مكتبة عالمية

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

جـــــــــذور الغضب
 

-العنوان: الحرب العظمى في سبيل الحضارة:
احتلال الشرق الاوسط
-تأليف :
روبرت فيسك
-
عرض: ستيفن همفريز
-ترجمة:
عبد علي سلمان

عن صحيفة الواشنطن بوست

صحفي غاضب يلقي باللوم على طغاة المنطقة وعلى التطفل الغربي اللذين تسببا بعدم الاستقرار
اسم الكتاب: الحرب العظيمة في سبيل الحضارة: فتح الشرق الاوسط
قبل كل شيء، فان هذا كتاب عن الحرب، وبالتحديد عن الحروب التي أرعبت الشرق الاوسط ابتداءً من افغانستان الى الجزائر. وكان المؤلف مراسلاً لصحيفة "لندن تايمز" وبعدها لصحيفة "الانديبندنت" لفترة طويلة في جميع هذه الارجاء وينتقل الكتاب صعوداً ونزولاً في القرن العشرين بطريقة يقودها على ما يبدو الوعي اكثر من اي شيء آخر، بما يناسب الموضوع. ويكاد الكتاب ان يكون عن العنف المستمر. وقد قدم المؤلف نفسه على انه شاهد غير هياب وقاض عنيد يحكم على الحوادث التي يرويها. لانه يعتقد انه يروي قصة عن غدٍ لا يرحم وعن خيانة (في جزء من القصة يظهر ان الشرق اوسطيين قد خانوا انفسهم كما خانهم قادتهم، ولكن الخيانة في معظمها كان سببها جبروت وطمع وغطرسة الغرب).
ولقد رمى فهمك نفسه مرةً بعد اخرى في الحفر الملتهبة وغالباً ما تعرض لمخاطرشخصية في البداية كان في افغانستان خلال صراعها الطويل ضد السوفيت ثم في حمام الدم الذي سببته الحرب العراقية- الايرانية في ثمانينيات القرن الماضي وبعدها في حرب الجزائر الاهلية بعد عام 1991 ثم الانتفاضة الفلسطينية الثانية لحين كبوتها عام 2000 وعندما لا يتواجد شخصياً وسط الصراع والخراب، فانه يعيدهما الى الذاكرة، كما حدث في بحثه عن تهجير الارمن وعن المذابح في الحرب العالمية الاولى، او (في لائحة مختلفة) معالجته لسجون وغرف التعذيب في زمن الشاه.
وعلى كل حال، فان فيسك يحترم نفسه فهو مراسل في قاعدة الحرب وينسج كتابه بصورة اساسية من تقاريره من ميدان المعركة فكتاباته عن الحرب قوية ومفصلة وجدية وشخصية تماماً. ولن يصادف القارئ هنا "اضراراً غير مباشرة" سوى البيوت المهدمة والاجساد المقطعة. وفي احيان كثيرة يتكدس الرعب فوق الرعب الى الحد الذي يبدو أنه اكبر من ان يحتمل او يمكن امتصاصه.
وتلك الحدة تنبع من قوة الكتاب الهائلة ومن ضعفه من الناحية المبدئية وبعد قراءة الكتاب فلن يستطيع المرء تجاهل الخسائر البشرية لقرارات الجنرالات والسياسيين في منطقة الشرق الاوسط وسواه ويصور فيسك الشرق الاوسط على انه مكان العنف الذي لا يتبدل والذي لا يمكن لاي قارئ ان يتصور ان هناك شخصاً في ذلك المكان استمتع ليوم واحدٍ من حياته طوال ربع القرن الماضي وهذه الصورة هي تشويه خطر صحيح ان الحياة ابعد من ان تكون سهلةً، لكن وعلى النقيض من القلق المستوطن والاحباط، فان الشرق اوسطيين قادرون على التسامح معظم الاحيان. ويتحدث فيسك قليلاً بصورة اكثر تجريدية عن القضايا غير العنفية مثل الركود الاقتصادي وتعقيدات الاسلام السياسي أو وضع المرأة وهذه الثغرة ليست نقطة ضعف بحد ذاتها. ذلك ان فيسك يتناول مواضيع مختلفة لكن القارئ بحاجة لمعرفة ان هذا الكتاب رغم طوله المتعثر ليس هو الشرق الاوسط كاملاً ولعله سيكون "روبرت فيسك" كاملاً فالكتاب مليء بالذكريات الشخصية المستعادة حول اشكاليات علاقة المؤلف بابيه بيل والتي لم تكن عنيفة وفي الحقيقة فان هذه العلاقة أمّدت الكاتب بعنوان الكتاب. ذلك ان الاب فيسك قد مُنح وسام الحملة لخدمته في فرنسا عام 1918 وهذا الوسام "الذي اورثه الاب للابن" قد نُقش عليه شعار "الحرب العظيمة في سبيل الحضارة" والسخرية المرة لذلك الشعار تأكدت بهدية اخرى قدمها جدّ المؤلف لأمه الى والد المؤلف وهي عبارة عن رواية للصبيان لتوم جراهام تروي مغامرات جندي بريطاني شاب في افغانستان في اواخر القرن التاسع عشر وبالنسبة للمؤلف فان الوسام والرواية يرمزان الى العجرفة والتطفل المدمر للغرب في الشرق الاوسط طوال القرن الماضي.
واذا كان هذا الكتاب عن الحرب فهو ايضاً كتاب عن النفاق واللا أبالية التي يتسم بها اولئك الذين في السلطة ففيسك رجل غاضب واكثر من ان يكون رجلاً قليل الثقة بصحة ارائه فليس ثمة قائد وطني انفك ومعه نتفة من المصداقية هنا.
وهو يتعامل مع الكثير منهم باحتقار ان لم يكن باشمئزاز وبينهم رجال في موقع المسؤولية (سواء اكان هؤلاء عرباً او ايرانيين أو اتراكاً او اسرائيليين او بريطانيين او امريكان) فليس هناك ابطال أعزة يستحقون الاحترام انهم فئة تظهر عدم كفاءتها في الاوضاع الصعبة فقد كان جيمي كارتر محظوظاً حين هرب وهو يظهر نفسه بمظهر البطل وكذلك الملك حسين الذي فعل ذلك بمرارة اكبر قليلاً ولم يكن فيسك مولعاً بوسائل الاعلام (رغم ان هناك بعض الاستثناءات) وكانت محطة
CNN وصحيفة النيويورك تايمز محل ازدرائه حسب ما يرى بسبب فشلهما المخزي في مقارعة الاكاذيب والتشويهات والتستر على صُناع السياسة الامريكية.
فهل وجد فيسك التركيبة الانسانية المكونة من الشجاعة والجبن والقسوة وعمل الخير وسط الناس العاديين الذين تشابكوا في شبكة من القوى غير الظاهرة ولو اخذنا وضعية الاشياء في الشرق الاوسط، فان المرء يوافقه الرأي فالكذّابون واصحاب الابهة الفارغة من اصحاب البدلات والافواه الثرثارة سواء اكانوا غربيين او من الشرق الاوسط، يثيرون غيظ أي امرءٍ يعرف بصورة مباشرة حقيقة ما يجري ومرة اخرى فهناك مشكلة إذ إن فيسك يدين السياسيين بسبب ما فرضوه من معاناةٍ مريعة على شعوب الشرق الاوسط، لكنه بالمقابل لا يسأل بصورة جدية عن الاسباب التي جعلت هؤلاء السياسيين يتخذون مثل هذه القرارات وما هي البدائل التي كان يفترض القيام بها. ومن الحسن جداً جلد قادة الغرب والشرق الاوسط لجهلهم وعماهم الاخلاقي وشهوتهم للحكم.. الخ ولعل ذلك يسبب الخجل والشعور بالذنب (رغم انه نادراً ما يفعل ذلك) لكنه لا يقدم معايير ومبادئ جدية يمكن لصناع السياسة استخدامها لتطوير الامور الى الاحسن.
وباختصار فان كتاب "الحرب العظيمة في سبيل الحضارة" هو كتاب ذو اهمية استثنائية، اذ تحولت خبرة فيسك التي لا تُضاهى بالحرب وتأثيرها في الشرق الاوسط المعاصر وقدرة المؤلف على تحويل هذه الخبرة إلى مادة ملموسة تحولت كل هذه الى لغةٍ تلمؤها العاطفة وسيظل المبتدئون في مهنة المراسلة الحربية يجدون انفسهم مشدوهين بتفاصيل الكتاب الواسعة وصعوبة متابعة قفزات المؤلف في البلدان والازمنة وكتاب "الحرب العظيمة في سبيل الحضارة" كتاب مثير للقلق، إذ أنه يؤكد وبعمق قناعة الكثير بان الشرق الاوسط قد غرق بصورة لا رجعة عنها في العنف والفساد. والاحمق هو فقط من يتصور ان تلك الاوضاع يمكن معالجتها.
وكما كانت العقود الثلاثة الاخيرة مأساوية فان هناك دروساً مختلفة يجب تعلمها، وواحد من الدروس هو الامل، على الاقل.
ستيفن هافريز استاذ في مادة تاريخ الشرق الاوسط والدراسات الاسلامية في جامعة كاليفورنيا سانت باربارا ومؤلف كتاب "بين الذاكرة والرغبة: الشرق الاوسط في عصر مضطرب"
عن صحيفة الواشنطن بوست


لماذا يظلَّ الشرق على خلاف مع الغرب
 

-العنوان:عاصفة من الشرق: الصراع بين العالم العربي والغرب
-تأليف :
ميلتون فيورست
-
عرض: انتوني دكي
-ترجمة:
المدى

عن :لوس انجلس تايمز

لو طُبع كتاب "عاصفة من الشرق" قبل بضع سنين، لكان من المحتمل ان لا تقوم الولايات المتحدة بمهاجمة العراق وهذا يفترض طبعاً ان يكون كبار مسؤولي الولايات المتحدة ومفكروها الذين بدأوا هذه الحرب، قد قرأوا هذا الكتاب الذي لا يقدر بثمن. وقد اوردنا هذا الاحتمال لان المؤلف ميلتون فيورست جعل الامور المستبعدة الوقوع في غاية الوضوح.
فمنذ القرن الثامن دخل الاسلام المستبعدة الوقوع في غاية الوضوح.
فمنذ القرن الثامن دخل الاسلام والمسيحية في صراع من اجل فرض الهيمنة على مناطق الآخر في هذا العالم وحسب رأي المؤلف، فان القوة المتفوقة للامم والامبراطوريات المسيحية خلال القرون العشرة الاخيرة أو ما يقرب من ذلك وضعت الغطرسة محل الحكمة. وفي القرنين المنصرمين كان البريطانيون والفرنسيون والامريكان في الوقت الحاضر، تعاملوا مع العالم العربي بازدراء وقد رد الكثير من العالم العربي على ذلك بامتعاض كبير.
وفي "عاصفة من الشرق" يستكنه مراسل "النيويوركر" في الشرق الاوسط لفترة طويلة ومؤلف العديد من الكتب حول التعقيدات في المنطقة، مسار الفشل بين الشرق والغرب محذراً من الخروج باستنتاجات سهلة وسريعة عن التنافس الذي استمر طويلاً وطويلاً جداً.
وكتب المؤلف فيورست "ان الدرس الواضح لهذا الصراع الذي دام قروناً هو ان كلتا الحضارتين قد سيطر عليهما هاجس القوة الداخلية المفرطة، فقد تصور الغرب ان بامكانه فرض قيمه على الشرق وكان ذلك سوء تقدير، اما الشرق فقد تصور ان تعصب محاربيه سيُكره الغرب على تبني السذاجة. اما الدرس الآخر فهو ان كلا الطرفين كان تنقصه القوة لاختيار منهج الطرف الاخر.. ولن يصمد الغرب امام تفوقه العسكري اذا لم يقبل بحق الشرق في تحديد مصيره بنفسه، وستستمر اراقة الدماء التي طبعت هذا الصراع دائماً".
واذا انت وضعت الفروقات الاخلاقية والعقلية التي لازمت النظرة الغربية عن الشرق الاسلامي، فهل يكون لامم الشرق الاوسط الحق في تحديد مستقبلها؟
لقد بينت الولايات المتحدة وبريطانيا ان احلال نمط الديمقراطية الغربي في العراق كان رغبة العالم بكامله وكان لمصلحة العراقيين ويلفت المؤلف نيورست الانتباه الى ان الاهداف الامبريالية الغربية خلال السنوات السابقة كانت اكثر عملية وأقل جلالاً فقد استهدف الغرب السيطرة لمصلحته على ما كان يعتقد انه اكبر بركة عالمية للنفط ويرى المؤلف انه سيكون من المدهش ان لا يعتقد احد ان العرب سيعتبرون ان هذا الاندفاع لنشر الديمقراطية في رمال الشرق يُشابه طموحاً غير معلن.
ولن يحب الكثير من العرب ان يتم اخبارهم (كما فعل فيورست في "عاصفة من الشرق" ان نقاط الضعف في حضارتهم هي "الفقر والأمية والتعصب الديني والفساد المزمن وسوء الادارة الحاكمة" وليس ثمة من مراقب محايد لا يمكنه الوصول الى مثل هذه النتيجة اذا لم يكن حاله حال العديد من المسلمين الغاضبين الذين يرفضون استبصار الحقائق مفضلين لوم الامبريالية الغربية. ويخلص المؤلف الى ان هناك املاً ضعيفاً في ان تقدم الدول العربية حلاً للوضع في العراق ويستنتج بصورة راسخة ان "البديل سيكون ذلك التاريخ، عارفين ان العداء بين الحضارة العربية والغرب لن يصل الى نهاية، وان ادارة بوش قد أججت الصراع"
إن كتاب "عاصفة من الشرق" هو واحد من سلسلة الكتب المعاصرة التي تتناول الاحداث التاريخية وهو كتاب مختصر يتمتع بالمصداقية ويؤشر جملة من المشاكل والجوانب المغلقة والحالات التي تستحوذ على القارئ الحديث.
ومثله مثل الكتب الاخرى ومنها كتاب ايان بوروما "اختراع اليابان 1853-1964" وكتاب الكسندر ستيلي "الاحسان والخيانة: خمس عوائل يهودية ايطالية تحت الحكم النازي "وكتاب كيفن ستار" كاليفورنيا: تاريخ" فان كتاب فيورست كتاب نفيس، فدراسته للصراع الكبير منذ مولد الاسلام ولهذا الحين كانت دراسة صريحة ومنتظمة.


بريطانيا من تشرشل الى توني بلير
 

بقلم/ هيجو يونغ
ترجمة/ زينب محمد

عن: الايكونوست

بعد ان اثبت (اليورو) منذ ولادة مكانته في اسواق البورصة العالمية صارت هذه العملة الاوروبية الوحدة الاكثر استقراراً وقوة في سوق المال حسبما توقع لها المراقبون الماليون الذين اكدوا على ان مستقبل هذه العملة مبشراً وليس قلقاً كالذي يحصل مع الدولار، وتأتي هذه الحقائق المتفائلة بشأن اليورو على عكس الشك الذي يعتمد المسؤولون البريطانيون اظهاره في تصريحاتهم الخاصة بشأن قدرة هذه العملة على الصمود في سوق المال الى جانب العملات الاجنبية الاخرى، فقد كان البريطانيون يعارضون مشروع وحدة النقد الاوروبية منذ ولادة الفكرة وحتى تطبيقها وفي كتابه (المكيدة المقدسة.. بريطانيا واوروبا من تشرشل الى توني بلير) الصادر عام 1998 عن مطبعة مكميلثت، يشير المؤلف هيجو يونغ الى عدة موضوعات وثيقة الصلة بعلاقات بريطانيا السيئة مع اوروبا ومنها العلاقات المالية والاقتصادية وتغير الرأي البريطاني الرسمي بشكل مستمر ومتذبذب حيالها، ويتحدث (يونغ) في مقدمة كتابه عن انقسام بريطانيا الى مؤيدين لاوروبا ومعارضين لها فالذين سعوا لمعارضة ربط بريطانيا باوروبا منذ عام 1945 من ارنست بيفن مروراً بانتوني ايدن الى بيل كاش وجون ريدوود ومايكل بورتيللو، كانوا يواجهون اتهامات شديدة بانهم قصيرو النظر وفنطازيون ومتزمتون، وكان (بيفن) كما يورد المؤلف مثالاً على التزمت البريطاني في الاربعينيات، يعتقد بان قساوسة اوروبا الكاثوليك (غربان سود يجلبون النحس) اما بورتيللو فكان ينظر الى الطلاب الاوروبيين في الجامعات البريطانية في التسعينيات على انهم غشاشون يشترون درجاتهم العلمية! في حين كان احد وزراء حكومة العمال يأخذ معه دائماً طعامه ملفوفاً بعلب ورقية اذا ما زار اوروبا خوفاً من التلوث الاوروبي! على هذا النحو المتغطرس كان المسؤولون البريطانيون ينظرون الى اوروبا والى علاقتهم بها، واحد الموضوعات الاساسية التي يتناولها كتاب هيجو يونغ التحول المطلق والكامل في الرأي البريطاني الرسمي ازاء العلاقات التي تربط بريطانيا باوروبا وازاء وحدة النقد فالطبقة السياسية البريطانية كما يؤكد يونغ لم تكن قادرة اطلاقاً على صياغة راي موحد وحاسم بشأن وحدة النقد والافراد بمن فيهم رؤساء الوزراء كانوا منقسمين في آرائهم بصورة متكررة ففي الستينيات على سبيل المثال كان كل من ايفوش باول وتيكو لار ايدلي اللذين اصبحا من بين اكثر نقاد حزب المحافظين قسوة على المؤسسة الاوروبية برمتها سعياً الى نشر كتيب يدافع عن وحدة اوروبا الاقتصادية والعسكرية والسياسية الشاملة، كما ان قائد حزب العمال السابق هارولد ويلسون كان يغير مواقفه من اوروبا، فمن مناهض لاوروبا الى موال لها الى مناهض مرة اخرى ثم موال لها. ويرى يونغ ان ليس لهذه الردة المتكررة ما يبررها، لكن يمكن فهمها بطريقة ما فبريطانيا في ظروف ضعفها السياسي والاقتصادي الشديد اضطرت الى ان تتجه بكل ما لديها الى اوروبا ومع ذلك لم يشعر سياسيوها بانهم اوروبيون فعلاً، فالاوروبيون اولاد ديكارت والبريطانيون اولاد باكوف، والاوروبيون يؤمنون بالمشاريع الكبرى اما البريطانيون فهم اكثر برغماتية وبريطانيا قوة امبريالية لم تخضعها اية قوة اخرى، وكانت بريطانيا الى جانب حلفائها قد ربحت الحرب العالمية، لكن هذا كان في الماضي كما يقول (يونغ). اما الآن فان بريطانيا التي أفل نجمها تحاول ان تستعيد مكانتها كقوة امبريالية عظمى.
والى هذا اليوم وحتى حكم توني بلير لا يعد البريطانيون انفسهم مشاركين حقيقيين في مؤسسة كبيرة مشتركة هي الاتحاد الاوروبي بل (شركاء) لكن بدون ان يرتب ذلك حقاً، بل على العكس، انهم يعدون انفسهم مفاوضين في تجارة الاتحاد الاوروبي وعملهم هو التعاقد او الاتفاق مع أولئك الجالسين على الطرف الآخر من طاولة المفاوضات.
ان تاريخ العلاقة برمتها من عام 1945 الذي يسرد المؤلف يونغ تفاصيل دقيقة عنه قد يثير السخرية، فالتحول في الرأي الرسمي يماشي التحول في التصرف والعمل فبشأن مشاريع الوحدة النقدية هددت الحكومات البريطانية التي تعاقبت على السلطة وتوعدت وترددت ولكنها انكفأت بعد ذلك وكان هذا التهديد وهذا التعويق مكرساً لاعطاء اهمية كبيرة بل اقصى اهمية للموقف البريطاني المساوم. وكان ذلك نتيجة لضلالة ذاتية ونقص في الهدف، ويصف (يونغ) الرد البريطاني على اية مبادرة اوروبية واسعة بانه يقع عملياً في ثلاث مراحل: ففي المرحلة الاولى، يدين البريطانيون المبادرة على الفور او يرحبون بها لكنهم يصرون على ان ليست لها علاقة بهم وهي ردود ترتبط احياناً بالترحيب بالمبادرة وهكذا فان حكومة (اتلي) التي كانت تصفق في العلن لخطة (شومان) الخاصة بدمج صناعتي الفحم والحديد في اوروبا، كانت تخشى في الحقيقة من نتائج وتبعات تلك الخطة وحاولت سراً عرقلتها ورفضت الانظمام اليها فعلياً كما ان موقف حكومة (ايدن) في مؤتمر (
Messina) عام 1955 الذي افضى الى تأسيس المجموعة الاقتصادية الاوروبية كان موقفاً رافضاً اذ توجه وفد تجاري رسمي صغير الى المؤتمر لكنه سرعان ما انسحب منه، وفي المرحلة الثانية التي تتداخل مع الاولى يضع البريطانيون انفسهم بان اية مبادرة اوروبية حديثة هي مجرد وهم، واياً كانت هذه المبادرة فانها لن تتحقق او انها سوف تفشل، فقد كان (وايت هول) مقتنعاً بان مؤتمر (Messina) لن يقضي الى شيء.
واقتنعت الحكومات البريطانية المتوالية بان معاهدة روما لن تحقق الوحدة بين الشعوب. وقبل اكثر من خمسة اعوام كتب (جوني ميجر) في مجلة الايكونويست انه يرفض رأي اصدقائه من القادة الاوروبيين بشأن وحدة النقد الاوروبية. اما المرحلة الثالثة وهي الاكثر خزياً لبريطانيا فهي ان بريطانيا صبت كل حقدها واحتقارها على المبادرة الاوروبية لتوفير العملة وسعت لتشويه المبادرة، واصرت على انها لن تتحقق وستفشل فشلاً ذريعاً. في الوقت الذي كان فيه الاوروبيون قد قطعوا اشواطاً بعيدة في صياغة الخطوط الاساسية لهذه السياسة النقدية حتى ان توني بلير كان يصرح بالقول (انتظروا
تروا) اشارة الى اخفاق الخطة، اما القائد المحافظ (وليام هينغ) فكان يقول انها لن تتحقق قبل عام 2005 بل وحتى بعد ذلك، غير ان المؤلف يونغ يشير الى ان العديد من القرارات المهمة بشأن اليورو اتخذ كالمعتاد في غياب بريطانيا. لقد اطلق يونغ على موقف بريطانيا من توحيد العملة الاوروبية تعبير (المكيدة المقدسة) في كتاب ضخم ضم (559) صفحة كتبه بحنق لكونه اوروبياً اولاً وبسبب المقدار الكبير من الحماقة البريطانية وسوء الحكم والاعتياد على الكذب والعمى السياسي البريطاني الذي شعر يونغ بانه مرغم على ذكره والاسوأ رفض سياسيو بريطانيا احتلافاتهم القبول بالواقع الاوروبي.

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة