هل من
سبيل لمواجهة تفاقم ظاهرة العداء للأجانب في ألمانيا؟
كاظم
حبيب
يفترض
أن تكون الكثير من المقولات الحَكيمة التي بلورتها تجارب
الشعوب في مختلف البلدان أساساً مهماً ومفيداً لسلوك
القيادات السياسية في السياسات المحلية والإقليمية
والدولية بالنسبة إلى جميع دول العالم, إذ أن إغفالها يمكن
أن يقود إلى الوقوع بمشكلات ومحن كبيرة ذات عواقب وخيمة
على المجتمع. ومن بين أهم الحكم تبرز تلك الحكمة الإنسانية
التي تحذر من حرث الأرض لصالح قوى غير شريفة يمكنها أن
تقود إلى عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع, تلك الحكمة
المعبرة والمجسدة لتجارب شعوب كثيرة التي تقول: "من يزرع
الريح يحصد العاصفة". وهذه الحكمة القيمة تعبر عن واقع حال
ألمانيا في فترات مختلفة وفي الوقت الحاضر أيضاً. كما أنها
عبرت عن الحال الذي عاشه العراق في فترة حكم البعث الصدامي
في مواقفه الشوفينية والطائفية, رغم التباين والتمايز
الجذري بين طبيعة نظام الحكم الفاشي في العراق ونظام الحكم
الديمقراطي في ألمانيا. وهو ما يفترض أن نحذر منه في
العراق, فمن يزرع الطائفية السياسية, سوف يحصد عواقب وخيمة
عليه وعلى المجتمع بأسره.
على امتداد سنوات العقدين التاسع والأخير من القرن العشرين
وخلال السنوات المنصرمة من العقد الأول من القرن الحادي
والعشرين, ساهمت غالبية الأحزاب السياسية, وبدرجات
متفاوتة, في إشاعة أجواء غير صحية وإلى حد غير قليل مناهضة
لوجود الأجانب في ألمانيا عند مناقشة مسألة موضوع الجنسية
الألمانية والهجرة واللجوء السياسي والإقامة لغير الألمان
من غير دول الاتحاد الأوروبي وسبل مكافحة الدخول غير
الشرعي للأجانب إلى ألمانيا, وتصعيد لهجة الخطاب السياسي
حول المخاطر التي تتعرض لها الثقافة الألمانية القائدة من
وجود وتأثير ثقافات أخرى أجنبية غير مرغوب بها في ألمانيا,
ورفض الاعتراف بوجود مجتمع متعدد الثقافات في ألمانيا,
إضافة إلى مناقشة أهمية التشدد في الشروط التي يفترض
صياغتها بشأن قبول اللاجئين السياسيين والراغبين في العمل
والدراسة في ألمانيا, ثم التشديد الكامل ورفض زيارة عوائل
الأجانب المتجنسين بالجنسية الألمانية, أي المواطنات
والمواطنين الألمان من أصل غير جرماني, أفراد عائلاتهم في
ألمانيا خشية التشبث بالبقاء في ألمانيا. وتحول المواطن
الألماني من أصل غير ألماني عملياً وبصدد هذه المسألة إلى
مواطن من الدرجة الثانية.
ومن أجل تشديد شروط قبول الأجانب كلاجئين سياسيين أو
الهجرة إلى ألمانيا جرى تغيير المادة الدستورية الخاصة
باللجوء والهجرة لتنسجم مع الوجهة الجديدة في عملية
التشدد, كما جرى إصدار قوانين جديدة تشدد هي الأخرى وأكثر
من المادة الدستورية في قضايا اللجوء والهجرة.
أعطى الحوار غير الموضوعي وغير الإيجابي ضد وجود الأجانب
في ألمانيا ثماره المرة وفتح الضوء الأخضر, شاء الإنسان أم
أبى, للقوى اليمينية أن تستثمر الفرصة لتشن هجوماً واسعاً
على الأجانب في كل ألمانيا, ولكن بشكل خاص في شرق ألمانيا
وقتل العديد من الأجانب, وخاصة الأفارقة, وأحرقت العديد من
دور الأجانب, ومنها دور عوائل تركية, وجرت اعتداءات على
الكثير من الأجانب والمقيمين وحملة الجنسية الألمانية في
الشوارع, كما منعت الشبيبة الأجنبية من الدخول إلى بعض
المراقص مثلاً. لقد كانت الحملة في التسعينيات من القرن
الماضي قاسية جداً. وقد حاولت بعض القوى السياسية, كالخضر
وحزب الديمقراطية الاشتراكية وجماعات يسارية أخرى ومنظمات
المجتمع المدني أن تقاوم هذا الاتجاه, إلا أنها لم تفلح في
ذلك.
لم يتعلم الكثير من السياسيين الألمان الدروس المناسبة من
حملة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي وما نجم
عنها من أجواء مسمومة ضد الأجانب ومن موجات الاعتداء على
عوائلهم, إذ سرعان ما بدأت الحملة من جديد من جانب بعض
الأحزاب السياسية, وخاصة في جنوب ألمانيا, ومن قوى سياسية
تلتزم خطاً يمينياً في الموقف من وجود الأجانب في ألمانيا
ومن المجتمع المتعدد الثقافات ومن الهجرة إلى ألمانيا. وهي
قوى ممثلة في البرلمان وتعتبر ضمن الأحزاب الديمقراطية في
البلاد. فالحديث عن وجود المواطنات والمواطنين الأجانب في
ألمانيا غالباً ما يربط بعدد من المسائل, خاصة بعد أحداث
الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001, ولكن قبل ذاك أيضاً
وأبرزهاً:
• إن
الأجانب يستولون على فرص العمل التي يحتاجها الألمان
أنفسهم, وبالتالي يساهمون في وجود البطالة الواسعة.
• إن
الأجانب يتسلمون رواتب المساعدة الاجتماعية والبطالة من
الدولة, وهي أموال دافعي الضرائب الألمان. كما يتمتعون
بالضمان الصحي الذي يكلف الدولة وخزينتها كثيراً.
• وأن
الأجنبي القادم من الدول العربية والإسلامية غالباً ما
يتميز بالعنف والأصولية, وهي ظواهر سلبية تتسبب في خلق
إشكاليات جديدة للمجتمع الألماني.
وهناك الكثير من الأحكام المسبقة التي تثار بوجه الأجنبي
أو المواطن المتجنس بالجنسية الألمانية بحيث يدفعون البعض
غير القليل منهم للتفكير بمغادرة ألمانيا والتفتيش عن ملجأ
آخر, وهذا هو هدف القوى الأكثر يمينية وتطرفاً وخاصة القوى
النازية الجديدة.
وهذه النقاط المثارة لا تصمد في واقع الحال أمام الحوار
العقلاني الهادئ, والذي فنده الألمان الديمقراطيون أنفسهم,
بسبب حاجة ألمانيا إلى الأجانب, خاصة أن ألمانيا تعاني
تراجعاً في معدلات النمو السكانية السنوية والعمل الذي
يؤديه الأجانب لا يؤديه الألمان في الغالب الأعم, كما أن
الأجانب يشاركون في دفع الضرائب والضمان الصحي ويساهمون في
إنتاج الدخل القومي وبناء ألمانيا ...الخ.
واليوم يحصد المسؤولون الألمان جزءاً من الريح التي زرعوها
في وجه الأجانب, حيث تصاعدت وتفاقمت الحملة ضدهم في العديد
من المدن الألمانية وخاصة في محافظة براندينبورگ, وتعرض
الكثير من الأجانب إلى الضرب المبرح وفقدان الذاكرة أو
الموت. وبدأت الصحافة الأجنبية والألمانية تتحدث عن احتمال
تراجع الزوار الأجانب من المشاركة في ألعاب الدورة
الأولمبية الجديدة لكرة القدم التي نظمت في الكثير من
المدن الألمانية والتي في بعضها تتصاعد نشاطات الجماعات
اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة والجماعات العنصرية
والقوى المعادية لوجود الأجانب في ألمانيا.
وفي الأيام القليلة الماضية تفجرت أزمة العداء للأجانب حين
جرى اعتداء أثم على ألماني من أصل حبشي (م أمياس), فقد
معها الذاكرة, واعتداء آخر على ألماني من أصل كردي من
كردستان تركيا وعضو في برلمان برلين (ج. سايان) ممثلاً عن
حزب الديمقراطية الاشتراكية, وكلاهما لايزال راقداً في
المستشفى, بحيث بدأت الصحف وقنوات التلفزة تتحدث عن سعة
ومخاطر الموجة الجديدة من العداء للأجانب.
إن الألمان يسعون اليوم إلى تحسين صورتهم في العالم بصدد
الأجانب والموقف منهم. ولكنهم يسعون إلى ذلك دون أن
يمارسوا السياسة الضرورية في هذا الصدد والتي يفترض أن
تتجلى في المشاركة في حل المعضلات التي تساهم في إعطاء
المبررات لتشديد العداء للأجانب في ألمانيا. وما طرحه وزير
داخلية ألمانيا في شهر مايس/أيار 2006 عن الجنح
والاعتداءات وعمليات العنف ذات الطبيعة العنصرية والعداء
للأجانب قد تزايدت بنسبة ملموسة, وبالتالي ستواجه ألمانيا
وضعاً صعباً في مجال الحديث عن حقوق الإنسان مع الدول
الأخرى وفي المؤتمرات الدولية, حين تعجز عن توفير احترام
حقوق الإنسان المواطن من أصل غير ألماني أو لا تكافح بما
هو ضروري ومناسب ضد القوى التي تتسبب في تشديد العداء
للأجانب. فمستشارة ألمانيا الاتحادية أنجيلا ميركل طرحت في
زيارتها الصين الشعبية مسألة حقوق الإنسان وأهمية تطبيق
الصين لائحة حقوق الإنسان, وهي محقة في ذلك, ولكنها مطالبة
أيضاً بالإسراع بإقرار القانون الخاص بتحريم التمييز
العنصري ومختلف أشكال التمييز في ألمانيا والذي اقترحه
الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني, وكان مشروع حكومة
التحالف الاشتراكي - الخضر السابقة. إذ أن بعض الأصوات من
حزب المستشارة ومن حليفها المسيحي الاشتراكي في جنوب
ألمانيا قد تصاعدت ضد هذا القانون الذي كان ولا يزال مطلب
فئات واسعة من الشعب الألماني. إن التصدي للحملة بأساليب
ديمقراطية وفي ظل دولة القانون الديمقراطي سيقلص من
الخسارة البشرية التي تقتل أو تجرح أو تعوق على أيدي القوى
اليمينية المتطرفة وقوى النازية والفاشية الجديدة.
كما أن مكافحة البطالة وإيجاد فرص عمل للعاطلين, الذين
تجاوز عددهم في الوقت الحاضر رقم خمسة ملايين إنسان, إضافة
إلى الملايين الأخرى التي تتسلم المساعدة الاجتماعية وهم
في سن العمل, ستسهم في تخفيف الأجواء الراهنة والمتفاقمة
في الموقف من الأجانب في ألمانيا. علينا أن نشير في الختام
بأن هذه الظاهرة ليست ألمانية بحتة, بل نجدها في دول
أوروبية أخرى أيضاً, وبالتالي فمن واجب الاتحاد الأوروبي
وضع السياسات واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمواجهة هذه
الظاهرة والقضاء عليها
|