مونديال (58) شهد مولد الجوهرة
السوداء
هذه
البطولة ليست مثل أي بطولة سابقة لكأس العالم، ليس فقط لأن
مبارياتها أذيعت تليفزيونياً في العديد من دول العالم
للمرة الأولى في تاريخ المونديال، ولكن لأنها شهدت بزوغ
نجم من أبرز نجوم كرة القدم عبر التاريخ إن لم يكن الأبرز
على الإطلاق هو البرازيلي إدسون أرانتيس دو ناسيمينتو الذي
عرفناه باسم الجوهرة السوداء (بيليه).
اقيمت النسخة السادسة من التجمع العالمي السادس على
الأراضي السويدية، وذلك في المرة الثاني على التوالي التي
تستضيفهاً دولة أوروبية، وشهدت نظاماً جديداً من حيث
مبارياتها، فشارك فيها 16 فريقا من جميع أنحاء العالم تم
تقسيمهم إلى أربع مجموعات تضم كل منها أربعة فرق، ولأول
مرة أقيمت مباريات بين فرق كل مجموعة من أجل الوصول إلى
أول وثاني كل مجموعة، وتقام مباراة فاصلة بين فريقين إذا
ما تساويا في النقاط.
ولم يكن العمل بإجراء القرعة عن طريق التصنيف مثلما هو
حالياً، بل كان بناء على الجغرافيا، فتم وضع فريق واحد في
كل مجموعة من أوروبا الغربية، وآخر من أوروبا الشرقية،
وفريق من المملكة المتحدة وأخير من أميركا اللاتينية.
لكن أكثر الفرق التي دفعت ثمن ذلك كانت إنجلترا التي تفخر
دوما بكونها الدولة التي اخترعت اللعبة، فوقعت في مجموعة
كابوسية تضم بجوارها كلاً من البرازيل، الاتحاد السوفياتي
والنمسا صاحبة الميدالية البرونزية في المونديال السابق في
سويسرا.
كما أن المجر لم تعد نفس الفريق الذي يرعب جميع منافسيه،
فقد هرب نجومه الكبار بوشكاش وكوشسيس وشيبور بعد الاجتياح
السوفياتي للبلاد في 1956، بينما استفاد السوفيات من ذلك
وشاركوا في المونديال للمرة الأولى، وكانوا أحد الفرق
المرشحة للفوز باللقب.
وبالرغم من مرور ما يقرب من نصف قرن على هذه البطولة، فإن
الكثير من الخبراء والنقاد يعدونها أفضل بطولة في تاريخ
المونديال حتى يومنا هذا، ويكفي أنها البطولة التي شهدت
ميلاد نجم بيليه كأفضل لاعبي العالم بلا منازع، وذلك
بالرغم من صغر سنه آنذاك فلم يتعد عمره الثامنة عشرة عند
بداية البطولة.
والطريف أن البرازيل لم تكن تنوي الاعتماد على لاعبها
المراهق، لكن منتخب السامبا اضطر لإشراك بيليه بعد تعادله
المخيب للآمال مع إنجلترا بدون أهداف، وهو التعادل السلبي
الأول في تاريخ بطولات كأس العالم، ليشكل بيليه وطريقة
4-2-4 المبتدعة في هذه البطولة من قبل البرازيليين ثنائياً
رهيباً استطاع إخضاع كل المنافسين بعد النتيجة السلبية
أمام الإنجليز.
لكن بيليه لم يكن النجم الأوحد للبطولة، فقد كان هناك
المهاجم الفرنسي جوست فونتين الذي أحرز 13 هدفاً في
البطولة ليعتلي عرش هدافيها، بل ويحقق رقماً قياسياً لم
يقترب منه أي لاعب عبر تاريخ البطولة حتى الآن رغم زيادة
عدد المباريات، فأحرز منتخب الديوك 11 هدفا في الدور الأول
بمساعدة فونتين وتأهل بسهولة إلى ربع النهائي، كما تأهل
أيضا منتخب الدولة المضيفة.
وفي حين شاركت أربعة فرق ممثلة للمملكة المتحدة في البطولة،
لم يكن أحد يتخيل أن الفريقين المتأهلين من بينهم هما ويلز
وأيرلندا الشمالية، وأن الفريقين المغادرين مبكراً هما
إنجلترا واسكتلندا.
مباريات دور الثمانية لم تشهد مفاجآت، فتخطت ألمانيا حاملة
اللقب المنتخب اليوغوسلافي بهدف نظيف، كما تخطى أصحاب
الأرض العقبة السوفيتية الصعبة بجدارة بهدفين نظيفين، في
حين استخدمت فرنسا وسيلتها السحرية (فونتين) في اكتساح
أيرلندا الشمالية برباعية نظيفة، بينما كانت البرازيل
المتممة لفرق المربع الذهبي بفوز صعب على ويلز بهدف وحيد
كان الأول لبيليه في تاريخ مسابقات كأس العالم.
وبالرغم من أن عدد المباريات المتبقية على نهاية البطولة
كان أربع مباريات فقط، شهدت تلك المباريات الأربع 27 هدفاً،
كانت أقلهم معدلا للتهديف مباراة السويد وألمانيا في قبل
النهائي وانتهت لمصلحة أصحاب الأرض 3-1، في حين شهدت
المباراة الأخرى في نفس الدور فوز البرازيليين على
الفرنسيين 5-2، واضطر أبناء السامبا للجوء إلى سحر بيليه
ليتغلب على سحر فونتين، فأحرز الأول ثلاثية رائعة دكت حصون
(الديوك).
لكن فونتين لم يتوقف عند مباراة قبل النهائي، بل تجاوزها
إلى رباعية رائعة ساعدت فريقه على الحصول على الميدالية
البرونزية متغلباً على ألمانيا 6-3، في حين واصل بيليه
توهجه المونديالي مساعداً منتخب السامبا في الحصول على
لقبه الأول بالفوز على السويد 5-2، وكأن البرازيل لم تعرف
كأس العالم قبل (الجوهرة السوداء).
نجم البطولة:
أدسون أرنتاس دي ناسامينتو هو أشهر اسم في في التاريخ
الكروي العالمي ولكن بطريقه أخرى هي (بيليه).
ولد بيليه في الثالث والعشرين من أكتوبر 1940 ليكتب له أن
يكون أحد أفراد شهر العظماء في عائلة فقيرة كان والده لاعب
كرة وهو ما جعل والدته ترفض أن يتجه الصغير إلى الكرة.
ولكن بعد مشادات كثيرة وافقت الأم على ترك حرية الاختيار
لبيليه لتعطي الفرصة للعالم لمشاهدة واحد من أعظم من لعبوا
الكرة في التاريخ.
ولعب الحظ دوراً كبيراً مع موهبة بيليه فاكتشفه فالديمار
دي بريتو ليضمه إلى الفريق الخاص به ثم طلب منه الانتقال
إلى مدينة ساو باولو لإجراء اختبارات بنادي سانتوس عام 56
وبسبب العلاقة القوية بين مسؤولي سانتوس ودي بريتو وافقوا
على انضمام بيليه إلى الفريق وهو لم يكمل عامه الخامس عشر.
وسرعان ما علم مسؤولو سانتوس الكنز الكروي الذي وجدوه ففي
أول مباراة لبيليه مع الفريق أحرز أربعة أهداف لتتم
معاملته لاعب كرة محترف ومع اتمامه سن السادسة عشرة كان
هداف الدوري البرازيلي مما أجبر المدير الفني للمنتخب
فينسينتي فيولا على ضمه وخاصة أن الفريق كان مقبل على
المشاركة في كأس العالم ولم تكن النتائج مشجعة.
وكان العالم على موعد لرؤية المعجزة القادمة من البرازيل
في السويد 58 ولأول مرة تنجح البرازيل في الفوز بكأس
العالم ويعود الفضل إلى الجوهرة السوداء فكان أصغر لاعب
يسجل في نهائي كأس العالم.
وعاد بيليه للتألق مرة أخرى في شيلي 62 وقاد منتخب بلاده
للفوز بالبطولة، على الرغم من أنه لم يشارك في بعض
المباريات بسبب الإصابة، والاحتفاظ باللقب ليكون المنتخب
الثاني في التاريخ الذي يحتفظ بلقبه بعد إيطاليا.
وشارك بيليه في بطولة 66 ولكن للأسف الإصابة في مباراة
البرتغال منعته من إكمال البطولة لتخرج البرازيل من الدور
الأول.
ولكن في المكسيك 70 عاد بيليه للظهور ولكنه لم يكن وحيداً
فقد عاد ومعه (شركة الرعب المتحدة) التي كونها مع جيرزينيو
وكارلوس ألبرتو وتوستاو وريفيلينو وليجبر المنتخبات التي
ذهبت إلى المكسيك على الحلم فقط بالمركز الثاني.
وبعد شهر من فيلم الرعب البرازيلي رفع بيليه الكأس للمرة
الثالثة ليحتفظ بكأس جول ريميه في البرازيل بعد الفوز به
لثالث مرة ليقرر اعتزال اللعب الدولي بعد 92 مباراة أحرز
خلالها 77 هدفاً.
وفي عام 1974 انتقل بيليه إلى نادي نيويورك كوزموس لمدة
ثلاثة مواسم مقابل 7 ملايين دولار ليصبح اللاعب الأعلى
دخلاً في العالم في ذلك الوقت.
وفي عام 1977 اعتزل بيليه الكرة بعد مسيرة استمرت نحو 20
عاما أحرز خلالها 1283 هدفا ولسوء الحظ لم يستطع جمهور
الكرة رؤية أداء بيليه ولكن على الأقل فقد شاهدوا مباريات
مسجلة له. وبعد الاعتزال اتجه بيليه للأعمال الخيرية
والمكتبية ورفض خوض تجربة التدريب.
أبرز ما في البطولة:
إذاعة المباريات لأول مرة في تاريخ كأس العالم في جميع
أنحاء العالم، ومشاركة الاتحاد السوفيتي لأول مرة في كأس
العالم، أول بطولة يشترك فيها إنجلترا - اسكتلندا - ويلز -
إيرلندا الشمالية الاتحادات البريطانية الأربعة في بطولة
واحدة.
أفضل ما في البطولة:
أكبر فوز في مباراة نهائية بفوز البرازيل على السويد بخمسة
أهداف مقابل هدفين وهو أكثر مباراة نهائية تهديفياً.
أسوأ ما في البطولة:
انتهاء مباراة البرازيل وإنجلترا بالتعادل بدون أهداف وهي
المباراة الأولى في تاريخ كأس العالم التي تنتهي بالتعادل
السلبي.
|