مدينــة
القاسم .. مهـــــن وعادات والعـــــــاب وتقاليــــــــد
شاكر هادي غضب
مدينة
القاسم، منطقة شعبية، واكثر اهلها نزح من مناطق ريفية
مجاورة، ولا عجب في ذلك فقد ظهر فيها الكثير من المهن ذات
الطابع الشعبي ومن خلال ذلك يمكن تقسيم هذه المهن الى
نوعين: النوع الاول الذي يحتاج الى مهارة في العمل وتدريب
خاص وادوات ينجز بها ذلك العمل. وعادة فان مثل هذه المهن
يأخذها الابن عن الاب والجد، مثل الحياكة اليدوية او صبغ
الملابس وتطريزها، وصناعة العُقِل (بضم العين وكسر القاف،
مفرد عِقال وهو من البسة الراس الرجالية) وممارسة الطب
الشعبي او بعض انواعه كالفصد والكي والوشم والربط ووصف
الاعشاب والادوية والتدليك والتوليد.. ومن المهن الاخرى
النجارة والخياطة وصناعة الحصر والبواري والمكانس والمهفات
(جمع مهفة وهي مروحة يدوية من الخوص) والسلال والمظلات
والكراسي.. ومثلها صياغة الذهب والفضة وريافة الملابس
والندافة وغزل الصوف (مهنة نسائية) واسطوات البناء وقراء
المجالس الحسينية والملالي ومخرجات القذى من العيون وتسمى
عندهم (ام كشّاية) وماشطات الصوف وحياكة الطاقيات
والبلوزات.
اما المهن الاخرى فهي مهن الكسبة والاعمال الحرة واصحاب
الكراء واصحاب العربات، وهي مهن لا تحتاج الا الى جهد عضلي،
او معرفة قليلة يكتسبها بالمران ومثلهم عمال البناء وباعة
الخضروات والقصابون والسماكون والتجار والبزازون والخبازون
واصحاب الحمامات بما فيها المدلكجية وباعة الشاي وعمال
المطاعم وباعة المواشي وغيرهم.
مهن انقرضت او
تكاد
في هذه المدينة هناك مهن شعبية منقرضة او تكاد تنقرض، نذكر
منها: سقاية المياه وصنع الملابس وصيكلة السلاح ومحلات بيع
وشراء الدهن الحيواني ومحلات بيع النفط ومحلات التبغ
وجراخة السكاكين والربابون- جمع رباب اي تنظيف قدور واواني
النحاس- ومن المهن المنقرضة باعة الفرارات وفتاحو الفال
واستخارة الخرز والحصى وتغسيل الموتى والتكبير امام
الجنائز والحلاقون المتجولون والختانون وقالعو الاسنان-
عدا ذوي المهن الطبية وباعة اباريق الماء لوضوء الزائرين..
وغيرهم.
المهن الحديثة
ولما تطورت الحياة بداية بعصر التلفاز- الذي احدث ضجة لا
يمكن تجاهلها- الى عصر الذرة والكمبيوتر ظهرت مهن اخرى
حديثة مثل الكهربائيين ومصلحي الدراجات الهوائية والبخارية
ومصلحي السيارات وباعة دهونها وادواتها الاحتياطية
والخطاطين والرسامين ومحلات بيع المرطبات والحدادين
والسواقين والصرافين واصحاب المكتبات وباعة الجرائد
الجوالين وغيرهم ممن نراهم في الاسواق هذه الايام..
عادات وتقاليد خاصة بالمهن:
ومن هذه العادات نذكر:
1-كنس المحل يومياً ورشه بالماء وذلك عند الافتتاح صباحاً
يجلب الرزق ويزيل النحس
2-يؤمنون بـ(الاستفتاح) في بداية العمل، اذ لا يجوز بداية
البيع بالدين ولو بمبلغ صغير وكذلك يتطيرون من البعض عند
الشراء منهم في بداية البيع صباحاً.
3-لهم نداءات خاصة في البيع مثل (كرين الغزال بانيا)
و(وزيري ياتين) و(ابيض ماله لون) (لبلابي وغسلته الجن
يبنيات).. وغيرها فالاول يقصدون ان البامياء صغيرة كقرن
الغزال وان التين تم اختياره لياكله الوزير وان النفط صافي
وفي الرابع يقصدون مادة (اللبلبي) وهو منقوع الحمص المملح
بعد طبخه والنداء الاخير خاص للبنات.
4-يتطيرون كثيراً من البيع في بعض المناسبات الدينية مثل
يوم عاشوراء ووفيات الائمة والاعياد وأيام الحداد الاخرى
ذات التأثير الاجتماعي..
5-يبدأون فتح محلاتهم باطلاق عبارات وتعاويذ (اللهم صلِّ
على محمد وآل محمد) و(بسم الله الرحمن الرحيم) و(اللهم
ارزقنا ويسر علينا) و(اصبحنا واصبح الملك لله).
6-لكل بائع صندوق صغير يوفر فيه مبالغ يومية زهيدة يخصصها
للمشاركة في مراسيم زيارة مرقد الامام الحسين عليه السلام،
وطبخ المأكولات للزائرين، يكتب على الصندوق بعد صبغه
باللون الاسود (يا حسين) و(يا شهيد)..
7-يضعون في محلاتهم تعاويذ يعتقدون انها تجلب الرزق، قسم
منها مخطوط ومزجج وبعضها من الخرز والتعاويذ المكتوبة وبعض
انواع النباتات كالحرمل.. وهنا لابد من ذكر ان تعويذة (الحسود
لا يسود) تتصدر واجهات الكثير من المحلات، وكذلك صور
الائمة الاطهار.
8-الذاهب الى عمله اذا اصابته رزية او خسارة يتساءل (بمن
استصبحت) اي من الذي التقيت به صباحاً.
الالعاب الشعبية
منذ زمن بعيد وحيث ان وسائل التسلية قليلة فبعد لم تصل الى
ناسنا الكثير منها فلا سينما ولا تلفزيون ولا كهرباء ولا
حتى مذياع ناهيك عن الوسائل الحديثة مثل الحاسوب ... وحيث
كان الانسان يكد في نهاره فلا يجد في ليله سوى ان يقابل
الظلام بظلام ولكن في داخل النفس وهو مسحوق اصلاً يكابد
اشكالاً من الكوارث سببها الفقر والمرض.. فالتجأ الى وسائل
تلهيه عن ذلك، فالتجأ الكبار منهم الى عقد مجالس عقلانية
يرتادها علية القوم وكبار السن فيهم، يشربون القهوة
ويتحدثون في مختلف الشؤون الحياتية العامة والخاصة وربما
السياسية والدينية وحتى الاثنية منها وعندما ينتهون من ذلك
يرتادون جانب الفكاهة البسيطة حيث هناك شخصيات لها ميزة
الحديث الساخر واعداد النكتة وتاليفها، او الاتيان بشخصيات
ساذجة مبتلاة بقصور من التصرف او المعرفة فيضحكون من ذلك
ملء قلوبهم.
اما الشباب والفتيان فلهم في مجالسهم الخلوية شأن آخر. فهم
يختارون ناصية احد الشوارع او الساحات فيجلسون ويتحدثون
بقصص شبابية مختلفة تصل بهم احياناً حد المزاح والعراك
المتكاسل دون اختراق للعادات الاجتماعية والتقاليد
الاخلاقية. واحياناً اخرى يمارسون العاباً شعبية يختارونها
حسب رغبة الاكثرية، ومن هنا نستطيع القول ان الالعاب
الشعبية في هذه الناحية، كما غيرها في مدن الفرات الاوسط
والعراق عامة برغم الاختلاف البسيط احياناً- تتجاوز
للمُحصي المائة لعبة، وتتقاسمها الفئات العمرية فللاطفال
غير العاب الفتيان والاخيرة تختلف عن العاب الشباب وحتى
للكبار العابهم وبعضها يعتمد على الوقت والموسم والمناسبة
فهناك العاب لا تجري الا في ضوء القمر مثل (الشّميسة)،
والعاب للظلام مثل (اللِّبيدة) والعاب تمارس في اي وقت مثل
(اصفير انطج) و(السعلوة) و(ابو طنفيلة) و(الخنزيرة) والعاب
تجري جلوساً مثل (الجمة) والعاب تجري في النهار وهي للبنات
مثل (الصكلة) والعاب الطين ولعابات القماش والعاب قطع
الخزف المكسورة.
ومما يجدر ذكره ان العامي هنا يمارس الكثير من العادات بما
يندرج تحت هذا الموضوع مثل السباحة في الترع والصيد بمختلف
اشكاله وركوب الخيل ومسابقاتها حيث انه في مناسبات الزفاف
يجري سباق عفوي للخيول، وفي ساحة يختارونها قريبة من دار
العريس، وهناك من الفتيان من يمارس صيد الحشرات.
ان هذا موجز لما يجري في هذا المجال وفيه رأيت ان اشرح
واصفاً اهم خمسة العاب مما ورد ذكرها هنا، والتي تمارس
بشكل دائمي وهي مرغوبة الجانب لطرافتها:-
1-اللِّبيدة: من لَبَدَ اي تخفّى وفيها ينقسم اللاعبون الى
فريقين احدهما يختل فرادى او جماعات والثاني عليه ايجاده
ويتبادلون الادوار بعد ذلك.
2-الشِّميسة: تصغير كلمة شمس لاعتمادها على الضوء والظل
وفيها يقف اللاعبون في سطر واحد تجري هذه اللعبة في ضوء
القمر لتحقيق احد شروطها وهو ان يكون للشخص ظل حيث يقف
اللاعبون وامام كل واحد منهم ظله دون اختلاط، ويأتي كبيرهم
او رئيس اللعبة ويدحرج حجارة مدورة تستقر في احد الظلال
فيهرب الجميع عنه وعليه هو ان يلحق بهم ويمسك احدهم والا
طرد من اللعبة.
3-اصفير انطج: من النطق والصغير حيث معناها بفعل الامر (اصفر..
انطق) وتجري بان يمسك اثنان عباءة احدهم او اية قطعة قماش
وبشكل حاجز.. ويأتي من تقع عليه القرعة ليدفن راسه فيها
وهو منكفئ على الارض دون ان يرى شيئاً، وبذلك يتقدم له احد
اللاعبين من الفريق الثاني ليقول له: اصفر اي احدث صفيراً
ثم يقول له انطق فيطق بلسانه بما يحدث صوتاً معيناً، ومن
ذلك وبعد التكرار عليه ان يستنبط اسمه فيقول فلان فاذا عرف
اسمه هرب فريقه والفريق الثاني يركض وراءه واذا لم يعرفه
حدث العكس.
الجَّمة: وهو ما يوضع في الكم وغلق الكف عليه، وتمارس عادة
باعواد الثقاب وربما اية مادة اخرى تدفن باليد فيقول
الثاني (بالجوز) او(بالفرد) حيث بعد ذلك يحسبون، فاذا كانت
الاجابة صحيحة اصبحت المادة له واذا كانت الاجابة مغلوطة
خسر بعددها.
5-المحيبس: تصغير محبس اي خاتم، وهي لعبة رمضانية معروفة
في كافة انحاء العراق ولكنها هنا تمارس في اي وقت ولا حاجة
لنا في وصفها لان الجميع يعرف تفاصيلها.
ومن العاب البنات نذكر لعبتين مهمتين:
1-لعبة (الصكلة) من الحجارة الصقيلة، وهي لعبة تمارس جلوساً
وباحجار صغيرة مأخوذة من (الطوب) او الطين وبحجم صغير ولها
عدة اشكال في اللعب مثل (الخماسية) وتلعب بخمسة احجار، وهي
ان تدفع الحجارة في الهواء وعلى اللاعبة ان تمسكها قبل ان
تقع على الارض، ثم (الثلاثية) وهي تلعب باكثر من خمس عشرة
حجارة وتفرز بثلاث ثلاث مع ان الفرز يجب ان يكون بيد واحدة.
2-اللَّعابات: وفيها تعمل البنات (لعّابات) بسيطة من قطع
القصب والقماش وتعمل كل واحدة من البنات عدة لعابات تمثل
الاب والام واطفالهما، ثم يجرين حواراً على لسانهم.
ان جميع هذه الالعاب التي احصيناها هي الابسط والاقرب
غالباً الى قلوب الفئات التي ذكرناها وهناك الكثير منها
كما اشرنا سابقاً ولا مجال لذكرها جميعاً ضمن هذا البحث
الشامل وربما سنعود لشرح بعضها في بحوث اخرى، ولكن الاشارة
هنا تكفي لاعطاء القارئ فكرة عن تراث هذه المدينة التي
تستقبل مئات الالوف من الزوار سنوياً دون ان يلهيها ذلك عن
واجبها في استقبالهم تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً وبكل ترحاب.
عادات في الخطوبة
والزواج
ما ان يقتنع الشاب هنا باختيار احدى الفتيات سواء عن طريق
النظر المباشر او بالصورة التقليدية وهي ان امه او احدى
قريباته او واحدة تنشد الثواب تختار له عروساً مما يتناسب
وموقعه الاجتماعي والمالي وكذلك ما يريد هو من صفات خلقية
او تكوينية او ان له مآرب اخرى اقول ما ان يقتنع بالاختيار
حتى تنطلق مجموعة من النسوة لاخبار الام ولـ(جس النبض) عند
العائلة فان تمت الموافقة -ولو بعد حين- بدأت عدة مراسيم
هي بالترتيب:-
1-تأتي لولي امرها -ابوها عادة- مجموعة اشخاص اي (مشية)
تقليدية، لان الموافقة المبدئية منه قد تمت ويكون في هؤلاء
الاشخاص احد السادة الافاضل ممن ينتمي نسبه الى الرسول
الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ومعه بعض الأجاويد- جمع
جواد نسبة الى جودة موقعه الاجتماعي- ويجلسون في غرفة
الاستقبال ويؤتى لهم بالشاي فلا يشربونه الا بعد ان يعطيهم
ولي امرها (البخت) بالموافقة فيعطيهم ذلك فيشربون الشاي
بعد مقدمة كلامية من قبل السيد فيقدم للموضوع بكلام خطابي
عام يوضح من خلاله الطلب القادمين من اجله، فيرد ولي الامر
ايضاً ببعض الكلمات العامة والتوصية بها..
2-بعدها يقدم (النيشان) وهو مجموعة حاجيات اولية وفيه
يذهبن الى دار العروس بصحبة بعض النسوة الاخريات.
3-يتم بعدها تحديد المقدم والمؤخر وموعد العقد.
4-يتم العقد عند احد عاقدي القران الشرعيين وآخر كلمة
يقولها للعروس هي: "قولي نعم وانت وكيلي" اثنا عشر مرة وهي
تقول :"نعم انت وكيلي" فيصبح العاقد وكيل الزوجة، فيذهب
عندها الى الشاب فيعد له القران وهذه الخطوة تسمى عندهم (الملجة)..
5-ثم يتم العقد الرسمي، ويجري في احدى المحاكم
–دور
العدالة- الحكومية الشرعية وذلك لكي يكون ضماناً لحقوقها.
6-يتم تحديد موعد الدخلة او (الزفة) وقبلها بليلة واحدة
يكون موعد الحناء وفيها تجرى حفلة للفرح والاستبشار
بالغناء والموسيقى والرقص وتوزيع الحناء واطلاق العيارات
النارية وربما قراءة بعض الموالد الدينية للتبرك اما في
ليلة الدخلة فتأتي الى دار العروس سيارات فيها اصحاب
العريس واهله ومعارفهم فيأخذون العروس الى دار العريس
بمرافقة امها واحد ذوي العريس وفي الاونة الاخيرة بدأت
تتغير هذه العادة فيأتي العريس الى دار العروس ليرافقها
بزفة الى احد الائمة القريبين مثل (الامام الحمزة (ع) او
الديباج (ع) ومن ثم الى مرقد الامام القاسم (ع) للدوران
بالسيارات حول الصحن الشريف) ومن ثم الى دار العريس ليجدوا
المدعوين وهم ينتظرون عشاء دسماً.. فيقف العريس ليسلم
عليهم فيباركونه متمنين له حياة سعيدة وذرية مباركة، وفي
آخر الليل يدخلونه بمراسيم خاصة الى العروس لينام ليلته
كما عمل السابقون.. وقبل ذلك بسنوات كان على العريس ان
يخرج عليهم بـ(العلامة) بعد الدخول مباشرة ويبقى الجميع
ينتظرونه على أحر من الجمر.
7-يستمر الفرح سبعة ايام يستقبل فيها العريس وذووه معارفه
ومعارف اهله للتهنئة مرة او مرتين ويتم تقديم الهدايا من
مبالغ نقدية او اشياء عينية. وهذه تدعى عندهم (الواجب) وهي
حسب المقدرة وتعاد في المناسبات.
8-صباح ليلة الدخلة تقدم للعروس هدايا تسمى (ألصبحة) وهي
خاصة باهل العريس واهلها والاقربين منهم.
9-تعمل بعد ستة ايام حفلة خاصة بالنساء تسمى (السبعة)
وفيها تبدل العروس ملابسها سبع مرات وعلى انغام الرقص
والايقاع الخاص بالمناسبة وبعدها تذهب العروس بمرافقة
زوجها الى احد مراقد الائمة للتبرك.
10-تتم دعوة اهل العريس من قبل اهل العروس وعمل وليمة
لزيادة التعارف.
ومن عاداتهم بهذه المناسبة
1-عند دخول بيت الزوجية ليلة الدخلة- يضع العريس والعروس
كل منهما رجله اليمنى وفيها يضع العريس رجله على رجل
العروس دلالة عندهم على (الرجولة)
2-اذا صادف واصيب العريس بـ(الربط) فيقال له (مربوط) وهو
عنّة مؤقتة يصاب بها عادة الشباب لخجل او ما شابه وعندها
يذهب اهله الى بعض المشعوذين او السحرة لكي يعمل له حجاباً.
3-على العروس الا تخرج وحدها ليلاً في الظلام خاصة- خوفاً
من (الجبسة) ويستمر ذلك مدة اربعين يوماً وعلى العريس ان
يحمل حاجة ما من الحديد لكي لا يصاب هو الاخر بالجبسة كأن
تكون خنجراً ولنفس المدة.
|