انعطافــــــة في تاريخ العـــراق
*بقلم
: أحمد هاشم
ترجمة : هاجر العاني
عن:
البوسطن غلوب
* أحمد هاشم هو بروفسور زميل في الدراسات الستراتيجية في
الكلية الحربية البحرية الامريكية وقد خدم في العراق ،
ولاتمثل هذه المقالة بالضرورة وجهات نظر الحكومة الامريكية
او الكلية الحربية البحرية.
من
الواضح أن مقتل قيادي القاعدة ابو مصعب الزرقاوي يمثل حدثاً
هاماً ، الا ان الاقل وضوحاً هو فيما اذا كان ذلك يمثل
انعطافة في التمرد العراقي، كما تم تصويره في التهنئة
القاسية لانفسنا والجلية في وسائل الاعلام الالكترونية يوم
8/ حزيران الجاري ، خاصة في تلك القنوات التي اثبتت
تحليلاتها للوضع على ارض الواقع طوال السنوات المنصرمة
أنها ركيكة ، فهي طويلة في محتواها وقصيرة النظر في
مضمونها .
ومع ذلك ، على الاقل يفتح التطور الباب لأغلب الاطراف في
النزاع العراقي لإعادة تقييم علاقاتهم وللتأمل
باستراتيجيات جديدة واعدة لتحقيق اهدافهم وحقن سفك الدماء
المتواصل .
فهل قرع مقتل الزرقاوي ناقوس موت التمرد ؟ هذا ممكن على
المدى الطويل رغم ان التطورات الجارية في وقت مبكر قد توحي
بعكس ذلك ، اولاً قد نرى زيادة سريعة لنشاط القاعدة في
العراق لتثبت أنها لا تزال " تدير الامور" ، وفي الواقع
اشار نائب قائدها الى ان القتال سيستمر ، فماركة القاعدة
ذات التطرف الديني قد اكتسبت دعماً كبيراً بين العناصر
التي طـُـرِدت وتـُـرِكت في مهب الريح اكثر من غيرها من
بين بقايا النظام السابق وبعض موظفي الامن السابقين الذين
عثروا فجأة على الدين عقب الانهيار المخزي لنظامهم.
وعلاوة ً على ذلك ، سيكون لموت الزرقاوي تأثير على
المعنويات، اذ انه قد يهمش المتمردين ويحسّـن معنويات
الحكومة والائتلاف المتحالف ، ولا يمكن الاستهانة بهذا
العامل النفسي بالنسبة للسكان الشيعة ، الجماعة ذات السلطة
العليا في البلد ، فالعديد من الزعماء ورجال الدين
والسياسيين الشيعة قد ناشدوا جماعتهم ان لا يستسلموا
للحكاية التي تغري بالصراع العرقي، وهو وضع سعى الزرقاوي
وأمثاله –
الذين يشمئزون من الشيعة
لأسباب دينية وسياسية
–
لإحداثه بهجماتهم القاسية
والوحشية على المدنيين الابرياء ، والمعروف عن الشيعة
صبرهم على المعاناة الطويلة ومن المحتمل ان موت الزرقاوي
سيعزز اعتقادهم بانهم سينتصرون في آخر الامر على مضطهديهم
دون الانحطاط –
اكثر مما ينبغي
–
الى مستوى اولئك
المضطهدين .
ومن ناحية أخرى يفترض التفسير المذكور اعلاه ان القاعدة
قادت التمرد، اوبتعبير أدق " سطت عليه " ، الا انني لم
اصدق ذلك ابداً ، ففي الواقع انه باعطائنا الاهمية الابرز
للذكاء البشري في مقاومة التمرد وافتقارنا العام للنجاح في
ذلك فلن يكون من المفاجئ اذا تم كشف اماكن وجود الزرقاوي
الدقيقة –
فضلاً عن الأماكن العامة
–لقوات
الائتلاف والقوات العراقية من قبل جماعات محلية كان قد طفح
الكيل بها من ايديولوجيته وأساليب عملياته القاتلة، وقد
كان هناك تنازع سري خطير على جوهر التمرد ورؤياه وعلاقته
بالعدو .
وعلى مر الاشهر القليلة المنصرمة توصلت عشائر العرب
السّـنّـة في الانبار الى أن الزرقاوي وجماعته كانوا
يوقعون الضرر الجسيم بمطامح السّـنّـة ومطالبهم ورؤياهم
للمستقبل، ففي اجتماع كبير لزعماء عشائر العرب السّـنّـة
وسياسييهم في مطلع آذار كانت هناك ادانة بالاجماع لإستهداف
القاعدة أهدافاً دون تمييز ولاستراتيجيتها في قتل الابرياء
، اذ كان قتل القاعدة شيوخ العشائر وأبناءها هي القشة التي
قصمت ظهر البعير .
وهذه الجماعات ليست بالضرورة مؤيدة للائتلاف، اذ في الواقع
انهم يتحدثون عن مقاومة ناشئة من دوافع أخلاقية للاحتلال
الاجنبي وحالات سلبه المزعومة، وتكمن مطاطية التمرد في
الدعم الذي يتمتع به لدى جماعة السّـنّـة ولدى المناوئين
لوجود الائتلاف من اسلاميي " الاتجاه السائد " المعترف به
ذاتياً والقوميين والمستندين الى العشائر، ولدى هذه
المجموعة المتألقة من المتمردين شكوى واقعية ترتبط خصوصاً
بعدم الرضى عن الوضع السياسي والاقتصادي
–
الاجتماعي لجماعة
السّـنّـة في عراق ما بعد صدام ، فهم ليسوا مهتمين بتأييد
الحرب الاسلامية على " الملحدين " ، فهذه المعركة الشبيهة
بالرؤيا لها صلة ضئيلة بظروفهم.
وبشكل معنوي تشير الكثير من هذه الجماعات الى التمرد بلفظ
" المقاومة " وليس على أنه حرب مقدسة أو جهاد ، وفي الواقع
قد يكون لموت الزرقاوي أبلغ مغزى بالنسبة للتمرد في بادئ
الامر ، ومن ثم في النهاية بالنسبة للائتلاف، فأولاً ان
موته قد " يحرر " التمرد من المتطرفين ويفسح المجال لحركة
التمرد للتركيز على مطالبها الواقعية وشكواها الشرعية دون
توجس من أن يلتف المتطرفون حولها أو يكرهوها على البقاء في
المؤخرة، وهذا الامر قد يفيد الائتلاف لأننا قد نكون أكثر
رغبة في التعامل مع عناصر أكثر عقلانية .
وثانياً اذا نجح موت الزرقاوي في تهميش المتطرفين فأن
متمردي الاتجاه السائد قد يكونون أكثر حرية في تطوير جناح
سياسي وعسكري ملتحم بشكل ترادفي ، وهو أمر كانوا يسعون
لفعله منذ أشهر .
وثالثاً ربما يؤدي موته الى افلات التمرد من وصمة الارهاب
ما دام لدى العديد من الجماعات مجموعة أهداف محددة أكثر من
تلك المرتبطة بالزرقاوي ومساعديه، ومرة أخرى ربما يساعد
هذا الامر في حثهم حثاً بطيئاً في العملية السياسية وبعيداً
عن العنف .
غير أن ذلك يعتمد الى حد ما على قدرتنا على تكوين
ستراتيجية سياسية فعالة لإنتهاز التقلب الديناميكي داخل
التمرد، وكذلك يعتمد الامر على قدرة جماعات تمرد الاتجاه
السائد على العمل بتماسك لتهميش القاعدة، ولكبح جماح
المتطرفين ضمن صفوفهم ولوضع مجموعة من المطالب الشرعية يتم
تقديمها الى الائتلاف والحكومة العراقية من خلال السياسيين
السّـنّـة والاحزاب الوسط.
|