المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

من اوراق أسبوع المدى الثقافيّ  : كـيـفـيـة صـنــاعـة الـمـُبـدعـيـــن ...  تجربة مدرسة الكُتّاب في الدنمارك نموذجاً
 

جمال جمعة

تختطّ الدنمارك، ومنذ أعوام، نهجاً خاصّاً في تهيئة أدباء المستقبل وصناعة المبدعين، فلم تعد مهنة التأليف والكتابة مرهونة بالتطوّر العشوائيّ للكاتب بل صارت تخضع، إسوةً بغيرها من صنوف إنتاج الإبداع كالرقص والعزف والتمثيل وغيرها من الفنون الأخرى، الى عملية تربوية منظمة لصقل المواهب الفطريّة للكتّاب الناشئين وذوي المواهب الطالعة. ففي كلّ عام يتقدّم العشرات من الكتّاب الشباب لتقديم طلبات الانضمام الى مدرسة جديدة على التقاليد الثقافية العالميّة، وهي (مدرسة الكُتّاب) التي تقوم سنوياً بتخريج أسماء لامعة وأجيال جديدة من المبدعين الشباب على الساحة الدنماركيّة. وقبل الولوج الى بسط استعراضٍ مفصليّ لهيكليّة هذه المدرسة التي أخذت على عاتقها رفد الأدب الدنماركيّ بدماء جديدة، دعونا نلق نظرة سريعة على سنوات نشوئها الأولى وظروف تأسيسها.

تاريخ مختصر:
إنّ مدرسة الكتّاب حالياً مدرسة رسميّة معترف بها حكوميّاً ومشمولة بنظام "الدعم الطلابيّ"، أو ما يسمّى بـ"المخصّصات الدراسية" في العراق، وبنفس المستوى الذي يسير فيه نظام التعليم العالي لبقية الإختصاصات الإبداعيّة، كمعهد السينما، أكاديمية الفن، ومدرسة الموسيقى. لكنّ الأمر لم يكن على هذه الشاكلة عام 1987، حين قام الشاعر الكبير "بول بوروم" Poul Borum وزميله "بيير أوجه براندت" Per Aage Brandt بتأسيس هذه المدرسة في ظروف بائسة للغاية، أقلّ ما يقال عنها أنها مُذلّة. كانت الدروس تُقدّم بادئَ ذي بدءٍ في البيوت الشخصيّة للمدرّسين والتلاميذ قبل أن تنتقل المدرسة فيما بعد الى قاعة صغيرة تمّ استئجارها في أكاديمية الفن، ثم في بناية إتحاد الكتّاب الدنماركيين، والمكانان الأخيران يقع كلاهما في العاصمة كوبنهاغن. حالة المكان كانت تثير الشفقة انذاك إذ كانت القاعة تعاني من الضيق والاكتظاظ لأنّ جميع الدروس كانت تجرى فيها ولجميع المراحل السنوية، ويمكننا تخيل حجم تلك المعاناة إذا عرفنا أنّ مساحة القاعة، التي كانت تتألف من غرفة ونصف فقط، لا تتجاوز 40 متراً مربّعاً!
كانت الحالة الأقتصاديّة للمدرسة مزرية هي الأخرى، فقد كان مصير استمرار المدرسة متعلّق بمِنَحٍ خيريّة تقدّمها دائرة اليانصيب الوطنيّ "اللوتو"، التي تُوجب على إدارة المدرسة أن تقدّم طلباً جديداً كلّ سنة إذا أرادت الحصول على المنحة مرّة أخرى، أي أنّ مصير التحصيل العلمي لكُتّاب المستقبل كان مرهوناً بمكرمة من إحدى شركات القمار المحليّة، أمّا رواتب الإدارة والمعلمين وبيئة العمل فقد كانت جميعها غير منتظمة وارتجاليّة.
في نهايات عام 2003 تمّ إدراج مدرسة الكتّاب ضمن قانون ميزانية الدولة ومنذ ذلك الحين تمّ تخصيص مالية خاصة بها ومعاملتها على قدم المساواة مع بقيّة مدارس الفنون الأخرى الرسميّة والمعترف بها في الدنمارك، وفي 1 يناير 2004 إنتقلت المدرسة الى قاعات كبيرة وحديثة ملحقة بأكاديمية الفن في كوبنهاغن. منحت هذه القاعات والمكاتب الجديدة الإداريين والتلاميذ بيئة عمل ممتازة، ومكّنتهم إضافة الى ذلك من تنظيم عروض ومهرجانات ثقافيّة عامّة. أمّا مكتبة المدرسة، والتي كانت في البداية عبارة عن تبرّعات الكتب التي يقدّمها الشاعر "بول بوروم
Poul Borum" وزميلته "أولا ريومUlla Ryum " فقد حقّقت تطوّراً كبيراً بهذا الشكل أو ذاك، الأمر الذي جعل من الحصص الدراسية فيها أكثر تنوعاً وثراء.\
مبادئ التأسيس:
الكاتبان اللذان تمتّ الإشارة إليهما كمؤسّسَين للمدرسة لم يكونا وحدهما حينما حاولا تثبيت كيانها وجعلها جزءاً من الحياة الثقافية الدنماراكية فقد كانت تساندهما حلقة ممتازة من الأدباء التي قامت يوم 28 يناير 1987 بتأسيس FOFU أو ما يُعرف بـ (نقابة مدرسة الكتّاب) التي توسّعت باضطراد خلال السنوات التي تلت التأسيس لتضمّ في عضويتها أعضاء مختلفين من بين أدباء وكتّاب الدنمارك، حيث يتم ترشيح ثلاثة من أعضاء هذه النقابة لشغل ثلاثة مقاعد ثابتة في إدارة المدرسة.
قامت نقابة مدرسة الكتّاب فيما بعد بإقرار مبادئ التأسيس التي أنشئت عليها المدرسة، وهي كالآتي:
" تهدف النقابة الى خلق شروط تدريس للكتّاب مستندة الى ما يلي:
1. أدبيّاً، إجادة تكنيك الكتابة.
2. الإطلاع العام على الأدب، ويشمل ذلك المناطق اللغويّة الأخرى والعصور المختلفة.
3. مناقشة علم الجمال العام، من ضمنها الحوار مع صنوف الفنّ الأخرى والفروع المعترف بها ثقافياً.
4. مقدمة للفهم والعمل مع جميع الصنوف الأدبية وتفرّعاتها، بما فيها الترجمة.
5. المعرفة التطبيقيّة لظروف الكاتب وسلوك العمل.
نقطة الإنطلاق في إعلان المبادئ هذا هو الإيمان بأنّ الكُتّاب، إسوةً بغيرهم من الفنانين الآخرين، ينبغي لهم أن يتمكّنوا من تلقّي تعليم (تثقيف) منظّم لمواهبهم.
يأخذ تنظيم التعليم بنظر الإعتبار خلفيّات التلاميذ وحاجاتهم، دون الترويج لأيّة سياسات ثقافيّة أو أدبيّة محدّدة أو أيّة إتجاهات أو أهداف.
يسعى التعليم لأن يكون شاملاً قدر الإمكان ضمن جميع ميادين الأدب، مع الأخذ بعين الإعتبار الأسلوب والذائقة الأدبيّة ".
سياق التعليم:
يبدأ سياق التدريس في مدرسة الكتّاب عادة عند منتصف شهر سبتمبر وينتهي مطلع يونيو (حزيران). تُفتتح السنة الدراسيّة بحلقات دراسيّة تمهيديّة (كورسات) تستمر لمدة خمسة أيّام وتُقدّم في أحد المراكز الأدبيّة التي تقع في مدينة فيبورغ Viborg، وهي مدينة تقع في جزيرة يولاند في الشمال الدنماركيّ وتتمتّع بطبيعة خلاّبة، وذلك بمشاركة جميع أساتذة المدرسة، حيث سيتمكّن التلاميذ الجدد والقدامى من إنشاء علاقات إجتماعيّة تتيح لهم التعارف الشخصيّ، إضافة الى إطلاعهم على عوالم بعضهم البعض الكتابيّة. ويتمّ خلال ذلك تقديم قراءات بصوت عال من نصوص جميع التلاميذ المشاركين. أمّا الأمسيات فستكون مخصّصة لاستقبال زيارات مختلفة من الأدباء والكتّاب المعروفين للمدرسة.
المناهج:
يمكن تقسيم مضامين التعليم في مدرسة الكتّاب الى أربع نقاط أساسيّة:
•    قراءات النصوص التي يكتبها التلاميذ، ويجري ذلك جزئياً في جلسات قصيرة أو على هيأة مهمة كتابيّة (واجب مدرسيّ)، وفي الختام تكون على شكل مداولة حقيقيّة لمخطوطاتهم في سياق أكثر إتصالاً وترابطاً. ويشكل هذا الجزء من التعليم حجر الزاوية في عمل المدرسة.
•    مقدمة توضيحيّة الى تاريخ الأدب، المحلّي منه والعالميّ. ويندرج تحت ذلك فصل خاص بالقراءة، يشتمل على قراءةٍ لمؤلفات متميّزة ثمّ دراسة تأريخ النوع الأدبيّ الذي تنتمي إليه. الى جانب ذلك يُجهّز التلاميذ بطقم من الأدوات التحليلية كالعروض، أساليب التعبير، وعلاقات الحكاية، كما يتم إستخدام فلسفة اللغة كعنصر أساسيّ وحاسم في التحليل.
•    مدخل الى ميادين الإختصاصات الفنّية الأخرى تكون فيها فنون التصوير (الرسم والنحت)، الدراما، الفيلم والموسيقى جزءاً من سياق التعليم، ويشمل ذلك الإطلاع على الأسئلة العامة التي يثيرها علم الجمال على ضوء الفلسفة.
•    مقدّمة شاملة عن خبرات إستعمال وسائط الفن والثقافة، على سبيل المثال تنظيم المهرجانات لقراءة النصوص، العمل في المجلات، أو انطولوجيا التخرّج الخاصّة بالتلاميذ، إضافة الى تمارين في الترجمة، وكتابة المقالة، وعمل الريبورتاج.
التطبيقات:
يجري التعليم في المدرسة لمدة يومين في الأسبوع، الأثنين والثلاثاء، وينقسم الى وحدتين، حيث تنقضي الفترة الصباحية (فترة ما قبل الظهيرة) في فحص النصوص التي يكتبها التلاميذ، أمّا فترة ما بعد الظهيرة فالتدريس فيها يجري في سياقٍ حرّ يقدّمه المعلّمون الثابتون أو أحد الأساتذة الزائرين الذين تتم دعوتهم لإلقاء محاضرات في المدرسة، وغالباً ما يكونون كتّاباً معروفين. التعليم في السنتين الدراسيتين يجري على وتيرة متصلة واحدة. أمّا بقيّة أيّام الأسبوع فتكون مخصصة للتهيّؤ المدرسيّ وبشكل خاص لإشتغال التلاميذ على نصوصهم الشخصيّة.
في وحدة ما قبل الظهيرة (الصباحيّة) تجري كذلك قراءة نصوص التلاميذ عن كثب قراءةً إستبطانيّة من قبل جميع التلاميذ بالإضافة الى المُعلّمَين الأساسيَّيْن في المدرسة. سمات النصوص، تماسكها، أصالتها، صلات القرابة التي تنتمي إليها (التناصّ).. إلخ، تُطرح جميعها للنقاش في ميدان حرّ ومفتوح حيث يكون الهدف الأساسيّ هو التدريب على تحليل النصّ. وكمدخل لقراءة النصوص يقوم المُعلِّمان والتلاميذ على التوالي بتقديمٍ تعريفيّ لعملٍ معيّن أو مؤلََّف ما يحمل معنى خاصّاً لفهم وتجربة النصوص التي قام التلاميذ بكتابتها.
أمّا سياق التدريس في مرحلة ما بعد الظهيرة فيمتدّ على مدى 3 ـ 4 أسابيع. الموضوعات المُدرَّسة فيه متنوعة، مثل الفلسفة، الدراما، الفحص الأدبيّ، والترجمة الأدبيّة، إضافة الى تقديم تمارين في الكتابة ودروس في تاريخ الأدب أو تكنيك الإلقاء. كما يتمّ أيضاً التعريف بعملٍ أدبيّ معيّن تتبعه زيارة من الكاتب نفسه للمدرسة، وهذا السياق يجري عادة عبر دعوات خاصّة لمؤلّفين، نقّاد، كُتّاب، أومترجمين معروفين.
ورش التبادل الجماليّ:
تحرص مدرسة الكتّاب، ومنذ البدء، على أن يكون تلاميذها على تماسٍّ مع الفنون الأخرى، وهذه الأمور تتمّ عبر ورشات للعمل المشترك مع تلاميذ المدارس الفنيّة الأخرى، على سبيل المثال أكاديمية الفن، مدرسة العازفين ومدرسة السينما. في عام 2003 أشتغل تلاميذ مدرسة الكتّاب في عمل مشترك مع تلاميذ مدرسة الإيقاع الموسيقيّ وأثمر تعاونهم عن حفلة موسيقيّة استمرّت ليومين قدّموا فيها نصوصاً مصحوبة بالموسيقى بشكل مشترك.
أطروحة التخرّج:
تُختتم الدراسة بتقييم مسار كلّ طالبٍ على حدة، إضافة الى طبع مختارات من نصوص التلاميذ في كتاب خاص (أنطولوجيا التخرّج)، بعدها يتمّ تقديم هذه النصوص في مهرجان قراءةٍ يُقام في شهر سبتمبر من كلّ عام.
رحلات مدرسيّة:
تشمل السنة المدرسية رحلة دراسيّة واحدة على الأقلّ إضافة الى المشوار التمهيديّ الذي سبقت الإشارة إليه، وغالباً ما تكون هذه الرحلة الى إحدى مدارس الكتابة في دولة أخرى كالسويد أو النرويج، فعلى سبيل المثال قامت مدرسة الكتّاب في خريف 2004 برحلة الى برلين للإطلاع عن كثب على الأدب والثقافة الألمانيين.
تحرص مدرسة الكتّاب على الحضور في المشهد العالميّ والإطلاع عليه ولذلك تقوم بتنظيم رحلات دراسيّة الى البيئات الثقافية في البلدان الأخرى، فعلى سبيل المثال قامت مدرسة الكتّاب عام 1997 بزيارة ورشة "الكتابة الخلاّقة
Creative writing " التي أقيمت في جامعة براون Brown University شمال نيويورك، كما أقام التلاميذ أسبوعاً في مدينة سان فرانسيسكو، حيث تمّ تنظيم لقاءات مع المؤلفين والنقّاد وعلماء اللغة هناك. وفي عام 2000 كان التلاميذ في باريس، حيث عقدت سلسلة لقاءات مع الأدباء الفرنسيين، وكان ذلك هو الهدف الأساسيّ من تلك الرحلة الدراسيّة.

يمثّل الصعيد العالميّ عنصراً أساسيّاً في المنهج التدريسيّ لمدرسة الكتّاب، لذلك يخطّط دائماً لمثل هذا التبادل الثقافيّ مع مدارس الكتابة الأخرى في أوربا وأميركا، حيث تقام، في كلّ الإحتمالات، سفرةً واحدة في الاقلّ كلّ سنتين.
مستقبل الخريجين:
المنهج التدريسيّ في مدرسة الكتّاب منهج فنّي بحت، يقود بشكل أساسيّ الى المؤسسات ذات الطابع الثقافيّ، التي عادة ما تقوم بطبع الروايات، القصص، والمجموعات الشعريّة كتعبير ملموس عن نشاطها.
60 % من خريجي المدرسة صدرت أعمالهم الأولى بعد التخرّج.
45 متخرّجاً من مجموع 95 طالباً طرحوا أنفسهم في الساحة الثقافيّة ككتّاب ومؤلفين. قسم منهم صار إسماً لامعاً في الساحة الأدبيّة الدنماركية أمثال: يانوس كودال
Janus Kodal، هيله هيله Helle Helle، لونا مونكسجورد نيسلنLone Munksgaard Nielsen، ومورتن سونجورد Morten S?ndergaard. وكثير من أعمال تلاميذ مدرسة الكتّاب أصبح جزءاً من المناهج الدراسيّة المقررة، وعلى مختلف المراحل، في معاهد التعليم الدنماركيّة وطبع العالم الأدبيّ هناك بوسمه الخاصّ.
لا تقوم المدرسة بإعداد التلاميذ كمؤلّفين فقط، بل تمنحهم أيضاً كفاءات تجعلهم مؤهلين لوظائف تقع ضمن ميدانهم الثقافيّ وضمن الدوائر التي لها علاقة بالأدب في الحياة اليوميّة، فمن بين تلاميذ المدرسة القدامى والجدد هنالك العديد منهم مَن يعمل كمحرر ثقافيّ، أو ناشر، أو رئيس تحرير لإحدى الصحف والمجلات، أو معدّ للبرامج في محطّات الإذاعة والتلفزيون، أو ناقد في إحدى الصحف اليوميّة، إضافة الى قيام بعضهم بتقديم المحاضرات في المدارس العليا والجامعات.
تمتلك مدرسة الكتاب مديات واسعة للعمل باعتبارها معهداً تدريسيّاً ثقافيّاً يتأثر تركيب منهج الدراسة فيه بطبيعة العمل داخل المدرسة ومستويات التلاميذ.
التقديم والقبول:
التقديم:
آخر موعد لإستلام طلبات القبول للسنة الدراسية يكون في الأوّل من شهر مارس (آيار) من كلّ سنة، حيث تستقبل المدرسة ما يعادل 200 طلب سنوياً.
ينبغي أن تحتوي طلبات التقديم الى مدرسة الكتّاب 15 صفحة من القطع الكبير
A4 كحد أعلى (تقريباً 2000 حرف في كلّ صفحة) تحتوي على نصوص شعريّة أو نثريّة للمتقدّم. يمكن أيضاً إرسال فصل مُنتخَب من إحدى الروايات. ويستطيع المتقدم للقبول أن يرسل موادً مختلفة من الأنواع الأدبية في نفس الوقت. يجب على المتقدم كذلك إرسال معلومات شخصية عن خلفيته الثقافيّة والاجتماعية، المراحل الدراسيّة التي قطعها، والأعمال التي زاولها .. الخ. ويُفضّل أن يكتب المتقدّم شيئاً عن قراءاته وعن نوع الأدب الذي يميل إليه. كما يجب إرفاق فهرس "لسته" لجميع ما نشره سابقاً ويوضّح للمدرسة سبب رغبته في الانضمام إليها، ثمّ تُدرس جميع الطلبات فيما بعد بتكتّم وحرص.
آلية القبول:
يُقبل في المدرسة سنوياً من 6 ـ 8 تلاميذ فقط. وإسوةً بممارسات مدارس الفنون الأخرى فإنّ القبول في مدرسة الكتّاب يتوقّف على لجنة تحكيم خاصّة تستند الى المواد التي يرسلها التلاميذ المتقدّمون. مدرسة الكتّاب ليست جزءاً من نظام المدارس العامة الذي يعتمد على تسجيل الحضور اليوميّ. ولجنة التحكيم فيها تتألّف من المعلمين في المدرسة إضافة الى كاتب واحد أو مجموعة من الكتّاب الدنماركيين. ولجنة التحكيم هذه غير ثابتة وتتبدل سنوياً.
تمهيداً لتقرير القبول يُستدعى 15 متقدّماً تقريباً الى مقابلة (جلسة محادثة)، حيث سيُمكن للجنة التحكيم أن تتعرّف شخصيّاً، وعن كثب، على كلّ متقدّم على حدة. لكنّ النصوص المُرسَلة تبقى هي العنصر الحاسم في القبول أولاً وأخيراً.
تتم الدعوة للمقابلة في نهاية شهر مايس (آيار)، أما الجواب النهائي بشأن القبول أو عدمه فيتم إبلاغه في بداية شهر يونيو (حزيران). تستلم مدرسة الكتّاب حوالي 175 طلباً سنويّاً، ولذلك لا يمكنها عند رفض المتقدّم تقديم أيّ تبرير له بذلك.


واسدل الستار على مسرحية جميلة اسمها (عوني كرومي)
 

علي حسين
((اريد ان اموت في بغداد )) اخر كلمات قالها صاحب القلب المرهف رافضا الخراب الذي حل بمدينته الحبيبة -بغداد- فاثر ان يتوقف بعد ان ظل يراوده حلم العودة والوقوف ثانية على خشبة مسرح (الستين كرسي) وشرب الشاي الساخن في المقهى البغدادي . وفاته ان يعلم ان شارعه الاثير (السعدون) تحول الى كتلة اسمنتية عملاقة وان مسرح الستين لم يعد له وجود في زمن امراء الطوائف وان المقهى البغدادي استبدل الشاي بالويسكي ومحمد القيسي بجنود المارينز.
***
عوني كرومي صوت هادىوعينان حالمتان بالرؤى ووجه يحمل الطيبة اينما حل وفم لاتغادره السيجارة ابدا .. يتحدث بسرعة لكن بهدوء .. يدع الكلمات تخرج مرحة من بين شفتيه .. رجل بسيط مملوء بالذكاء لايتحدث اكثر مما يصغي .. ساحر ثابت النظرات يتارجح في حلقات من الخيال .. تتجدد الحياة في عينيه مثل خشبة المسرح ويرى العالم من خلال مخيلته الثرة.. شخصية امتزجت فيها طيبة العراقيين مع رؤى برشت وتساؤلات المثقف الوطني .. تستفزه الكلمات فيحولها الى صور متوهجة . المسرح بالنسبة اليه معركة من اجل الحياة.. في مسرحياته تتشابك الاضواء مع الكلمات بزخارف واصداء محببة الى النفس يفهم الفن على انه تصوير لوجدان الناس واحاسيسها الحقيقية ورسم للمدى الذي يبلغه الخيال من الواقع .. رجل مهووس بالحياة والمؤانسة والمشاكسة .. شغوف بالحرية حتى انعكس شغفه هذا على سلوكه اليومي والحياتي كما انعكس على مسرحياته وكتاباته ومواقفه الشجاعة.. مسرحي مولع بفك وتركيب العالم دائماً دائم التعدي على السكون ولايستطيع ان يكون رقما في اي معادلة لذلك كان كثيرا خارج المعادلات وخارج كل الحسابات ورغم انه كان يعتبر نفسه احد ابناء جيل الستينيات الا ان احدا لم يسكنه في احد طوابق هذا الجيل.
ظل ابداعه مقترنا بابداع الحياة واستجابات التحدي الفورية لمشكلاتها .. كان ممتلىء الوجدان بالحقيقة دون ان يسجن نفسه في دائرة سياسية معينة لذلك مضى في طريق تمرده الذي لم يعرف سوى الايمان بالعدالة الاجتماعية وقد جعل منه هذا الايمان مسرحيا ملتزما بقضايا الناس التي اصبحت جزءاً من مكونات وعيه الثقافي .
***
الناس وهمومهم.. كانت كلمات السر والمفتاح السحري الذي دخل منه عوني كرومي الى عالم المسرح .. فمنذ عمله الاول (جان دارك) ومرورا بمبادرات والمسيح يصلب من جديد وغاليلو وفوق رصيف الغضب وصراخ الصمت وترنيمة الكرسي الهزاز وبيرو شناشيل واعمال تجاوزت السبعين عملا كان فيها عوني كرومي يؤمن بان الجمهور لايمكن له ان يصبح متفرجا من مواقع المواجهة للعمل المسرحي بل ان الجمهور هو جزء من اللعبة المسرحية التي يعيشها الممثلون والمتفرجون معا .. فالعمل المسرحي لايبرر وجوده دون ان يصبح الجمهور نقطته المركزية ولذلك خرج من مسرح اللعبة الى مسرح المختبر ليدوزن اللعبة المسرحية على مواصفات اماكن غير تقليدية .. شقة في بناية - بيت عتيق في السنك- كنيسة تنيرها الشموع- باحة في كلية الفنون - رصيف منسي في احد شوارع بغداد .. اماكن استوحى منها كرومي منطق رؤياه وبنى من خلالها معماره المسرحي فالفضاء المسرحي كان العصب الاساسي لمعظم اعماله المسرحية والهيكل العظمي الذي يعطي لعروضه الفنية قيمتها ومعناها .. وهو يؤمن بان العمل المسرحي لايقرأ الا من خلال مكانه لذلك انصب اهتمامه على توظيف المساحات توظيفا فنيا فالمكان يوضح الشخصية ويعمق حضورها وهو يقول للناقد ياسين النصير (المكان عندي مادة واقعية.. لغة تقربني من الناس .. انا لااميل الى تغريب المشاهد ولا الى الغاء حواسه وخبرته بل على العكس اجعل منه قريبا من خلال مشاهد سبق ان عاشها واحبها وتعرف عليها) .. وهو مثل معلمه برشت يدين الخشبة المسرحية القائمة على تراتيبية المقاعد لانه يريد من الجمهور ان يصبح جزءاً من الصورة العامة او جزءا من الاداء او الحكاية .
ويؤمن عوني كرومي بان مسرح معلمه برشت لايمكن عرضه بصدق ودقة الا من خلال روح الجماعة الموحدة الفاهمة لهذا فهو يولي اهمية قصوى للممثل -المنتج- ويجد راحته في العمل مع الممثلين الشباب اي مع الممثل الذي يكتسب مهاراته من خلال دراسته وسعيه الى الاكتشاف وصولا الى تقديم صورة للتجسيد الدرامي واشباع الغاية الفنية من وجود الممثل في العمل المسرحي ولهذا فالممثل الذي يعمل مع عوني كرومي لابد من ان يمتلك ثقافة تجمع بين الفهم الخاص للشخصية والفهم العام لقضايا المجتمع .
***
ثلاثة انواع من النصوص لم تكن تغيب عن بال عوني كرومي .. اولها واهمها نصوص برشت والثانية تشيخوف والثالثة نصوص عراقية قريبة الى نفسه كنصوص فاروق محمد ومحيي الدين زنكنة .. وقد داب منذ تجاربه الاولى على البحث عن نمط خاص من المسرحيات يعالج فيها فكرة صمود الانسان امام محاولات تدمير قيمه الروحية والاجتماعية .. نصوص تعري وتكشف مايتعرض له الانسان من ضغط وقهر .. ولهذا نجد دائما ان ثمة مسرحيات تتحرك بالقرب منه .. غاليلو .. كريولان .. الخال فانيا .. الغريب .. صراخ الصمت .. الانسان الطيب .. ترنيمة الكرسي .. الاب .. اعمال تناقش الحاضر بكل عنفوانه وقسوته ويخبرني عوني كرومي عندما شاهد مسرحية تشيخوف الشهيرة - الشقيقات الثلاث - عام 1974 في برلين خرج من قاعة العرض ورأسه يغلي من حمى الخواطر والافكار وقد رافقته هذه الحمى سنوات عدة دفعته الى التفكير في ان الانسان انما يحتاج الى المكاشفة والى معرفة ماذا يريد .
(اذا اردت ان تعيش فعليك ان تعرف هذا العالم الغريب .. ان تعرف) .. تلك كانت الجملة التي رافقته من مسرحية الشقيقات .. ان تعرف .. يعني ان تنفتح على العالم على كل ذرة في الحياة ولهذا نجد ان المسرحي فيه يكمن بالمرصاد لكل اللحظات الفريدة في الحياة فهو كالصياد ينقض عليها ليكتشفها من جديد وفي معرفته للحياة وانفتاحه عليها يحاول ان يقدم تجربته مسرحية تشع صدقا وعفوية وبساطة وتعكس بصمات فنان ماهر . وحسا دقيقا مرهفا .. ولهذا نجد ان كل خطوة او ضربة على الجدار او كلمة او صراخ او صمت او دقة ساعة حائط او حتى ابسط بقعة ضوء لها وظيفتها المحدودة في اعماله المسرحية التي كانت تسعى الى ان تحول الملهاة الى مأساة تصب في قلب الواقع .
***
يكتب برشت في اخر ايامه ..
لست بحاجة الى شاهد قبر لكن
ان احتجتم شاهدا لقبري
فاني اود ان يكتب عليه :-
لقد طرح اقتراحات ، نحن قبلناها
مثل هذا النقش سيغدو
تكريما لنا جميعا .
ودون ان نعرف ماذا سيكتب على شاهدة قبره ينسحب عوني كرومي تاركا لنا دراسة اعماله والنظر الى حياته من جديد لعلنا نجد الى جانب- طيبته المفرطة- كثيرا من العقل والفن والدموع ايضا .


في عدد تراث الحالي: متاحف عربية وأفريقية، ووثائق مُهددة بالضياع،ومُعجم تاريخي للعربية

محمّد رجب السّامرائـي

يجيء العدد" 91" لشهر حزيران الجاري مُكملاً للعدد السابق لمجلة تراث الشهرية الصادرة عن نادي تراث الإمارات في أبو ظبي الخاص عن المتاحف العربية. فبعد أن خصصت عددها الماضي عن متاحف قارة آسيا، تفرد تراث هذا العدد الجديد عن بقية المتاحف العربية في الدول العربية الأفريقية.وجاء غلاف العدد بعنوان" ملايين الوثائق مُعرضة للضياع، وهو حوار أجراه حمدي نصر سكرتير تحرير المجلة مع الدكتور عبد الله عبد الكريم الريس مدير عام مركز الوثائق والبحوث بوزارة شؤون الرئاسة. ثم جاء حديث الذكريات الذي تحدث فيه عبد الله بن راشد بن حارب الحميري وهو يتذكر: قطع الحصى، ولا عذاب الغوص الذي حاوره حمدي نصر.
أما ملف المتاحف العربية الباقية فجاء على النحو التالي: متاحف مصر.. وثائق تاريخ وكنوز آثار كتبه محمد شويحي، ود. صلاح بهنسي، قدما فيه عرضاً لمتاحف مصر وهي: متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، ومتحف الخزف الإسلامي، ومتحف قصر الجوهرة، والمتحف المصري بالقاهرة، ومتحف بيت الكرتيلية، والمتحف القبطي بالقاهرة، ومتحف قصر المنيل.. مجمع للفنون، ومتحف محمد محمود خليل.
ثم التقى حنفي جايل عضو هيئة تحرير المجلة الأستاذ مأمون محمد موسى محمود أمين متحف قصر السلطان علي بن دينار بمدينة الفاشر في ولاية دارفور في غرب السودان للحديث عن نشأة المتاحف وتطورها في السودان.
بينما كتب محمّد رجب السامرائي عضو هيئة تحرير تراث عن متاحف ليبيا: إرثٌ حضاري مُوغِل في القِدَم، إذ عرض لمتحف الآثار بالسرايا الحمر، تلاه الحديث عن متاحف تونس: بصمة الماضي على وجْنَة الحاضر، الذي بدأه الحديث عن متحف باردو، ومتاحف صغيرة، ومتحف دار الجلوي، ومتحف العمارة التقليدية في صفاقس، ومتحف قابس للتراث الشعبي، ومتحف تونس للعادات والتقاليد الشعبية.
ومن مواد عدد تراث عن المتاحف العربية والأفريقية متاحف الجزائر: همزة وصل بين التراث والتاريخ لنجاة أحمد عروة، الذي تحدثت فيه عن: المتحف الوطني للآثار القديمة، والمتحف الوطني للفنون الجميلة، والمتحف الوطني" باردو"، ومتحف الفنون والتقاليد الشعبية، وأخيراً المتحف الوطني للجهاد. وجاءت متاحف المغرب... تاريخ أمة لمولود محمد سوسي ليتحدث عن أبرز المتاحف المغربية، وهي الرباط.. مدينة المتاحف، والمتحف الإثنوغرافي بقصبة الأوداية، والمتحف الأثري، ومتحف محمد الخامس، ومتاحف مدينة طنجة، ومتحف القصبة، ثم عرض سوسي لمتحف الفنون المعاصرة، ومتحف فوربس، ومتحف دار سيدي سعيد، ومتحف ماجوريل، ومتحف برت فلينت، ومتحف البرج الشمالي، ومتحف البطحاء، ومتحف دار الجامعي بمكناس، ثم متحف فن الخزف، والمتحف الوطني للخزف" أسفي"، والمتحف الجهوي للخزف بسلا، والمتحف الأثنوغرافي بباب عقلة، ومتحف تطوان الأثري، ومتحف العرائش الأثري، والمتحف الإثنوغرافي بشفشاون، ومتحف سيدي محمد بن عبد الله بالصويرة، وآخرها متحف الفنون الصحراوية بالعيون. كما عرضت مجلة تراث حواراً مع الدكتورة ريم بهجت المدير المساعد لمركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي التابع لمكتبة الإسكندرية بمصر حول أول تجربة عالمية بالمتحف المصري: مرشد إلكتروني بالصوت والصورة ثلاثية الأبعاد. وضمن باب اللغة العربية في مهب الريح"66" قدمت دراسة للدكتور محمد الجوادي حول: المُعجم التاريخي للغة العربية الوجه الآخر للحياة الإنسانية، ثم أغلاط شائعة في النُطق والكتابة للدكتور سمر روحي الفيصل، وفيض المشاعر لمحمد الحديدي، والنبطي الفصيح لسالم الزمر، وروائع الشعر الفصيح للدكتور محمد رضوان الداية، وكيف وصف الشعراء القدامي المُكتشفات الحديثة للدكتور محمد عبد الهادي رمضان. أما زوايا مجلة تراث الثابتة فهي: أول القرطاس، ومتابعات، ومسكوكات لعبد الله المطيري، وكنوز المعرفة في مركز جمعة الماجد للدكتور عمار الددو، ومواقع ووقائع للدكتور محمد رضوان الداية، والأندلس رسوم وصور، ومن خزانة التاريخ للدكتور عبد الرحمن الحجي، وأحداث صنعت تاريخاً للدكتور فالح حنظل، وصدى الأيام، وإصدارات جديدة لمحمد رجب السامرائي، وسوالف بو راشد لخميس بن زعل الرميثي.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة