كتاب
المدى الشهري:
دراســــــات في
التاريــــــــخ
تاليف: هوبزبوم
ترجمة :عبد الاله النعيمي
مراجعة: باسم عبد
الحميد حمودي
لكل
نوع من انواع المعارف (تاريخ)، وهو تاريخ خاص بها يرتبط
بمجرى تاريخ الاحداث العام، فللموسيقى في بلد ماتاريخ
وكذلك للالعاب الرياضية، وتاريخ العلوم والعلماء جزء من
التاريخ الثقافي والحضاري العام للبلد بوصفه جزءاً من
نموذج يتطور باستمرار، اضافة الى (تواريخ) الازياء
والعمارة والاحزاب السياسية والافكار والعادات والصحافة
والسينما والمقاهي والتصوير والخط وتواريخ التظاهرات
الشعبية والانتفاضات الجماهيرية والتاريخ البلداني وتاريخ
الاسماء وتطورها.. الخ.
اننا هنا نقدم خلطة واسعة للتاريخ لا تقف عند الجزء
السياسي المباشر منه بل يتسع ليشمل كل جوانب المعارف
والاسس الحضارية والديموغرافية والكرونولوجية والفولكلورية،
ذلك ان التاريخ بعامة ليس تاريخاً سياسياً فقط بل تاريخ
اجتماعي وعلمي وشعبي في مداه الاوسع.
ذلك كله لم يقله الكتاب الجديد الذي قدمته مؤسسة (المدى)
هدية للقارئ مع عدد يوم الاربعاء الماضي والذي كتبه على
شكل محاضرات متعددة البروفسور هوبز بوم وترجمه الدكتور عبد
الاله النعيمي، وصدر بعنوان (دراسات في التاريخ) لكن اج جي
هوبزبوم استخدم في بحوثه الستة التاريخ الاجتماعي كامثلة
منتقاة داخل البحوث حيث عرض لبعض تواريخ المعتقدات
والتصرفات الشعبية هنا وهناك متوقفاً في الفصل السادس (من
التاريخ الاجتماعي الى تاريخ المجتمع) لدراسة بعض الظواهر
لكنه حصر التاريخ الاجتماعي مسبقاً بمعان ثلاثة (متداخلة
احياناً) وهي اولاً: تاريخ الطبقات الفقيرة او الدنيا او
تاريخ حياة الفقراء انطلاقاً منه الى تاريخ الافكار
والمنظمات العمالية والاشتراكية وثانياً اعتبار مصطلح (التاريخ
الاجتماعي) للاشارة الى اعمال حول طائفة متنوعة من
النشاطات الانسانية التي يصعب تصنيفها الا بكلمات مثل
تسلكات، عادات، حياة يومية مدينا
–على
ما يرى- دراسات المانية اتسمت بالسطحية في دراسة الثقافة
او تاريخ العادات والتقاليد مع الاهتمام بنظرة المؤرخ
الانكليزي فيلبان بدراسة التاريخ الاجتماعي الانكليزي
بوصفه تاريخاً مع ابقاء السياسة خارجه، ويقينا فان مقدمة
هذا الموضوع لا تقف عند التاريخ الاجتماعي خارج العمل
السياسي، فالمشكلات السياسية وتطورها تعد مشكلات اجتماعية
بالاساس لانها تحرك كتلاً اجتماعية- شعبية تتجاذب لتصل الى
غاية وعلى المؤرخ المعني متابعتها وتحليلها.
المعنى الثالث من معاني التاريخ الاجتماعي والذي يجده (بوم)
الاكثر شيوعاً والمعنى الانسب كانت فيه صفة "الاجتماعي"
تستخدم بالتراكب مع التاريخ الاقتصادي، وهو يشير الى انه
قبل عام 1939 لم تكن هناك دراسات تاريخية اقتصادية
واجتماعية الا بنسبة قليلة ويجد في ذلك "رغبة في مقاربة
التاريخ مقاربة تختلف منهجياً عن المقاربة الرائكية
الكلاسيكية" فما يهم المؤرخين
–هنا-
هو تطور الاقتصاد ثم يحلل بعد ذلك الاسباب المعتادة في
طغيان الاقتصادي على الاجتماعي ويتابع جهد المؤرخين
المتعددين في ذلك، وصولاً الى قول المؤرخ الفرنسي المعاصر
فوستيل دي كولان بان "التاريخ هو ليس تراكم احداث من كل
صنف وقعت في الماضي، انه علم المجتمعات البشرية وهو تعريف
شامل يضيء صورة لما يمكن ان يشمله علم التاريخ رغم ان (بوم)
يتحفظ- وهو على حق- على دراسات عن الشعر البروفانسي
باعتباره تاريخاً اقتصادياً ودراسة تاريخ التضخم باعتبارها
تاريخاً فكرياً فلكل نوع من (التاريخ) حدوده ومنطلقاته وهو
اذ يفتتح منطلقه الفكري (لننتقل من الماضي الى الحاضر)
ليطبق ما حصره داخل الاجتماعي- الاقتصادي يجد ان اتجاهات
دارسي حقول الانثروبولوجيا والسيوسولوجيا والعلم السياسي
والادب والاديان ليسوا اقتصاديين، والظاهر انه حدد درب
التاريخ الاجتماعي بالبنية الاقتصادية دون ان يرفض باقي
التواريخ لكنه يقف عند الدراسات الانثروبولوجية
والسيوسولوجية الاجتماعية لشتراوس واضرابه موقف المتسائل
فيما يمكن ان تبنيه تاريخياً رغم اعتباره ماركس احد اباء
ومؤسسي الفكر السوسيولوجي الحديث.
ويطرح بوم- بعد كثير من المناقشات- فكرته او سؤاله الجوهري
(كيف نكتب تاريخ المجتمع؟) وهو سؤال يمثل خلاصة الفصل
ويجيب عنه بثلاث خلاصات نختصرها بما يلي:
1-ان تاريخ المجتمع تاريخ له زمن كرونولوجي حقيقي وللتاريخ
الحدسي او الافتراضي (؟) موقع في فرعنا وان تكن قيمته
الرئيسة مساعدتنا على تقييم امكانات الحاضر والمستقبل بدلاً
من الماضي.
2-ان تاريخ المجتمع- من بين اشياء اخرى- تاريخ وحدات محددة
من البشر وهو تاريخ مجتمعات لكنه يطرح اسئلة كثيرة حول
طبيعة المجتمعات المتعددة المتباعدة جغرافياً في فترات
تاريخية بسبب تفاوت طبيعة هذه المنظومات الاجتماعية وتعقّد
انواعها واختلافها ويجد في اختيار معيار محدد لدراسة
المجتمع دراسة تعتمد الاثنية او السياسية او التاثيرات
الخارجية دراسة ليست وافية دائماً.
3-يقتضي تاريخ المجتمعات ان نطبق ترتيباً تقريبياً
لاولويات البحث وفرضية عملية حول ما يشكل الحلقة المركزية
او عقدة الصلات في موضوعنا، ثم يضع (بوم) مقترحاً يرسم
خطوات العمل وصولاً الى تحفظه القائل (ان نراقب ما نفعله
وان نعممه وان نصححه في ضوء المشكلات الناجمة عن الممارسة
اللاحقة) وهو رأي اكاديمي منهجي يتسم بالمرونة وعدم
الاصرار على توصلات نهائية في الدراسات المجتمعية.
ان هذا الفصل الحيوي من كتاب (بوم) لا يقف عند هذه الحدود
بل يتعداها ليطرح مشكلات بحثية مهمة حول دراسة
الديموغرافيا والقرابة، والدراسات المدينية ودراسة الطبقات
والفئات الاجتماعية وتاريخ (الذهنيات) او الوعي الجماعي او
تاريخ (الثقافة) وتاريخ تحول المجتمعات وتاريخ الحركات
الاجتماعية وهو يناقش كل هذه المنطلقات التاريخية بروح من
العلمية المفرطة وصولاً الى قوله المتحفظ (ان تاريخ
المجتمع ما زال قيد البناء) وهو قول فيه الكثير من الصواب
لانطلاق الدراسات الجديدة فيه انطلاقات غير محددة الحواف
لكن دراسة التاريخ الاجتماعي ستظل دائماً دراسة ذات مغزى.
وبعد فان فصول الكتاب السابقة عالجت الكثير من الموضوعات
التي لا تستطيع هذه المداخلة الاحاطة بها وهي (خارج
التاريخ داخل التاريخ
–معنى
الماضي- ما الذي يمكن ان يقوله التاريخ لنا عن المجتمع
المعاصر –التطلع
الى امام- هل تقدم التاريخ) وهي فصول تصب في الاطار العام
للتاريخ السياسي والفكري ومنهجيات البحث في علم التاريخ،
والمؤرخ الباحث الدكتور هوبز بوم هو استاذ التاريخ في
جامعة لندن وفد والده من وارسو وامه نمساوية قدم محاضراته
الشيقة في العديد من جامعات باريس والمانيا واوروبا الوسطى،
وهو احد محرري الطبعة الانكليزية لاعمال ماركس- انكلز
ومؤلف كتاب (عصر التطرفات) وباحث في المجلة التاريخية (الماضي
والحاضر) ومجلة (اكاديمية الفنون والعلوم الامريكية).
|