صحافة وصحفيون

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

حوارات في عيد الصحافة العراقية

  • جهاد زاير: نقابة الصحفيين ما زالت تعمل ضمن قانون شمولي جرى تشريعه في فترات سابقة ويعتقد البعض انها احدى بوابات الرزق
  • وجيه عباس: بعض الصحفيين الطارئين ساهموا في تخريب الصحافة وسيروها عارية
  • سامي العبيدي: الصحفي الان يعيش حالة من الضياع لعدم وجود من يعني بشؤونه القانونية.
  • سالم العزاوي: كل صاحب مطبوع يتصف كما يحلو له وبامكانه ان يفصل الصحفي او ان يجعله رئيس تحريرها.

بغداد/ مفيد الصافي

تصوير نهاد العزاوي
بمناسبة عيد الصحافة العراقية، كان للمدى حوارات مع عدد من الصحفيين تناولت شؤون وشجون صاحبة الجلالة، وطرحت اسئلة تشغل بال العاملين فيها، مثل ما هي حقوق الصحفي العراقي؟ وما هو الموقف النقابي منها؟ واسباب العنف ضد الصحفيين؟، فكانت هذه الردود.
جهاد زاير مدير تحرير جريدة الصباح
أصبح الصحفي يعيش في فراغ مرجعي بعد تغيير النظام، ومن جملته عدم وجود مرجعية وظيفية له،أي ليس لديه ضمانات حياتية ووظيفية، والمشكلة تكمن في صدور صحف سريعة الظهور والاختفاء ومن دون ضوابط، وهذا افقد الصحفيين حقوقهم وجعلهم على قارعة القلق. نحن نرى أن المشرع العراقي مطالب ألان بإصدار قانون للمطبوعات ينطوي على اشتراطات تضمن عمل الصحفي، ولا يجوز أعطاء رخصة الى صحيفة دون ان تكون صادرة عن مؤسسة لديها ضمانات للصحفيين والصحيفة. مجلس النواب الان هو الجهة المخولة لعمل ذلك ونحن نطالب المهنيين من الصحفيين الى الاجتماع على كلمة سواء لأعداد قانون يعنى بالإصدار الصحفي وفي الوقت نفسه يعنى بحقوق الصحفيين.
ليست هنالك ملامح واضحة لأسباب العنف ضد الصحفيين، هنالك أشكال عنف عفوية تأتي من خلال ممارسة الصحفي لعمله، لأنه عمل خطر جدا خاصة في الظروف الحالية ،ولكونه ينطوي على متابعة الأخبار والتقارير الخاصة بأعمال العنف وفيها مخاطر كبيرة من جماعات المسلحين ومن الاميركان. وهنالك أسباب مجهولة لممارسة العنف ضد العمل الصحفي. نطالب في هذه المناسبة ان توضع أسس لحماية الصحفي ولكي لا نكون طوباويين فهذا يتطلب وجود تنظيم نقابي قوي يسعى من اجل إيجاد ضمانات لحماية الصحفيين..
نحن نحتاج الى مؤسسات نقابية تحظى بدعم الجميع وتكمل إحداها الأخرى، نقابات تسعى إلى تطوير الجوانب المهنية لدى الصحفي.
ان نقابة الصحفيين الحالية ما زالت تعمل ضمن قانون شمولي جرى تشريعه في فترات سابقة وهو لم يعد صالحا للممارسة الان، والصحفيون العاملون في النقابة ألان يظنون انها احدى أبواب الرزق وهذا خطا فادح والمسؤول عن ذلك هو النظام السابق، وليس من المفروض على النقابة ان تحدد فترة المدة التي عمل بها الصحفي لان هذا ليس من مسؤولياتها ، إنما عليها ان تحدد فترة دخوله الى النقابة حسب الشروط المعمولة فيها.

وجيه عباس مدير تحرير مجلة الشبكة العراقية
بعد حصول التغيير تمثلت الحرية الصحفية التي نعتبرها اهم الحقوق التي حصلنا عليها لان الصحفي الحقيقي هو من يبحث عن قلم شريف ليكتب ما يريد، وأنا اعتبر الحرية الصحفية مكسباً معنوياً وليس مادياً. ولكن المشكلة تكمن في ان بعض الصحفيين الطارئين والذين يظنون أنفسهم حماة القلم قد ساهموا في (تخريب) الصحافة وسيروها عارية بين المكاتب الخاصة . يجب ان تهتم حكومة نوري المالكي بحقوق الصحفيين لان لاشيء يبيض وجه الحكومة بعد استعادة الأمن إلا أقلام الصحفيين الشرفاء الذين يرون الحقيقة.وأول حق هو حرية التعبير.الواقع النقابي الصحفي ينطوي تحت حقوق المجتمع المدني والتي كل همه- كيف تملأ جيبك- وهذا الوضع أورثنا اياه النظام السابق ، وأورثنا الوجوه القديمة الذي كانت تصفق لصدام وهي ألان تصفق لغيره ولم يتغير شيء بالنسبة لهم.اما العنف ضد الصحفيين العراقيين فهو في الواقع ضد المجتمع العراقي كله والصحفيون جزء منه. واكثر العنف ضدهم هو عنف مسيس
سامي العبيدي سكرتير تحرير صحيفة الصباح الجديد
من المفترض ان تعمل نقابة الصحفيين بتنسيق مع الجهات الإعلامية الأخرى ، الصحفي ألان يعيش في حالة من الضياع لعدم وجود من يعنى بشؤونه القانونية، فمن يضمن استمرار الصحفي الذي يعمل في صحيفة أو مجلة ، أليس من الواجب أن تقوم نقابة الصحفيين بوضع ضوابط جديدة للدفاع عن الصحفي وإزالة المعوقات التي تعترض عمله ؟ اجل لا ضير أن تكون هنالك أكثر من نقابة صحفية او اتحاد صحفي ، وهذه الازدواجية في العمل يجب ان يكون هنالك بين طرفيها. ان الصحفي يحاول ابراز الحقيقة وكتابة ما يراه امامه فإذا كانت بعض الجهات تحاول التاثير عليه فهو أمر خاطيء لان أي طرف يحاول ان يعبر عن وجهة نظره وهنا يكمن دور الصحفي في توضيح وجهات النظر هذه، اما استعمال العنف ضده فهذا يعني انك تقول للصحفي بما معناه " اجلس في بيتك" وهي محاولة لانهاء دور الأعلام في العراق.
تركي كاظم جودة مشرف لغوي في جريدة الصباح الجديد
اعتقد إن أي إنسان لديه ذرة من ضمير سوف يشجب العنف ضد الصحفيين لان عمل الصحفي يقتصر على قول الحقيقة ومن المفروض ان يحترم ويقدر عمله.وأنا اعتقد ان الزمن سوف يحل القضايا التي تتعلق بحقوق الصحفيين لان الخيرين موجودون دائما. لقد ظهرت عدة نقابات بعد التغيير ومن الواجب أن تكون هنالك نقابة واحدة تضم كل المجموعات، وهذا التعدد أصبح يشبه التكتلات.
رياض الركابي عضو في هيئة تحرير جريدة البرلمان
لان الصحفي ينقل الحقيقة فهو يمثل واجهة الواقع لهذا سيكون مستهدفا ، بغض النظر عن الجهات التي تستهدفه، وانا اعتقد ان عدم وجود مصالحة بين مكونات المجتمع لن يعجل في استتباب الامن وهو الامر الوحيد الذي سوف يضمن الامان للصحفي .الدولة تتحمل الوزر الأكبر في حماية الصحفيين ومن واجبها ان تفرض الأمن.لقد تحمل الصحفي في زمن النظام السابق وتحمل في هذا الزمن وحين يتعرض الصحفي الى عملية اعتداء لا يجد هناك من يقف الى جانبه لا نقابة صحفيين ولا الحكومة. لقد ذهب العشرات من الصحفيين العراقيين ضحايا هذا العنف.
الصحفي في العراق يعمل باجر مقطوع فلا يوجد عقد رسمي بينه وبين مؤسسته وان ما يتقاضاه الصحفي العراقي مقارنة مع مؤسسات عربية يظهر التفاوت البعيد بينهما ، لذا يتحتم على الدولة ان تتدخل في سن تشريعات تعين الصحفي في الحصول على حقوقه.النقابة الحالية ليس لها حول ولا قوة وهي غير معترف بشرعيتها من قبل قطاع كبير من الصحفيين ولا تمارس دورها بطريقة صحيحة. نتأمل ان تكون هنالك انتخابات جديدة لنقابة الصحفيين العراقيين ونحن نطالب بإعادة الانتخابات وان معظمنا لم يتسلم هوية من النقابة.
سالم العزاوي مدير تحرير صحيفة السيادة
الصحافة والصحفيين ليس لهم حقوق واضحة لان قطاعا كبيرا من الصحافة تحولت الى القطاع الخاص، وكل صاحب مطبوع يتصرف كما يحلو له وبأمكانه ان يفصل الصحفي او ان يجعله رئيس تحريرها. لقد عزلت نقابة الصحفيين نفسها عن هذه القضية وأصبح الصحفي يعيش في فوضى. اعتقد ان الجذور السابقة لبعض الصحفيين فيها وارتباطهم بالعهد السابق ساعد على ابتعاد الصحفيين عنها.ان ظاهرة العنف ضد الصحفيين هي جزء من حالة العنف ضد المجتمع العراقي.


شجاعة بلا حماية ولاحقوق

عامر القيسي

اذا اردت ان تقول الحقيقة فما عليك إلا ان تتوقع الرصاص من أي اتجاه! هذا هو جزء من واقع عمل الصحفي والاعلامي العراقي.
ففي زمن الطاغية هاجر من هاجر ومنهم من صمت كمداً ومنهم من تحول الى قلم أصفر. وبعد التغييرات الهائلة في مجال العمل الصحفي والاعلامي بعد 4/9 والصدمة المفاجئة التي خلفتها اجواء الحرية المطلقة. لا يزال الصحفي العراقي في سعيه لنفض الغبار عن الحقائق يتعرض للاغتيال الجسدي واغتيال الدوران حول الحقيقة واصبح القول الحقيقي ملفوفاً بالجمل العائمة الرجراجة التي تحاول ان تمس جسد الحقائق لكنها في لحظة اشتعال الضوء الاحمر تحاول ان تكون خارج دائرة العقاب!!
العنف الجسدي والعنف الفكري موجهان بقوة نحو الصحفي العراقي الحقيقي الذي يحترم كلمته ويؤمن بمستقبل العراق الديمقراطي القادم.
ورغم ذلك تواصل هذه النوعية من الصحفيين العراقيين مقارعة مشهد الارهاب بكل شجاعة نادرة حتى ان الكثير من وكالات الانباء والصحف الاجنبية المرموقة عالمياً تستعيض عن محرريها بالصحفي العراقي لمتابعة الحدث عن قرب بل من قلب المشهد والحدث والفكرة. إنها شهادة لا تقبل الجدل على شجاعة الصحفي العراقي واحترامه لمهنيته في نقل الحقائق من الارض مباشرة.
ورغم كل ما يقدمه الصحفي العراقي في تصديه لمشهد العنف الا انه لا يزال دون حماية في الوقت الذي يمكنك
بكل بساطة- مشاهدة اي مسؤول وهو محاط بعشرات الحراس المدججين بانواع الاسلحة.. ولا يزال ايضاً دون حماية لحقوقه الاخرى فعلى حين غفلة تجده يقيس بلاطات أرصفة الشوارع او يقتل وقته في مقاهي شارع المتنبي ووضعه النقابي في حالة يرثى لها. فهناك نقابة بلا مضمون واتحادات صحفية تظهر وتختفي بلا سبب معروف.
ومن بين كل هذه الاجواء المغبّرة يواصل زملاء المهنة سعيهم الحثيث لقول ما يستطيعون من الحقائق وايصالها الى الشارع العراقي انهم يفعلون كل ذلك وهم يتوفعون في اية لحظة رصاصة سوداء غادرة تخترق اجسادهم.
تحية لشجعان الصحافة العراقية والذكرى الطيبة لشهدائها ودعوة لمن يمارسون سلوكيات عهدٍ انقضى ان ينفضوا اياديهم من ماضٍ مقيت ويساهموا في خلق الكلمة الحقيقية الصادقة وبناء العراق الجديد.


على ضفاف الصحافة
 

جمعة الحلفي

سأل حشاش صديقه، وهو حشاش ايضاً: قل لي ماذا تقرأ، اقول لك من انت. فقال له: ماذا تقرأ؟ رد عليه: من أنت؟
طبعاً هذه نكتة بايخة لكنني اردت ان ادخل، من خلالها، الى موضوع جدي يتعلق بالقراءة وبالصحافة، ففيما مضى من السنين كان السؤال، ماذا تقرأ؟، سؤالاً أليفاً وشبه دائم، لان القراءة كانت فعلاً يومياً لاوساط واسعة من الشباب، اما اليوم فان السؤال لم يعد ماذا تقرأ؟، بل ماذا تشاهد، أو ماذا تسمع؟، او كيف تقضي اوقات فراغك؟ وبين اليوم والامس حكايات كثيرة. فكما أذكر، عندما كنا شباباً (وقد لا نزال كذلك كما يقال لنا؟) كنا نتبارى بعدد الكتب التي نقرأها، في كل شهر، بل وفي كل اسبوع، هذا عدا الصحف طبعاُ. وكانت نوعية الكتب التي نقرأ، هي الاخرى، موضع تباه. فمن يقرأ المنفلوطي ليس مثل الذي يقرأ كولن ولسون، ومن يقرأ ذنون أيوب، غير الذي يقرأ ديستوفسكي. كنا نجوب المكتبات، من شارع المتنبي حتى ساحة التحرير، حيث مكتبة النهضة الشهيرة، التي كنا نجد فيها كل ما هو ممنوع او محظور او نادر، من الكتب، لنشتريها او نستعيرها. وكان من يستعير كتاباً من مكتبة عامة او مكتبة صديق، يجب ان يعيده في اليوم التالي، او خلال يومين كأقصى حد. ولم يكن احد يتذمر او يتضايق من قصر المدة او من ضيق الوقت، فقد كانت قراءة كتاب مهم، او محظور، اوجب من اية مشاغل اخرى، وبسبب من نهم القراءة وحب الاطلاع، لم نكن نوفر حتى الكتب الرديئة، التي كنا نتداولها كي نقارن بينها وبين الكتب المهمة، او لكي نجعل من الكتاب ومؤلفه، موضوعاً للتندر، وكانت مثل هذه الكتب، اشبه بكيس البزر، نبدأ بقراءته من نقطة انطلاقنا في باب المعظم وننتهي منه في ساحة الاندلس حيث مقر اتحاد الادباء وحديقته الاليفة، الان لم نعد كذلك، لا نحن ولا أولادنا. ربما هناك استثناءات، لكن، عموماً، ضعفت موهبة القراءة لدى الكثيرين ولأسباب كثيرة، وقد اجريت، ذات مرة، ما يشبه الاستقصاء بين عدد من الاصدقاء فسمعت اجابات غير مشجعة عن سؤال تراجع القراءة اما الجيل الحالي، اي جيل الطلبة او المتخرجين الجدد، فهو جيل لا يقرأ نعم اقول لا يقرأ على مسؤوليتي.فقد صادفت اعداداً ليست قليلة من ابناء اصدقائي، خارج العراق وداخله، وتأكدت من ان بعضهم يقرأ بالمصادفة وعلى الغالب بعض الصحف والمجلات، والبعض الآخر لا يقرأ سوى ما هو ممتع ومسل، اما الغالبية العظمى فلا يفتحون كتاباًُ، والاسباب، اذا كانت هناك اسباب، فهي واهية، ما عدا الانشغال بالدراسة او الاشتغال على الكمبيوتر والانترنت، والحصيلة، كما اعتقد، اننا سنربح جيلاً أميا بامتياز، على صعيد تحصيل المعرفة وتكوين الذائقة وتحفيز الوعي، ان لم يعد النظر في سؤال الكتاب والقراءة ويكفي ان نذكر هنا حقيقة مرعبة فيما يوزع من الصحف اليومية العراقية مجتمعة، هو بحدود المئة ألف نسخة، فيما يبلغ عدد سكان العراق سبعة وعشرين مليون نسمة!!
الكتابة طقس خاص، حسب تعبير الادباء.. والمقصود بالعبارة هو قدسية فعل الكتابة، وخاصة الابداعية منها. وانا من المعجبين بهذا التوصيف، لكن هناك من يعتقد ان فعل الكتابة يمكن ان يشبه فعل قرود الشمبانزي وهي تتقافز على اغصان الاشجار، او وهي تخطف اصبع الموز من يد المتفرجين عليها في السيرك. والفارق بين الفئتين من الكتاب كالفارق بين مهندس الكومبيوتر ومصلح البريمزات. فالاول يتعامل مع رموز اللغة البرمجية والثاني يتعامل مع المنفاخ والنفط الابيض.
ومن افعال الكتابة ما هو صارم ورصين وانيق، ومنها ما هو عفوي وفوضوي. ومن النمط الفوضوي كتاب وشعراء كبار، فالجواهري، حين يأتيه شيطان الشعر (او ملاكه؟) يكتب على اقرب قصاصة ورقة يجدها في طريقه فيما يكتب مظفر النواب شعره على ورق مسقول وملون، غاية في الاناقة. ومن يرى الحروف الصغيرة، التي يتكب بها مظفر قصائده، يتعجب من قدرته على اعادة قراءة ما يكتب. وفي مرة من المرات نسي مظفر واحدة من كراساته الانيقة تلك في بيتي، بعد سهرة عرمرمية وعندما وجدت الكراسة مركونة على احد الكراسي، شعرت وكأنني وجدت كنزاً، لكنني اعدتها له صباح اليوم نفسه، لانني فشلت في فك طلاسم الحروف. وحكى لي الصديق جلال الماشطة انه زار يوماً بيت الشاعر الداغستاني الكبير رسول حمزاتوف، وعلم من زوجة الشاعر انها اضطرت يوماً لابتياع كراسات ورق متعددة الالوان وقامت بتوزيعها في زوايا المنزل، لانه يكتب قصائده، احياناً، على علب السجائر الفارغة. ومع ذلك ظل حمزاتوف يكتب اشعاره على قصاصات علب السجائر. وعندما سألته لماذا يفعل ذلك ولديه كراسات الورق الأنيق؟ سألها هو: عندما يأتيك الطلق هل تنشغلين بالبحث عن مكان الولادة؟
لست من المؤمنين او المدمنين على قراءة ابراج الحظ التي تنشرها الصحف والمجلات، لكنني، بصراحة، غالباً ما استرق النظر، خلسة، الى برج الجدي، الذي هو برجي، كلما سنحت لي الفرصة. ومع اعتقادي الجازم بان الافراح والاتراح، التي يبشرني بها الاخوة الزملاء، من كتاب الابراج، بين يوم وآخر، ليست سوى تخمينات وعموميات تصلح لكل زمان ومكان، وكذلك لجميع الابراج، الا انني، واقولها بصراحة، مرة اخرى، غالباً ما تسرني بعض التوقعات والوعود، من قبيل: حوالة مالية في طريقها اليك، او وظيفة حكومية جيدة بانتظارك، او علاقة عاطفية ستغير حياتك.. الخ.
وفي مرة من المرات وجدت العبارة التالية منقوشة، في برج الجدي، بكل الوضوح والتحديد: (مبلغ من المال، لم يكن في الحسبان، سيصلك قريباً) وبقيت اترقب ثلاثة اشهر لم يصلني خلالها سوى مكافأة جريدة كنت قد نشرت فيها مقالاً، ولا اعتقد ان محرر زاوية الابراج كان يقصد ذلك.
ومن اغرب المصادفات انني وجدت ما يشبه الاعتذار، في مرة لاحقة، عن عدم وصول المبلغ الموعود، وعندما قرأت العبارة القائلة (كنت موعوداً بهدية وقد ضلت طريقها اليك) شككت بالامر وشعرت وكأن احد كتاب الابراج يعرفني ويعرف برجي ويريد ان يتسلى باللعب على اعصابي.
وقبل ايام فقط وجدت عبارة اخرى كادت ان توقعني في ورطة عائلية. وهي منقوشة بنفس وضوح العبارة التي وعدتني بمبلغ المال المزعوم، تقول: "علاقة عاطفية ستتوج حياتك الوظيفية" والمشكلة التي واجهتني حينها هي ان من قرأ لي برجي كانت زوجتي، وعندما انتهت من قراءة تلك الجملة الخبيثة، رمت الجريدة قريباً من وجهي وقالت لي: هاه.. كيف وجدت برجك اليوم..؟ ومن حسن الحظ انني غير موظف وليست لدي حياة وظيفية،، فقلت لها: كما ترين لست انا المعني بهذه الخبرية.. لكنني بصراحة، قررت البحث عن محرر الابراج في تلك الصحيفة لمقاضاته على هذه الوعود الكاذبة!


الصحفيون العراقيون.. شهود الحقيقة وضحايا الاغتيال
 

الصحفيون والاعلاميون في العراق يواصلون دفع ثمن تردي الاوضاع الامنية يسقط العديد منهم ضحايا مثل شائع يقول (اول ضحايا اي حرب هي الحقيقة) الصحفيون والاعلاميون الذين يسعون لنقلها للرأي العام يدفعون الثمن باهظاً احد الصحفيين الاجانب يفسر قتل الصحفيين بالقول:
(عندما تصل لموقع حدث مثير مثل انفجار او قتل يوجه الناس غضبهم نحوك احياناً يتصورون ان الاعلام يمثل شيئاً او يمثل القوى التي تقف خلف الانفجار او الهجوم كما انهم في حالة غضب شديد وانت اول غريب يلتقونه ويوجه اسئلة فيثورون في وجهك.
احياناً لا يحب الناس ما يقرأون او يسمعون من وسيلة اعلامية معينة فيستهدفون صحفييها او البلد الذي تصدر منه)
في العام الاول للحرب في العراق قتل اكثر من عشرين صحفياً ونحو اربعة مساعدين معظم هؤلاء الصحفيين من وسائل اعلام عراقية بينهم صحفيون اجانب.
الاطراف المتحاربة في العراق تقاسمت قتل الصحفيين فيما بينها فالبعض من الصحفيين قتلوا بنيران اميريكية والبعض الاخر بنيران الارهابيين غضب الجماهير احياناً يتحول نحو الصحفيين.
كان عام 2004 من أسوأ اعوام العراقيين للصحفيين قتل فيه اكثر من ثلاثين من الاعلاميين وبطبيعة الحال اغلبهم من العراقيين.
مدير عام اليونسكو (كويشيرو ماتسورا) علق على قتل الصحفي الاميركي المستقل ستيفن فنسنت الذي اغتيل في شهر آب عام 2005 في البصرة بالقول. اشجب جبن ووحشية هؤلاء القتلة واضاف ان مثل هذه الاعمال تزيد من معاناة الشعب العراقي.
كانت اخر كلمات الصحفية العراقية اطوار بهجت مراسلة قناة العربية التي تبث من دبي وقبل ان تدفع حياتها ثمناً لمهنتها عن(نزول الظلام على مدخل مدينة سامراء) ويبدو ان الظلام الذي اشاعته قوى الارهاب زاد في حلكته وطوى معه الصحفية اطوار بهجت. في مكتبة بمقر "العربية" يجلس جواد كاظم يومياً ليتابع اخبار العالم ويلده العراق والتي كان ينقلها بنفسه قبل هذا الوقت يستذكر ما تعرض له في مقابلة خاصة مع (
CNN) بعد انتهائي من تناول طعام الغداء وخروجي الى الشارع فاجأني احدهم من الخلف محاولا اختطافي وموجهاً مسدسه الى رأسي.. بعد التخلص من قبضة يده ومواجهتي له، اطلق عليّ النار ليتسبب بعجزي واصابتي بالشلل الذي اقعدني على كرسي متحرك لحسن حظ هذا الصحفي ان احد دوريات الشرطة كانت قريبة من موقع الحادث فأسرعت ونقلته الى احد المستشفيات ليبدأ رحلة علاج طويلة ومؤلمة. في احاديثه يذكر ان الساحة العراقية تشهد فهماً خاطئاً لمهمة الصحفيين الغالبية العظمى تعتبر الصحفيين جزءاً من الحدث بينما هم يغطون الحدث لينقلوا الحقيقة للعالم ويضيف ان الخاسر الوحيد في عمليات اغتيال الصحفيين هم من يغتالون الحقيقة في العراق.
بعد اغتيال الصحفي اللبناني سمير قصير في لبنان وصلت تداعيات هذا الاغتيال الى مصاف اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
اما في العراق فأغتيال الصحفيين لا يعدو عن خبر من عدة اسطر تنشره عدد من الصحف العراقية فلا منظمات انسانية ولا نقابات مهنية مناصرة لهؤلاء الضحايا شهود الحقيقة، قوائم المرشحين من الصحفيين لعمليات الاغتيال والاختطاف تداولها زمر الارهاب في الاقبية المظلمة فولا احد يعلم عن موعد نشرها ان ما قتل من الصحفيين العراقيين منذ اذار 2003 زاد على مئة صحفي عدا المختطفين منهم والذين لم يعلن عن مصيرهم.
في 11 اذار من هذا العام اطلق مسلح النار على امجد حميد رئيس البرامج لقناة العراقية فارداه قتيلا مع سائقه. مجلس شورى المجاهدين تبنى عملية الاغتيال.
وقبلها في 9 اذار اغتال مجهول مراسل تلفزيون بغداد منصف عبد الله الخالدي اثناء قيادته لسيارته من العاصمة بغداد الى الموصل مشهد يتكرر وضحاياه الصحفيين العراقيين شهود الحقيقة المرة.


هموم الكتابة الصحفية.. ومقص الرقيب
 

صافي الياسري

ايام النظام المباد لم تكن هناك حاجة لمقص الرقيب في الحقيقة، فالذي يخطئ لا يحتاج ان يصحح له او ن يشطب من مقاله بعض ما كتب مما لا يتفق وتوجهات النظام وانما عليه ان يذهب معترفاً الى (الحاكمية) وهناك يتم تقرير مصيره والعقوبة التي يستحقها، حتى الذي يقع في مقاله خطأ طباعي يخضع لتحقيق أمني ويكاد لا يسلم على نفسه الا بشق الانفس، وهكذا فان عظم الاحساس لوجود مقص الرقيب من خلال وجود العقوبة المباشرة (وهي في الغالب عقوبة جسدية) يلغي الحاجة الى وجوده الفعلي، حيث ان داخل كل كاتب وصحفي رقيب خائف يتحسب كل لحظة، حتى تحولت كتاباتهم ومقالاتهم الى قوالب تشبه قوالب كتاب العرائض المنتشرين على ابواب دوائر الدولة، ومع ذلك تعرض الكثير منهم لأذى جلاوزة ووكلاء امن النظام وكتاب التقارير النفعيين والانتهازيين وضعاف الانفس، لقد كان تعايش بعض الكتاب مع الوضع السابق صعباً جداً، فبالاضافة الى الخلاف الايديولوجي كان هناك الشعور القوي بعدم وجود الامان الامر الذي دفع الكثير منهم الى الانسحاب او الهجرة خارج البلد والقبول باعمال لا توازي كفاءاتهم وقدراتهم، وكتابة ما لا يتفق وقناعاتهم في اوضاع صعبة هي الاخرى لكنها تضمن لهم الامن وتجنبهم العقوبة، كما ان وجود (الفلتر) او (المشذب) او مقص الرقيب داخل الصحيفة او المؤسسة الاعلامية او الثقافية يضمن عدم التعارض مع النظام الذي يعيش تحت ظله ولا يخالف فلسفته السائدة وهنا يصبح وجود مقص الرقيب مقبولاً بعض الشيء، فالكاتب القادم من بغداد على استعداد لقبول الكثير مما يمكن ان يرفضه سواه من اولاد البلد، وحدهم الذين هاجروا الى بلدان الديمقراطيات الغربية هم الذين تمتعوا واستمتعوا بحرية المشاكسة ولم يخضعوا لمقص الرقيب لا داخلياً ولا خارجياً.. اما اليوم.. فقد وجد العديد من كتابنا وصحفنا ان بهم حاجة الى مقص رقيب ذاتي والا أغضب او اغضبوا الكيان الفلاني او الجهة الفلانية.
كما ان للصحيفة او المطبوع او الفضائية او الاذاعة خطاً سياسياً بضعه الممول او جهة الاصدار المسؤولة، لا يجوز الخروج عليه، وهكذا نبت داخل كل صحيفة من هذه الصحف او المطبوعات او الفضائيات او الاذاعات فاقدة الاستقلالية، مقص رقيب ذاتي، عطل جزءاً كبيراً من الالية الديمقراطية في المجال الاعلامي والتي تعتمد حرية التعبير واحترام الرأي الاخر لتعود بالكتّاب والكتابة الى زمن القوالب القديمة التي يفترض بنا ان نكون قد هشمناها، وتقتل الابداع الذي يفترض اننا اطلقناه من اساره ومنحناه اجنحة للطيران بعيداً عن مقص الرقيب.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة