دار
التمريض الخاص أداء متميز بثمن باهظ
بغداد/ صافي الياسري
ذهل الرجل وهو يسمع رقم
اجرة العملية الذي يجب عليه دفعه، والعملية هي وضع صمام في
مخ زوجته، فهو لم يحسب حساب المليون ونصف وانما قدر المبلغ
في اعلى ارقامه بـ750 الفاً كما اخبره مسؤول الحسابات
وتحدث بصوت خافت كانه يحدث نفسه لم اتوقع هذا المبلغ ولا
املكه والتفت الينا قائلاً لم اتوقع هذا المبلغ لاجراء
العملية التي تتوقف عليها حياة زوجتي، وقد بعت بعض اغراض
البيت للوصول الى مبلغ 750 الف دينار، لكن حسابات المستشفى
ابلغته انه اذا لم يدفع مبلغ مليون ونصف فان العملية لن
تجرى.
حاول
ان يستجدي عطف مسؤول الحسابات قائلاً انه من سكنة البصرة
وانه لا يعرف في بغداد من يستلف منه بقية المبلغ، فتخلى
المحاسب من مهنته وهو يتحدث وراح يشرح للمراجع البصراوي ان
الموضوع ليس من اختصاصه وان مهمته هي تسلم الاجر وايداعه
في الخزينة فقط، وانه كان من الممكن تخفيض هذا المبلغ لو
ان الامر يتعلق بالمستشفى وحدها لكن الامر مرتبط بالطبيب
الجراح فهو الذي يشترط المبلغ ويحدده ولا يقبل التنازل عنه
الا نادراُ، وهكذا انسحب الرجل بهدوء يفكر في طريقة تخرجه
من المأزق فلم يجد سوى اخراج زوجته من المستشفى، قلنا له
لماذا هذا الاصرار على هذه الدار ذات الاجور العالية مع ان
مستشفيات بغدادية حكومية اخرى تجريها بأجر رمزي؟ فقال ان
ضمان نجاح العملية ومستوى الخدمات في الدار اعلى من غيره
في بقية المسشتفيات بسبب الكفاءة العالية والاجهزة
المتطورة المستخدمة وانه سيسلم أمره الى الله ويبحث عن حل
آخر.
خلال هذا الحديث تقدم مواطنان اخران يطلبان اجراء عملية
زرع ورك لقريب لهما اصيب بغارة جوية ادت الى تحطم عظام
وركه، طلب منهما المحاسب دفع مبلغ 800 الف دينار كتامينات
اولية ولم تنفع محاولاتهما هما ايضاً في محاولة اقناع
المحاسب بتخفيض المبلغ، فقد اخبراه انهما راجعا العديد من
المستشفيات والمنظمات الانسانية فلم تنفع مراجعاتهما ولم
يبق سوى دار التمريض الخاص لاجرائها، ولم يتلقيا سوى
الجواب الجاهر الذي تلقاه الرجل البصري- ان ذلك ليس من
اختصاصه-
-لابد من دفع المبلغ اذا اردتما اجراء العملية مع بقية
التكاليف التي ستعرفونها فيما بعد.
قال احد الاطباء عن سر ارتفاع الاجور: لم يحصل اي تغيير في
اجور العمليات المختلفة بعد الغاء نظام التمويل الذاتي لكن
ما حدث هو ارتفاع بعض الاجور المتعلقة بالخدمات الطبية مثل
الفحص والاشعة والسونار والتجبيس وفحص الاعصاب بجهازي
المفراس والرنين والادوية وامور اخرى كان ارتفاع اسعارها
يفاقم الامور على المراجع ومع ذلك فان هناك عمليات تصل
اجورها الى مليوني دينار وهو مبلغ كبير دون شك على اصحاب
الدخول المنخفضة.
-نحن نقارن اسعار المستشفى باجور العمليات المماثلة في
الخارج او حتى في الدول العربية المجاورة فهي قليلة نسبياً
بالمقارنة مع الاخرين، ومثال على ذلك عملية زرع صمام في
المخ التي تصل اجورها في الدول الغربية الى عشرات الالاف
من الدولارات ومثلها بقية العمليات بينما نحاول هنا تخفيض
كلفتها الى اقل ما يمكن لتناسب امكانية المواطن العراقي
المادية.
وفي الوزارة واجهنا صعوبة في الحصول على الاجابات والذين
تفضلوا وردوا على اسئلتنا اشترطوا عدم ذكر اسمائهم.
يقول احد مسؤولي الوزارة رداً على اسئلتنا بشأن ارتفاع
الاسعار: ان دار التمريض الخاص مستشفى حكومي هذا صحيح
ولكنه يعامل معاملة المستشفيات الخاصة، برغم ادارته من قبل
الوزارة والمريض مخير بين اجراء العملية في مستشفى خاص او
عام، اذ يمكنه اجراء نفس العملية في مستشفى ابن النفيس او
الجملة العصبية وغيرهما على سبيل المثال وهي مستشفيات
متخصصة وتتقاضى اجوراً رمزية اذا ما قورنت بدار التمريض
الخاص او المؤسسات الاهلية، لكن مستوى الخدمات في دار
التمريض الخاص ومنها الاجهزة المتخصصة والمتطورة جعلتا من
الدار محطة لاستقبال اصحاب النفوذ ايام النظام السابق اما
الان فنحن نستقبل مختلف المرضى شرط ان يتمكنوا من دفع
الاجور اللازمة لاجراء العمليات.
*اي انكم استبدلتم اصحاب النفوذ باصحاب الاموال؟
-ليس الامر هكذا انه مستوى الخدمات والاجهزة الباهظة
التكاليف وكفاءات الكوادر الطبية.
في أروقة المستشفى
اغلب مراجعي دار التمريض الخاص ينتقدون ارتفاع الاسعار
المبالغ به حتى بعد معرفتهم السبب الحقيقي ويؤكدون ضرورة
ات يتنازل قليلاً عن ارقام اجورهم التعجيزية.
-المواطن سلمان جبار شكر من محافظة ميسان يقول علمنا ان
السبب الرئيس في ارتفاع اسعار الدار هم الاطباء ونحن
نستغرب هذا الوضع فالطب مهنة انسانية، فهل لطرد الطبيب
مريضاً وقف على بابه وهو لا يملك ما يكفي لدفع اجرته؟ ان
ذلك خروج على اصول المهنة وعلى الانسانية.
-المواطنة نوال عبد الكريم تقول: صحيح ان اجور الخدمات
الطبية مرتفعة في الخارج ولكن هذا لا يعطي مؤسساتنا
المحلية عذراً لتقليدها ووضعنا بين المطرقة والسندان نحن
غير القادرين على الدفع.
احد الجراحين في الدار قال تعقيباً على اراء المواطنين:
يمكننا كاطباء ان نتفهم مشكلة المواطن ونحاول التقليل من
اجورنا لكن هذا يحتاج ايضاً الى دعم الوزارة والمستشفى لان
العمليات التي نجريها في هذا المستشفى عمليات صعبة ومعقدة
جداً احياناً ونادرة وتحتاج الى تقنيات عالية واجهزة خاصة
وبالمقارنة مع الدول الاخرى فالعمليات الجراحية لدينا لا
تكلف المواطن كثيراً.
المسؤول في وزارة الصحة وهذا الجراح في دار التمريض يصران
على المقارنة بين اسعار اجراء العمليات في الخارج وبين
اسعار اجرائها في العراق ونحن لا نختلف معهم في هذه
الحقيقة ولكننا نتعامل مع ابن بلدنا في ظرفه الحالي هو
يواجه أزمة اينما ادار وجهه فلماذا هذا التعامل معه؟ هل
يفضل الطبيب ان يرى مريضه يموت على باب المستشفى لانه لم
يتمكن من الدفع الكامل على ان يقدم خدمته له باجر مناسب
يلائم وضع العراقيين وظروفهم المعيشية اليوم؟
|