج بين الفهم السيميولوجي للعرض المسرحي وبين الشكل الديني المتجسد في بعض العروض التي تستعير مظاهر الطقوس الدينية العاشورائية أو الاحتفالية الأخرى كالمولد النبوي أو عيد زكريا وغيرها لانجاز مقترحاتها الإخراجية، لذلك فان المسرح الديني يمثل الآن مساحة بحث جديدة للمسرحيين العراقيين بعيدا عن مدى التزامهم الديني من عدمه فهذه إشكالية أخرى ليس هنا موضع بحثها، إن العرض المسرحي يُقدَّم لجمهور مفترض، وهذا الجمهور يحمل في ذاكرته الجمعية من الإرث والتراث الديني المُغَيّب الشيء الكثير، لذلك فان المنحى التجريبي لأي مخرج عراقي (حداثوي) لابد من أن يأخذ بعين الاعتبار مرجعيات المتلقي تلك ليؤسس قنواته الاتصالية على هذه الفرضيات.
ويرى البعض أن هذه الدعوة (تبدو - للأسف - وكأنها مغازلة لبعض التيارات الدينية التي تنتعش الآن في المجتمع العراقي وتعرقل تحوله إلى مجتمع مدني متحرر وديموقراطي حديث)، وهذا التصور فيه الكثير من التعميم فليس كل التيارات الدينية ذات (عقل غير متنور) اذ علينا أن نفصل بين القراءة السلفية للدين
وهي الشائعة في الأوساط الاجتماعية والتي عمادها التطرف والانغلاق الذي يصل حد تحريم المسرح، وبين القراءة التنويرية للدين وهي الشائعة في أوساط النخبة المتدينة والتي عمادها الحوار مع الآخر/ المختلف واستخدام جميع الوسائل السمعية والبصرية في إدامة وتطوير هذا الحوار، لذلك فان القول بان الدعوة للمسرح الديني لا تنسجم مع (العقل المتنور) كما يرى ذلك الناقد عواد علي، تصبح غير ذات جدوى لأنها تنم عن قراءة غير دقيقة للتيارات الدينية التي يساهم بعضها في الدعوة إلى (مجتمع مدني متحرر وديمقراطي حديث) غير منسلخ عن هويته الدينية التي لا تتعارض مع مقومات المجتمع المدني بدليل انخراط عدد كبير من التيارات الدينية العراقية في العملية السياسية القائمة الآن لبناء العراق الديموقراطي الموحد، وبالتالي فان الدعوة إلى مسرح ديني تأتي من خارج هذه الايديولوجيات وليس من داخلها، أليس في هذا التعميم ما يدعو إلى ضرورة مراجعة الموقف من الحركات الأصولية الدينية وفرز موقفها من الفن والحياة عموما ؟
أما الدعوة الأخرى فتجسدت فيما أصطلح عليه بـ (المسرح الايديولوجي) وهنا علينا ان نميز بين فهمين أساسيين للأيديولوجيا : الايديولوجيا الشمولية التي تمسك بزمام السلطة وتُسَخِّر جميع الإرادات لصالحها، فيصبح المسرح
على سبيل المثال فيها أداة للتعمية والتجهيل والرأي الواحد بدلا من قول الحقيقة وتوجيه الانتقاد، وبين الايديولوجيا الموضوعية التي تتحاور مع الآخر وتسمح بالشراكة السياسية ويصبح المسرح في عُرْفِها وسيلة من وسائل الحوار دون ان يفقد بريقه الجمالي، وفي حال مثل حال المسرح العراقي، خاصة فيما يتعلق بمستقبله، تصبح الايديولوجيا أمراً ضروريا مادامت تعترف بالآخر وتتحاور معه تمهيدا لتداول سلمي للسلطة، وهذا يعني ان الأنماط المسرحية الأيديولوجية ستجتهد في تطوير تركيبة المشهد المسرحي ومقولاته الجمالية انطلاقا من الرغبة الحقيقية في التأثير في المتلقي مادامت ثمة تعددية تنطلق من تعدد الايديولوجيات في المجتمع العراقي الجديد، لذلك لا ينبغي رفض هذه الدعوة مادامت وليدة الحراك السياسي الحالي في المشهد العراقي، أما إذا إستطاعت أن تقدم مقترحات جمالية تطور المشهد المسرحي إنطلاقاً من أيديولوجيتها الخاصة، فإن ذلك يشكل كسباً جماليا للمسرح العراقي.
