يوميات طبيبة فيتنامية شمالية
قُتلت في هجوم أمريكي تجعل الحرب حقيقة
بقلم/
سيث مايدانس
ترجمة/ عبد علي سلمان
عن:
النيويورك تايمز
اصبحت يوميات
مفقودة كتبتها طبيبة في اثناء الحرب الكتاب الاكثر مبيعاً
في فيتنام. وهذه اليوميات تتحدث عن الحب والوحدة والموت في
الممرات المؤدية الى هوشي مينه.
وقد جعلت الحرب شيئاً حياً للاجيال الجديدة من القراء.
وقد اتخذتْ هذه اليوميات معنى رمزياً خاصاً لفترة ما بعد
الحرب بالنسبة للناس في فيتنام. فقد اعادها لعائلة الطبيبة،
جندي امريكي سابق حافظ على هذه اليوميات بعد ان ماتت
الطبيبة في ميدان المعركة عام 1970. وقتلت الطبيبة دانغ
توي ترام البالغة من العمر (27) عاماً في هجوم امريكي بعد
ان خدمت ثلاث سنوات في وحدة ميدان طبية وبانفعالات وعواطف
متداخلة تعبر عن حنينها الى حبيبها البعيد وعن شوقها
للارتباط بالحزب الشيوعي.
والترابط بين الحماسة الثورية ومخاطر التعرض لهجوم مع عدم
الثقة بالنفس لامرأة في غاية الحساسية، يمكن ان يُسمى "ايديولوجيا"
بوجه انساني، مذكرةً القراء بأنها انسانة مثلهم علقت في
لحظة من التاريخ وماتت بالنيابة عنهم.
وفي يومياتها كتبت الطبيبة ترام مخاطبة نفسها "بعدئذ،
حينما تكونين قادرة على العيش في ضوء الشمس الجميل وسط
زهور الاشتراكية، تذكري تضحيات اولئك الذين قدموا دمهم في
سبيل الهدف المشترك".
وتتوقف رواية ايام حياتها فجأة اذ تتدفق الصفحات البيض مثل
شلال، واضعة نهاية لعواطفها وآمالها. لتذكرنا ان الحياة
عديمة المعنى وحشية بصورة تفوق الخيال.
وقبل يومين من وفاتها، كتبت الطبيبة ترام معبرة عن قلقها
وشوقها الى "يد أم تربتُ عليَّ" وكتبت ايضاً "ارجوك، امي
تعالي اليَّ وامسكي يدي حينما اكون وحيدة تماماً. احبيني
وامنحيني القوة كي اتجاوز كل تلك الصعاب في الطريق الذي
امامي".
ان ما يجذب القراء هي هذه الرقة في المشاعر وتتقاطع هذه
اليوميات مع الانواع الادبية والفنية التي تسردها المذكرات
السياسية التي تؤكد البطولة وتفتقر الى العناصر المثيرة
للشفقة في الحروب. وفي مكان من يومياتها كتبت "بالامس، نعم
بالامس، كان هناك جندي عمره 21 عاماً اصيب بجرح بالغ يصرخ
باسمي، وكان يأمل ان استطيع مساعدته ولم يكن بمقدوري شيء،
وانهمرت دموعي وانا اشاهدهُ يموت بين يديَّ العديمتي النفع"
وعندما تم نشر المذكرات على شكل حلقات في الصحف، كان الناس
يقتطعونها ويحتفظون بها، يمررونها من واحدٍ الى آخر
ويقرأونها بصوتٍ عالٍ لاصدقائهم. وحين طبعت في كتاب صدر
منها (300) الف نسخة في بلاد، تُطبع فيها الكتب باعداد
قليلة، لن تتجاوز في احسن احوالها عشر هذا الرقم.
وتقول فوتي لان التي تعمل في متجر لالات التصوير وتبلغ
(38) عاماً "انا معجبة بها حقاً، وساكون بعمر ابنتها لو
قدر ان تكون لها ابنة".
وتضيف الانسة لان، انها قرأت كل ما نُشر عن الطبيبة ترام
في الصحف وفي المواقع الالكترونية وهي في اشد العجب من ان
تكون بموقع طبيبة وتمتلك هذه القدرة على التحمل.
وتكمل الانسة لان حديثها "ليس لجيلي فرصة في ان يعيش هذه
الحالة. وما نشر كان يوميات وهي حقيقية وذلك ما يجعلها
ممتعة اذ لم تُكتب بقصد ان تُقرأ. لقد كتبتها الطبيبة كي
تتحرر من مشاعرها".
وقد ولد ثلثا الامة الفيتنامية التي تبلغ 83 مليوناً، بعد
نهاية الحرب في عام 1975. وعلى ذلك كما يقول هوي تام وهو
استاذ التاريخ الفيتنامي في هارفارد "الحرب بالنسبة اليهم
باتت تاريخاً قديماً، انها تاريخ آبائهم وهي في غاية
الجفاف وفق الطريقة التي يتم تعليمهم بها عن هذه الحرب".
ويضيف السيد تاي "وهذا التقديم السائب يفترض ان الحكومة
الشيوعية التي تأسست على اساس من الشرعية بسبب الانتصارات
في الحرب، تشعر بالامان تماماً وانها توافق على الحديث عن
اهوال الحرب وبنفس القدر يتم التحدث عن امجادها".
وفي جانب من كتابها كتبت الطبيبة بمرارة عن الاصدقاء الذين
مضوا "ان الحرب لا تبالي باي شخص" ويرى بيتر زينومان استاذ
التاريخ الفيتنامي في جامعة كاليفورنيا ان مقدار الكمية
المطبوعة يعكس طلباً حقيقياً ومن المحتمل ان تكون الحكومة
قد اشتركت في هذا الجهد "من اجل اعادة احياء القيم القديمة"
ويضيف ان من المحتمل ان تكون الطبيبة ترام قد سجلت في هيكل
ابطال الحرب، الى جانب العديد من الشابات الشجاعات.
وبالاضافة الى اصدار الكتاب فقد تم بناء مستشفى واقيم
تمثال تذكاري لها في موقع وحدتها الطبية النائي الذي يقع
في مقاطعة كوابخ نغاي في منتصف الفيتنام.
ويجتذب قبرها الذي يقع خارج هانوي المئات من الزائرين
وتقوم الجولات الخاصة "لاتباع الدكتورة دانج ثوي ترام"
بارشاد الزائرين الى الامكنة التي وردت في اليوميات.
وقد جذبت زيارة الجندي الامريكي فريد وايتهيرست الذي انقذ
اليوميات، الى فيتنام انتباهاً كبيراً واستقبلته عائلة
الطبيبة ترام كما لو كان من افرادها وتتكون هذه العائلة من
دوان نجوك ترام والدة الطبيبة التي تبلغ من العمر (81)
عاماً ومن اخواتها الثلاث.
وفي مقابلة تلفونية قال السيد وايتهيرست الذي يقيم الان في
نورث كارولينا ويعمل محامياً انه كان يعمل في اثناء الحرب
الفيتنامية بمهام استجوابية، وكان من ضمن مهامه فحص
الوثائق التي يتم الاستيلاء عليها، واتلاف ما لا يفيد
سوقياً ويمضي في القول انه شعر ان عثوره على اليوميات يعني
ان هناك قدراً مشتركاً قد ربطه بالطبيبة ترام. ويدعوها
الآن "باختهِ ومعلمتهِ" ويقول "كنا خارجاً ومعنا برميل
يحتوي على 55 لتراً لغرض حرق الوثائق، وكان على يساري
مترجمي نغوين ترونغ هيو الذي قال لي: فريد لا تحرق هذه،
يكفي ان "النار" تضطرم فيها".
وفي الامسية التي تلت قام المترجم هيو بقراءة مقاطع من
اليوميات التي كانت كتيباً بغلاف بني من ورق مقوى. ويقول
السيد وايت هيرست" من انسان الى انسان، لقد احببتُ الطبيبة"
ووفقاً لرواية الطبيبة ترام فان الكتيبين الأولين من
المذكرات قد فقدا بسبب غارة للقوات الاميركية. وهذا يعني
ان اليوميات.
ابتدأت من حيث انتهت فجأة، كما لو كانت في منتصف المحادثة.
وفي السنة الماضية، وبعد عقود من الاحتفاظ باليوميات تبرع
السيد وايتهيرست بها الى ارشيف فيتنام في جامعة تكساس في
لابووك وخلال اسابيع تم تحديد مكان تواجد عائلة الطبيبة
ترام في هانوي بواسطة شبكة الاتصالات غير الرسمية
للمحاربين القدماء في فيتنام. وفي تشرين الثاني من العام
الماضي أُحضرت والدة الطبيبة واخواتها الى تكساس لغرض
العودة باليوميات.
وفي مقابلة للام أُجريت معها في منزلها "يبدو لي ان ابنتي
كانت قبالتي، وبالنسبة لي فان المعلومات التي كانت في
اليوميات ليست هي الشيء المهم، ما كان مهماً بالنسبة لي
اني حين امسكت باليوميات في يدي، احسست اني امسك بروح
ابنتي" وتضيف الام بانها كانت تستطيع قراءة مقاطع صغيرة
فقط من المذكرات بسبب قوة الرواية وان الطبيبة "كانت تكتب
لنا رسائل، لكننا لم نتخيل انها كانت تتعرض لكل هذه
المخاطر.
في 26 تشرين الأول من 1968 كتبت الطبيبة ترام "اليوم انه
عيد ميلادي مع بنادق العدو التي تدوي من الجهات الاربع
جميعها. لقد اعتدت على هذا المشهد، حقيبتي على اكتافي وانا
أخذ بيد المرضى كي يركضوا ويختبئوا. وبعد سنتين من التواجد
على ارض المعركة، فليس ثمة شيء".
وعلى ما يبدو فان معركة الطبيبة الحقيقية كانت مع نفسها.
فلقد كانت اليوميات صراع مشاعر اكثر مما كانت صراع حرب.
فمنذ البداية ذهبت هي الى الجبهة مع اهداف لا توافق بينها
وعن ذلك تقول أمها: لمقاتلة الامريكان الذين تصفهم (الشياطين
المتعطشين للدماء) ولكي تتبع حبيب طفولتها الجندي الذي
كانت تشير اليه بالحرف الاول من اسمه (م).
وقصة فشلهما في لم شملهما (الطبيبة والجندي) اختفت بسبب
اختفاء الكتيبين الأولين من اليوميات، اما المقاطع التي
فضلت فقد امتلأت بالالم وتوجيه الاتهامات إلى الحبيب
المفقود.
وكتبت "اين انت يا "م" وهل اصبحنا حقاً بعيدين احدنا من
الثاني يا محبوبي؟ لم اشعر ان قلبي لا يزال ينزف".
وفي كل الصفحات التي كتبت بخط صغير جميل، حاولت الطبيبة
ترام ان تروض افكارها التي لا تهدأ وان تسيطر على قلب
شاعري لامرأة شابة بقوة الانضباط الصارم كجندية وكشيوعية.
وتمضي في توبيخ نفسها قائلة "الا تفهمين يا آنسة "البنت
العنيدة"".
وتستخدم احياناً اسم عائلتها الاثير لديها "اجيبي عن
السؤال، ايتها العنيدة آنسة ثوي".
انه صراع لم تستطع الطبيبة ترام ان تفوز به، وعلى ما يبدو
فانها لم تتمكن من ابعاد نفسها عن الحزن، والامل او عن
المرضى الذين تعالجهم وتحبهم. وعن ذلك كتبت "آهٍ، لماذا
ولدت فتاةً تملؤها الاحلام والحب وتريد الكثير من الحياة"؟
وفي مدخل مؤرخ بشباط 1969 حينما كان الجنود الذين حولها
يتهيأون لمعركة، حاولت من جانبها مرة اخرى ان تنأى بعيداً
عن مشاعرها إذ كتبت "إنسِ كل افكار الحب التي تضطرم في
صدرك وانتبهي الى عملكِِ، الا تستطعين سماع اصوات معلنةً
بداية الربيع البغيض"؟
|