المحامي حميد طارش الساعدي
يهدف القانون الاداري إلى وضع قواعد تنظم ممارسة
السلطة التنفيذية ونشاط اجهزتها في سبيل تأمين الانسان
وحرياته الاساسية وضمان مشروعية تصرفات الادارة، لتكون
الإدارة في خدمة المواطن والمجتمع وليس العكس.
خلفية تاريخية
تعني فلسفة القانون الإداري تقليص وظائف الدولة
وحصرها بالوظائف الرئيسة وهي صد العدوان الخارجي وحماية
الامن الداخلي وحل المنازعات بين الافراد، وعلى الرغم من
توسع وظائف الدولة إلى مجالات عديدة إلا أنه ظل
جوهر
وظيفة الدولة يتمثل في حماية حقوق الانسان وضمان تحقيق
المصلحة العامة. وبناءً على ذلك يمكن تحديد مفاهيم القانون
الاداري على اساس الفصل بين السلطات لضمان خضوع الادارة
للقانون والذي يعني مشروعية اعمال الادارة، وتقيد سلطة
الإدارة تجاه المساس بالحقوق والحريات العامة، واعتبار
الحكومة وسيلة لخدمة المجتمع وليس بالعكس.
ويعد العراق، تاريخياً، من بين اقدم الدول التي عرفت
الادارة والتنظيم الاداري الناجح وتمتد جذور القانون الاداري
إلى ما قبل التاريخ الميلادي في عهد سرجون الاكدي عام (2371
- 2230 ق.م) تم توحيد المدن في دولة واحدة، وتم تعيين القضاة
واصبحت احكامهم ملزمة كما ابطل سرجون تولي منصب حكام المدن
بالوراثة. وفي عهد سلالة أور الثالثة أسس جهاز إداري واسع
متدرج. وفي عهد الدولة الاسلامية كان النظام السائد هو
النظام اللامركزي (نظام الولايات) الذي اتسم باستقلال إداري
ومالي وقضائي كما استحدث ديوان المظالم الذي اختص بالنظر في
اساءة استعمال السلطة من جانب الحكام والولاة ضد الرعية
واستغلال جباة الضرائب لنفوذهم من أجل الاستيلاء على الاموال
والنظر في حال كتاب الدواوين وإدارة شؤونهم وإعادة الاموال
التي يستولي عليها الولاة والحكام واصحاب القوة والنفوذ.
وفي العهد الملكي طبق نظام الادارة اللامركزية وكانت
مجالس البلديات تنتخب من قبل المواطنين عدا رئيس المجلس الذي
يعين من قبل الإدارة العامة.
وفي بداية العهد الجمهوري صدر عام 1959 قانون إدارة
الالوية ونص على تشكيل مجالس الالوية عن طريق تعيين اشخاص
بحكم وظائفهم.
وبعد انقلاب عام 1968 واستيلاء البعث على السلطة تم
تركيز السلطة بيد رئيس النظام فهو يشرع ويعين ويعزل ويعدم
ويصادر الاموال ويسقط الجنسية ولكي يقوم الدكتاتور بهذه
الاعمال اسس اجهزة قمعية لا تخضع للقانون وتتلقى الاوامر منه
مباشرة وبموجب قانون المحافظات رقم 159 لسنة 1969 تم تركيز
السلطة والرقابة مركزياً واندثر دور المواطن كلياً وتفشئ الفساد الاداري وتمثل ذلك في جبروت
السلطة واجهزتها في تعاملها مع الافراد وانتهاك حقوقهم
وحرياتهم الاساسية، وعدم اعتماد اية معايير لشغل الوظائف
العامة كالكفاءة والتحصيل العلمي والخبرة واعتماد المحسوبية
وصلة القربى من الدكتاتور بدلاً منها حيث تم تسليم عدة
وزارات مهمة لوزراء شبه أميين وهكذا ايضاً بالنسبة لوظائف
أخرى مهمة، والغاء استقلالية القضاء وجعله خاضعاً لاوامر
الدكتاتور وتطبيق خروقاته الدستورية والقانونية، ولانعدام
الضمانات القانونية والسياسية تم استغلال النفوذ والموقع
الوظيفي إلى ابعد الحدود في الابتزاز والاستغلال والتهديد،
وتسيس العمل الاداري والدمج التام بين اجهزة الادارة والحزب
فالحزب هو الحكومة والحكومة هي الحزب وتم تعيين عضو حزبي في
كل دائرة ومؤسسة تحت اسم ضابط أمن الدائرة.
وجعل عضو حزبي في كل دائرة خاضعة للحزب وكما جاء في قانون الحزب القائد
رقم 142 لسنة 1974 (تتخذ الوزارات وكافة دوائر الدولة
ومؤسساتها وهيئاتها واجهزتها من التقرير السياسي للمؤتمر
القطري الثامن لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي يقود السلطة
والدولة منهاجاً ودليل عمل لها في ممارسة اختصاصاتها من الآن
وحتى اشعار آخر)، وذهب النظام المباد إلى ابعد من ذلك عندما
منح منظمات الحزب سلطات واختصاصات قضائية وكما جاء في القرار
رقم (74) في 1994 (تمنح قيادة الشعبة الحزبية لحزب البعث في
المنطقة صلاحية الحجز مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد
على
ثلاث سنوات وخمس سنوات في حالة العود)
الإدارة في قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية
نص القانون في العديد من مواده على مفهوم الادارة في
العراق الجديد ليس للمرحلة الانتقالية فحسب، بل اسس لها في
المرحلة الدائمة القادمة، وكما جاء في المادة (4)
بأن
يجري تقاسم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات
الاقليمية والمحافظات والبلديات والادارات المحلية، وأما
الباب الثامن، الذي جاء تحت عنوان الاقاليم والمحافظات
والبلديات والهيئات المحلية، تناول موضوع الادارة بشيء من
التفصيل. حيث اشارت المادة (55) إلى حق كل محافظة
في
تشكيل مجلس محافظة وتسمية محافظ وتشكيل مجالس بلدية ومحلية،
ونصت على ضمانات هذه الحقوق حيث جاء فيها، ولا يتم إقالة أي
عضو في حكومة اقليم او اي محافظ أو عضو في أي من مجالس
المحافظة أو البلدية أو المحلية على يد الحكومة الاتحادية أو
على يد أحد مسؤوليها، إلا اذا أدين من قبل محكمة ذات اختصاص
بجريمة وفقاً للقانون، ولم تقتصر هذه الضمانات إزاء الحكومة
الاتحادية بل امتدت ازاء الحكومات الاتحادية، وذلك من خلال النص، لا يجوز
لحكومة إقليم عزل محافظة او عضو من اعضاء أي من مجالس
المحافظة أو البلدية أو المحلية، وكذلك اعطت المادة المشار
اليها الاستقلالية لهؤلاء في عملهم نصت على، لا يكون أي
محافظ أو أي عضو في مجالي المحافظة أو البلدية أو المحلية
خاضعاً لسيطرة الحكومة الاتحادية، إلا بقدر ما يتعلق الامر
بالصلاحيات الممنوحة حصراً للحكومة الاتحادية والتي عددتها
المادة (25) من هذا القانون، وهي رسم السياسة الخارجية
والتمثيل الدبلوماسي والمعاهدات والاتفاقيات الدولية
والسياسية الاقتصادية والتجارية الخارجية وسياسة الاقتراض
السيادي والامن الوطني وانشاء القوات المسلحة ورسم السياسة
المالية المتعلقة باصدار العملة وتنظيم الكمارك وتنظيم
التجارة عبر حدود الاقليم والمحافظات ووضع الميزانية العامة
وما يتعلق بالبنك المركزي وتنظيم امور المقاييس والاوزان
ورسم السياسية
العامة للاجور وإدارة الثروات الطبيعية للعراق وتنظيم امور
الجنسية العراقية والهجرة واللجوء وتنظيم سياسة الاتصالات.
أما المادة السادسة والخمسون عددت حقول اعمال مجالس
المحافظات والاقضية والنواحي وغيرها من المجالس المحلية، وهي
تنسيق عمليات الوزارة الاتحادية الجارية داخل المحافظات
نفسها، تمويل مجالس المحافظات من الميزانية العامة للدولة،
ولهذه المجالس الصلاحية كذلك بزيادة إيراداتها بشكل مستقل عن
طريق فرض الضرائب والرسوم، وتنظيم عمليات ادارة المحافظة،
والمبادرة بانشاء مشروعات وتنفيذها على مستوى المحافظة وحدها
أو بالمشاركة مع المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية،
والقيام بأنشطة أخرى طالما كانت تتماشى مع القوانين
الاتحادية.
واشارت إلى مساعدة مجالس الاقضية والنواحي وغيرها من
المجالس ذات العلاقة في اداء مسؤوليات الحكومة الاتحادية
وتقديم الخدمات العامة وذلك بمراجعة خطط الوزارة الاتحادية
في الاماكن المذكورة والتأكد من انها تلبي الحاجات والمصالح
بشكل سليم، وتحديد متطلبات الميزانية المحلية من خلال
اجراءات الموازنة العامة وجمع الايرادات المحلية وجباية
الضرائب والرسوم والحفاظ عليها، وتنظيم عمليات الادارة
المحلية والمبادرة بإنشاء مشروعات محليةوتنفيذها وحدها أو
بالمشاركة مع المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية،
والقيام بانشطة أخرى تتماشى مع القانون. وكما اشارت المادة
المذكورة إلى اعطاء صلاحيات اضافية لهذه الهيئة من خلال النص
على
أن
تتخذ الحكومة الاتحادية كلما كان ذلك عملياً إجراءات لمنح
الإدارات المحلية والاقليمية والمحافظات سلطات إضافية وبشكل
منهجي وتنظيم الوحدات الاقليمية وإدارات المحافظات، بما فيها
حكومة اقليم كردستان، على اساس مبدأ اللامركزية ومنح السلطات
للادارات البلدية والمحلية.
نحو إدارة سليمة في العراق
بلا شك إن ما نص عليه قانون إدارة الدولة للمرحلة
الانتقالية بصدد الادارة يعطي المشروعية لاعمال الادارة، لكن
الدساتير ومنها القانون الانتقالي تنص على الخطوط الرئيسة
التي على اساسها تشرع قوانين تفصيلية لاعمال الادارة.
والسلطة التنفيذية هي التي تتولى الادارة العامة وتتكون من
السلطة التنفيذية المركزية، وتتألف حالياً من مجلس الرئاسة
ومجلس الوزراء ورئيسه، والسلطة التنفيذية اللامركزية وتتألف
من حكومات محلية وما يتبعها من اجهزة محلية موزعة وفقاً
لمساحات محدوةً بمناطق واقسام محلية.
ولغرض الوصول إلى إدارة سليمة متحضرة يتوجب اعتماد
الاساليب المتطورة في ذلك وتتمثل في اعتماد المجالس المحلية
في الادارة التي اثبتت التجارب للدول المتطورة نجاحها
وفعاليتها في تطوير المناطق وتقديم الخدمات تحت رقابة
الافراد انفسهم، حيث انشغال الحكومة المركزية بالسياسات
الخارجية والعسكرية والامن الوطني وغيرها من مهامها الكبيرة
سيؤدي إلى تلكؤها في الادارة المحلية. وهذا الاسلوب ليس
مفيداً لسكان المناطق المحلية فحسب، بل يفيد الحكومة
المركزية في تقليص اعبائها ويساهم بفعالية في انجاز مهامها.
وبالتالي يعطي الفرصة للحكومة المركزية بالتوجه إلى مهامها
الستراتيجية والاكتفاء بدور الاشراف والتوجيه والرقابة
والمساهمة المالية في نشاط الهيئات المحلية حيث تقوم المجالس
المحلية بتقديم الخدمات والتعليم والاسكان والرعاية
الاجتماعية ووسائط النقل والصحة وغيرها، وايضاً يساعد الحكم
المحلي على انضاج مفاهيم الديمقراطية حيث يتم انتخاب اعضاء
المجالس المحلية مباشرة من السكان المحليين وتتم مراقبتهم من
قبلهم ويكون المجلس المحلي مسؤولاً أمام ناخبيه عن الوعود
التي قطعها على نفسه، وهذا يقودنا للحديث عن المجالس
المحلية، أو كما سميت البلدية، الموجودة حالياً والتي تعتبر
من اكثر الواجهات التي تعرضت للطعن في عدم شرعيتها لعدم
ممارسة العملية الانتخابية، كما يفترض، في اختيار اعضاء هذه
المجالس.
وجب التأكيد هنا على تبني التحضيرات السليمة لاختيار
الاعضاء المؤهلين لإدارة البلدية وذلك من خلال الانتخابات
التي ستجري في موعد لا يتجاوز (31/ 1/ 2005) كما نص القانون
الانتقالي على ذلك.
ضمانات الادارة الناجحة
وتتحقق من خلال عمليات الرقابة على اعمال الادارة
وكما يلي:
1-الرقابة الشعبية / المتمثلة برقابة الاحزاب
السياسية، التي تكون خارج السلطة (المعارضة)، والمنظمات غير
الحكومية وأجهزة الاعلام المختلفة.
2-الرقابة البرلمانية / التي يمارسها اعضاء البرلمان
المنتخبون من الشعب، من خلال ممارستهم لواجباتهم البرلمانية.
3-الرقابة الادارية / وهي رقابة ذاتية تقوم بها اجهزة
الادارة وفقاً للسلم الوظيفي للإدارة وكذلك من خلال هيئات
التفتيش.
4-الرقابة القضائية / وهذه الرقابة تمارسها السلطة
القضائية حيث يمكن التظلم أمام المحاكم عن اعمال الإدارة
التعسفية أياً كان مصدرها.
وختاماً تجدر الاشارة إلى اعادة النظر في جميع قوانين الخدمة
للعاملين في مؤسسات الدولة وتجديد الرواتب والمحفزات بشكل
مجز ومشجع بالشكل الذي يقطع دابر الفساد الاداري واعتبار
جرائم الفساد الاداري، خاصة في المرحلة الراهنة، مساوية
لجرائم الخيانة العظمى.
|