أما المسرح العراقي بتاريخه الكبير، إذا ما جردناه من ظاهرتين هجينتين ولدتا خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وهما ما أصطلح عليه بـ (مسرح الحرب) و (المسرح التجاري)، فانه سيخطو خطوات كبيرة، إذا ما تعاملت معه مؤسسات الدولة الثقافية باعتباره إرثاً وطنياً متعدد الأفكار والرؤى، بحيث يجري دعمه كخطاب وطني للثقافة العراقية بعيداً عن تنوع الحكومات وما يُفترض من تداولاتها السلمية للسلطة عبر الدورات الانتخابية القادمة التي ستشكل صورة العراق الديمقراطي القادم، وبذلك يتم حلحلة تلك الإشكالية القائمة بداخل الثقافة العراقية في علاقتها بالسلطة من العلاقة المباشرة بـ (الحكومة) إلى العلاقة التاريخية بـ (الدولة) ككيان وطني مستقل بمؤسساته الثقافية والفنية التي تصعّد من الروح الوطني للشعب العراقي وتقضي على ميراث الدكتاتورية البغيض الذي إختزل شخصية (الدولة) بشخصية (الحكومة) فأنتج كل هذا الخراب الذي سيدفع ثمنه مثقفو الأجيال القادمة.


ماذا نريد من اتحاد الكتاب العراقيين في السويد ؟
 

يوسف أبو الفوز
الاخبار الطيبة القادمة من السويد، تحمل الكثير هذا الاسبوع. في صدارتها، بالنسبة لي، يقف خبر انعقاد المؤتمر الاول لـ (اتحاد الكتاب العراقيين في السويد) كخبر مفرح يحمل الكثير من الامال الطيبة. هذا المؤتمر الذي تابعت باهتمام ومن فترة سعي مجموعة طيبة من المثقفين العراقيين، الذين شكلوا اللجنة التحضيرية، وجهودهم للم شمل مبدعي الكلمة من العراقيين، المقيمين في دولة السويد، في اطار مهني واحد، يوحد نشاطاتهم وفعالياتهم وجهودهم من اجل اهداف سامية.
وقبل ان يصدر المؤتمر بلاغه عن نجاح اعماله وتفاصيله، استبق الامور لارسل تهاني الحارة، لكل الاخوة، الاربعين مندوبا، الذين وصلوا من مختلف المدن السويدية، ليمثلوا زملاءهم، وليساهموا بحيوية وبروح ديمقراطية في النقاشات والمداولات، والتي انتهت باقرار العديد من الوثائق المهمة، وايضا انتخاب، وبالاقتراع السري، هيئة ادارية لتقود العمل. والمعلومات الاولية تشير الى ان المندوبين جاؤا تمثيلا طيبا لكل مكونات الشعب العراقي، وهناك حضور لافت للمرأة في المؤتمر.
من سنين طويلة، وحتى قبيل سقوط النظام الديكتاتوري المقبور، والدعوات تتوالى لايجاد اطار مهني شامل للم شمل المثقفين العراقيين، المقيمين خارج الوطن، وفشلت كل الجهود المبذولة لعقد مؤتمر هنا او هناك، ولاسباب عديدة وبعيدة عن الثقافة والهم الثقافي. واجد هنا ان النجاح في عقد مؤتمرات للمثقفين العراقيين في هذه الدولة او تلك، يبدو واقعيا وعمليا ومن الممكن انجازه عند توفر الارادة الطيبة والشعور العالي بالمسؤولية تجاه الوطن وهموم الثقافة العراقية، بعيدا عن الروح الفردية وحب الاستئثار بهذا الموقع او ذاك. هذه الاتحادات "المحلية " سيكون من السهل لمها وجمعها في اطار واحد شامل ومتين ورصين لعموم المثقفين العراقيين في الشتات العراقي. وهذا واحد من الاسباب التي تجعلني ادعم شخصيا اي توجه ديمقراطي، غير مسيس من اجل لم شمل المثقفين العراقيين خارج الوطن، في اطار مهني، يعمل في سياق نشاط منظمات المجتمع المدني، بعيداً عن امراض السياسة العراقية، الموروثة او الجديدة. هنا اصل الى نقطة اجد من الضروري الاشارة والتأكيد عليها، وهي ان المثقف العراقي، وحتى الذي لا يزال خارج اطار اي منظمة ثقافية، مثل (اتحاد الكتاب العراقيين في السويد)، فأن ما يجذبه مستقبلا الى هذا الاتحاد ليكون ممثلا حقيقا له، ليس خطابه السياسي، الذي سينافس فيه الاحزاب السياسية، وهي من الكثرة في العراق، بحيث صارت لدينا ازمة في الاسماء والشعارات، وانما خطابه الثقافي، وبرامجه الثقافية، ونشاطاته المهنية، وعندها سيترك هذا المثقف بطاقته الحزبية في داره ليتوجه الى منظمته المهنية ليساهم بحرارة في نشاطاتها وعملها، والذي يصب كتحصيل حاصل في مجرى خدمة الوطن ومستقبله الديمقراطي. ان تجربة المنظمات المهنية العراقية تشير الى ان واحداً من اسباب اخفاقها في ان تحافظ على فعاليتها هو ابتعادها عن هويتها المهنية، والوقوع في فخ العمل السياسي المباشر، فكان واحدا من اسباب عزوف العراقيين عن الانضمام اليها. ان الوقوع في مطب منافسة الاحزاب السياسية في العمل والنشاطات، سيحول منظمة مثل (اتحاد الكتاب العراقيين في السويد) الى منظمة ظل لهذا الحزب او ذاك، وسيحول ناشطي هذا الاتحاد الى دعاة سياسين، وستنتقل اليه كل امراض السياسة، فتختلط الاوراق وتضيع البرامج. ان واقعنا العراقي القاسي، فرض على المثقف العراقي ان يتراجع كثيرا ليتقدم السياسي عليه، وليتحول المثقف الى مجرد تابع اعلامي له. وفي الظروف الجديدة، ومع زوال النظام الديكتاتوري، فان الفرصة ممكنة للمثقف العراقي ان يتقدم ليأخذ دوره الحقيقي في عملية اعادة بناء الوطن والانسان العراقي، ومن هنا تبرز اهمية الاطر المهنية الديمقراطية للم شمل المثقفين وتوحيد جهودهم، ولكن ومن البداية نتمنى ان تعمل وفق الاسس الصحيحة وتبتعد عن المطبات التي ستعيق عملها. اننا ننتظر من (اتحاد الكتاب العراقيين في السويد) ان يطلعنا وبشفافية عالية بين الحين والاخر ليس على عدد المظاهرات التي ساهم فيها وانجزها، وليس على بيانات التضامن مع هذا الحدث السياسي او ذاك، بل عن عدد المنجزات الثقافية التي ساهم بتنظيمها، من ندوات ثقافية في الادب والفنون، وكم حفل توقيع كتب لاعضاء الاتحاد ساهم بدعم طباعة كتبهم، وكم كاتبا ساهم في توفير الظروف المناسبة له لانجاز بحث اكاديمي او كتاب ابداعي، وان يعلن لنا تقارير مفصلة عن مساعدة اعضائه المرضى ورعايتهم والاهتمام بشؤونهم، وعن الحقوق المهنية لاعضائه التي استطاع ان يحققها، وعن مجلته الخاصة التي ستصدر ليس كمنشور سياسي يتلف بعد قراءته، وانما تحفظ كمصدر ثقافي فكري ينفع عند الدراسة والبحث، وغير ذلك كثير مما يمكن انجازه بالاستفادة من امكانية التنسيق مع المؤسسات الثقافية السويدية من خلال تقديم مختلف المشاريع الثقافية، التي بالتأكيد ستحظى بالدعم المناسب حين يلمس السويديون جديتها واهميتها، وفي هذا الامر بالذات لنا عبرة حسنة في النشاطات الاجتماعية المتألقة لاتحاد الجمعيات العراقية في السويد.
ثانية كل التهاني لاعمال مؤتمر (اتحاد الكتاب العراقيين في السويد)، وباقة ورد معطرة بالامنيات الطيبة عند عتبة باب كل من ساهم بانجاح هذا المنجز الواعد الخلاق.


حفل تأبين للراحلين الكبيرين محمد الماغوط وعبد السلام العجيلي: مرثيات وورود وقصائد...لم تستطع أن تزيل طعم الغياب المر

ابراهيم حاج عبدي
برعاية وزارة الثقافة السورية، وبالتعاون مع دار المدى للثقافة والفنون أقيم قبل أيام في دار الأسد للثقافة بدمشق (دار الأوبرا) حفل تأبيني مهيب للراحلين الكبيرين عبد السلام العجيلي ومحمد الماغوط بحضور عدد من الوزراء والديبلوماسيين وأعضاء مجلس الشعب، وبمشاركة الشاعر الفلسطينى محمود درويش، والشاعر اللبنانى جوزيف حرب، وعدد من الأدباء السوريين، هم شوقي بغدادي، نذير العظمة، ووليد إخلاصي، إضافة إلى حشد من محبي الراحلين الكبيرين.
بدأ الحفل بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، وتلا ذلك عزف لألحان موسيقية جنائزية حزينة، تعبر عن قسوة الوداع والغياب، وعرض خلال الحفل فيلمان تسجيليان قصيران، أحدهما عن الراحل محمد الماغوط، والثاني عن الراحل العجيلي، وقد أظهر الفيلمان مكانة الراحلين السامقة، كما احتوى على شهادات قيلت في الأديبين، وتناول الفيلمان جانبا من التجربة الذاتية والإبداعية لكل من الماغوط والعجيلي اللذين استطاعا أن يتجاوزا بيئتهما المحلية الضيقة ليعانقا رحابة العالمية.
"اعترف باني أواجه صعوبة وحرجا في الجمع بكلمة واحدة بين كبيرين شاءت الأقدار أن تجمعهما في رحيل واحد"، بهذه الجملة الجارحة استهل الشاعر الكبير محمود درويش كلمته التي كانت الأكثر تأثيرا، إذ قدم الشاعر مرثية نثرية هادئة وحزينة لامست شغاف القلب، ورسمت صورة مختزلة، لكنها معبرة وعميقة، للعجيلي، بينما أسهب الشاعر في حديث مؤثر عن صديقه الماغوط الذي كان يعرفه أكثر من العجيلي، كما نوه، فقال عن العجيلي: اعرف منه "تواضعه ونبله، وتفانيه في خدمة الناس بالطب والكتابة، واعرف عن جهوده الريادية في حقلي الرواية والقصة القصيرة في سورية، ووفاءه الكامل لما بدأ به من ستة عقود، واحترامه العميق لمسؤولية الكلمة، فحمل هواجس الناس في معيشهم اليومي البسيط، وتأمل أكثر من أندلس في ضوء ((قناديل اشبيلية)). قاتل في فلسطين وحدق إلى جرحها الذي ما زال ينزف، رأى ما كان وما سيكون". وختم بالقول: "العجيلي، طبيب الجسد والروح، تطلع إلى ما يرمم الروح، ويوقظ الذاكرة، وهو الآن يستقر في ذاكرتنا الثقافية، واحدا من المبدعين العرب الذين وحدوا بين الإبداع والدفاع عن الحرية".
وفي حديثه عن الماغوط استحضر درويش حفل تأبين ممدوح عدوان في العام الفائت، في المكان ذاته، فقال "كنا في العام الماضي ننثر ورد الحب على اسم الراحل ممدوح عدوان. لم يأت محمد الماغوط كاملا لعجز عكازه عن إسناد جبل، لكنه حضر صورة شاحبة وصوتا متهدجا ليذكرنا بأن للوداع بقية"، وأضاف درويش مستحضرا تفاصيل لقاء جرى في ذلك الوقت بينه وبين الماغوط "ذهبنا إليه في صباح اليوم التالي فكانت العاصفة مسترخية على أريكة...كانت العاصفة مرحة فرحة بما تبقى فيها من هواء وضيوف، ولا تأسف على ما فعلت باللغة وبالنظام الشعري، فهي لا تعرف إلا من آثارها عندما تهدأ. هدأ الماغوط ونظر إلى آثاره برضا الفاتح المتعب".
واضاف درويش بنبرة موجعة واصفا اللقاء "ما يقول العارفون بان اللقاء وداع!.. وضحكنا كثيرا لنخفي خوفا أثاره فينا ارتباكه على ترتيب الموعد القاسي مع سلامه الداخلي. فمثل هذا المحارب لا تليق به السكينة". ودرويش يدرك أن الماغوط أبى التصالح مع واقع مرير، وكان يحتج دائما ويرفض، فحزنه كان مقيما، ولم يكن الفرح مهنته، وهو ما يؤوله درويش على هذا النحو "هذا الغاضب من كل شيء لم يغضب إلا لأن الحب في هذا العالم قد نضب، ولم يغضب إلا لأن زنزانة هذا العالم ما زالت تتسع لسجين رأي مختلف، ولأن أرصفة هذا العالم ما زالت تزدحم بالفقراء والمشردين، ولم يغضب إلا لأن لفظة الحرية، بمعناها الشخصي والعام، ما زالت مستعصية على العرب والعاربة والمستعربة والإعراب".ورأى درويش في رحيل الماغوط خسارة لقصيدة النثر العربية، إذ قال "رحل الماغوط ونقص الشعر، لكنه لم يأخذ شعره معه، كما فعل الكثيرون من مجايليه...فهذا الوحيد الخالي من أية حراسة نظرية، وتنظيم إعلامي، لم يراهن إلا على شعريته وحريته، وعلى قارئه المجهول الذي وجد في قصيدته صدى صوته وملامح صورته...هو الذي جاء من الهامش واختار هامش الصعلوك، كان نجما دون أن يدري ويريد، فالنجومية هي ما يحيط بالاسم من فضائح، وشعره هو فضيحتنا العامة فضيحة الزمن العربي...كم أخشى القول أن الزمن الذي هجاه الماغوط ربما كان افضل من الزمن الذي ودعه، فقد كنا ذاهبين، على الأقل، إلى موعد مرجأ مع أمل مخترع، لا بأس من أن يكون ماضينا أفضل من حاضرنا، ولكن الشقاء الكامل هو أن يكون حاضرنا أفضل من غدنا".ولم يخف الشاعر الكبير إعجابه بشاعرية الماغوط، وبحساسيته المرهفة في التقاط جذوة الشعر من ركام الحياة "بمغامرة يأسه اشتق الأمل لغيره...لقد أخافت لغة الماغوط الساخرة الجميع من فرط قوة الهشاشة في أعشابها، ومن فرط دفاعها عن حق الوردة في حماية خصائصها"، وأعاد درويش إلى الأذهان حقيقة أن الماغوط هو أحد أهم رواد قصيدة النثر العربية، إذ يعلن "عندما كانت الريادة الشعرية العربية تخوض معركتها حول الوزن، وتبحث عن موقع جديد لقيلولة القافية...كان الماغوط يعثر على الشعر في مكان آخر، كان يتشظى ويجمع الشظايا بأصابع محترقة...كان يدرك العالم بحواسه ويصغي إلى حواسه وهي تملي على لغته عفويتها المحنكة، فتقول المدهش والمفاجئ. كانت حسيته المرهفة هي دليله إلى معرفة الشعر".واختتم درويش كلمته بالقول "لم يختلف اثنان على شاعرية الماغوط. سر الماغوط هو سر الموهبة الفطرية. لقد عثر على كنوز الشعر في طين الحياة، جعل من تجربته في السجن استعارة وجودية، وصاغ من قسوة البؤس والحرمان جماليات شعرية، وآلية دفاع شعري عن الحياة في وجه ما يجعلها عبئا على الحياة، لذلك فهو الآن في غيابه أقل منا موتا وأكثر حياة منا".
وألقى الدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة كلمة في ختام الحفل بالنيابة عن آل الفقيدين، قال فيها "يظن الناس أننا لم نكن منتبهين إلى عطاءات كاتبينا، ولكننا في الحقيقة كنا منتبهين إليهما منذ زمن بعيد، فالأديب عبد السلام العجيلي كان كبير "عصبة الساخرين"، كما كان وزيرا، وعضوا في البرلمان السوري، وربما فعل أمرا لم يسبقه إليه أحد عندما ترك البرلمان ليلتحق بجيش الإنقاذ لتحرير فلسطين"، وتابع الوزير قائلا: والكاتب محمد الماغوط انتبهنا إليه منذ كتب مقالاته الأولى، وقبل عامين تم تقليد الكاتبين الكبيرين العجيلي والماغوط وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى"، وأضاف نعسان آغا في ختام حديثه "إن الأدباء يولدون مرتين، مرة ساعة يولدون، ومرة ساعة يرحلون، ولا يمكنني القول هنا إلا أن هناك إحساسا بأن الأمة لا تستطيع أن تعوض العباقرة، ولكن يبقى التفاؤل قائما بالأجيال القادمة".بين الكلمتين جاءت كلمات المشاركين الآخرين، فقد اختار الشاعر اللبناني جوزيف حرب أن يلقي قصيدة طويلة جمع فيها بين الراحلين الكبيرين إذ أنشد: "بين قبرين أنا الآن/سلاما أيها القبران/واستمر في النشيد.../مضيت وكان أدركني المساء/فإذا العجيلي حي في كتاب.../افتح سلتك يا محمد/تحت أجفان يديك/واجلس قليلا قرب هذا الدمع/كي أبكي عليك".كما ألقى الشاعر السوري نذير العظمة قصيدتي رثاء في الراحلين الكبيرين عبر خلالهما عن مشاعر الفقد، وخاطب الراحلين بمفردات وجدانية ووجد في رحيلهما خسارة لا تعوض، وكذلك استحضر الشاعر السوري شوقي بغدادي ذكريات جمعته مع الراحلين، ورثى زميليه في الحبر والكلمة، والأمل بنبرة مؤلمة، صادقة، بينما ألقى الأديب والمسرحي السوري كلمة مزج فيها بين الجانب الذاتي والجانب النقدي إذ قال بان الفقيدين محمد الماغوط وعبد السلام العجيلى "كانا قطبين تأكد حضورهما في حوالي قرن من عمر الثقافة السورية المعاصرة، واحتلا في عقود عديدة من العمر الإبداعي مراكز يمكن الإقرار بقيادتها المؤثرة"، واضاف اخلاصي بان "التباين في طبيعة كل منهما يدل على طبيعة طيف الألوان الحيوية وفعاليته في حياكة النسيج الثقافي لسورية والوطن العربي"، مشيرا إلى أن "حضور هذين المبدعين لم يقتصر على موطنهما الجغرافي بل تمدد في وطنهما العربي والعالم".وقالت السيدة سلافة ابنة الماغوط في رسالة تصف فيها قصيدة والدها الراحل، وتليت في حفل التأبين: "كان يعري الكلمة من معناها العادي لتتفجر ببساطتها في كل الاتجاهات إبداعا وشعرا"، وأضافت: "سأحتفظ بحزني على رحيل أبي لنفسي كما تحتفظ الأرض بالمياه الجوفية". وبدورها قالت السيدة شام ابنة الشاعر الراحل في رسالة مماثلة مخاطبة طيف والدها الغائب: "أبي الحبيب...احبك لأنك علمتني أن أطير ولو كان الزحف أسرع...أن أتكلم ولو كان الصمت اسلم...أن احب ولو كانت الكراهية اسهل...علمتني أن أكون افضل واجمل...مع السلامة يا صديقي الأجمل وقامتي الأعلى".


