المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

جامعــــة بابـــــل في حضرة عـــوني كرومي

  • د. علي جواد الطاهر: هو رائد التجريب إلى أقصى حدوده
  • د. عباس جاسم حمود: قاعة عوني كرومي
  • د. أحمد سلمان عطية: موسوعي ومثقف من الطراز الأول
  • د. محمد حسين حبيب: تعلمت منه الكثير
  • أ. ستار عباس نجيب: صديقي ومعلمي وأخي الروحي
     

د. محمد حسين حبيب

أقامت كلية الفنون ألجميلة في جامعة بابل حفلا تابينيا استذكاريا للفنان المسرحي الكبير الراحل د.عوني كرومي..وبحضور السيد مساعد رئيس الجامعة الدكتور صالح مهدي حميد، والسيد عميد الكلية الدكتور عباس جاسم حمود، إلى جانب عدد من أساتذة الجامعة وجمهور من الفنانين والأدباء والمثقفين وطلبة الكلية،فضلا عن ممثلي المؤسسات الاعلاميه والثقافية والعلمية في محافظة بابل.
وبعد قراءة سورة ألفاتحه على روح الراحل العزيز د.عوني كرومي وعلى أرواح شهداء الوطن الأبرياء جميعهم، تحدث السيد عميد الكلية عن هذه الفاجعة الاليمة وخسارة الفن المسرحي العراقي واحداً من أعلامه المعاصرين الذي قدم الكثير للمسرح العراقي والعربي وحتى ساعات حياته الأخيرة، كما أشار إلى دور كرومي في الوسط الجامعي بوصفه أستاذا أكاديميا ناجحا وتربويا فاضلا قدم الكثير للفن وللثقافة وللحركة ألعلميه سواء على الصعيد الجامعي أو على الصعيد الحياتي بشكل عام، وفي نهاية حديثه تقدم السيد العميد بمبادرة مهمة وهي تسمية أحدى القاعات الدراسية في قسم الفنون المسرحية للكلية باسم (قاعة عوني كرومي) أكراما وتخليدا لذكراه أبدا وهذا ابسط ما نقدمه في هذه المناسبة الأليمة بحسب ما جاء في حديثه.
كما قرأ الدكتور سمير شاكر اللبان كلمة القسم الذي أشار فيها إلى مقولة الدكتور علي جواد الطاهر متحدثا عن الراحل واصفا إياه بأنه رائد التجريب إلى أقصى حدوده،عمره عشرون عاما وأصدر بيانه الأول الذي يدعو إلى التجريب. وأضاف أن الغربة قد منحت كرومي مسرحا وخبزا وجمهورا كريما يصفق بنزاهة.. وفي النهاية منحته هذه الغربة نفسها قبرا ربما ستصطف عليه حمامات السلام في الوقت الذي تمنى هو ونحن كذلك أن يحتويه تراب بغداد وحمامات السلام في بغداد.
وفي كلمة الدكتور احمد سلمان عطية التي جاءت معبرة عن مشاعر التلميذ النجيب إزاء أستاذه ومعلمه ومشرفه على رسالة الماجستير وقد قال فيها مانصه:" كان الدكتور عوني كرومي رجلا علميا لا يجامل ولا يحابي أحدا بالعلم وبغيره. كان موسوعيا ومثقفا من الطراز الأول، بالإضافة إلى مبدئيته المعروفه التي لا يتنازل عنها مطلقا وحرصه على أن يخرج طلبة أكفاء يمتلكون المادة العلمية تنظيرا وتطبيقا عمليا. لقد علمني الكثير الكثير، وكان له فضل لا أستطيع إيفاءه بهذه الكلمات، تعلمت منه ألدقة ألعلمية والموضوعية في كل ما اكتب ومااقول...اذكر حرصه إلى الآن في مناقشة الواجبات والبحوث، كان لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ويتوقف عندها بكل سعة صدر... " هذا وقد استذكر الدكتور احمد سلمان عطية تفاصيل أخرى مهمة تتعلق بأسلوب كرومي وموضوعيته لدرجة استفزاز طالبه للحصول على عصارة الجهد العلمي الصحيح الذي يجب أن يبذله طالب الدراسات العليا حيث يتخذ من الصبر والاستعداد الدائم والحرص الدؤوب وحب العمل وبانضباط متواصل، يتخذ من كل ذلك وسائل أساسية من شانها أن تصل بالطالب إلى جادة الصواب.
وتوقف كاتب السطور عند أهم المحطات الفنية والعلمية في حياة كرومي مستعرضا إنجازاته المسرحية والتأليفية ذاكرا أهم الجوائز والشهادات التي حازها الراحل مثل منحه لقب وسيط الثقافات الذي منحه إياه بيت بريخت المسرحي في العاصمة برلين عام 2000، فضلا عن إسهاماته في العديد من المهرجانات المسرحية العراقية والعربية والعالمية.. والإشارة إلى جسر التواصل المسرحي مابين بغداد وبرلين الذي سعى كرومي إلي تأسيسه جاهدا وفعلا نجحت التجربة وكان طموحه أن يوسع دائرة هذا الجسر الثقافي المسرحي إلى آفاق ومديات أخر ولكن بتوقف دقات قلبه تعطلت أحلام هذا الجسر التي هي أحلام المسرح العراقي نفسه والعاملين الفاعلين فيه.. واستمر كاتب السطور في استذكارات مهمة أخرى ومتنوعة حتى قال كلمته الأساس بحسب هذا النص: " أفتخر جدا بأني كنت محظوظا حينها وفي أواسط الثمانينيات من القرن الماضي، واحدا من طلبة الأستاذ الفاضل د. عوني كرومي وتحديدا في دراستي الأولية
البكالوريوس.. تعلمت منه الكثير فنا وسلوكا والتزاما.. تعلمت ما أضاف لي الشعور بالمسؤولية أمام كل ما أقدمه على خشبة المسرح.. أيقنت من خلاله ومن خلال أساتذة آخرين - وهم قلة بإن المسرح قضية.. وان المسرح ليس بهواية أو حرفة آو فن عادي نمر عليه مرور الكرام... ما زلت أتذكر إلى الآن انفعالات أستاذي كرومي في قاعة الدرس أو في قاعة التمارين المسرحية حين كنت احضر بعد طلب الإذن منه تمرينات مسرحياته مثل: (صراخ الصمت الأخرس) في المسرح الشعبي و (الإنسان الطيب) لفرقة المسرح الفني الحديث.. انفعالات فياضة بحرقة وحرص واحتجاج واستفزاز الممثل بهدف الوصول لمستويات أدائية عالية.. كنت المس بوضوح ذلك الفرق الشاسع ما بين ابتساماته خارج الفضاء والدرس المسرحي.. وانفعالاته المتدفقة وجديته حين يبدأ الدرس أو التمرين المسرحي... لا أنسى نصيحته لي ذات مرة.. فبعد أن شاهدني ممثلا في مسرحية (طائر البحر) إخراج د. صلاح القصب حين مثلت شخصية (سورين) قال لي صبيحة اليوم الثاني: (اسمع محمد.. انت زين.. فيك شيء يمكن أن يكون مهما ذات يوم.. ولكن لا يصيبك الغرور من كلامي هذا.. وانتبه لنفسك والا سوف تاكل.........).. "
كذلك قرأ الفنان ستار عباس نجيب كلمته الاستذكارية تحت عنوان (رحيل المعلم) مستعيرا كلمات من الشاعر خزعل ألماجدي التي تقول:
(سبحان من هيج نار الوجد في خدك
واستبقى على الشهد وسواك
رقيقا عذبا
ها أنت زكيا مشرقا تركب غدرانك
والدنيا تحييك سبحانك يا بدر السما
سبحان راعيك..)
ثم أكمل نجيب كلمته فقال: " رحل صديقي ومعلمي وأخي الروحي دون أن أراه.. لقد كنا صديقين متناقضين.. هو الالتزام كله، وأنا التمرد كله.. أنا الآن يا صديقي على استعداد للتنازل عن تمردي كي أعلن توبتي في محرابك شرط أن ألقاك ولو للحظة.. تمنيت لقاءك كثيرا في العراق أو في أي زاوية من زوايا هذا العالم حاملا صليبك ومسرحك وإنسانك الذي تحلم به.. كنت تحلم بي ممثلا لأنك اكتشفت أنني الإنسان الممثل الذي حلمت به.. اسمع يا صديقي.. إنني باق على تمردي، لا غاليليه ولا الإنسان الطيب ولا كريولانس ولا الكرسي الهزاز سيشفعون لنا.. كنا شمعة لكن قد انطفأت قبل أوانها.. مثل العود من يذبل بلا يوداع.. ".
أما القاص حازم الصافي فحاول البحث عن طريقة استذكار جديدة تتناسب وتليق بعوني كرومي فقال: " لقد أصبحنا بعد رحيل كرومي بحاجة إلى رثاء من نوع آخر يعيد ترتيب أحزاننا بشكل علمي كي نعيد إلى من فقدناه هيبة الحضور الدائم.. وهذا ما وفرته لنا مسيرته الكبيرة والخلاقة.. إن رؤيته الإخراجية اعتمدت على منح النص الحياة التي يجب.. مثلما منحته القدرة على الاستمرار والتجدد.. انه رائد الإخراج التوليدي الخلاق. "
وفي ختام الحفل تلا كاتب السطور ما ذكره ياسين النصير بعد عرض الترنيمة وفي لقاء بينه وبين عوني كرومي فقال الأخير بالنص: " ثق.. إن حياتنا بحاجة إلى الصراخ، ولكن الصراخ المبدئي، الصراخ المنظم، الصراخ البكاء أحيانا. والا ما معنى أن تكثر في مسرحك من الإضحاك بدون وعي؟ إن بعض مفاصل الحياة تتوج بالألم لأننا نسكنه بالأسبرين... "
وما أحوجنا إلى الآن أيها الأستاذ الغائب الحاضر.. ما أحوجنا إلى صراخك المنظم والمبدئي.. كي نحقق جزءا
ولو بسيطا من أحلامك للإنسان ولثقافة ووعي الإنسان أينما وجد.. وفي أي مكان أو زمان.


مجلات عراقية

إطلالة على عالم الاتصالات .. تـــــواصل

صدر حديثاً العدد الرابع من مجلة (تواصل) التي تعنى بشؤون الاتصالات والإعلام ترأس تحرير (تواصل) د. سلوى زكو وقد ضم العدد عدة محاور في علوم الاتصال والفضاء والسينما والفنون الأخرى وفي الأنظمة وعالم الإعلام وافتتح العدد بدراسة تحت عنوان (الخطة العراقية لخدمات البث التلفزيوني الرقمي)، للمهندسة مها عدنان بدر وبحث لنهلة النداوي عن (اللغة الجنوسية في الخطاب الإعلامي) ودراسة لجمعة الحلفي (العراقي بين زمنين) وحوار أجراه علاء المفرجي مع عدي رشيد عن شريطه السينمائي (غير صالح) ومقالة لرياض عبد الكريم (وسائل التعبير الدلالات والنتائج) إضافة إلى محطات أخرى ممتعة.

فكــــــر حـــــــــــر

عن التجمع الثقافي في شارع المتنبي صدر العدد الثاني من مجلة (فكر) الفكرية الثقافية التي يرأس تحريرها كريم حنش وقد ضم العدد ملفاً فلسفياً كتب فيه محمد حسين النجم (أيروس أو دافع الحب) وهو ترجمة لمقالة كورنفورد وكريم حسين كريم (جدلية الوعي والعالم في فلسفة فيخته) وترجمة د. فيصل مجهول لفقرات متفرقة من كتاب Celestine Bittle: The Domain Being) والتي نشرها تحت عنوان (مصطلح الوجود) علماً بأن الكتاب صدر عام 1947 ومقالة لشاكر هاشم حسين عن (التصوف في مواجهة الغرائز) فيما تصدرت العدد افتتاحية لرئيس التحرير عن (الحلقة المفرغة للسياسة العراقية) ودراسة لنوفل عبد الواحد (الأمة العراقية والبناء الجديد) فيما ضم العدد دراسات ومقالات متنوعة لمحسن البحر جمال مهدي صالح منعم العمار شمخي جبر وليد خالد أحمد سعد عبد الهادي وغيرهم ويعد هذا العدد من (فكر) جهداً مميزاً لهيئة التحرير.

عدد مزدوج من مجلــــــة جــــــدل

عن مركز جدل الثقافي، صدر العدد المزدوج الثالث والرابع، من مجلة جدل، وهي مجلة شهرية، سياسية، فكرية، ثقافية، وضم العدد مجموعات من الدراسات والمواضيع الفكرية والسياسية التي تتعلق بالوضع العراقي الجديد، اسهم فيها عدد من الكتاب والباحثين الذين عرفوا بجديتهم في مجال الكتابة والبحث منها أزمة الفكر العراقي، لسعيد عبد الهادي، وتحديث التعليم الديني في الحوزة العلمية، للدكتور عبد الجبار الرفاعي، والصراع من اجل الزعامة الثقافية لعبد السلام يوسف. ومقدمة وجيزة للدكتور عبد الله إبراهيم.
أما في حقل جدل فني، فقد كانت هنالك مجموعة من الدراسات التي تناولت الخطاب المسرحي الراهن، والمشهد السينمائي تناوب على كتابتها يوسف العاني، وحسب الله يحيى، وعباس لطيف، وطاهر عبد مسلم.
فضلاً عن حقول أخرى، منها جدل مفتوح، وجدل الخواتيم، وملخصات مترجمة.


من ادب الرحلات: في رحاب العراق .. الحاج عبد الله وليمسون

  • حكاية حياة مترعة بالأسرار والمصادفات
  • حكاية أول دراجة هوائية في سوق الزبير
  • كيف حرك الجان صوت الفونوغراف في الصحراء

د. علي عبد الوهاب أبو الطحين

قصد العديد من علماء الآثار والكتاب والسياح العاديين العراق في الأزمنة الغابرة، منهم من قدم للترحال، ومنهم من مكث وعاش في العراق لسنين طوال، منهم من ضاعت آثاره، ومنهم من كتب أوكتب عنه شيء فأصبح له مقام. ومن هؤلاء، الإنكليزي ويليم وليمسون.
ولد ويليم ريتشارد وليمسون في مدينة بريستول البريطانية عام 1872. في الثالثة عشرة من عمره كان مشاكساً وفاشلاً في التعليم فأراد والده وعمه إرساله للعمل على البواخر في البحر لترويضه وتهدئته. فرحل إلى أستراليا وإلى أمريكا حيث قضى بضع سنين وبعد تجوال في جنوب شرق آسيا والهند أستقر في عدن، في اليمن، وكانت تحت الإحتلال البريطاني، حيث عين شرطياً في عام 1892. أقامته في اليمن دفعته إلى الاطلاع على الدين الإسلامي وبالتالي اعتناقه وتغير أسمه إلى عبد الله فالح مما سبب له مشاكل كبيرة مع إدارة الشرطة البريطانية. وعندما لم يسمح له بإجازة لأداء فريضة الحج، قدم استقالته من الخدمة لكنها رفضت بحجة أنها يجب أن تقدم إلى الإدارة البريطانية في الهند. رحل وليمسون إلى الهند لتقديم استقالته والعودة إلى اليمن. لكنه فوجئ بعد قبول الاستقالة أن ليس هناك أية باخرة أو مراكب شاغرة يمكن أن تقله إلى الجزيرة العربية. بعد استقراره في البصرة لعدة أشهر اهتم بدراسة اللغة العربية وتعاليم الدين الإسلامي وفوجئ في أحد الأيام بأخطار من القنصل البريطاني بالحضور أمامه، وعندما رفض الذهاب تدخل القنصل لدى السلطات التركية لإلقاء القبض عليه بصفته من الرعايا البريطانيين. كان لابد لوليمسون من الهرب وبمساعدة بعض من أصدقائه المتنفذين في البصرة أنتقل إلى الزبير حيث أستقر لما يقارب العامين ينتقل فيها بين الحين والحين إلى البصرة والكويت وأصبح أسمه عبد الله فالح الزبير. في عام 1896 قام بفريضة الحج إلى مكة وزار المدينة وعند رجوعه عاد إلى البصرة وبدأ يشتغل في التجارة ومنها تجارة الخيول مع الهند وتجارة اللؤلؤ في الخليج وأصبحت له علاقات حميمة مع عائلة النقيب في البصرة والسعدون في المنتفك وغيرها، وخرج إلى الصحراء حيث قضى سنوات مع البدو، وذاعت شهرته في الخليج من البصرة حتى مسقط.
ومن الطريف ما يرويه عن تلك الفترة، قصة استقدام الدراجة الهوائية إلى البصرة إذ كان السيد أحمد النقيب قد أستورد دراجة هوائية من الهند فدعا الحاج عبد الله ليريه ركوبها. أحضرت الدراجة في باحة البيت وقد تجمع أولاد النقيب والأصدقاء والخدم للنظر إلى هذه الآلة الجديدة، كانت الدراجة من النموذج الأولي ذات دولابين أحدهما كبير والأخر صغير جداً وبعد عدة محاولات أستطاع وليمسون الدوران في باحة البيت راكباً الدراجة وسط دهشة الجميع واستغرابهم. كان السيد أحمد النقيب سعيداً بدراجته وطلب من وليمسون الذهاب بها إلى الزبير ليراها أخوه السيد علي النقيب. سلك وليمسون بالدراجة الطريق إلى الزبير ورغم سقوطه مرات عديدة وصل المدينة وأخترق السوق حيث يكتظ بالبدو الذين يأتون للبيع والشراء، وكان المشهد مذهلاً. فزع الناس من رؤية شاب ملتحٍ يركب دولاباً كبيراً وأخر صغيراً شيء لم يألفوه، أدار البعض وجههم يستغفرون الله وسحب البعض الآخر خناجرهم للدفاع عن أنفسهم وتجمع عدد كبير من الناس ليروا هذه الظاهرة. توقع وليمسون استغراب الناس لكنه لم يتوقع هيجانهم وتعالي الأصوات لتصم الآذان وما تلاها من رمي الأحجار والعصي. أستطاع وليمسون الولوج في أحد الأزقة الضيقة ليدخل بيت أحد التجار الذين يعرفهم في المدينة وينقذ نفسه لكن بعد إصابات عديدة، هكذا دخلت أول دراجة إلى العراق في نهاية القرن التاسع عشر.
وطرفة أخرى تستحق الذكر، في أحد الأيام كان الشيخ مزعل السعدون في زيارة إلى السيد طالب النقيب في البصرة وقد شاهد الفونوغراف (الحاكي) وهو يقدم الموسيقى والأغاني وكان شيئاً غريباً فأخبر أخاه فالح السعدون بما رأى. طلب الشيخ فالح السعدون أن يرى هذه الآلة العجيبة ووقعت المهمة على وليمسون بالذهاب إلى شيخ المنتفك مع الفونوغراف لمشاهدته. خطرت للحاج عبد الله وليمسون فكرة تسجيل بعض من آيات قرآنية بصوت أحد الملالي وكذلك مقطوعات غنائية وقدم لها كلمة بنفسه قال فيها: "السلام عليكم، سنقدم لكم أغنية، من الله التوفيق وأطلب منكم السماح
الخ" (كانت الفونغرافات القديمة تزود بأسطوانات من الشمع يمكن التسجيل فيها وهي أسطوانية الشكل.) بعد أيام غادر وليمسون وصحبه من المرافقين مع الفونوغراف والأسطوانات إلى الصحراء حيث يقيم الشيخ فالح، فاستقبله الشيخ بكل حفاوة وتكريم وأقيمت الولائم المعتادة. بعد انتهاء الطعام والاسترخاء مع سجائر الدخان والقهوة اتجهت عيون الحضور إلى ذلك الصندوق الخشبي اللامع وقد ربط به مكبر الصوت الكبير ذو الرقبة الطويلة، وقد أشار الشيخ فالح إلى وليمسون بتشغيله. أختار وليمسون الأسطوانة الأولى التي سجل مقدمتها بنفسه وشغل الفونوغراف، فما أن خرج الصوت من المكبر: السلام عليكم، سنقدم لكم أغنية كانت بقية الجملة قد ضاعت في الهرج والمرج من الحضور الذين أسرع بعضهم خارج الخيمة وقد تناثرت النارجيلات والسكائر وأقداح القهوة في كل مكان واختبأ البعض ليبتعد عن أصوات الأرواح الخارجة من الصندوق
بعد سنين طويلة من التجوال والترحال في الصحراء والخليج أستقر وليمسون مع عائلته في البصرة وأمتلك بيتاً وبساتين نخيل وعندما أعلنت الحرب العظمى في عام 1914 كان للحاج عبد الله خبرة أكثر من عشرين عاماً في المنطقة استفادت منها القوات البريطانية الغازية حين أنضم وليمسون إلى الاستخبارات العسكرية البريطانية، وقد أنضم بعد ذلك إلى حاشية الجنرال مود وأستقر في بغداد بعد أن تزوج للمرة الرابعة من فتاة بغدادية. وكانت مهمته في بغداد ملاحقة الجواسيس الأتراك واقتناصهم. وبقي يعمل لحكومة الاحتلال حتى عام 1922 حين سرح أغلب الموظفين البريطانيين وبعد عودته إلى البصرة، دعاه أرنولد ولسن، الحاكم السياسي السابق في العراق، للعمل كمفتش لشركة النفط الإيرانية-البريطانية في الخليج وأستمر في منصبه حتى تقاعد في عام 1937 عند بلوغه الخامسة والستين.
لم يكن الحاج عبد الله فالح الزبير يلتقي بالجالية الأوربية في البصرة بل عاش منعزلاً في كوت الحجاج أحدى المحلات القديمة في البصرة وعاش أبناؤه كعراقيين وبأسماء عربية. وحين وضع ستانتون هوب سيرة حياته في عام 1947 كان الحاج عبد الله في الخامسة والسبعين ومازال يعيش في البصرة، وقيل أنه مات عام 1952 عن ثمانين عاماً.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة