سعيد عبد
الهادي
ما زالت
ذاكرتنا مشبعة بالممنوعات، النهر الوحيد الذي يتلوى داخل
العاصمة احتل من البداية إلى النهاية بقصور وبساتين
الممنوعات، ممنوع النزول إلى النهر، ممنوع التصوير قرب
الجامع، ممنوع الدخول إلى هذا الشارع.. ممنوع..!!
وعندما سقط
النظام القمعي قلنا سقطت ممنوعاته، فممنوعات النظام إن عادت
عاد النظام نفسه وإن كان بشكل مختلف، هذا ما نلمسه الآن من
تذمر عموم المواطنين؛ في احاديثهم الخاصة والعامة، من تطويق
الكتل الكونكريتية الشوارع والازقة والاسواق.
شارع (أبو نؤاس) في غيبوبة
حين تقف بك
السيارة في الزحام الحزيراني، لن تتنفس سوى انفاس النقمة ـ
اغلقوا الشوارع وكأن قذائف (الستريلا) والهاون لا تصل..!
يجيبه آخر: ما زلنا نسير على هدي افكار (القائد الرمز)
اشغلوهم.. تأمنوا شرهم!!.
وفي
الحقيقة ان بعض المناطق تشهد الآن ما لم تشهد في زمن
الاستبداد السابق، فبيوت حي التشريع لا يستطيع اهلها الدخول
والخروج منها إلا بمقدار! فتراهم متراصفين إلى جوار الكتل
الكونكريتية ينتظرون رحمة القوات الأمريكية لكي تسمح لهم
بالدخول.
شارع (ابو
نؤاس) الذي تركه النظام السابق يحتضر، سقط في غيبوبة لا ندري
متى يصحو منها. شارع الرشيد تحول إلى مرائب للعربات، وسوق
افترشه أصحاب البسطات، السعدون تحول إلى جانب واحد في بعض
أجزائه. ولم يكن الامر مقتصراً على هذا الجانب، بل ان معظم
المستفيدين من هذه الشوارع، وهي شوارع تجارية، قطعت ارزاقهم،
لانعدام الحركة. مع اقتراب نقل السلطة، تحركنا في بعض من
شوارعنا للوقوف عند مشكلات هؤلاء المستفيدين، ففي شارع (ابو
نؤاس) توقفنا مع سعد العبيدي صاحب مطعم (سعد وقدوري) للسمك
المسكوف الذي حدثنا قائلاً: مع الحرب الثانية ـ احتلال
الكويت بدأ الشارع يعاني الاهمال، ومع ما حصل في هذه الحرب
ازداد الامر سوءاً اذ تحول الشارع إلى ما يشبه السجن،
الاهمال والتسيب وعدم الاستقرار هذا حال (ابو نؤاس) الآن،
قال: فأنت ترى ان الشارع مهمل تماماً، اهملت الحدائق
والكازينوهات. وما زاد مشاكلنا نحن ان السمك الآن غال بسبب
محدودية الصيد لهذا نعتمد الآن على السمك الكاريبي، وهنا
تدخل في الحديث احد العاملين في المطعم قائلا: ان معظم
القرارات الآن في غير صالح صاحب المهنة، وهذا ساهم في خراب
الشارع أيضاً، فنحن ندفع امانات ونكون عرضة للمزايدات بسبب
العقود المحددة بمدة معينة، فالأمر بالنسبة لأمانة بغداد أمر
مزايدات ومن يدفع أكثر، اما ماذا يعمل فلا يعنيها هذا الامر،
وحين سالتهم عن استثمار الجانب الخلفي، أي ضفة نهر دجلة،
أجابوا بأن الأمانة حددتنا بمساحة (100 متر). فضلاً عن ان
النزول إلى الشارع ممنوع، ليس منعاً معلناً، وإنما يتربص
القناصة خلف الشاطئ، لذا من ينزل إلى النهر قد يقتل. لهذا
نزح الكثير من أصحاب مطاعم السمك المسكوف باتجاه اماكن أخرى.
بسبب الحواجز مات الشارع
اما ابو
فراس، وهو صاحب مطعم أيضاً في الشارع نفسه، فقال كنت اشغل
سبعة عمال معي لادارة هذا المطعم، أما الآن فأنا اقف وحدي،
الحركة كما ترى تكاد تكون معدومة، وقد رفعنا أكثر من شكوى،
واحدة لقوات الائتلاف، واخرى لمجلس الحكم، ولم نحصل على شي.
فالشارع يموت عصراً وهو الذي كان يضج بالنشاط حتى الصباح
الباكر. وبرغم هذا رفعت الايجارات، فصاحب الملك غير معني
بطبيعة شغلك، لهذا اصبح ضررنا مضاعفاً، حتى اعمال التنظيف
أهملت، فأمانة بغداد سلمت التنظيف إلى مقاولين، وليس من
اشراف عليهم، لهذا تحول الشارع إلى مجمع للانقاض، لكل ما سبق
خرجنا، نحن أصحاب المحلات بمظاهرة، نحو مقر قوات الائتلاف
وسلمناهم شكوى أخرى.. وحتى هذه اللحظة نرفع ايدينا وما من
مجيب، كنا نأمل ان نتخلص من هذه الحواجز مع تسلم الحكومة
للسلطة لأنها (الحواجز) تضر ولا تنفع لكنها مازالت باقية.
تركنا شارع
(ابو نؤاس) يرقد تحت ثقل الكتل الكونريتية التي طوقته من كل
جانب واتجهنا نحو شارع السعدون، وفي هذا الشارع حدثنا احد
أصحاب المحلات القريبة من فندق بغداد، رافضاً الكشف عن اسمه
خوفاً من ان يلحقه ضرر من الجهة المستفيدة من وضع الحواجز!!،
بالقول: ان عملنا بقي في اطار الزبون القديم، وان بدأ بعضهم
يتجنب أيضاً الوصول إلى محلاتنا، اذ ان وجود هذه الكتل وحده
كاف لاثارة الهلع، فكيف إذا صاحبته الاسلحة وهذه الاعداد
الفقيرة من الشرطة، وما يحرك عملنا ويديمه اعتمادنا على
تجارة الجملة، فلو كنا نعمل بالمفرد لاغلقنا المحل وجلسنا في
بيوتنا، كما فعل البعض من أصحاب المحلات المجاورة، ثم اكمل
حديثه بالقول: ما يثير الاستغراب انهم وضعوا الحواجز من دون
حتى الاستئذان أو الاعتذار، وكأننا لا نعني شيئاً لهم، وهذا
أمر غريب، فالكل يعلم ان هذه الحواجز لا تمنع الاعمال
الارهابية، وإنما تجعل الاهداف مكشوفة بصورة فاضحة، وفتح
حديثه بالقول: اعتقد ان الاسلم هو ضبط الحدود الخارجية وان
على الحكومة بعد ان تسلمت السلطة ان تباشر برفع هذه الحواجز.
رفع الحواجز فتح للأرزاق
في حي
فلسطين حيث مقر وزارة المالية الحالي، التقينا المواطن (ابو
احمد) الذي تحدث عما احدثه نقل وزارة المالية هنا من حركة
كبير للمحلات المجاورة لها برغم وجود الحواجز، إذ ان هذه
المحلات، كانت تعتمد على البيوت المجاورة فحسب، اما اليوم
فهناك المئات من موظفي هذه الوزارة الذين احيوا المحلات
المجاورة، ويرى ان رفع الحواجز سيزيد من أرزاق أصحاب
المحلات، ويفتح لهم مجالات أخرى لتغطية مختلف احتياجات موظفي
الوزارة.
التفاصيل
|