الأنهار لا تهرب من أوطانها

شعر/ موفق محمد


كانت تكنس غرفتها
والموت على دراجته الهوائية يوزّع المنَّ
والسلوى لعدائي العذابات الطويلة
ملوّحاً للرايات السودِ امهاتنا
باليانع من الرؤوس
وتسمع انين الصور التي طرزتها
الشظايا
وتزحفُ في الجحيم
تقلّبُ الموتى وتصرخ:
تفتح الابواب لا تدري
دعوا العراق وحده محترقاً
يسير فوق الماء
لا تطلقوا رصاصة الرحمة لا
فمازالت جنائزه تزقزق فوق رؤوسِ
حامليها
وقبوره تئن مما يحشر فيها
فلم يعد الضيف واحداً
والشاهدة تتشظى باسماء تخطف
البصر
فلم يعد البصر ممكناً
والريح تمشّط لهب المحترق فوق الماء
والليلة ذات الاجراس تصهل بالسم
وتغرز ناباً في العين
وتلتف بآلاف الأسلاك على
الاجساد
تهتز
وتلبس من عشبتنا جلداً آخر
ترقص في فوهة البركان
والرماد يدثر الاحياء ينذر
انهم ينزلون من صورهم ويمدون
حبالهم السرية لوطن يغرق في
آخر تعليقات الموت.
كانت يده تشيرُ تصرخُ تستغيثُ
الفقراء وهم حطبُ الحكومات وحدهم
ينظرون من ثقبٍ في موجةٍ تغوصُ
نحو القاع
تاركين احلامهم البالية على الضفاف
للحكومات القادمة
الألم يتعثر في الطرقات
والريح تصفر في لهب المحترق فوق
الماء
وتكحل عيون الصبايا برماده
والبرابرة يكنسون
سنة حلوة يجميل
فهم صمٌ بكمٌ
وتلملم ما تبقى من ماء اللهِ للفاختةِ
التي سقطت من نخلتها بجناحين
مكسورين
كانت طوال الليل تحضنُ عشها
وتقول للاغصانِ صبراً وهي تسبح
بالدماء
تلوّنُ الصورَ
وتزقُ السنابلَ المتفحمةَ بالشظايا
وتحترق بلا رماد
وجارُنا ماتَ كمداً ولم يأخذْ
حصته الكاملة من العذاب
سيأخذها هناك
فالموتى يوزّعون الفائضَ من العذاب
ويسألون القادم عمن تبقى من ذويهم
فيعقدون العزم على زيارتهم
فهاهم يأتون نازعين اكفانهم
يقبلون رأس المحترق فوق الماء
ويتوزعون في الازقة
من الطارق؟
جارك عبد الموتِ
أهلي
أهلُكَ إتخذوا الموت جملاً واشتعلوا
لا ادري اين
الغيوم تضفر لهب المحترق فوق
الماء وتمده كحبلٍ للخلاص
والطارقُ ترك كفناً ومزنةً من دموعٍ
تتلألأ فوق العتبة
والبقية في القرن القادم
والطائرات تكنسُ الرقاب المشرئبة
يا إلهي
العجائز يعصرن حلم المصابيح
ليستنزلن حليب الكهرباء إلى
أفواه الظلمة
ويكنسن الساعات المتبقية من
اعمارهن
فالاعمار صناديق قمامة
العوانس يتسولن الفحولة بين
الرصافةِ والجسرِ بسيقانٍ من حصار
ويعلقن الطلع المتيبس في اعمدة الجسرِ
املاً في توقيعٍ من طالعِ
سنة حلوة يجميل
فالصبايا تنشر اثداءها على حبالِ
السواقي التي جففها كاتمُ ماء
كانت دجلة تكنس ما تكدس في
رحمها
وتتقيأُ بعينين جاحظتين فوق جسورها
وترشُ الطلع المتيبس فوق اعمدتها
دافعةً القتلى الى ضفافها
معلقةً امواجها على ابواب جهنم
فالانهار لا تهرب من اوطانها
فمن لآلافِ السواقي الرضعِ؟
ولهذا الحمام الذي يواصل مذعوراً
طيرانه
انها تجري وتصرخ
ان المخاض يزلزل الارحام يبرق
في القبور
يتبعه طلق تنشقُ له بطنُ الارض
وجهنم تعوي
وما من قابلةٍ توقفُ هذا النزف
المتدفق في التاسع من إنسان
السماء تكنس قمرها ونجومها
وتطبق ساحلةً غيومها لتكنس
الانين الذي يربط المذبوحين بتيارٍ
صاعق
الكلاب تكنس الجثث بالسنتها
والبرابرة يكنسون المستشفيات بفحولةِ
ثيرانٍ عمياء
ويكنسون السماء قمرها ونجومها
على مرأىً من الفرات الذي لم
يسرهم منظره
فكنسوه بسيل رصاص في خصره
وهو يرفع امواجه موجةً موجةَ
ويبكي الدم الصارخ فيها
دمُ من هذا؟
ويركض مجنوناً في السواقي
وينحني خجلاً لنخلةٍ تقص شعرها
والبرابرة يكنسون الوزاراتِ
ويشعلون النيران فيها
سربٌ من الجاموس يسبح
في الفضاء
والمحترفون يكنسون المتاحف
انهم يكنسون ويكنسون ويكنسون
كل حسب اختصاصه
فالقادمون يكنسون العراقيين بقفازاتٍ
من حديد خوفاً من عدوى الداخل
ويكنسون المستقبلَ بشفافيةٍ قلَّ
نظيرها
ليشرق ابيضَ من غير سوء
ويعرفوا حجم وزاراتهم
اكنسْ ثم ناقشْ
اكنسوا المقابرَ الجماعية لنذيق
ذويهم الامرين
وهم يتعرفون على اولادهم في الصررِ
التي تستخرجها الشفلات
او
وهم يقفون على ابواب الفاتحين
املاً بالتعويض
اكنسوا الطوابيرَ التي تقفُ على
ابواب الفاتحين
فلا وقت لديهم لما هو ارضيُ
فهم في رحلاتٍ مكوكية بين سماءٍ
وسماء
لا تكنس كل من هبَّ ودبَّ
قالها عرابُ الكناسين
سنكنسُ العراقَ من شماله الى جنوبه
بمكانس من نارٍ
ونضع رماده في حدبٍ تثقل ظهور
العراقيين وتسمرهم وهم يتوزعون
على حدوده
لتعصف بهم المبيدات التي وضعتها الدول على حدودها لئلا
يفلت احد
كانت تكنس ما تبقى من عراقها
وترشّه بالعمى المتدفق من عينيها
وتقف بغدادُ مشكلةً علامةَ استفهام
سوداء تغطي جبين العالم
تسألُ عن وطنٍ حوله الكناسون الى
قاف ألف راء عين
وعن قادم في التاسع من
أ
ن
س
إنسَ
فما اجملَ ان تغرقَ في النسيان


في دار ثقافة الاطفال .. لمسات بريئة على ايقاع الموسيقى وترنيمة الشعر وبساطة الرسوم الاطـفــال يـحـتـفـلــون بـيـومـهـــم الــعــــالـمـــي
 

متابعة/ المدى الثقافي
تصوير/ نهاد العزاوي

في دار ثقافة الاطفال، شعرت وكأن الطفولة اخذتني اليها، فجريت وانا واقف في مكاني لألوذ بها من تراكم العبء، ومن صوت جلبة الحياة، اينما تدر وجهك ترى ما لا تريد ان تراه. جمع من المتابعين، اطفال، نساء، رجال. مسؤولون عن هذه الدار، ضمتهم قاعة صغيرة، وزعوا على جدرانها رسومات ملونة، لديك، ودجاجة، وخروف، وحمار، رسومات بريئة رسمها ذوو الحاجات الخاصة. توزع هؤلاء الذين تراوحت اعمارهم بين العاشرة والخامسة عشرة عاماً، حول طاولات بسيطة، يرسمون رسومات اخرى، بأقلامهم الملونة، تدور بينهم زينب بابان، معلمة هؤلاء في دار الحنان لشديدي العوق. كانت ممتلئة بالفرح والسعادة، وهي توجههم وينصاعون لتوجيهاتها، كأنها امهم. فمنذ خمس سنوات وهي تعلمهم ابجديات القراءة والكتابة والرسم وتعلمهم الاناشيد.
سلوى عزت تجاوزت العاشرة، وهي متخلفة عقلياً، لكن تخلفها ليس شديداً، قالت: احب معلمتي، واحب ان ادرس واتعلم.
قالت لها المعلمة زينب: اقرئي نشيدك لعمو!
فقرأت:
دقوا دقوا عالطبول
اسمعوني ما اقول
السنة أربعة فصول
الشتاء والربيع والصيف والخريف
ثم تابعنا رسومات سماح علي، وفاتن احمد، وحنان صبري، وسداد رائد، ومروة حكمت. رسومات جميلة، تخطيطات كيفما اتفق، حيوانات بأوضاع مختلفة.
مديرة الدار السيدة كريمة داود خضير قالت: اجد سعادتي في العمل مع هؤلاء الاطفال، واشعر بانتمائهم لي.
جئنا الى هنا للمشاركة في يوم الطفل العالمي، بمعرضنا هذا الذي اسميناه (لمسات بريئة). وعن الدار وطبيعة عملها قالت: دار الحنان تابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وهنالك منظمات انسانية تدعمنا، واشخاص من ذوي المال، وتبقى حاجتنا دائمة الى الدعم، لان احتياجاتنا مستمرة.
فيما قال السيد جواد عبد الحسين مدير العلاقات والاعلام في دار ثقافة الاطفال: هذه الفعالية نقوم بها بمناسبة يوم الطفل العالمي الذي يصادف الاول من حزيران من كل عام، وبالتعاون مع اربع منظمات هي منظمة نقاء لرعاية الطفولة، ومنظمة الصداقة حول العالم، ودائرة الرعاية الاجتماعية، المنبثقة عنها دار الحنان لشديدي العوق.
وضم المعرض الذي اقمناه اليوم اكثر من مئتي عمل لرسومات هؤلاء المعوقين.
وكانت هذه مناسبة لنسأله عن اهداف الدار، فأجاب: احتضان المؤسسات المعنية بالطفولة، ودعمها ومساعدتها في اداء مهامها بما يخدم الطفل. واليوم اعددنا معرضاً لمنشورات الدار، يضم اعداداً من مجلتي والمزمار، وسلسلة مكتبة الطفل، من شعر ومسرحيات وقصص، نوزعها في نهاية الفعالية بين الحضور من الاطفال.
ونحن نتجول في اروقة الدار، بين حشد الصحفيين، وكاميرات القنوات الفضائية التي توزعت في المكان، سمعنا اصواتاً تؤدي نشيد موطني، وبعد ذلك سمعنا عزفاً منفرداً على الكمان. فاقتربنا منهم وتحدثنا مع مدير الفرقة محمد عمر ايوب حول طبيعة هذه الفرقة، وعائديتها فقال: فرقتنا تسمى فرقة التحدي الموسيقية والمسرحية، وهي تابعة لوزارة الشباب والرياضة. وتابع قائلاً: تكونت هذه الفرقة في منتدى شباب التحدي في منطقة الاسكان، واعضاء فرقتنا هم من شباب المنطقة، والمناطق القريبة منها.
* ماذا تقدمون اليوم؟
- نقدم عدة فعاليات منها نشيد موطني بتوزيع جديد، واغنية هلا هلا يا شباب وعراق اولادك احنه، وابتهال من تقديم دعاء محمد وزينب علي.
وكذلك نقدم مسرحية بعنوان (اغتراب) تتحدث عن معاناة الاطفال في هذه المرحلة. وبانوراما شعرية تؤديها مجموعة من الاطفال مع الشاعر رائد حميد، وقبل ان نودعه همس لنا قائلاً: نحتاج في المنتدى الى دعم مالي، عسى ان تشيروا لذلك، كي تنتبه الينا بعض الجهات. لدينا ايقاع وكمان فقط. نحتاج الى آلات موسيقية كثيرة، لندعم بها مواهب الشباب.
تركنا هذه الحشد من الاطفال الذين احتفلوا وبلمسات بريئة بيوم الطفل العالمي، وفينا رغبة للعودة اليهم. لهؤلاء الاطفال وهم يرسمون البراءة والنقاء، ويومئون الينا ايماءات تعبر عن حاجتهم لحنان اكثر، ولقلب اوسع يضم اوجاعهم، اوجاعهم التي نشعر بها نحن جميعاً. لقد كانت كريمة داود، وزينب بابان، اكثر من أمين لهم، وقلباهما كانا اوسع من بناية دار ثقافة الاطفال، ودار الحنان.


مجلة تواصل .. تتواصل مع قرائها في عددها الرابع
 

عن هيئة الاعلام والاتصالات، صدر العدد الرابع، من مجلة تواصل مرفقاً بملحق (مشروع قانون هيئة الاعلام والاتصالات)، وهي مجلة شهرية تعنى بشؤون الاعلام والاتصالات. وضم العدد مجموعة من المواضيع تناولت البث الفضائي على شاشة المواطن العراقي، وانطلاقة الجيل الرابع لاجهزة الاتصالات اللاسلكية، وترجمة النصوص الى كلام منطوق، والحياة على الكواكب الاخرى، وهل انصف الاعلام المرأة.
وفي زاوية فنون نشرت المجلة موضوعاً عن فضاءات اللوحة الاعلامية في كردستان للكاتب عبد الكريم العبيدي، تناول فيه الكاتب الفن التشكيلي هناك ومراحل تطوره. ونشرت المجلة ايضاً لقاء موسعاً مع المخرج عدي رشيد تحدث فيه عن فيلمه (غير صالح) ومشاريعه المستقبلية اجرى اللقاء الناقد علاء المفرجي. فضلاً عن الابواب والزوايا الثابتة في المجلة. ومما يذكر ان مجلة تواصل ترأس تحريرها الاعلامية المعروفة الدكتورة سلوى زكو.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة