الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

 

رسامون على قارعة الطريق.. شعراء بحورهم الألوان

مها عادل العزي

الرسام هذا الفنان الشاعر بريشته لا يغيب عنا، فقد نجده في الطريق وهو يحمل الوانه واحلامه في حقيبة صغيرة كتب عليها (رسام) متنقل، وقد نجده يفترش جزءاً من الطريق بطاولة صغيرة فيثير فضولنا ونحن نراه يحمل لوحاته ويسافر بها فلا نعلم إلى اين.

من يبحث في تاريخ الرسم فسيرى رسامين قضوا حياتهم على امل بيع لوحة واحدة ولو بثمن بخس.. كانوا يرسمون للحياة والأمل فعرفوا الحرمان والجوع والمرض مثل الرسام الشهير فنسنت فان كوخ الذي تباع لوحاته اليوم بملايين الدولارات في اضخم المزادات فاغترف به بطلاً لعصر القلق فتنوقلت رسائله بين محبي الرسم والفن، في احدى المرات كتب لأخيه يقول (أنني اكاد اخاطر بحياتي في عملي وقد فقدت نصف عقلي في الرسم... كلما تقدمنا في الحياة نلاحظ بدهشة ان الامور لا تصبح أكثر سهولة ولكن، بسبب الصعوبات التي تعترضنا تتبلور في قلوبنا قوة مع الزمن، هذه القوة تصبح أكثر نقاوة خلال الصراع من اجل البقاء، اننا نكبر في العاصفة)..

في موضوعنا هذا سنتعرف على بعض من الرسامين الذين يوحدهم الابداع والأمل والذين يصادف ان نجدهم على قارعة الطريق.

غسان محمد شاب في الثلاثين من عمره برغم انه باع الكثير من لوحاته إلا انه يتمنى إقامة معرض له يقول:

ـ الرسم قبل كل شيء موهبة تصقل بالتمرن وحب الألوان، والرسام يجب ان يشعر بالموضوع كي يتمكن من رسمه، وريشة الفنان ريشة حرة ترسم كل ما يعشقه وبها فقط يكون خالداً، وهذا بالطبع لا ينبطق على جميع الرسامين..

* كيف تتعامل مع رسم الصورة الشخصية؟

ـ رسم الشخصيات أو الوجوه قواعد عديدة وهو فن له التزاماته، وحالياً يوجد الكثير من الرسامين الذين يرسمون وجهاً معيناً نقلاً عن صورة فوتوغرافية، وهذا يقلل الكثير من المواصفات الفنية، فالوجه له تعابيره الخاصة به، خاصة العينين ولونهما وعمقهما وتدرجان لون البشرة في الظل والضوء، وهذا كله لا يظهر في الصورة الفوتوغرافية التي تغيب فيها

الكثير من معالم الشخصية.. وترسم هذه الصورة بنوعين الفحم والزيتية.

*

وهل تذكر الوجوه التي ترسمها؟

ـ هناك وجوه لا يمكن نسيانها، فهناك تعابير خاصة لا تتكرر مثل بصمات الاصبع، وهناك تقاطيع تغري الرسام بالاقتراب منها ورسمها، فعين الرسام تستشعر الجمال الخفي والغريب، اذكر في احد المرات أني رسمت صورة امرأة غريبة كان نصف وجهها يبدو شاباً فاتناً بينما ذبل نصف وجهها الآخر.

* اللوحات التي ترسمها، هل هي من وحي خيالك؟ وأين ترسمها؟

ـ يوجد في الأسواق طلب على نوع معين من اللوحات كرسومات كبار الفنانين واعتمد في هذا على موديلات خاصة تصدر في المجلات العالمية هذا إضافة إلى اني ارسمها بالاعتماد على مخيلتي، وهي الأحب إليّ من غيرها، فأنا أضع فيها إحساسي وتجربتي واشعر عندما انتهي منها بأن الهم الذي في داخلي اصبح مجسداً أمامي على اللوحة، اما المكان الذي، ارسم به لوحاتي فهو البيت، فانا لا أملك محلاً وعندما انتهي منها أعرضها هنا.. على الطريق..

الرسام محمد العزاوي اتكأت لوحاته على الجدران حيث كان يعرضها في احد شوارع بغداد وبرغم هذا فأنه يهتم بلوحات المتشرقين التي تتناول موضوعاتها سحر العمارة الشرقية وصناعاتها من سجاد وتحف ودلال قهوة ومسابح والأهم من هذا كله اللوحات المستوحاة من قصص ألف ليلة وليلة وشهر زاد والمآذن السامقة والاسواق الشرقية، وعن ذلك يقول:

ـ لهذه اللوحات فئة خاصة من المتذوقين للجمال الشرقي واغلبهم من الاجانب الذين يزورون العراق، وتوجد لوحات عديدة مشهورة ضمن هذا النوع منها لوحة الجارية وامرأة من الحريم ونساء الجزائر واصل هذه اللوحات محفوظ في المتاحف العالمية، ويوجد رسامون غربيون برزوا في إظهار فتنة المشرق وسحره، لعل اشهرهم الرسام الفرنسي دولاك.

ونلاحظ ان اللون الاحمر هو ما تتسم به لوحاتك، فهل جاء ذلك قصداً ولماذا؟

ـ اللون الاحمر هو احد الألوان الثلاثة الرئيسة في الطبيعة واقصد هنا الاخضر والاصفر فالأحمر هو لون الحياة.. لون الدم ولون الخطر وقد اعتمده الرسام قديماً في جميع رسوماته

واستخرجه من الاعشاب والحيوانات ليرسم السماء والغروب والحب.

* وماذا عن اللون البنفسجي؟

ـ هو احد مشتقات اللون الاحمر ويعشقه الكثير من الشعراء والرومانيين، فهو لون الشفافية والسحر والرقة وهو اللون الذي ياسرنا وقت الغروب خاصة في الشتاء حين يندمج مع زرقة السماء..

أمير على رسام دون العشرين من عمره، لكن رسوماته تنطق بالكثير من الموهبة.. كان يعرض رسوماته على قارعة الطريق نقول له:

* هل تجد سهولة في بيع لوحاتك؟

ـ بالإضافة إلى مشكلة تكاليف اللوحة من قماش واصباغ توجد مشكلة أخرى هي كيفية تصريفها فاللوحة تحتاج إلى متذوق خاص بها يعرف جماليتها ويدرك انها تختلف عن اللوحة المطبوعة والتي تباع بسعر أقل ومع هذا فأن اللوحة المرسومة يستغرق بيعها الكثير من الوقت فأكون حينها معرضاً للخسارة..

* حينذاك ماذا تفعل؟

ـ أبيعها إلى محل خاص لبيع اللوحات وبالطبع فان سعرها سيقل كثيراً بالنسبة لي فبائع المحل يريد ان يربح بها أيضاً، ولا أبالغ ان قلت انه يبيعها بأضعاف ما يشتريها.


إنه الجراد يا ولدي

عمران السعيدي

في بداية خمسينيات القرن الماضي، حلّت بحقولنا الخضر كارثة غريبة.. كنّا صغاراً نلعب عند سفح تلول الدورة العالية قرب بساتين منطقة البياع الغنّاء وفي لحظة مفاجئة تحولت السماء إلى لونٍ ضبابي أخضر واختفت الشمس تماماً من فوقنا. جفلنا من هذا الحدث الغريب حيث غطتنا غيمة خضراء من الجراد الاخضر وهي تموج فوقنا مثل اسراب الزرازير في موسم بذار القمح.. ركضنا مذعورين إلى بيوتنا، رأيت والدي قلقاً عند باب بيتنا الطيني وهو يُحدق في السماء بصمتٍ مخيف. قلت له ما هذا يا أبي؟

أجاب: إنه (الجراد) الذي يأكل الاخضر واليابس ويكنس ما زرعناه.. إنه الكارثة يا ولدي فعلاً أكل ذلك الجراد حقول الجت والباقلاء وأوراق التوت والعنب وتركها جرداء خالية من أي لون اخضر.

استذكر الآن ذلك المشهد الرهيب وأنا أتابع اخبار دخول موجات الافاعي السامّة والجراد القاتل إلى عراقنا الزاهي بأرضه وأهله ومياهه تحت اسم (المقاومة، والجهاد) كي تقتل شبابنا واطفالنا وعلماءنا وحماة هذا الحقل الزاهي دون وجه حق. ولا أدري من الذي خوّلهم الدفاع عن (حقولنا) ونحن نمسك بها اليوم بعد أكثر من ثلاثة عقود من البطش والقمع والقتل الجماعي! وأين كانت هذه الجماعات عندما كان (القائد الضرورة!) و(هبة السماء!) يذبح شعبنا باكمله وينسف قيمه وإرادته ومقدّراته؟!

إن ابناء هذا البلد الصابر جميعاً والذين تحملوا الأمرين من هؤلاء الأعداء الزاحفين من الخارج والموجودين أصلاً من بقايا عهد الأفاعي والجراد القاتل، عهد طاغية العصر وكلابه المسعورة لن ترضى إلا برأس هذه الفئات الضالة وقلع جذورها قبل ان تحصد المزيد من حياة ابناء هذا البلد، وتدمّر املهم ومستقبلهم، دعوتنا الأولى إلى حكومتنا الجديدة والتي تسلمت السيادة فعلاً من قوات الاحتلال هي ان لا تتركوا (الجراد) الخبيث يأكل حقولنا الخضر الزاهية وان لا تجعلوه ينشر الحزن على وجوه أهلنا الطيبة وهم في طريقهم إلى الغرس الجديد.

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة