ما بعد
الامن: تحديات تواجه الحكومة الجديدة
بقلم: ليونيل بينر
ترجمة : فاروق السعد
عن: فورن افيرز
باقتراب تسلم اول حكومة عراقية دائمة مهامها، لا تزال
هنالك العديد من التحديات الكبيرة المربكة الى جانب الحاجة
الى تحسين الامن. ومن أبرزها لجم الفساد، الذي انتشر في
العديد من الوزارات العراقية المهمة، و هنالك اولوية اخرى
تتمثل في تحسين الخدمات الرئيسة مثل نفط التدفئة، الكهرباء،
و مياه الشرب. و سيواجه القادة العراقيون ايضا مسالة تعديل
الدستور، و هي المهمة التي يقول عنها الخبراء بانها ستكون
شاقة- و ربما عقيمة- اذا نظرنا الى حالة عدم الثقة بين
مكونات المجتمع العراقي العرقية و الدينية اضافة الى
العملية الشاقة التي تتطلبها مسالة التعديل." ستكون الستة
اشهر القادمة حاسمة بحق بالنسبة الى العراق" كما قال
السفير الامريكي للعراق، زلماي خليل زاد الى الاسوشيتد
برس.
* ما
اكبر مسألة مثيرة للخلاف؟
تعديل الدستور، كما يقول الخبراء. فسيكون امام البرلمان
اربعة اشهر –ابتداءً
من 3 أيار، عندما انعقد البرلمان للمرة الاولى- لاجراء
التعديلات على الدستور. وهذا مسموح به طبقا لاتفاق تم
التوصل اليه الخريف الماضي لمنع السنة من الانسحاب من
عملية كتابة- مسودة الدستور؛ حيث مكنت الصفقة المفاوضين من
تاجيل اعطاء اجابات نهائية على المواضيع المستعصية مثل
تقسيم العائدات، صلاحيات الاقاليم، و اجتثاث البعث. يقول
الخبراء بان الاختلافات بين المكونات العرقية و الدينية في
العراق، كما بينتها عملية تشكيل الوزارة الطويلة، تنذر
بوجود مفاوضات مثيرة جدا للجدل في الانتظار." ستكون عملية
مثيرة للفوضى" كما يقول فيبه مار، وهو زميل اقدم في المعهد
الامريكي للسلام. ويقول اخرون بان اجراءات تعديل الدستور
السارية لن تسمح باجراء تغييرات مهمة على الوثيقة. " اذا
ما اخذنا بنظر الاعتبار العقبات الصعبة الواجب تجاوزها،
فانها ستكون اكثر المسائل عسرا" كما يقول غريغوري غوس،
الخبير في الشرق الاوسط في جامعة فيرموت." لن تحدث الا في
حالة مساعدة الامريكان السنة". فطبقا للفقرة 140 من
الدستور، يجب ان يشكل البرلمان لجنة لتقديم حزمة من
التعديلات الدستورية المقترحة. و عندها يجب ان يصوت
البرلمان على التعديلات كحزمة، و ليس فرادا، و تحتاج الى
اغلبية بسيطة. واذا ما تمت المصادقة عليها، فستحتاج مجموعة
التعديلات الى موافقة الناخبين من خلال استفتاء عام، مماثل
للاستفتاء المتقارب و المثير للجدل الذي اجري في تشرين
الأول الماضي. لقد تمت صياغة الوثيقة بحيث لا يمكن اجراء
تعديلات مهمة عليها" كما يقول ناثان براون،الخبير في
القانون الاسلامي في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي. كل ذلك
يثير القلق من ان بعض الاحزاب السنية، في حالة فشلها في
بلوغ اهدافها في مواضيع مثل تقسيم العائدات، قد تنسحب من
العملية السياسية. و يشير بعض الخبراء إلى أن التعديلات
المهمة ينبغي ان تاتي من خلال عملية تشريعية، وليس من خلال
التعديلات. و يشير براون الى ما يقارب ثمانين موضعا حيث
يسمح الدستور بتمكين القوانين من " ملء الفراغات". يقول
مار بان تلك الفراغات قد تكون في صالح السنة." ان كنت
قادرا على الحركة تدريجيا، فان ذلك قد يكون افضل طريقة
للسير" كما يقول . و على اية حال، يقول براون بان اصدار
تشريعات برلمانية سيكون اقرب الى المستحيل بالنسبة للسنة
بدون مساندة الاكراد.
ما اهم الاختلافات
حول الدستور؟
تاتي معظم الاختلافات من صياغة النص الغامضة، التي هي
مفتوحة للتفسيرات، كما يقول الخبراء." ان الدستور مشابه
للجبن السويسري" كما يقول مار. لقد صوتت الاقلية السنية
باغلبية ساحقة على رفض الوثيقة في تشرين الأول الماضي، و
لكنهم يقولون بانهم وعدوا بامكانية اجراء تعديلات اساسية
على النص بعد تشكيل الحكومة بخصوص عدة مواضيع. و من بين
المسائل التي ستعالج:
• الفيدرالية.
ان تقاسم السلطة بين الحكومة الفيدرالية و حكومات الاقاليم
يقلق العديد من السنة، الذين يخشون من ان لا مركزية العراق
ستضعف من ثروتهم و نفوذهم. يمنح الدستور عددا من الصلاحيات
للاقاليم، و يترك الباب مفتوحا لاحتمال قيام الشيعة بتاسيس
اقليم كبير من تسع محافظات في الجنوب، ويسمح للاكراد
بالقيام بتوسيع حكمهم الذاتي الذي كانوا يتمتعون به منذ
تاسيس المنطقة المحمية من قبل امريكا و بريطانيا عام 1991.
يرى ليزلي كيلب، الرئيس الفخري لـ
CFR)
)و هو الذي قدم مقترح
الفيدرالية العراقية، بامكانية قيام ثلاثة اقاليم في نفس
الوقت حيث يكون كل منها مسؤولا عن القوانين المحلية و
الامن الداخلي، في حين تكون بغداد مسؤولة عن الإشراف على
الدفع ، السياسة الخارجية، و عائدات النفط.
• اقتسام
العائدات. ان القانون مبهم حول الكيفية التي يتم توزيع
فيها مليارات الدولارات من عائدات النفط، وهو ما يقلق
السنة الذين يتواجدون بشكل اساسي في الوسط الفقير بالمصادر.
تدعو الفقرة 110 الى " اقتسام العائدات بشكل منصف بشكل
يتناسب مع التركيبة السكانية" و لكنه اقل وضوحا فيما ان
كان يشير الى حقول النفط المستقبلية او الى تلك الموجودة
حاليا فقط. ان المستفيد الاكبر من تلك الترتيبات هم الشيعة
الذي يعيشون في الجنوب الغني بالنفط، و ليس الاكراد، الذين
اصبحت حقولهم في الشمال قديمة وعلى وشك النضوب. يقول بعض
الخبراء بان الاكراد سيستفيدون بشكل اكبر في حالة اقتسام
العائدات، حيث سيحصلون على 20%- ما يعادل تقريبا نسبتهم من
السكان- من جميع عائدات النفط. وبالمثل، كما يشير كيلب
بانه ينبغي ان يتم تعديل الدستور كي يضمن للسنة الحصول على
20% من العائدات.
• اجتثاث
البعث. يمنع الدستور الاعضاء السابقين الكبار في حزب البعث
من تسلم مناصب حكومية. والنتيجة، كما يكتب ايان برمير من
مجموعة اوراسيا في
Korea Herald
، هي ان " اجتثاث البعث
قد ابعد الالاف من العراقيين عن الحياة السياسية
والاقتصادية". يحاول السنة قلب هذه القوانين. قال احمد
الجلبي، الذي يرأس لجنة اجتثاث البعث، الى فضائية العربية
الناطقة باللغة العربية في وقت مبكر من أيار بانه ينوي
الغاء اللجنة، التي تم انشاؤها من قبل سلطة الائتلاف
المؤقت عام 2003. و قد خدم رئيس الوزراء المالكي لفترة
قصيرة كنائب لرئيس اللجنة وكان مساهما فعالا في صياغة
مطالب الشيعة في الصياغة الاولية لمسودة الدستور.
*ما المسائل
الاساسية الاخرى التي تواجه الحكومة العراقية الجديدة؟
- احداث قفزة في الاقتصاد. لازال الاقتصاد العراقي
مبتليا ببطالة متفشية، نمو بطيء، وعائدات نفطية غير كافية.
فلازالت البطالة تتراوح بين 25-40% . وكل الاقتصاد تقريبا
مرتبط بالصناعة النفطية، التي تشكل 98% من مجموع صادرات
البلاد السنوية البالغة 21مليار دولار، طبقا لاحصائيات
معهد بروكنغز." لا يمكن اغفال حقيقة كون العراق يمتلك ثاني
احتياط في العالم" كما يقول ستيوارت بون، المفتش العام
الامريكي بخصوص اعادة اعمار العراق" و هذا ينبغي ان يؤدي
في النهاية الى ازدهار الاقتصاد". ان نقص فرص العمل-والامن-
قد ادى الى هجرة جماعية للطبقة المتوسطة من العراق، كما
تشير تقارير النيويورك تايمز. وقال الفريق بيتر جيارلي،
ثاني ارفع قائد عسكري امريكي في العراق، في الفترة الاخيرة
الى المراسلين بان انعاش الاقتصاد سيؤدي الى تحسين الوضع
الامني عن طريق اخذ" الشباب الساخط من الشارع".
- معالجة الفساد. يسمي بول الفساد"التمرد الثاني". فلقد
كلف الفساد الاقتصاد العراقي مئات الملايين من الدولارات،
خصوصا على شكل ضياع في عائدات النفط، كما يقول. فالرشوة
متفشية في وزارة الدفاع والداخلية ايضا. ان بعض انواع
الفساد صغيرة- تهريب سيارات و البنزين، دفع رشاوى من اجل
الحصول على درجات جامعية اعلى، المساومة على"الرسوم
الجمركية" عند المعابر الحدودية- ولكن معظمها مستمرة. لقد
صرفت وزارة الدفاع ما يقارب المليار دولار على صفقة شراء
اسلحة مشكوك بها. كما تذكر لوس انجلس تايمز. يقول كاليف
سيب، مساعد بروفيسور يعمل محلل لوزارة الدفاع في مدرسة
مونتري للدراسات البحرية المتقدمة، الذي كان في العراق
خلال الجزء الاكبر من العام الماضي، بان الفساد يشكل صفعة
لجهود اصلاح النظام القانوني العراقي. فان دفع مبلغ يقارب
15000 دولار الى المسؤولين المحليين كفيل باخراج اي شخص من
السجن، كما يقول." بغض النظر عن الجريمة". " نامل بان
المزاوجة بين الدماء الجديدة في القمة، المؤسسات المالية
الدولية، و الضغوط الامريكية ستودي الى دفع الناس للقيام
بالشيء الصحيح" كما يقول غريغوري غوس. يتجسد جزء من
المشكلة في غياب المراقبة، كما يقول سيب. لا تمتلك سوى
وزارتي الدفاع و الداخلية مستشارين دوليين. و يقول سيب بان
العديد من الوزارات رفضت النصح الخارجي باعتباره تدخلا،
ومن المحتمل ان يكون الهدف من ذلك حماية ارباحهم الخاصة.
لقد قال المالكي بان مكافحة الفساد ستكون من اولويات
حكومته، فمن بين 3000 حالة فساد، لم يتم احالة سوى 780 الى
المحاكم؛ ومن بين تلك الحالات لم تصدر احكام سوى بحق بضع
قضايا، كما تذكر لوس انجلس تايمز. " سينبغي عليك ان تتعامل
مع حالة فساد كبيرة"كما يقول غوس. " نامل بان المزاوجة بين
الدماء الجديدة في القمة، المؤسسات المالية الدولية، و
الضغوط الامريكية ستودي الى دفع الناس للقيام بالشيء
الصحيح و تردع المفسدين". كما يقول سيب بجدل اكثر حدة،
بضمنها عقوبة الاعدام، التي قد تظهر الحاجة اليها لكي يتم
لجم بعض العراقيين عن قبول الرشاوى، مشيرا الى دول اخرى
مثل اندونيسيا و الصين اللتين استخدمتا ذات التكتيكات.
- تشكيل محكمة دستورية. ستخدم المحكمة الفيدرالية
العليا كارفع سلطة قضائية عراقية . وبتشكلها من عدد من
القضاة والخبراء في الشريعة- او القانون الاسلامي- ستقوم
المحكمة بتفسير الدستور وتقضي بالنزاعات التي تنشأ بين
الحكومة الفيدرالية والاقاليم. يجب ان يحصل المرشحون لهذه
المحكمة على مصادقة البرلمان"بما ان المحكمة قوية جدا،
فاني اتوقع ان تكون المعركة حولها حامية بشكل خاص" كما
يقول براون. ستكون من اهم التحديات التي تواجه المحكمة هو
الدور الذي سيلعبه الاسلام وتفسيرها لقانون الاحوال
الشخصية العراقي، الذي عولج بطريقة مبهمة في الدستور،
خصوصا في مسائل الزواج، الطلاق، و الميراث. يحتوي الدستور
على فقرة تسمح للعراقيين ان يحددوا قوانين مجموعتهم
العرقية او الدينية، ولكن، على سبيل المثال، لا يحدد
القانون الذي يحكم الزيجات المختلطة." ماذا لو تزوج سني من
امراة شيعية؟" كما يتساءل براون. " كيف سيطبق هذا القانون؟".
- تحسين الخدمات الاساسية. من المسائل الاساسية للامن
في العراق توفر ماء الشرب، كهرباء يعتمد عليها، ومعالجة
مناسبة للمجاري، كما يقول الخبراء. لا يجري الماء في بغداد
الا لمدة ساعة واحدة في اليوم، ولا تدوم الكهرباء الا اربع
ساعات، وتفيض الشوارع بالمجاري. وتشير التقارير الى ان
المتمردين يستخدمون حتى اكداس النفايات لاخفاء قنابلهم
التي تستخدم في الطرق. وان جزءاً من المشكلة يتمثل في
انقطاع التيار الكهربائي، بسبب عمليات التخريب وغياب الامن."
ان الطلب على الكهرباء يفوق كثيرا العرض في هذه المرحلة"
كما يقول براون. وان ضعف الاشراف على المقاولين المحليين
والاجانب المسؤولين عن اعادة الاعمار يمثل ايضا مشكلة."
الكثير من المقاولين المسؤولين عن اعادة الاعمار لا يخشون
ما تبينه عمليات التدقيق لانهم لا يتاثرون فيما اذا دفع
لهم او حصلوا على مكافآت. " كما يقول ريب هنري واكسمان،
الناقد البارز في الكونغرس لجهود امريكا في اعادة الاعمار.
لقد ادى نقص الخدمات الاساسية بعد ثلاثة اعوام من سقوط
صدام الى استياء السكان المحليين، كما يقول الخبراء. لقد
وعد المالكي، كجزء من خطته المكونة من 43 نقطة المقدمة الى
البرلمان، باعادة تلك الخدمات الاساسية عن طريق القضاء على
الفساد، وضع مدراء اكثر اهلية على رأس الوزارات الاساسية،
و تحسين الامن.
|