اراء وافكار

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

الدفــاع عـن الميليشيــات في عـراق اليــوم  (وفي غيره أيضاً) فاقد كل شرعية
 

فالح عبد الجبار

ما من حقبة اشتد فيها الصراع على الكلمات والمعاني مثل هذه، كلمات مثل الشرعية والميليشيا، وتمثيل الأمة، وما شاكل. هذا التنازع على المعنى يذكرني بقولة شهيرة لفيلسوف ما بعد الحداثة، ليوتار، الذي حذر مجايليه من ان حروب المستقبل ستنشب، اذا ما نشبت، حول المعرفة والمعلومات لا على الموارد والاسواق. لا ريب ان صراع المعاني أقدم، الا انه يندرج الآن في ثنايا حرب المعرفة والمعلومات.
واجهت اول هذه الحروب وأنا يافع بالكاد أميز المعاني، في عراق ما بعد ثورة تموز (يوليو)، الحرب على كلمة واحدة: هل القومية العربية متحررة، كما يلهج اليساريون، أم خالدة كما يصر العروبيون، وبالذات البعثيون منهم. اقترح مدرس لغة عربية محايد ازالة النعتين والاكتفاء بالأصل، فانتهى نزيلاً في المستشفى. وكانت مثل هذه الحوادث غير الحميدة تنمو احياناً الى شجار أكبر، بل تقاتل بالسلاح الابيض وغيره. ويشهد العراق اليوم بداية لمعركة مماثلة، تدور هذه المرة حول تعريف كلمة ميليشيا، او كلمة مقاومة. الكلمة الاولى، تخرج من أردية المعاجم مسربلة بكل ما ينفي عنها الشرعية. اما الكلمة الثانية فتدخل رحاب السياسة الشرعية بكل ثقة. والصلة بين الاثنتين ليست معدومة. فما من «ميليشيا إلا ولها اغراض او غايات سياسية، بصرف النظر عن مدى شرعية هذه الغايات، او مدى قبول المجتمع لهذه المآرب عينها. وما من مقاومة إلا ولها ميليشيا خاصة بها، تؤلف مركز الثقل في جهازها.
وتستخدم هاتان الكلمتان في العراق بشحنات قوية من العاطفة الجياشة، أينما نولّي وجوهنا في عالم السياسة الدموي، المضطرب.
وبالطبع ليست ثمة اكاديمية مختصة بتحديد المعنى النهائي للكلمات، فاللغة هي ما يدرج الناس على استعماله على رغم أنف القاموس المحيط، او المنجد، والحقوق المستمدة من الكلمات تحميها البنادق او تهددها القوة العاتية.
خذ كلمة ميليشيا. تفيد الميليشيا، وهي ترجمة صوتية للأصل، نوعاً من القوات العسكرية غير النظامية، قد تكون مكملاً وتابعاً للقوات النظامية او قد لا تكون. وكانت الدولة العثمانية، مثلاً، تستخدم المسلحين الأفراد في المدن، او محاربي القبائل في حملاتها التأديبية او حروبها الخارجية. وكان لهذه الجماعات المسلحة غير النظامية اسم طريف هو عسكر جتة، وكلمة جتة (
Chata) بالتركية تعني الفوضى، او اللاالتزام. وقد دخلت هذه الكلمة العامية العراقية صفة لكل شخص «فالت» في تصرفه وسلوكه وآدابه، او في عمله ودراسته. فهو متحلل مثلاً من واجبات اعالة أسرته، او الالتزام بالدوام وما الى ذلك.
وتلمس هذه المعاني لب الموضوع الخاص بالميليشيا. فهي خلافاً للقوات النظامية، لا تخضع للضبط إلا اذا رغبت، وهي عادة لا ترغب. كما ان امكانية تحديد مسؤولية هذه القوات عن التجاوزات القانونية شبه مستحيلة نظراً لعدم وجود تسلسل مراجع، او مرجعيات محددة لإصدار الأوامر، وما شاكل.
وفي كل حال تدخل الميليشيات في باب القوات غير النظامية من أوسع أبوابه، لكنها تدخل ايضاً باب القوات غير الشرعية. ذلك ان فكرة وواقع الدولة الحديثة يقومان على احتكار الدولة لوسائل العنف المشروع. يعرف هذه المقولة كل علماء الاجتماع وعلماء السياسة وفقهاء القانون. مع ذلك تجد ان الفكر السياسي في المنطقة العربية يكاد يكون أعجف، سقيماً، بلا أية قواعد عقلانية للحكم او النقد. فتراه يقبل بأي خرق لمبدأ «احتكار وسائل العنف المشروع» باسم شرعية ثورية مزعومة، او شرعية ذاتية غير مسندة بتفويض شعبي (مبدأ قبول الأكثرية). نجد هذه الأعذار والتبريرات لظهور الميليشيات في كل البلدان العربية تقريباً، وبخاصة لبنان وفلسطين، كما نجدها اليوم في العراق. ان الحركة هي مزيج من حزب سياسي له تنظيمات، وجماهير، ومكاتب، وصحافة، الخ. وميليشيا مسلحة لها كل مواصفات القوات غير النظامية التي تنازع الدولة احتكارها لوسائل العنف الشرعي.
وينطبق هذا التوصيف على كل قوة مسلحة في العراق تقع خارج نطاق مؤسسات العنف، ويرتكز هذا على واقع ان هذه المؤسسات تخضع لهيئات منتخبة، ولم تعد تستند الى شرعية «ذاتية»، أي معلنة من صاحب العلاقة.
وهذا القول ينطبق على المقاومة، مهما بلغت درجة شرعيتها او لا شرعيتها بنظر المراقب. فالمقاومة في بلد يفتقر الى مؤسسات وطنية (داخل البلد) للحكم، ويعيش في حالة فراغ دستوري - سياسي، يطلق العنان لمزاعم شرعية او شرعيات متضاربة لن تحسم إلا بصناديق الاقتراع (اذا كان المجتمع يقبل بالانتخابات اساساً للشرعية) او تحسم بالقوة الساخرة (اذا كان المجتمع يخلو من أي مدركات قانونية للشرعية الحديثة).
والحال ان خطاب المقاومة أخذ يفقد وهجه تباعاً، بتحول أهدافه من القوات الاجنبية الى الاهداف العراقية، الثقافية والدينية والاقتصادية، وصولاً الى الذبح على الهوية.
وبات خطاب المقاومة حتى عند اشد انصارها يحوي استدراكات من قبيل المقاومة النزيهة او الشريفة، تمييزاً لبعض النشاطات عن غيرها، واشتد هذا التمييز بعد ان اخذ العراقيون يتساءلون بعامة عن علاقة العداء للامبريالية بمراقد الأولياء، او قتل الحلاقين، او تعطيل شبكات الكهرباء. وعلى رغم ان هذه الاسئلة وغيرها ذات طابع أخلاقي او سياسي، فإن المسألة الأهم التي تقرر او تلغي الحق في انشاء ميليشيا لأغراض مقاومة او لأغراض معارضة، هي الآتي: هل يقوم النظام السياسي على تفويض شعبي أم لا؟ تلك هي ركيزة الشرعية الوحيدة في عالمنا المعاصر. وان توجه أحد عشر مليون عراقي الى صناديق الاقتراع ليس واقعة هامشية الا في نظر العمى الايديولوجي الذي لا شفاء منه.
ان الدفاع عن الميليشيات في عراق اليوم فاقد لكل شرعية. وأجد التلاعب بالأسماء والتعاريف مجرد بهلوانيات كلامية لا طائل من ورائها. وان كان لها من قيمة او معنى حق فهي ان اصحابها يصرون على البقاء زعماء محليين، بدل ان ينضجوا ليصبحوا قادة دولة ومجتمع.
نجد مثل هذه الكاريكاتيرات في فلسطين بعد نجاح حماس، وهي الآن في الحكم على اساس تفويض قانوني شرعي. الا ان سلوكها لا يزال محكوماً بعقلية الميليشيات. فهي ترى نفسها حركة تعتمد على مسلحيها، وليس حكومة تعتمد على مؤسسات الدولة. وثمة طيف من هذه المعضلة في لبنان، منذر متوعد.
كلما أنعمنا النظر في مفصلة الميليشيات عاد التاريخ العثماني كله الينا. فهو تاريخ بدايات تأسيس الدولة الحديثة، بجهازها الاداري الممركز، وجيشها النظامي (الدائم)، وقانونها الاساس المدون. ألم تشهد اسطنبول اول ثورة على اول مصلح اراد انشاء جيش دائم!
ما زلنا نراوح منذ قرن، مثل السلاحف، على تخوم الدولة الحديثة، نبني بيد ونهدم بأخرى. لا أجد لهذا الدوران حول النفس من مثال سوى دابّة الناعور. لعله تشبيه قاس.


هل من سبيل لمواجهة تفاقم ظاهرة العداء للأجانب في ألمانيا؟
 

كاظم حبيب

يفترض أن تكون الكثير من المقولات الحَكيمة التي بلورتها تجارب الشعوب في مختلف البلدان أساساً مهماً ومفيداً لسلوك القيادات السياسية في السياسات المحلية والإقليمية والدولية بالنسبة إلى جميع دول العالم, إذ أن إغفالها يمكن أن يقود إلى الوقوع بمشكلات ومحن كبيرة ذات عواقب وخيمة على المجتمع. ومن بين أهم الحكم تبرز تلك الحكمة الإنسانية التي تحذر من حرث الأرض لصالح قوى غير شريفة يمكنها أن تقود إلى عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع, تلك الحكمة المعبرة والمجسدة لتجارب شعوب كثيرة التي تقول: "من يزرع الريح يحصد العاصفة". وهذه الحكمة القيمة تعبر عن واقع حال ألمانيا في فترات مختلفة وفي الوقت الحاضر أيضاً. كما أنها عبرت عن الحال الذي عاشه العراق في فترة حكم البعث الصدامي في مواقفه الشوفينية والطائفية, رغم التباين والتمايز الجذري بين طبيعة نظام الحكم الفاشي في العراق ونظام الحكم الديمقراطي في ألمانيا. وهو ما يفترض أن نحذر منه في العراق, فمن يزرع الطائفية السياسية, سوف يحصد عواقب وخيمة عليه وعلى المجتمع بأسره.
على امتداد سنوات العقدين التاسع والأخير من القرن العشرين وخلال السنوات المنصرمة من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين, ساهمت غالبية الأحزاب السياسية, وبدرجات متفاوتة, في إشاعة أجواء غير صحية وإلى حد غير قليل مناهضة لوجود الأجانب في ألمانيا عند مناقشة مسألة موضوع الجنسية الألمانية والهجرة واللجوء السياسي والإقامة لغير الألمان من غير دول الاتحاد الأوروبي وسبل مكافحة الدخول غير الشرعي للأجانب إلى ألمانيا, وتصعيد لهجة الخطاب السياسي حول المخاطر التي تتعرض لها الثقافة الألمانية القائدة من وجود وتأثير ثقافات أخرى أجنبية غير مرغوب بها في ألمانيا, ورفض الاعتراف بوجود مجتمع متعدد الثقافات في ألمانيا, إضافة إلى مناقشة أهمية التشدد في الشروط التي يفترض صياغتها بشأن قبول اللاجئين السياسيين والراغبين في العمل والدراسة في ألمانيا, ثم التشديد الكامل ورفض زيارة عوائل الأجانب المتجنسين بالجنسية الألمانية, أي المواطنات والمواطنين الألمان من أصل غير جرماني, أفراد عائلاتهم في ألمانيا خشية التشبث بالبقاء في ألمانيا. وتحول المواطن الألماني من أصل غير ألماني عملياً وبصدد هذه المسألة إلى مواطن من الدرجة الثانية.
ومن أجل تشديد شروط قبول الأجانب كلاجئين سياسيين أو الهجرة إلى ألمانيا جرى تغيير المادة الدستورية الخاصة باللجوء والهجرة لتنسجم مع الوجهة الجديدة في عملية التشدد, كما جرى إصدار قوانين جديدة تشدد هي الأخرى وأكثر من المادة الدستورية في قضايا اللجوء والهجرة.
أعطى الحوار غير الموضوعي وغير الإيجابي ضد وجود الأجانب في ألمانيا ثماره المرة وفتح الضوء الأخضر, شاء الإنسان أم أبى, للقوى اليمينية أن تستثمر الفرصة لتشن هجوماً واسعاً على الأجانب في كل ألمانيا, ولكن بشكل خاص في شرق ألمانيا وقتل العديد من الأجانب, وخاصة الأفارقة, وأحرقت العديد من دور الأجانب, ومنها دور عوائل تركية, وجرت اعتداءات على الكثير من الأجانب والمقيمين وحملة الجنسية الألمانية في الشوارع, كما منعت الشبيبة الأجنبية من الدخول إلى بعض المراقص مثلاً. لقد كانت الحملة في التسعينيات من القرن الماضي قاسية جداً. وقد حاولت بعض القوى السياسية, كالخضر وحزب الديمقراطية الاشتراكية وجماعات يسارية أخرى ومنظمات المجتمع المدني أن تقاوم هذا الاتجاه, إلا أنها لم تفلح في ذلك.
لم يتعلم الكثير من السياسيين الألمان الدروس المناسبة من حملة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي وما نجم عنها من أجواء مسمومة ضد الأجانب ومن موجات الاعتداء على عوائلهم, إذ سرعان ما بدأت الحملة من جديد من جانب بعض الأحزاب السياسية, وخاصة في جنوب ألمانيا, ومن قوى سياسية تلتزم خطاً يمينياً في الموقف من وجود الأجانب في ألمانيا ومن المجتمع المتعدد الثقافات ومن الهجرة إلى ألمانيا. وهي قوى ممثلة في البرلمان وتعتبر ضمن الأحزاب الديمقراطية في البلاد. فالحديث عن وجود المواطنات والمواطنين الأجانب في ألمانيا غالباً ما يربط بعدد من المسائل, خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001, ولكن قبل ذاك أيضاً وأبرزهاً:
•    إن الأجانب يستولون على فرص العمل التي يحتاجها الألمان أنفسهم, وبالتالي يساهمون في وجود البطالة الواسعة.
•    إن الأجانب يتسلمون رواتب المساعدة الاجتماعية والبطالة من الدولة, وهي أموال دافعي الضرائب الألمان. كما يتمتعون بالضمان الصحي الذي يكلف الدولة وخزينتها كثيراً.
•    وأن الأجنبي القادم من الدول العربية والإسلامية غالباً ما يتميز بالعنف والأصولية, وهي ظواهر سلبية تتسبب في خلق إشكاليات جديدة للمجتمع الألماني.
وهناك الكثير من الأحكام المسبقة التي تثار بوجه الأجنبي أو المواطن المتجنس بالجنسية الألمانية بحيث يدفعون البعض غير القليل منهم للتفكير بمغادرة ألمانيا والتفتيش عن ملجأ آخر, وهذا هو هدف القوى الأكثر يمينية وتطرفاً وخاصة القوى النازية الجديدة.
وهذه النقاط المثارة لا تصمد في واقع الحال أمام الحوار العقلاني الهادئ, والذي فنده الألمان الديمقراطيون أنفسهم, بسبب حاجة ألمانيا إلى الأجانب, خاصة أن ألمانيا تعاني تراجعاً في معدلات النمو السكانية السنوية والعمل الذي يؤديه الأجانب لا يؤديه الألمان في الغالب الأعم, كما أن الأجانب يشاركون في دفع الضرائب والضمان الصحي ويساهمون في إنتاج الدخل القومي وبناء ألمانيا ...الخ.
واليوم يحصد المسؤولون الألمان جزءاً من الريح التي زرعوها في وجه الأجانب, حيث تصاعدت وتفاقمت الحملة ضدهم في العديد من المدن الألمانية وخاصة في محافظة براندينبورگ, وتعرض الكثير من الأجانب إلى الضرب المبرح وفقدان الذاكرة أو الموت. وبدأت الصحافة الأجنبية والألمانية تتحدث عن احتمال تراجع الزوار الأجانب من المشاركة في ألعاب الدورة الأولمبية الجديدة لكرة القدم التي نظمت في الكثير من المدن الألمانية والتي في بعضها تتصاعد نشاطات الجماعات اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة والجماعات العنصرية والقوى المعادية لوجود الأجانب في ألمانيا.
وفي الأيام القليلة الماضية تفجرت أزمة العداء للأجانب حين جرى اعتداء أثم على ألماني من أصل حبشي (م أمياس), فقد معها الذاكرة, واعتداء آخر على ألماني من أصل كردي من كردستان تركيا وعضو في برلمان برلين (ج. سايان) ممثلاً عن حزب الديمقراطية الاشتراكية, وكلاهما لايزال راقداً في المستشفى, بحيث بدأت الصحف وقنوات التلفزة تتحدث عن سعة ومخاطر الموجة الجديدة من العداء للأجانب.
إن الألمان يسعون اليوم إلى تحسين صورتهم في العالم بصدد الأجانب والموقف منهم. ولكنهم يسعون إلى ذلك دون أن يمارسوا السياسة الضرورية في هذا الصدد والتي يفترض أن تتجلى في المشاركة في حل المعضلات التي تساهم في إعطاء المبررات لتشديد العداء للأجانب في ألمانيا. وما طرحه وزير داخلية ألمانيا في شهر مايس/أيار 2006 عن الجنح والاعتداءات وعمليات العنف ذات الطبيعة العنصرية والعداء للأجانب قد تزايدت بنسبة ملموسة, وبالتالي ستواجه ألمانيا وضعاً صعباً في مجال الحديث عن حقوق الإنسان مع الدول الأخرى وفي المؤتمرات الدولية, حين تعجز عن توفير احترام حقوق الإنسان المواطن من أصل غير ألماني أو لا تكافح بما هو ضروري ومناسب ضد القوى التي تتسبب في تشديد العداء للأجانب. فمستشارة ألمانيا الاتحادية أنجيلا ميركل طرحت في زيارتها الصين الشعبية مسألة حقوق الإنسان وأهمية تطبيق الصين لائحة حقوق الإنسان, وهي محقة في ذلك, ولكنها مطالبة أيضاً بالإسراع بإقرار القانون الخاص بتحريم التمييز العنصري ومختلف أشكال التمييز في ألمانيا والذي اقترحه الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني, وكان مشروع حكومة التحالف الاشتراكي - الخضر السابقة. إذ أن بعض الأصوات من حزب المستشارة ومن حليفها المسيحي الاشتراكي في جنوب ألمانيا قد تصاعدت ضد هذا القانون الذي كان ولا يزال مطلب فئات واسعة من الشعب الألماني. إن التصدي للحملة بأساليب ديمقراطية وفي ظل دولة القانون الديمقراطي سيقلص من الخسارة البشرية التي تقتل أو تجرح أو تعوق على أيدي القوى اليمينية المتطرفة وقوى النازية والفاشية الجديدة.
كما أن مكافحة البطالة وإيجاد فرص عمل للعاطلين, الذين تجاوز عددهم في الوقت الحاضر رقم خمسة ملايين إنسان, إضافة إلى الملايين الأخرى التي تتسلم المساعدة الاجتماعية وهم في سن العمل, ستسهم في تخفيف الأجواء الراهنة والمتفاقمة في الموقف من الأجانب في ألمانيا. علينا أن نشير في الختام بأن هذه الظاهرة ليست ألمانية بحتة, بل نجدها في دول أوروبية أخرى أيضاً, وبالتالي فمن واجب الاتحاد الأوروبي وضع السياسات واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمواجهة هذه الظاهرة والقضاء عليها


دخلت مركز (بوليس) صــــدام

أشرف عبد القادر

Ashraf3@wanadoo.fr
زرنا قبل نهاية أسبوع "المدى"الثقافي الرابع، مهرجان الربيع، الذي انعقد في 22-30 نيسان 2006،المتحف الوطني في السليمانية، حيث أقام فنانون معرضاً مشتركاً لفنون الكاريكاتير والتشكيل والفوتوغراف،وزرنا في نفس المبني مقراً سابقاً لأمن النظام البائد، كان هذا المبني في الأصل مقراً لدائرة الأمن واحد سجون صدام الشهيرة تم تحويله إلى متحف ليكون شاهد عيان على جرائم النظام البائد، فماذا رأيت؟. كان المقر عبارة عن عدة مبان متجاورة،كل مبني مكون من أربعة طوابق، وهي مقسمة من الداخل إلى زنازين، منها زنازين حديدية كالتي نراها في السيرك توضع فيها الأسود، كانت هناك زنازين للحبس الانفرادي، وأخري للحبس الجماعي،كانت زنازين الحبس الانفرادي لا تزيد على المتر المربع وبلا أي نافذة ولا ضوء، كان المسجون لا يعرف النهار من الليل فيختلط عليه الزمن فلا يعرف عدد السنين والحساب،مرشد المتحف اصطحبنا وشرح لنا ونحن نزور الطوابق والزنازين غرف التعذيب وطرق التعذيب عن طريق تماثيل موضوعة في كل غرفة تعذيب،رأيت غرفاً كان يغتصب فيها الرجال والنساء،رأيت غرف التعذيب بالشحنات الكهربائية للأماكن الحساسة من الجسم،رأيت غرف التعذيب الجسدي والمعنوي بمكبرات الصوت لتفزع صرخات المعذب باقي المساجين فيعترفوا بجرائم لم يرتكبوها، رأيت صوراً للقتل الجماعي لأطفال لم يبلغوا الثالثة عشرة،رأيت صور المقابر الجماعية التي تم اكتشافها بعد سقوط الطاغية، وذكر لنا المرشد أنهم وجدوا داخل المقابر الجماعية جثثاً لأطفال ، مما يعني أن الطاغية ونظامه كانوا يدفنون الأسر أحياء برجالها ونسائها وأطفالها من دون شفقة أو رحمة، فدمعت عيناي، وقلت لمرشد المتحف، أنا الذي ضد عقوبة الإعدام، يجب ألا يقتل صدام حسين مرة واحدة،لأن في ذلك راحة له،بل يجب أن تقطع قطعة صغيرة من جسده كل يوم حتى يذوق ما أذاقه لشعبه المسكين. أما ما سمعته من حكايات في أثناء الزيارة فتقشعر منه الأبدان، وسأحكي للقراء بعض هذه القصص الحقيقية، فقد أعدم صدام في يوم واحد 5000 كردي،أما هذه الواقعة فهي لسيدة اعتقل وحيدها ولا تعرف أين هو لتزوره،وبعد أن بحثت عنه في كل السجون بلا جدوى،أخبرها أحد السجانين بأن ابنها مسجون في مقر دائرة الأمن في السليمانية ،فذهبت لمدير السجن طالبة زيارة ابنها،فأنكر وجود ابنها في هذا السجن، وأمام إصرار الأم على وجود ابنها في هذا السجن،شعر مدير السجن أن عندها معلومات مؤكدة عن وجود ابنها هنا، فأراد معرفة من أخبرها بذلك، فنصب لها فخاً وسألها: إذا قلت لي من الذي أخبرك بوجود ابنك هنا فسترين ابنك؟،وأمام لهفة الأم لرؤية وحيدها قالت له:إنه الحارس فلان.فما كان من مدير السجن إلا أن أحضر هذا الحارس في فناء السجن، وجمع جميع الحراس وصب عليه البنزين وأشعل النار فيه أمام الجميع قائلاً: هذا جزاء من يفشي سراً من أسرار السجن. والتفت إلى الأم الباحثة عن وحيدها مهدداً قائلاً:رأيت ما حدث لهذا الرجل،سيكون هذا هو مصيرك إذا ما عدت إلى هنا مرة أخرى. وحدث في انتفاضة 1991 أن استخدم المنتفضون سيارة رجل عجوز جاوز السبعين من عمره من دون علمه، فما كان من البعثيين إلا أن أمسكوا بهذا الرجل المسن ووضعوه داخل أطر السيارات وأشعلوا النار فيها وهو وسطها. وذكر لي البعض أن صدام عندما يكون عصبي المزاج، يذهب إلى مديرية الأمن في أقرب محافظة ويطلب إخراج عدد من المساجين ليقتلهم ليعدل بقتلهم مزاجه السادي الدموي، لكن كيف كان يقتلهم هذا السيكوباتي؟ كان يتلذذ بعذابهم أولاً بأن يطلق رصاصه على أيديهم وأرجلهم وأعضاء جسمهم، وبعد أن يتلذذ بسماع صراخهم وآلامهم ينعدل مزاجه فيطلق على رؤوسهم رصاصة الرحمة. وكان من أغرب ما سمعت أن البعثيين عندما يقتلون شاباً كانوا يطلبون ثمن الرصاص الذي قتل به من أهله، وعندما سألت عن سبب ذلك الطلب الغريب قالوا لي: تحقيراً للميت،أي أنه لا يساوي ثمن الطلقات التي مات بها، كما كانوا يشترطون على أهله عدم البكاء عليه، أو أخذ العزاء فيه.
هذه بعض الوقائع والأفعال،التي هي غيض من فيض،التي كان يمارسها الدموي السادي صدام حسين وزبانيته في الشعب العراقي،فهل مازال هناك بعض المرتزقة، الذين روجوا له في الماضي ووصفوه بـ"القائد الضرورة" يدافعون عنه وعن نظامه البائد؟ إنني أدعو يتامي صدام بأن يزوروا سجون صدام ليروا بأنفسهم وسائل التعذيب والاغتصاب التي مارسها هذا الطاغية ضد شعبه خلال خمسة وثلاثين عاماً، ليكفوا عن البكاء عليه والحلم بعودته حقاً إنها لمأساة أن نرى مثقفين معروفين مثل الفيلسوف محمد عابد الجابري والمفكر اللبناني مطاع الصفدي وغيرهما كثير يمدحون صدام بالأمس ويتباكون عليه اليوم. ألا يدل ذلك على موت ضمير بعض مثقفينا الذين يستهينون بحياة البشر؟ فكل ما يهمهم هو بقاء الطغاة ولو على جبل من الجماجم. حقاً إنها لمأساة!.


إنهاء الحرب الخفية في مصر

هاله مصطفى/ القاهرة

بينما تركز القدر الكبير من الانتباه على هجمات العنف والترهيب الموجهة ضد المعارضة في أثناء الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخرا في مصر، فأنشغال قوات الأمن في البلاد بالحياة السياسية لا يقتصر فقط على هذا النوع من المواجهة المرئية، فالتهديد الحقيقي لجهاز أمن الدولة مثل ما يحدث في كثير من بلاد الشرق الأوسط أنه يتلاعب سرا وعلى نحو مستمر بالنظام السياسي بأكمله. والجهود الأمريكية والمحلية لتشجيع الإصلاح السياسي في المنطقة لن تحقق إلا تغييرات تجميلية أو شكلية من النوع الذي شاهدناه حتى الآن إلا إذا تحطمت هذه القيود السرية.
وفي مصر ليس سرا أن أجهزة الأمن منخرطة بعمق في الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم، فهي التي تختار المسؤولين ذوي المستويات العليا، ومعظم مرشحي الحزب في الانتخابات. ونتيجة لهذا ففي الانتخابات البرلمانية الأخيرة هزم مرشحو الحزب على أيدي المنشقين الذين دخلوا الانتخابات على أنهم مستقلون، وأتضح أن مرشحي البوليس السري لا يحظون بالقبول الشعبي.
حتى اللجنة السياسية للحزب الوطني الديموقراطي التي أنشئت قبل ثلاث سنوات على أنها أداة الإصلاح في الحزب لم تفلت من مخالب أجهزة الأمن التي وضعت مجموعة من المصلحين الزائفين في مراكز النفوذ في إستجابة مصطنعة لدعوة أمريكا إلى الإصلاح السياسي. وفي نفس الوقت استبعدت الأصوات الليبرالية الحقيقية مما جعل إجراء الإصلاح من الداخل مستحيلا، وهذه الممارسات ليست مقصورة على المناصب العليا في الحكومة، فاختيار الأشخاص لشغل جميع المراكز مبني على الولاء لسلطات الأمن لا على المزايا الشخصية أو المؤهلات أو التجربة أو الخلفية السياسية.
وتخضع وسائل الاعلام لنفس السيطرة، فحتى الصحف الخاصة والمستقلة رهينةلأجهزة الأمن التي تملك السلطة لمنح ترخيص صدور الصحيفة أو غلقها، والتي تمارس سيطرة مماثلة على منح رخص العمل للصحفيين.. ويصدق هذا على محطات التلفزيون بما فيها قناة الحرة، وهي القناة الفضائية التي ترعاها الولايات المتحدة، والمفروض أنها تقدم أخبارا لا تخضع للرقابة من وجهة النظر الأمريكية.
ومنذ البداية خضع عمل الحرة في مصر لسيطرة مستترة من قبل أجهزة الأمن، وهذه حقيقة ليست ظاهرة دائما أمام المشرفين على المحطة في واشنطن،ولأجهزة الأمن صلات وثيقة ببعض مديري المحطة، واختارت بنفسها الكثير من مراسلي المحطة، بل لها الكلمة الأخيرة حول أختيار الضيوف الذين يظهرون في البرامج. ونتيجة لهذا، فأن أي شخص ينتبه بعناية إلى لهجة البرامج الاعتيادية والآراء المعبر عنها فسوف يلاحظ أن الآراء الليبرالية التقدمية والصريحة تقدم دائما تقريبا على استحياء، ولئن كان من المفروض أن تكون الحرة منبرا ينبض بالحياة للحرية، فقد أخفقت في توفير حلبة حقيقية للآراء المتوازنة، ولذلك عجزت عن منافسة قناتي الجزيرة "الإسلامية" والعربية لسان "العروبة".
وإن لم تقيد أجهزة الأمن فسوف يسد الطريق أمام التغيير السياسي الحقيقي وجهود تنفيذ الإصلاح من الداخل في مصر وسائر منطقة الشرق الأوسط، وستظل النخبة السياسية المستنيرة عاجزة، وسوف يستهدف الأفراد الذين في إمكانهم تقديم إسهامات حقيقية، وسوف يستمر استبعاد الجماعات والاتجاهات المعتدلة، ويستمر غياب معظم المواطنين من الحياة السياسية (كما اتضح للأسف في الانتخابات الأخيرة). وفي كلمة واحدة، لن يتردد في الحلبة السياسية غير صدى صوت واحد.
والحرب الحقيقية أو الصامتة التي تشنها أجهزة الأمن ستحصر مصر في مربع بين نظام مغلق تتسلط عليه عقلية أمنية، وبين الأصوليين الإسلاميين. هل هذا هو المستقبل الذي نرغب فيه؟

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة