المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

"موجــــز تاريــــخ المــــــوتى" .. كتــــــاب رؤيوي جديــــــد لروائي شاب

ترجمة/ عادل العامل

كيفين بروكمير روائي امريكي شاب يستحق كما تقول ميغان أورورك، كاتبة هذا المقال، ان يكون معروفاً أفضل مما هو عليه الآن من شهرة فهو بأبتعاده عن تجريب ما بعد الحداثة المتسم بالضجيج، وواقعية شريحة الحياة المقيدة، يكتب القصص القصيرة المخرفة fabulist المتأثرة بالحكايات الخرافية والقصص العلمي، فنجد في نتاجه، كمثال على هذا، زواج رجل يتحطم والسماء تغوص متجهة نحو الارض، وفي مثال آخر، نتعرف على حياة "رامبيلستيلتسكين" بعد ما تنتهي الحكاية الخرافية، ماشياً بخطوات ثقيلة بصعوبة بالغة بغضب بحيث انه شق نفسه الى إثنين، وقد سمح الادب القصصي لبروكمير، الذي يستعير مادته من طرز النوع الادبي البدئية، ان يكتب بكآبة مكدرة عن مجتمعنا المتعرض للسخرية من دون أن يصبح عاطفياً او مستقلاً بفتور، وقد بدا، أحياناً في كتابيه الأولين، "أشياء تسقط من السماء" 2002، و"الحقيقة بشأن سيليا" 2003، أشبه بزائر الى عصرنا من كونه واحداً من أهله. لكن بروكمير، الآن، في كتابه الجديد، "موجز تاريخ الموتى"، قد كتب رواية تتناول مخاوف عصرنا الحديث من الارهاب والاضمحلال المستقبلي بصورة رشيقة- وكتاباً يجعلنا نشعر، للحظة، كم غريباً ان يعيش البشر في صناديق زجاجية ومعدنية مؤجلة فوق الأرض، وهذا، بعد كل شيء، ما يستطيع الخيال ان يفعل بشكل أفضل: ان يجدد احساسنا بالدهشة.
ولكون رواية "موجز تاريخ الموتى" فنتازيا رؤيوية
apocalyptic، فإنها تقدم انعطافة قوية في الطريقة التي نتصور بها الموت، فهي تبدأ في مدينة غامضة من دون حدود، يسكنها بلايين الناس الذين لا يشيخون وتستحوذ على فكرهم قصة "عبورهم".
"فعندما وصل الرجل الأعمى الى المدينة، زعم أنه كان قد قطع صحراء من الرمل الحي"، كما نعلم، ووصلت امرأة اخرى فيما بعد وببساطة "بدأت تثلج"، وبالرغم من ان هؤلاء الأشخاص يعيشون فيما يبدو حيواتٍٍ مميزة- أحدهم صحافي، والآخر شحاذ، وآخرون يلعبون لعبة الماهجونغ الصينية- يتضح لنا تدريجياَ ان هؤلاء موتى ويقيمون في نوعٍ من المحطات الوسطية, ولا أحد منهم يظن خطأ انها الجنة. فقط الذين كانوا يصلون حديثاً يستفهمون عن ذلك.
وما أن تبدأ الرواية، حتى يكون ملايين الموتى حديثاً قد غمروا المدينة، واختفوا سريعاً منها، وكأن قمعاً خفياً قد آمتصهم. وببطءٍ، وبمساعدة صحيفة يومية يصدرها رجل اسمه لوكا سيمز، يدرك السكان الباقون أن شيئاً ما غريباً يحدث على الارض: كارثة سريعة الحركة، تُعرف بـ"الومضات
the Blinks" قد أهلكت الكثير من سكان العالم، بتأثيرات غريبة على هذا العالم الآخر. ويستيقظ سيمز ذات يوم ويجد نفسه لوحده تقريباً في مدينة الموتى.
وتنضفر مع قصة الموتى هذه قصة لورا بيرد التي لا تزال على قيد الحياة، وهي "أخصائية في الحياة البرية" وموظفة لدى كوكا كولا، أرسلت للعمل في جزءٍ ناءٍ من قارة انتاركتيكا حول القطب الجنوبي كجزء من حملة
PR تصورية لدرجة عالية (في هذا المستقبل المتخيل، يكون الارهاب هائجاً، وتشكل الحرب البايلوجية قلقاً مستمراً. وأنتاركتيكا هذه، التي تذوب، تعود عائديتها جزئياً لكوكا كولا). ويحصل حادث يترك لورا ورفاقها عاجزين عن الاتصال بقاعدتهم في الوطن، ويروحون يعانون ببطء من افتقاد المؤونة، وينتظرون شخصاً ما يلاحظ أنهم يهلكون: "كانت الريح تهب لمدة ثلاثة وعشرين يوماً... وكانت الألواح المسخنة تتعطل بشكل واضح.." وبعد ان ينطلق رفاق لورا لايجاد مساعدة ولا يعودون، تدرك هي ان عليها القيام برحلةٍ خطرة عبر الجليد بنفسها، بحثاً عن العون. ومعظم هذا السلك الناظم للقصة يتعلق بحملتها الشاقة على مزلجة ذات محرك، والتي تتأمل خلالها حياتها:
عصف الثلج بالارتفاعات، مخلفاً بقعاً جُرداً من الجليد الزلق، لكن ركاماتٍ طويلة تكونت في المجوفات الأرضية وجعلت الرف يبدو اكثر أستواءً مما كان عليه في الواقع. وكانت هناك حشود من الناس في أفكارها، وحشود خلفها، امها وأبوها، اسرتها الواسعة... الناس الذين كانت تراهم كل بضعة أيام في محل البقالة او في المصرف، والناس الذين كانوا يعيشون في بناية شقتها.. وبالرغم من انها كانت تعرف أنها وحيدة، كان هناك جزءٌ منها يرفض تقبل ذلك).
وبالرغم من أن "موجز تاريخ الموتى" يمكن ان تمثل قصة علمية، فإن أهتمامات بروكمير مختلفة جداً عن الاهتمامات التي تحرك كتاب القصص العلمي. فغالباً ما يميل هذا النوع الأدبي الى الترتيب الاستعادي أو المجازي. (بالرغم من النوعية الغريبة
foreigner للمشهد) أو الى صنمية الغريب.
ولكن، وكما هي الحال مع
Never let me go لكازو إيشيغورو، تتحول هذه الرواية الى مستقبلية خيال- علمية للإمساك بشيءٍ ما على مقدار الأجنبية التي قد يبدو لنا عليها مستقبلنا القريب فبروكمير لا يبدو هنا مهتماً بأختراع تعقيدات عالم بديل (أو حتى بمقاضاة الرأسمالية) انه مهتم بالأحاجي والالغاز الميتافيزيقية بمتابعة فكرة الى اقصى حدودها من اجل مواجهتنا بشعور من الاغتراب عما هو معروف. وكما هو الحال مع كافكا، يظل يستنطق الاستعارة حتى تغدو حرفية, وهكذا نجد المفهوم المجازي بأن الموتى "سيظلون يحيون في ذاكرتنا" يصبح في "موجز تاريخ الموتى" حقيقة حرفية فمع أختفاء المزيد والمزيد من سكان المدينة الموتى، تدرك القلق المتبقية من السكان تدريجياً انها تستمر في الوجود لأن شخصاً حياً واحداً يتذكرها: هو لورا بيرد. وانه لأمر مثير حقاً ذلك التوتر بين البساطة الرشيقة للفكرة واللاواقعية المروعة للدمار الشامل العالمي الانتشار الذي تتضمنه.
ان السلكين الناظمين للقصة من الطراز البدئي حين يبدآن- تصويراً ميثولوجيا للعالم الآخر، وقصة استمرار في البقاء قطبشمالية- لكنهما معاً ينضمان الى التأمل الاصيل في ما يعينه التذكر لنا بالطريقة التي يفعل بها ذلك فلم كريس ماركر الرائع "
La Jetee حاجز الماء" (1962).
وفي كليهما، تكون متابعة التذكر هي نفسها البحث المركزي، الامر الذي يمكنه من ان ينقذ العالم من الابادة، ويصبح للتفصيلات الصغيرة رنينها وآنعطافها بالمعنى:
تذكر الرجل الذي أشعل مصابيح الغاز في منطقة المسرح اخذه علبة فاصوليا من هرم السلع المعروضة في سوبر ماركت شاعراً بخفقة فخر ثم بخفقة أستمتاع بفخره عندما لم تقع العلب الاخرى. وتذكر اندرياس أندروبولوس، الذي كان قد كتب شفرةً لألعاب كومبيوترية للأربعين سنة الماضية كلها من حياته الراشدة، وثوبه ليقطف ورقةً من شجرة، وفتح مجلة أزياء ليشم اوراق العطر المقحمة فيها، وكتابة آسمه في الرطوبة العالقة بكأس البيرة، لقد أستحوذت عليه- هذه الذكريات الخفية العديمة الشكل كانت تبدو أثقل كثيراً مما ينبغي أن تكون عليه، وكأنها كانت حيث ينطرح معنى العبء الحقيقي لحياته).
إن كتاب الموتى هذا يبحث بشكل بارع في الكيفية التي تستطيع بها الميثولوجيا او الفنتازيا اعادة تشكيل الطريقة التي نفكر بها فيما يتعلق بالتذكر. غير أن الكثير من الروايات التي يقصد بها البحث في حالة الاندهاش
wonder تعاني من نوعية سكونية معينة (والاندهاش ربما اكثر ملاءمة للشعر، او، على وجه الاحتمال، للصور الوصفية الأدبية القصيرة، مثل صور إيتالو كالفينو) وانشغال بروكمير بالاستعارات يعني أن كتابته يمكن ان تبدو ساكنةً airless احياناً، كا لو كنا ماخوذين داخل شيء منفوخ الزجاج، حيث كل شيء معمول على نحوٍ رائع لكن ما من شيء هناك يمكنه ان يتنفس او يتحرك. ولا شك في ان رواية "موجز تاريخ الموتى" تعاني من هذا الى حدٍ ما. فهي تزحف خارجاً، فقط حيث يمكن ان تتوقع تحولاً دراماتيكياً في الاحداث.
ومهما كانت الحال، فعندما تنتهي الرواية، تذكرنا بأن الاختراعات الفنتازية لا يمكنها ان تستمر الى الأبد، وبأن كل التواريخ موجزة، بطريقتها هي.


أنيارا .. هـــاري مارتينسون

ترجمة: د. عابد اسماعيل

يتذكّر الشاعر آرثر لوندكفيست صديقه هاري مارتينسون بكلمات تشير إلى "القلب الواضح ببساطته؟، وثقته التي لا تتزعزع بالحياة، والتي ستظهر لاحقاً بشكل أكثر جلاءً وتمنحه التفوق، والمقدرة في التغلب على كل تحدّ، وكأن الأمر مجرد لعبة، لا تحتاج إلى برهان." ولدت الروح الرشيقة لمارتينسون، كما يلمّح لوندكفيست، من بدايات يائسة جداً. فوالده مات باكراً، ووالدته هربت إلى الولايات المتحدة، وشقيقاته أصبحن سجينات في أبرشية في جنوب السويد، يعملن في أعمال صعبة ووضيعة. في عامه السادس عشر، وبعد عقد من الحياة البائسة، طلب العيش الكريم، فتوجّه إلى البحر، لكنه أخفق في ذلك أيضاً. وعقب إصابته بمرض الرئة السوداء، الذي كان شائعاً بين البحّارة، رسا على اليابسة مرة وإلى الأبد، عام 1927 . بعدما شفي من مرضه، لم يكن قادراً على العثور على عمل، فامتهن التسول في شوارع غوتنبرغ، محتكاً بفقراء ما قبل الثورة، ومتعرّفاً على الأسباب التي يمكن أن تدفع بهم إلى الأمام. من بين هؤلاء الفوضويين، والاشتراكيين الشبان، اختار مارتينسون زوجته، في عام 1929، وخلال عقد من الزمن كرّس الاثنان سمعتهما: موا مارتينسون، من خلال اهتماماتها السياسية الراديكالية، ورواياتها؛ هاري، من خلال قصائده وكتب الرحلات التي استطاعت، عبر لغتها الجديدة، أن تجعل من العالم الطبيعي لتجاربه الأولى مكاناً للعبقرية والمتعة. لكن الاختلاف القائم في عمل كل منهما أدّى إلى إجهاض شراكتهما. كان الخلاف بينهما عميقاً جداً. حين حضر مارتينسون مؤتمر الكتاب الروس في عام 1934 في موسكو، توقّف أمام شعاره المقتبس من لينين: "الكاتب هو مهندسُ روح الإنسان." إنّ اهتمام المهندس بالخطوط المتناسقة والأساس الصحيح، لم تكن بالنسبة لمارتينسون فضيلة خالية من النواقص. لقد تطلع إلى تجديد القوة الروحية للإنسان، ليس وفقاً لهندسة جديدة، وتنظيم جديد للحياة الإنسانية، بل من خلال التركيز على الجانب البدائي، وإيقاظ هواجس الخير المكبوتة التي توحّد الإنسان بالطبيعة. إن رجلاً كرس حياته بكليتها للحرية لا يمكنه أن يبقى متزوجاً لمدة طويلة من امرأة نذرت حياتها لنظام اجتماعي صارم. في عام 1940 وقع الطلاق، وكان بمثابة حدث كئيب خاص، وسط كارثة عالمية واسعة النطاق. في شتاء 1939-1940 اندلعت الحرب على طول الحدود الروسية الفنلندية. كان مارتينسون يخدم كمتطوع في الجيش السويدي خلال الحملة، غير أن الظروف كانت أقسى من حالته الصحية المهزوزة، وأعقبت أشهر الشتاء التي قضاها في فنلندا سنوات مليئة بالمرض والصمت، مما منحه وقتاً للتأمّل بالعالم الجديد