المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

تيارات معمارية معاصرة .. " سليك - تيك"

د . خالد السلطاني*

* مدرسة العمارة / الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون

يمور المشهد المعماري العالمي المعاصر المابعد حداثي، بمقاربات مهنية عديدة ومتنوعة ؛ وهذه المقاربات ما ان تظهر على" سطح " ذلك المشهد بامثلتها التصميمية غير المسبوقة لغة وتكوينا ً، حتى تتخلى سريعاً عن دورها التجديدي لمقاربات آخرى تزيحها عن مكانها، وتتطلع هذه " الاخرى " لخلق تصوراتها المعمارية الخاصة بها، ومعدة نفسها في الوقت ذاته لعمليات " ازاحة " منتظرة من قبل تيارات معمارية مغايرة آتية، الامر الذي جعل المشهد المعماري المابعد حداثي متخما ً دائما بحضور كثيف لمقاربات معمارية مختلفة، وبصيرورات متنوعة لها . ثمة، اذن، حركة تعاقبية مستمرة وسريعة من عمليات احياء وموت تشهدها الممارسة المعمارية المعاصرة . ويسعى النقاد مع المتلقين الى متابعة هذه الظاهرة والتعرف على سماتها وتحديد تضاريسها ضمن " خارطة " النشاط المعماري المعاصر كي يمكن فهمها وتقبلها .
وتيار " سليك تيك "
Slick- Tech ؛ تيار واجهات المباني ذات السطوح الزجاجية الشفافة واللماعة والبراقة ؛ تيار " الصقالة " ؛ هو احد المقاربات المهنية الطليعية التى شغلت وشغفت بها الممارسة المعمارية المعاصرة على مدى سنين عديدة، وافضت الى نتائج معبرّة اتسمت حلولها التكوينية بتميز واضح، مثرية بلغتها التصميمية المتفردة المشهد المعماري العالمي بذائقة جمالية جديدة . ويعد تيار " سليك- تيك " احد تشظيات تيار " الهاي تيك " High- Tech : التيار المعني والمولع بجعل مفهوم < التقنية العالية > احد اهم المرجعيات المؤسسة لمفهوم تصميمي معاصر؛ والرافع من شأنها (اي التقنية) عاليا ً بحيث تضحى تأثيراتها جزءا اساسيا في تشكيل منظومة جمالية جديدة ساهمت في بزوغ هذا التيار بصيغة مؤثرة في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وجعلت من حالة التعاطي معه فعالية اثيرة عند المصممين مابعد الحداثيين .
وعلى غرار مقولة بان " لا شئ جديد تحت الشمس ! " ؛ فان متابعي تيار " السليك
تيك " يرون في بعض محاولات المصممين السابقين ارهاصا ً لولادة هذا التيار في الممارسة المعمارية العالمية، فهم يرصدون مساره التجريبي والتجديدي من خلال مداخلات معمارية مؤثرة قام بها مصممون اكفاء ذوو نَفَس طليعي عملوا في الفترة الزمنية الماضية، وتحديدا منذ ارتقاء المواد الانشائية الجديدة ناصية الاستخدامات الواسعة في تراكيب المباني المشيدة حديثا ً . واستنادا الى هذا الطرح فان متابعي " السليك تيك " يجدون في " القصر البلوري " (1851) Crystal Palace لجوزيف باكستون، نبعا ً ومصدرا ً ومرجعا ًً لتيارهم الاثير الذي تطلب ظهوره التام وحضوره الفعال في المشهد المعماري العالمي نيفاً وقرناً من الزمان من مسار عمارة الحداثة، المسار المترع بالتغييرات المستمـرة والحافل بعمليـات الاحياء والتمويت لمقـاربات تصميمـية متنوعة ! . فعمارة " كريستال بالاص " تثير اهتمام انصار " السليك- تيك " لجهة استخداماتها الجريئة والواسعة للالواح الزجاجية التى جعلت فضاء " جناح لندن " في معرض لندن الدولي، والذي سيدعى لاحقا ً " بالقصر البلوري "، جعلت منه فضاء شفافا غارقا ً بالنور والضياء، وهي حالة لم يشهد، في السابق، مثيلا لها تاريخ العمارة اوالانشاء على حدّ سواء .
في العشرينيات من القرن الماضي عندما تبلور التيار الوظيفي / الفانكشوناليزم، كتيار ابداعي جديد يسعى الى احداث قطيعة ابستمولوجية مع جميع الطرز والاساليب التصميمية التى عرفتها العمارة سابقا (عدا بالطبع "مدرسة شيكاغو " التى اعتبر الوظيفيون انفسهم ورثتها الشرعيين)، لجأ انصار الفانكشوناليزم الى المواد الانشائية المصنعة الجديدة بضمنها الالواح الزجاجية، كوسيلة ناجعة لاجتراح تلك القطيعة المعرفية ؛ والتى عدها انصار " السليك
تيك " اسهامة كبيرة في ترسيخ قيم ومبادئ عمارة الصقالة في الممارسة المعمارية العالمية . ومع ان اكثرية تصاميم تلك الحقبة ظلت " حبرا على ورق "، كما يقال، لكن ثلاثينيات القرن الماضي شهدت ظهور حدث واجهة زجاجية بالكامل لمبان ٍ صممها " لو كوربوزيه " مثل " مبنى مركز الاتحاد – "سنتر سيوز" في موسكو (1929-33)، ومبنى " جيش الخلاص " بباريس (1933) اللذين عدا بمثابة كشف جديد في نوعية المعالجات المعمارية . وبقيت معظم طروحات " ميس فان در رو ّ " واكثرية اعمال معماريّ تيار " الكونستروكتيفزم " الروسي، والخاصة بتصاميم مبان ٍ ذات واجهات زجاجية بالكامل، بقيت عصية على التحقيق، بيد انها الهبت في الوقت عينه مخيلة الكثيرين لما يمكن ان تمنحه الالواح الزجاجية من فورم معماري استثنائي ومتميز وحداثي .
يُعد ظهور " البيت الزجاجي " (1949) لفيليب جونسون كحدث فريد ليس فقط في منجز عمارة الصقالة، وانما في منجز عموم عمارة الحداثة ؛ اذ صدمت هيئته الشفـافة والمكشوفة والعارية، المشغولة من " جدران " زجاجية التصورات المألوفة عن مفهوم فضاء البيت السكني واحيازه المغلقة المتدرجة في خصوصيتها . وكانت جرأة المحاولة " الجونسونيه" ضرورية لجهة لفت الانظار لما يمكن ان تجترحه طروحات " ميس " المعمارية من فورمات استثنائية، رغم ان تجسيداتها في " البيت الزجاجي " جاءت بصيغ راديكالية للغاية . على ان تحقيق عمارة " البيت الزجاجي"
´سيفضي، لاحقا، الى تسهيل مهمة حضور عمارة " سيغرام بيلدينك " (1958)Seagram Building النيويوركية الشهيرة بجميع جدرانها " الستائرية " الزجاجية الاربعة، حضورا بليغا في المشهد المعماري العالمي، ذلك الحضور الذي بدا وكأنه نهاية منطقية لدراسات سابقة اجراها " ميس " وانصاره ، ونتيجة مثمرة، ايضا، لمسار طويل في تجـارب "عمارة الصقالة " .
تعرض مسار عمارة " السليك
تيك " الى نكسة حقيقية، اثر انهيار مفاهيم عمارة الحداثة، وخصوصا في مقارباتها ضمن ما يسمى " بالاسلوب الدولي "، الذي جسدت " سيغرام " منتهى ما توصل اليه ذلك الاسلوب الابداعي من طروحات مفاهيمية ؛ كما ان بزوغ عمارة ما بعد الحداثة على مسرح الممارسة المعمارية، وافتتان ما بعد الحداثيين بمفهوم الجدران الكتلوية الضخمة في تكويناتهم التصميمية، بالاضافة الى مطالبة المختصين بضرورة مراعاة الاقتصاد في الطاقة والنأي عن استخدامات الالواح الزجاجية في البناء ؛ افضى الى انحسار عمارة " السليك- تيك " عن الممارسة المعمارية العالمية لعقد من الزمان . تزامنت فترة التغاضي عن عمارة الواجهات الزجاجية مع الشروع باجراء دراسات معمقة وبحوث رائدة قام بها مختصون في صناعة الزجاج، اثمرت عن انتاج تشكيلة واسعة من المواد الشفافة ذات مواصفات متنوعة ان كان لجهة تحديد اللون او لتنوع المواصفات الفيزياوية الاخرى او لانتاج الواحها بابعاد قياسية . كما تم ابان تلك الفترة تحقيق اساليب جديدة لعمليات تثبيت الالواح الزجاجية وربطها الى اقسام الهيكل الانشائي للمبنى . وبفضل هذه الاجراءات باتت السطوح الواجهية متحررة من لزومية التقسيمات الصغيرة لشبكة الاطارات المعدنية الماسكة للالواح الزجاجية، الامر الذي منح المعماريين فرصة الحصول على سطوح شفافة وفسيجة غير مجزأة بصريا .
لقد اثار " السليك
تيك " اهتمام المصمميين مرة اخرى للامكانات الواسعة التى يوفرها هذا التيار لجهة احراز واجهات زجاجية ذات هيئات منحنية واسطوانية وحتى.. كروية . كما ساهمت الكشوفات الرائدة في مجال تصنيع الزجاج وعمليات الربط والتثبيت المتنوعة " لموجة ثالثة " من عمارة الصقالة ؛ وابتداء من السبعينيات بدأ يظهر في المشهد المعماري العالمي المعاصر المثال تلو الاخر من مبانٍ ذات واجهات مزججة بالكامل ؛ وبدا من غزارة وشيوع تلك النماذج في الممارسة المعمارية، وكأن " السليك تيك " يحاول ان يعوض سنين النسيان والاقصاء التى مر ّ بها في العقد الستيني ! . لقد اغوت مزايا هذا التيار كثيرا من المصممين الطليعيين، الذين عملوا في السبعينيات وانبهروا في بفورماته ذات السطوح الفسيحة اللماعة والبراقة، ويعتبر كثير من النقاد هؤلاء المصممين الذين ارسوا " الموجة الثالثة " من عمارة الصقالة، بانهم بعملهم هذا فتحوا الباب واسعا امام التطورات الدراماتيكية التى ستشهدها لاحقا الممارسة المعمارية العالمية في " انقلابها " المابعد حداثي، وباتوا يدعون في ادبيات النقد المعماري بـ " اباء " عمارة ما بعد الحداثة، امثال " نورمان فوستر" ، و" فيليب جونسون " و " سيزار بيللي " و " دومنيك بيروا " و " زهاء حديد " و " ريجارد مايير " , " جان نوفيا " و " اي ام بي " وغيرهم .
عادة ما يشير النقاد الى اوائل امثلة ظهور " السليك
تيك " في موجته الثالثة الى المبنى الاداري الخاص بالمقر العام لشركة < ويلس فابير ودوماس > Willis Faber & Dumas في ابسويج / انكلترة (1975) للمعمار البريطاني المعروف " نورمان فوستر " N.Foster . لقد كان ظهور هذا المبنى لافتا ومخالفا للسياق التصميمي الشائع ابان تلك الحقبة الزمنية ؛ ظهور ينم عن محاولة لترسيخ قيم تصميمية جديدة، او بالاحرى قيم معروفة، لكنها مستحضرة الان من خلال قراءة تأويلية ابداعية، انها ببساطة تنزع لان تكون نقيضة لمقولة " روبرت فنتوري "، فالمبنى بالاساس " سقيفة زجاجية .. غير مزخرفة "، بالضد من اطروحة المعمار الشهير، صاحب " التعقيد والتناقض في العمارة " من ان معظم النتاج المعماري ما هو سوى " سقيفة عادية، بيد انها .. مزخرفة ! " .
وتبعا ً للبساطة المتناهية لشكل المبنى، البساطة المتأتية من استخدام الجدران الزجاجية الشفافة والبراقة، فان هذا المبنى اعتبر من قبل بعض النقاد الوريث الشرعي لمأثرة " باكستون " الزجاجية، تلك المأثرة " المنقاة " والمعززة بمداخلات " ميس فان دير رو ّ " الابداعية والطليعية والمؤثرة . على اننا يتعين علينا الاشارة هنا، بان من عمارة الاخير : عمارة " الجلد والعظم " لم يتبق َ منها في انتاج " السليك- تيك " سوى " الجلد " فقط، المعبر عنها بسطوح زجاجية ممتدة على الواجهات باكملها، ذلك لان الهيكل الانشائي : " عظم " المبنى، قد تم اخفاءة بعيدا داخل حيز المنشأ، خلف تلك السطوح اللماعة المتصلة غير المجزأة ! .
من ضمن المميزات الخاصة التى اتسمت بها نتاجات " السليك
تيك " في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات الشروع في استخدامات واسعة للزجاج العاكس المرآتي في المباني المشيدة وقتذاك، الامر الذي جعل من العناصر التركيبية لتلك المباني، تبدو وكأنها هشة ووهمية، حافلة بتأثيرات عدم المادية ؛ ذلك لان الالواح الضخمة المرآتية المشكلة لواجهات المباني، اضحى بمقدورها الان ان تعكس بوضوح مناظر البيئة الخارجية المحيطة من مبانٍ مجاورة وغيوم متحركة ؛ وهذا الانعكاس الصوري / المرآتي، افضى الى اخفاء مقاسات عناصر المبنى الحقيقية، نازعا ً عنها، في الوقت ذاته، الاحساس بطابعها المادي الملموس، ومشوشا على المتلقي تصوراته عن ابعادها الواقعية ، مما حدا بالناقد المعماري " لويس ممفرد " باطلاق تسمية < الفيلة الخجولة > على مباني " السليك تيك " في فترتها المرآتية ! .
ورغم النجاحات الباهرة التى انجزها تيار " السليك
تيك " في الممارسة المعمارية المعاصرة، لا سيما الامكانات الواسعة التى وفرها في تحقيق تراكيب شفافة ذات هيئات منحنية، محققا احلام المعماريين القديمة في خلق ابنية زجاجية كروية، تلك المباني التى وردت في تصاميم معماريين طليعيين، ابتداء من " ليدو " الفرنسي، وحتي " ليانيدوف " الروسي، والتى ظلت على امتداد عقود من السنين عصية على التحقيق؛ نقول، رغم تلك النجاحات المهمة في تشكيل فورمات جديدة، بدا و كأن السطوح الزجاجية اللماعة بحيادية تأثيراتها ونعومة ملمسها، تخلق تحديدات تكوينية معينة ؛ مما بعث ببعض المصممين، الى اللجوء لتآلفات عناصر شفافة مع آخرى صلدة، مهمتها تلافي ظهور مثل تلك السلبيات والتحديدات، والتوق الى ايجاد تنويعات تكوينية ضمن معطيات مفهوم " السليك تيك " . ومثل هذه الممارسة يمكن رصدها في كثير من التصاميم التى ظهرت في الثمانينيات وبداية التسعينيات .
لقد اغنت موضوعة " المستنبت الزجاجي "، موضوعة المباني ذات الواجهات المزججة بالكامل، الممارسة المعمارية العالمية المعاصرة، وبات التعاطي مع " ثيمتها " ممارسة اثيرة لدى معمارين عديدين، عملوا ويعملون في مناطق مختلفة جغرافيا وثقافيا واثنيا من عالم اليوم ؛ كما اضحت شواهدها تزين المشهد الحضري لمدن كثيرة بدءا من نيويورك وصولا الى مدن جنوب شرق آسيا، مرورا ... باربيل : عاصمة اقليم كوردستان العراقي .


عن صحافة المنفى وتاريخها

فائق بطي
في عام 1960، طبعت ونشرت لي اول دراسة عن الصحافة العراقية بكتابي الموسوم (الصحافة العراقية - ميلادها وتطورها) وهي اطروحة جامعية لنيل شهادة البكلوريوس في الصحافة من القاهرة. ولغرض ان تكون تلك الدراسة متكاملة، استعنت بكتابين عن تاريخها: الأول عن ميلادها منذ صدور جريدة "الزوراء" عام 1869 حتى عام 1936 للمؤرخ العراقي الكبير، عبد الرزاق الحسني. والثاني، عن تطورها، الفكري والسياسي، لعميد الصحافة العراقية آنذاك، الكاتب رفائيل بطي في كتابه " الصحافة في العراق" في فترة امتدت الى عام 1936 ايضا. والكتابان هما ما صدر فقط عن تاريخ صحافتنا منذ نشأتها حتى منتصف الثلاثينيات. وفي غضون السنوات اللاحقة، وبحكم اشتغالي في الصحافة، واصلت البحث والدراسة لغرض استكمال كتابة وتدوين تاريخ الصحافة العراقية، وهي غنية بمادتها ورائدة في مجال صحافة الفكر والرأي في دنيا الصحافة العربية، فاصدرت الكتب التالية منذ عام 1968 حتى عام 1976: - صحافة العراق - تاريخها وكفاح اجيالها. - صحافة الاحزاب وتاريخ الحركة الوطنية في العراق. - صحافة تموز وتطور العراق السياسي. (عن ثورة 14 تموز 1958 لغاية 1963). - اعلام في صحافة العراق. - الموسوعة الصحفية العراقية. (تضم كل ما يتعلق بالصحف والمجلات وقوانين الصحافة منذ عام 1924 ولغاية ثورة تموز، والعمل النقابي بعد تأسيس نقابة الصحفيين 1959). وكانت اطروحة الدكتوراه من موسكو عام 1979، هي الكتاب السابع لي في تدوين تاريخ الصحافة العراقية الذي صدر في لندن منتصف عام 1982 والموسوم (الصحافة اليسارية في العراق) منذ نشأتها حتى عام 1958 . ثم بدأت هجرة المثقفين العراقيين الى المنافي في الشرق والغرب.. لتولد الصحافة العراقية من جديد. كانت الاصدارات الجديدة، امتدادا لصحف مركزية للاحزاب الوطنية العراقية العربية والكردية، بينما الغالبية منها، نشأت وتطورت في المنفى، السياسية منها والثقافية والاجتماعية، حتى بلغ عددها المئات في غضون ثلاثين عاما او ما ينيف. وخلال تلك السنوات الطويلة من العمل في صحافتنا بالمنفى، شعرت بحاجتنا الى تدوين مسيرتها كجزء متواصل ومتمم لتاريخ الصحافة العراقية، خصوصا، ان الصحف والمجلات،السياسية منها والفكرية، كانت في مستوى متقدم يفوق تقدمها وواقعها، ذلك الكم الهائل من المطبوعات التي اغرقت اسواق بغداد، في فترة زمنية طويلة، والتي لم تكن سوى ابواق لنظام صدام حسين وتمجيد له ولعائلته، وهي تسبح بجرائمه التي صورتها "بالامجاد" في ظل اعتى حكم بوليسي في التاريخ. وجاء عدي صدام حسين بدوره ليمسخ السلطة الرابعة وينهي دورها كمهنة حرة شريفة لها رسالة فكرية وانسانية تقود مسيرة الشعب العراقي. حاولت في تتبع ومسح ما صدر من مطبوعات في المنفى، الممتد نشوؤها وتطورها من بلاد الشرق حتى اقصى بلدان الوجود العراقي، في كندا ونيوزلندا واستراليا، الوقوف على كل ما صدر من صحف ومطبوعات، دون ان ابحث في النشرات، وهي كثيرة ايضا، وقد ساعدني في البحث والاطلاع على ما تضمنته هذه الدراسة، عدد من الاصدقاء المثقفين والسياسيين الذين ساهموا او واكبوا ميلاد هذه الصحافة الحرة، ليكون هذا السفر متكاملا، رغم الصعوبات العديدة التي رافقت هذه المحاولة الجادة في تسجيل التاريخ العراقي. ومن الطبيعي، في مثل هذه الدراسات، ان تأتي او ان تكون متكاملة، بسبب تعدد الدول على الخارطة الجغرافية التي شهدت ميلاد الصحافة العراقية. وثانيا، غياب المصادر التي تعتمدها الدراسة، او وجود الاشخاص الذين اصدروا اعدادا قليلة من المطبوعات، لأسباب خارجة عن ارادتهم. يضاف الى ذلك، عدم احتفاظ البعض من المثقفين الذين ساهموا في الاصدار او الكتابة فيها، باعداد منها، الا القلة منهم. ورغم ذلك، فقد شملت الدراسة وغطّت الكثير من الوقائع، فيما يتعلق بجهات الاصدار، وفي تحليل مكانة كل مطبوع ودوره في العملية السياسية والثقافية في الوطن، والجهات التي وقفت وراءه، واسباب ديمومة البعض من هذه الصحف، او الغياب السريع للبعض الآخر. وبهذه المناسبة، لابد كانجاز علمي، ان تغنى مثل هذه الدراسات، بمساهمات من قبل الشخصيات العراقية التي كان لها دور متميز في العمل السياسي والفكري الثقافي في المنفى الاجباري، وهم يعملون بصمت في سبيل انقاذ العراق من الحكم الدكتاتوري، واعادته الى مكانته التي يستحقها وشعبه، بين شعوب العالم، خصوصا، اولئك الذين لم تتناولهم هذه الدراسة، لتضاف مساهماتهم في طبعة لاحقة تكون امتدادا لدراسات اخرى تدوّن تاريخ الصحافة العراقية خارج الوطن.


ماضي الأهوار.. حاضر الأهوار بعدسة عادل قاسم وحيدر الناصر

متابعة المدى الثقافي

تصوير نهاد العزاوي
في قاعة جمعية التشكيليين العراقيين، كانت لنا سباحة بصرية، لماضي الأهوار وحاضرها تلك الامكنة التي بإمكانك اصطياد السهولة والبساطة والجمال فيها، دون عناء. بيوت من القصب بنيت على فسحة يابسة فوق الماء رجل يدفع بـ(شختورته) وليسافر الى اعماق الماء، ويقتنص سمكة هناك امراة تسجر تنورها، وتتحاشى لهيب النار المتصاعد طفلة تركض، طفل يرنو الى عدسة الكاميرا، حيوانات متراصة بين التبن حياة أقل من بسيطة لأناس يسكنهم المكان، قبل ان يسكنوا كانت الصور اكثر من ناطقة، وهي تقول الكثير عن الأهوار وعن الحياة فيها صور مباشرة، صور جسدت رحلة العناء والتعب، عبر مسافات الماء والطيبة والألفة.
لقد كان الفضل للجمعية العراقية لدعم الثقافة، في اقامة لهذا المعرض الذي ضم واحداً واربعين صورة فوتغرافية، تقاسمها المصوران الفوتغرافيان عادل قاسم وحيدر الناصر. الأول جسد ماضي الأهوار، والثاني جسد الأهوار في حاضرها.
يقول عادل قاسم: أردت من خلال صوري أن أنقل الواقع المعيش في الأهوار لأنها جزء مهم من بلدنا، ومكان حافل بالدفق والجمال والألفة والاهوار تمنح المصور مادته التي يريد، فأينما تدر قرص العدسة هنالك حياة، هنالك جمال، هنالك بساطة.
وهل هذه الصور هي كل ما التقطته لهذه البقعة المهمة؟
بالتأكيد لا فلدي عشرات الصور الأُخرى، التي تستنطق الأهوار، وتوثق الحياة، وتتغنى بالجمال!
تركنا عادل قاسم مع صوره، واستمرت سياحتنا البصرية مع صور حيدر الناصر، المولود في عام 1971 في البصرة، والذي أقام معرضا عن الأهوار على شبكة الانترنيت في عام 2006 .
يقول حيدر الناصر:
بدأت بجمع هذه الصور منذ ثمانية أشهر، حاولت من خلالها تصوير الاماكن التي استجدت في الاهوار، ومساحات الجفاف التي حلت فيها وصوري هذه توثق الاهوار خلال هذه الفترة، وحاولت قدر الإمكان الابتعاد عن المباشرة التي قد لا تخدم الصورة احياناً.
ماذا وجدت في الأهوار، او ماذا اثار انتباهك؟
اثار انتباهي وجود المراة مع الرجل، في كافة مفاصل الحياة اليومية، ولكن للأسف هنالك خمس منظمات مجتمع مدني، تعنى بالأهوار، لكنها لم تقدم شيئاً لها .
بعد هذا المعرض ماذا تتمنى ان تحقق؟
اجاب بطيبته البصرية وخجلة: لديّ حلم ان اكون مصوراً يعمل في كل مكان في العالم، اي ان اوثق مناطق كثيرة في العالم وليس في العراق لوحده!

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة