أوليفر
تويست .. نافذة سينمائية جديدة على الأدب
ترجمة/ عادل العامل
يقول
الكاتب والناقد الانكليزي صموئيل جونسون (1709- 1784): ان
الفقر عدو شديد للسعادة الانسانية، وهو يدمر الحرية
بالتأكيد، ويجعل بعض الفضائل غير قابلة للتطبيق وغيرها
صعبة للغاية".
تلك هي من دون شك الحال في الفلم السينمائي المأخوذ من
رواية الروائي الانكليزي الشهير تشارس ديكنز (أوليفر
تويست).
وقد خرج كاتب السيناريو رونالد هاروود والمخرج رومان
بولانسكي على طريقتهما ليصورا ظروف الفقر القاسية في لندن
القرن التاسع عشر حيث كانت الفجوة بين الاغنياء والفقراء
هائلة. فأولئك الذين في القاع من الحياة الاجتماعية مرغمون
على أساس يومي للتوصل الى وسائل مبتكرة وجريئة لاطعام
انفسهم. واولئك الذين لا عوائل لهم ويعيشون عالة على حسنات
الآخرين، يجدون أنفسهم يعاملون بطريقة جائرة، بينما ينظر
أفراد الطبقة الثرية بازدراء الى أولئك البؤساء ويحاولون
ايضاً إيجاد الطرق لاستغلالهم.
ونجد هنا الصبي اليتيم البالغ من العمر تسع سنوات اوليفر
تويست (ويمثله بارني كلارك) يؤتى به الى ملجأ للمعدمين
المتسخين حيث يودع المنبوذون والمتعرضون للأذى من أمثاله
ويعاملون كما لو كانوا حيوانات.
وعندما يطلب هذا القادم الجديد مزيداً من الثريد بعد ان
قدموا له نصيباً قليلاً فقط، ياخذه المستر بمبل (جيريمي
سويفت) ليمثل امام (المجلس) الذي يتألف من زمرة من رجال
الدين المتعجرفين والمتملقين لهم فيصنفه هؤلاء بأنه مثير
للمتاعب. ويصبح صبياً لدى المستر سوبربيري (ميكائيل هيث)،
وهو حانوتي يأسره وجه الصبي الحلو الحزين. ويقرر الحانوتي
استخدام اوليفر كمتفجع (أخرس) في الجنائز، ويثير هذا حنق
ولدٍ آخر يعيره بكونه لقيطاً ويهين أمه. وحين يواجه اوليفر
العودة الى الملجأ يهرب ويصل الى لندن بعد مشي طويل وشاق،
ويقابل واحداً من اولاد الشوارع يسمي نفسه بالمراوغ المكار
(هاري إيدن) الذي يقدم له بعض الطعام ومكاناً يمكث فيه،
ويتعرف اوليفر على فاغن (بن كنغسلي) وهو متاجر بالسلع
المسروقة والذي يقوم، من شقته في حي الفقراء، بتدريب
نشالين صغار السن.
واحد مواطني فاغن هذا شخص يدعى سايكس (جامي فورمان) الذي
تعجب صديقته نانسي (لين رو)، التي يسيء معاملتها، بأوليفر
وتولع به. وبعد ان يتم تدريب اوليفر على فن السرقة، يرسل
الى الشوارع حيث يراقب (المراوغ المكار) وولداً آخر وهما
يسرقان المستر برونلو (إدوارد هاردويك) ويتورط اوليفر في
الامر ويتم انقاذه في اللحظة الاخيرة عند مثوله امام قاضٍ
غاضب. فيأخذه المستر برونلو العطوف الى منزله المترف حيث
يعطى ثياباً جديدة وما يتخيل انها فرصة جديدة لعيشٍ رغيد.
ويتأثر المحسن اليه بأخلاقه الطيبة ويعطيه فرصة للعيش
معهم، غير ان فاغن وسايكس يخشيان ان بخبر الولد السلطات عن
نشاطاتهما، ويفسدان أحلامه ببداية جديدة نقية في الحياة.
هذه النسخة السينمائية الكفء لرواية تشارلس ديكنز
الكلاسيكية تقدم لمحة عن لندن الحديثة التصنيع آنذاك حيث
الحياة نضال بالنسبة لأولئك الذين في القاع، كما انها توفر
صورة عن بعض المظالم الاجتماعية الدائمة التي ما زالت تلوث
المجتمعات الحديثة. ويختلس الممثل بن كينغسلي الفلم بصورته
المميزة لفاغن الحاقد الطماع- الذي بالرغم من افتقاره
لصفات الشخصية الايجابية ينطوي على اعجاب في قلبه بالأولاد
الذين يعتني بهم. ويبرز بارني كلارك تماماً في تمثيله
لشخصية الصبي اوليفر تويست.
وانه لأمر استثنائي ان ترى فلماً يتفوق فيه البطل على
الجميع بسبب أخلاقه الطيبة!
|