الداكن "للمهزلة الهائلة،" التي تمثّلها الحرب، من خلال سعيها المحموم لضمان السلع الأولية والمصنّعة، التي باتت تمهّد، بماديتها المفرطة، "لأمسيات أعياد الميلاد." مع صدور ديوانه (ريح تجارية) عام 1945، وروايته (الطريق) عام 1948 ارتقى مارتينسون إلى مصاف الكتاب الكبار، والجوائز الممنوحة للكتاب السويديين، وفي عام 1949 انتخب عضواً في الأكاديمية السويدية. في خريف عام 1953ظهرت أولى قصائد (إنيارا) في ديوانه المعنون (زيز الحصاد)، واحتلت فصلاً عنوانه "أغنية دوريس وروح الفضاء"، حيث تصل ذروتها، في التدمير النووي لمدينة دوريسبرغ، كما يسردُ ذلك "المفجّر"، وهو آخر صوت من الأرض يتناهى إلى السفينة الفضائية "إنيارا". وكما يشير جوهان ريد في كتابه الشامل (أغنية إنيارا) الصادر عام 1965 في ستوكهولم، كانت ثمة أشياء كثيرة في عام 1953 تقف وراء هذا التأمل الرزين للكارثة. في الثامن من آب أعلن الاتحاد السوفيتي امتلاكه للقنبلة الهيدروجينية وهي "أسوأ بمائة مرة من القنبلة الذرية العادية" وفقاً لافتتاحية صحيفة (سفينسكا)، فيما تقتبس صحيفة (داجنتس ناهيتر) من عالم الفيزياء الأمريكي روبرت أوبنهايمر قوله "الساعةُ الذرية تدقّ بسرعة أكبر الآن. وتمكن مقارنتنا (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) بعقربين داخل جرة، كل يملك الفرصة لقتل الآخر، ولكن على حساب موته هو." بعد مرور أربعة أيام، أجرى الاتحاد السوفيتي تجربة إطلاق على القنبلة الهيدروجينية. وكان الفضاء الخارجي حاضراً بقوة في وسائل الإعلام خلال تلك الفترة. في اليوم الأخير من المؤتمر الدولي لهيئات الملاحة الفضائية، الذي انعقد في زوريخ في بداية شهر آب، كشف عالم الفيزياء الفضائية فيرنر فون براون النقاب عن تقدم أمريكي في إنتاج قواعد إطلاق قادرة على إطلاق صواريخ إلى المدار الخارجي من أجل إصلاح المحطة الفضائية. ويشير ريد إلى مقالة منشورة في (داجينز ناهيتر) تتحدث عن ملاحظات تظهر أن مجرة أندروميدا أبعد وأكبر بضعفين مما كان يُظنّ سابقاً: إنها تبعد (1,500,000) سنة ضوئية عن (طريق التبانة). في أواخر ذاك الشهر، وجّه مارتينسون تلسكوب منزله باتجاه سماءٍ صافية بشكل غير اعتيادي، ليجد مجرة أندروميدا متلألئة بشكل أقوى مما سبق ورآه في حياته: "بل إنه توجّه وأيقظ زوجته (إنغريد، التي تزوجها عام 1942) لكي تشاركه تجربة النظر إلى الفضاء الخارجي. هذه التجربة القسرية عن الفضاء الخارجي حرفت خياله إلى تلك الوجهة، وسرعان ما انتابه الوهم بأنه يمكث على متن سفينة فضائية. في البدء كان هذا الشعور مشوشاً، ومشوباً بالقلق، لكن الرؤى بدأت تصفو وتتكشّفُ في داخله."


على مسارح باريس .. بيرلنغ يغوص في اعماق كاليغولا

فيليب تيسون

ترجمة: عدوية الهلالي

عن لوفيغارو

مكن القول ان كاليغولا تشارلز بيرلنغ أسرت قلوبنا واستولت عليها، وبكلمة أدق، فأن تشارلز بيرلنغ ذاته هو من استولى علينا واسر قلوبنا بمسرحيته التي يعرضها حالياً في باريس فقد شاهدنا كاليغولا لمرات عديدة ضمن مسرحيات واعمال فنية لعدة مخرجين بينهم جيرار فيليب الذي قدم الشخصية ما بين عامي 1945-1964 بشكل انيق واسبغ عليها ضعفاً وهشاشة واضطراباً لا يُنسى، ومنذ ذلك الحين لم ينجح اي ممثل في اقناعنا أو استمالة قلوبنا نحو ادائه بقدر ما يفعل بيرلنغ اليوم، فقد خاض مجازفات كبيرة ووضع أصبعه على كثير من الاخطار وسيطر عليها منذ البداية محيطاً الشخصية بالالغاز والغموض والازدواجية والشكوك مترجماً معاناتها الداخلية التي يعكسها طيشها واختلافها عن الآخرين..
بشكل خاص، لم يصنع بيرلنغ من كاليغولا مثالاً منفرداً كأن يكون طاغية متعطشاً فقط للسلطة والدم دون مبرر كبير.. كاليغولا بيرلنغ ممثل يرتدي ملابس القدر ويبدو مجنوناً وهو يبتعد به عن النماذج المتفردة مثل هاملت ولورانزاتشيو ودون جوان إذ لا يعبر في كل المشاهد عن كل ما في شخصيته من وحشية وبشاعة حتى ان نهايته المرهقة لم تكن على نفس القدر من الوحشية رغم وسائلها المرعبة.. كاليغولا بيرلنغ يقتفي أثر المطلق ويبحث عن الحقيقة ويسعى الى امتلاك الحرية ويبدو غير مستعد للخوض في المنطق والمسؤولية حتى لو كانت التضحية بنفسه هي الثمن.. لقد اختار بذلك انتحاراً "سامياً" ومتفوقاً على البشر، وباختصار فقد كشفت المسرحية عن تمزق كاليغولا وهو ما حولها الى مسرحية قوية وحافظت على قوتها بفضل هذا التعقيد المثير للاعجاب إذ نجح بيرلنغ في خلق مزيج رائع تلتقي فيه الغريزة بالذكاء.. تلك هي اللعبة السحرية التي خاضها بيرلنغ ليظهر فيها كاليغولا أنيقاً، شاباً ذا وجه جميل ونظرة ذات ألف معنى وصوت موسيقي.. ويبقى على المشاهد ان يفهم النص، الذي حاول العرض الحفاظ على جماله وعمقه وثرائه الدرامي.. لقد عمل بيرلنغ على محو "زمنية" الشخصية بتفريغها من انتمائها الى التاريخ الروماني والى مسرحية الاربعينيات ايضاً مستخدما فترة مبتكرة ومتلاعباً بالديكور محولاَّ المشاهد الى ما يقرب من المهرجان أو الاحتفالية.. وهذا ليس غباء منه او اضطراباً فكرياً لكنه تعمد الخوض في اعماق الشخصية اكثر من تاريخها محولاَّ النص الى عرض صادق وعميق ومذهل..
مسرحية كاليغولا
كما هو معروف- للكاتب ألبير كامو ويقوم باخراجها حالياً ويمثل الدور الرئيسي فيها شارلز بيرلنغ بمشاركة كرستيان كوهيدلي وغوتييه بلو وفريدريك كيرينغ على مسرح آتلييه في باريس..


( من ديوان شمس تبريز )

جلال الدين الرومي
ترجمة: عمار كاظم محمد
 

وصال المحبوب يهيج الشوق
ونحن نقول ربما يكون كذلك
كل الشكوك من الوفاء نمت
ونحن نقول ربما يكون كذلك
* * *
مكر الشيطان سبب التشوش
وواجهت الأمة القلق
مرة أخرى كانت أمة سليمان
ونحن نقول ربما يكون كذلك
* * *
المحبوب من جعل قلبي يتألم
واغلق الباب بوجهي ثانية
الاصدقاء يعزون ويسلون
ونحن نقول ربما يكون كذلك
* * *
على الرغم من ذلك
شربت الخمر على حساب لذتك وحيدا
ولترشد السكران توا الى العرش
ونحن نقول ربما يكون كذلك
* * *
من وجهك المهيب المتألق
يضيء اللهب مكاني
في كل زاوية ، ويضىء الفضاء
ونحن نقول ربما يكون كذلك
* * *
من غضبك وحماسك الرحيم
والتقليب الجميل للصحائف
تصبح الدنيا خطوة حلوة
ونحن نقول ربما يكون كذلك
* * *
الليل يبدل بالصباح
والفرح ينتصر على كل حزن
وضوء الشمس ينتشر ويمتد
ونحن نقول ربما يكون كذلك

* * *
من سماحة درويش جوال
وعناد المحبين
نحيا ونتجدد
ونحن نقول ربما يكون كذلك
* * *
احتفل بهذا العيد
وعد الى الانسجام
فالاعياد وفيرة في مدينتنا
ونحن نقول ربما يكون كذلك
* * *
يا استاذ الحكمة المغناة
انت لن ترقد تحت الارض
ففي النهاية ستدخل الزهرة في برج الميزان
ونحن نقول ربما يكون كذلك
* * *
وصل الدرويش الى الحضرة الملكية
وفي الغنى وصل الى ما لايمكن تصوره
آخذا شطرا من سرور البلاط
ونحن نقول ربما يكون كذلك
* * *
تأمل نسيم الرياح
تتمايل ساحرة مثل شفاه حلوة
ولن تبقى شاكية تصفر
ونحن نقول ربما يكون كذلك
* * *
نظرة السوء والذئب القبيح
غرقت في الخليج العميق للجهل
والذي غدا ضئيلا بايمان يوسف
ونحن نقول ربما يكون كذلك
* * *
ياشمس تبريز
انت تمزج الرحمة وتجدد
الشرق والغرب تماما
ونحن نقول ربما يكون كذلك
* * *
من الخضوع لارادة الشيطان
برزت روحك النبوية
من خلال هذه الطاحونة
والشيطان نفسه ، أنجز ارادة الله
ونحن نقول ، ربما يكون كذلك
* * *

حينما اشرق ضوء القمر
اصبح العالمان حديقة من السرور
وطارت الارواح الى موطنها
ونحن نقول ربما يكون كذلك
* * *
الجهل والعمى
بنفاذ البصيرة صارا الآن حكمة ولطفا
تتفوق على يسوع ، وتجعله خلفك
ونحن نقول ، ربما يكون كذلك
* * *
لقد كان ذلك كله كي تنمو الارواح
ولربما تدوم على هذا الحال
فروعتك تتوهج اشراقا
ونحن نقول ربما يكون كذلك
* * *
كل غضبك كان رحمة
وسمك رافة حلوة
كالغيوم الثقال بقوتها الرائعة
ونحن نقول ربما يكون كذلك
* * *
في معبده ، تبقى الالوان
وسحب الاضاحي لن يحتقر
حينما يلطخ دم الثيران المذبح
ونحن نقول ربما يكون كذلك
* * *
صمتا ! فأنا سكران ، انت تدري
أن يدي مقيدتان في هذا المشهد الارضي
وذهني المرتبك يتحرك جيئة وذهابا
ونحن نقول ربما يكون كذلك .

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة