الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

من اجل إدارة  سليمة في العراق

المحامي حميد طارش الساعدي

يهدف القانون الاداري إلى وضع قواعد تنظم ممارسة السلطة التنفيذية ونشاط اجهزتها في سبيل تأمين الانسان وحرياته الاساسية وضمان مشروعية تصرفات الادارة، لتكون الإدارة في خدمة المواطن والمجتمع وليس العكس.

خلفية تاريخية

تعني فلسفة القانون الإداري تقليص وظائف الدولة وحصرها بالوظائف الرئيسة وهي صد العدوان الخارجي وحماية الامن الداخلي وحل المنازعات بين الافراد، وعلى الرغم من توسع وظائف الدولة إلى مجالات عديدة إلا أنه ظل جوهر وظيفة الدولة يتمثل في حماية حقوق الانسان وضمان تحقيق المصلحة العامة. وبناءً على ذلك يمكن تحديد مفاهيم القانون الاداري على اساس الفصل بين السلطات لضمان خضوع الادارة للقانون والذي يعني مشروعية اعمال الادارة، وتقيد سلطة الإدارة تجاه المساس بالحقوق والحريات العامة، واعتبار الحكومة وسيلة لخدمة المجتمع وليس بالعكس.

ويعد العراق، تاريخياً، من بين اقدم الدول التي عرفت الادارة والتنظيم الاداري الناجح وتمتد جذور القانون الاداري إلى ما قبل التاريخ الميلادي في عهد سرجون الاكدي عام (2371 - 2230 ق.م) تم توحيد المدن في دولة واحدة، وتم تعيين القضاة واصبحت احكامهم ملزمة كما ابطل سرجون تولي منصب حكام المدن بالوراثة. وفي عهد سلالة أور الثالثة أسس جهاز إداري واسع متدرج. وفي عهد الدولة الاسلامية كان النظام السائد هو النظام اللامركزي (نظام الولايات) الذي اتسم باستقلال إداري ومالي وقضائي كما استحدث ديوان المظالم الذي اختص بالنظر في اساءة استعمال السلطة من جانب الحكام والولاة ضد الرعية واستغلال جباة الضرائب لنفوذهم من أجل الاستيلاء على الاموال والنظر في حال كتاب الدواوين وإدارة شؤونهم وإعادة الاموال التي يستولي عليها الولاة والحكام واصحاب القوة والنفوذ.

وفي العهد الملكي طبق نظام الادارة اللامركزية وكانت مجالس البلديات تنتخب من قبل المواطنين عدا رئيس المجلس الذي يعين من قبل الإدارة العامة.

وفي بداية العهد الجمهوري صدر عام 1959 قانون إدارة الالوية ونص على تشكيل مجالس الالوية عن طريق تعيين اشخاص بحكم وظائفهم.

وبعد انقلاب عام 1968 واستيلاء البعث على السلطة تم تركيز السلطة بيد رئيس النظام فهو يشرع ويعين ويعزل ويعدم ويصادر الاموال ويسقط الجنسية ولكي يقوم الدكتاتور بهذه الاعمال اسس اجهزة قمعية لا تخضع للقانون وتتلقى الاوامر منه مباشرة وبموجب قانون المحافظات رقم 159 لسنة 1969 تم تركيز السلطة والرقابة مركزياً واندثر دور المواطن كلياً وتفشئ الفساد الاداري وتمثل ذلك في جبروت السلطة واجهزتها في تعاملها مع الافراد وانتهاك حقوقهم وحرياتهم الاساسية، وعدم اعتماد اية معايير لشغل الوظائف العامة كالكفاءة والتحصيل العلمي والخبرة واعتماد المحسوبية وصلة القربى من الدكتاتور بدلاً منها حيث تم تسليم عدة وزارات مهمة لوزراء شبه أميين وهكذا ايضاً بالنسبة لوظائف أخرى مهمة، والغاء استقلالية القضاء وجعله خاضعاً لاوامر الدكتاتور وتطبيق خروقاته الدستورية والقانونية، ولانعدام الضمانات القانونية والسياسية تم استغلال النفوذ والموقع الوظيفي إلى ابعد الحدود في الابتزاز والاستغلال والتهديد، وتسيس العمل الاداري والدمج التام بين اجهزة الادارة والحزب فالحزب هو الحكومة والحكومة هي الحزب وتم تعيين عضو حزبي في كل دائرة ومؤسسة تحت اسم ضابط أمن الدائرة.

وجعل عضو حزبي في كل دائرة خاضعة للحزب وكما جاء في قانون الحزب القائد رقم 142 لسنة 1974 (تتخذ الوزارات وكافة دوائر الدولة ومؤسساتها وهيئاتها واجهزتها من التقرير السياسي للمؤتمر القطري الثامن لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي يقود السلطة والدولة منهاجاً ودليل عمل لها في ممارسة اختصاصاتها من الآن وحتى اشعار آخر)، وذهب النظام المباد إلى ابعد من ذلك عندما منح منظمات الحزب سلطات واختصاصات قضائية وكما جاء في القرار رقم (74) في 1994 (تمنح قيادة الشعبة الحزبية لحزب البعث في المنطقة صلاحية الحجز مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وخمس سنوات في حالة العود)

الإدارة في قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية

نص القانون في العديد من مواده على مفهوم الادارة في العراق الجديد ليس للمرحلة الانتقالية فحسب، بل اسس لها في المرحلة الدائمة القادمة، وكما جاء في المادة (4) بأن يجري تقاسم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الاقليمية والمحافظات والبلديات والادارات المحلية، وأما الباب الثامن، الذي جاء تحت عنوان الاقاليم والمحافظات والبلديات والهيئات المحلية، تناول موضوع الادارة بشيء من التفصيل. حيث اشارت المادة (55) إلى حق كل محافظة في تشكيل مجلس محافظة وتسمية محافظ وتشكيل مجالس بلدية ومحلية، ونصت على ضمانات هذه الحقوق حيث جاء فيها، ولا يتم إقالة أي عضو في حكومة اقليم او اي محافظ أو عضو في أي من مجالس المحافظة أو البلدية أو المحلية على يد الحكومة الاتحادية أو على يد أحد مسؤوليها، إلا اذا أدين من قبل محكمة ذات اختصاص بجريمة وفقاً للقانون، ولم تقتصر هذه الضمانات إزاء الحكومة الاتحادية بل امتدت ازاء الحكومات الاتحادية، وذلك من خلال النص، لا يجوز لحكومة إقليم عزل محافظة او عضو من اعضاء أي من مجالس المحافظة أو البلدية أو المحلية، وكذلك اعطت المادة المشار اليها الاستقلالية لهؤلاء في عملهم نصت على، لا يكون أي محافظ أو أي عضو في مجالي المحافظة أو البلدية أو المحلية خاضعاً لسيطرة الحكومة الاتحادية، إلا بقدر ما يتعلق الامر بالصلاحيات الممنوحة  حصراً للحكومة الاتحادية والتي عددتها المادة (25) من هذا القانون، وهي رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والسياسية الاقتصادية والتجارية الخارجية وسياسة الاقتراض السيادي والامن الوطني وانشاء القوات المسلحة ورسم السياسة المالية المتعلقة باصدار العملة وتنظيم الكمارك وتنظيم التجارة عبر حدود الاقليم والمحافظات ووضع الميزانية العامة وما يتعلق بالبنك المركزي وتنظيم امور المقاييس والاوزان ورسم السياسية العامة للاجور وإدارة الثروات الطبيعية للعراق وتنظيم امور الجنسية العراقية والهجرة واللجوء وتنظيم سياسة الاتصالات.

أما المادة السادسة والخمسون عددت حقول اعمال مجالس المحافظات والاقضية والنواحي وغيرها من المجالس المحلية، وهي تنسيق عمليات الوزارة الاتحادية الجارية داخل المحافظات نفسها، تمويل مجالس المحافظات من الميزانية العامة للدولة، ولهذه المجالس الصلاحية كذلك بزيادة إيراداتها بشكل مستقل عن طريق فرض الضرائب والرسوم، وتنظيم عمليات ادارة المحافظة، والمبادرة بانشاء مشروعات وتنفيذها على مستوى المحافظة وحدها أو بالمشاركة مع المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، والقيام بأنشطة أخرى طالما كانت تتماشى مع القوانين الاتحادية.

واشارت إلى مساعدة مجالس الاقضية والنواحي وغيرها من المجالس ذات العلاقة في اداء مسؤوليات الحكومة الاتحادية وتقديم الخدمات العامة وذلك بمراجعة خطط الوزارة الاتحادية في الاماكن المذكورة والتأكد من انها تلبي الحاجات والمصالح بشكل سليم، وتحديد متطلبات الميزانية المحلية من خلال اجراءات الموازنة العامة وجمع الايرادات المحلية وجباية الضرائب والرسوم والحفاظ عليها، وتنظيم عمليات الادارة المحلية والمبادرة بإنشاء مشروعات محليةوتنفيذها وحدها أو بالمشاركة مع المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، والقيام بانشطة أخرى تتماشى مع القانون. وكما اشارت المادة المذكورة إلى اعطاء صلاحيات اضافية لهذه الهيئة من خلال النص على أن تتخذ الحكومة الاتحادية كلما كان ذلك عملياً إجراءات لمنح الإدارات المحلية والاقليمية والمحافظات سلطات إضافية وبشكل منهجي وتنظيم الوحدات الاقليمية وإدارات المحافظات، بما فيها حكومة اقليم كردستان، على اساس مبدأ اللامركزية ومنح السلطات للادارات البلدية والمحلية.

نحو إدارة سليمة في العراق

بلا شك إن ما نص عليه قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية بصدد الادارة يعطي المشروعية لاعمال الادارة، لكن الدساتير ومنها القانون الانتقالي تنص على الخطوط الرئيسة التي على اساسها تشرع قوانين تفصيلية لاعمال الادارة. والسلطة التنفيذية هي التي تتولى الادارة العامة وتتكون من السلطة التنفيذية المركزية، وتتألف حالياً من مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء ورئيسه، والسلطة التنفيذية اللامركزية وتتألف من حكومات محلية وما يتبعها من اجهزة محلية موزعة وفقاً لمساحات محدوةً بمناطق واقسام محلية.

ولغرض الوصول إلى إدارة سليمة متحضرة يتوجب اعتماد الاساليب المتطورة في ذلك وتتمثل في اعتماد المجالس المحلية في الادارة التي اثبتت التجارب للدول المتطورة نجاحها وفعاليتها في تطوير المناطق وتقديم الخدمات تحت رقابة الافراد انفسهم، حيث انشغال الحكومة المركزية بالسياسات الخارجية والعسكرية والامن الوطني وغيرها من مهامها الكبيرة سيؤدي إلى تلكؤها في الادارة المحلية. وهذا الاسلوب ليس مفيداً لسكان المناطق المحلية فحسب، بل يفيد الحكومة المركزية في تقليص اعبائها ويساهم بفعالية في انجاز مهامها. وبالتالي يعطي الفرصة للحكومة المركزية بالتوجه إلى مهامها الستراتيجية والاكتفاء بدور الاشراف والتوجيه والرقابة والمساهمة المالية في نشاط الهيئات المحلية حيث تقوم المجالس المحلية بتقديم الخدمات والتعليم والاسكان والرعاية الاجتماعية ووسائط النقل والصحة وغيرها، وايضاً يساعد الحكم المحلي على انضاج مفاهيم الديمقراطية حيث يتم انتخاب اعضاء المجالس المحلية مباشرة من السكان المحليين وتتم مراقبتهم من قبلهم ويكون المجلس المحلي مسؤولاً أمام ناخبيه عن الوعود التي قطعها على نفسه، وهذا يقودنا للحديث عن المجالس المحلية، أو كما سميت البلدية، الموجودة حالياً والتي تعتبر من اكثر الواجهات التي تعرضت للطعن في عدم شرعيتها لعدم ممارسة العملية الانتخابية، كما يفترض، في اختيار اعضاء هذه المجالس.

وجب التأكيد هنا على تبني التحضيرات السليمة لاختيار الاعضاء المؤهلين لإدارة البلدية وذلك من خلال الانتخابات التي ستجري في موعد لا يتجاوز (31/ 1/ 2005) كما نص القانون الانتقالي على ذلك.

ضمانات الادارة الناجحة

وتتحقق من خلال عمليات الرقابة على اعمال الادارة وكما يلي:

1-الرقابة الشعبية / المتمثلة برقابة الاحزاب السياسية، التي تكون خارج السلطة (المعارضة)، والمنظمات غير الحكومية وأجهزة الاعلام المختلفة.

2-الرقابة البرلمانية / التي يمارسها اعضاء البرلمان المنتخبون من الشعب، من خلال ممارستهم لواجباتهم البرلمانية.

3-الرقابة الادارية / وهي رقابة ذاتية تقوم بها اجهزة الادارة وفقاً للسلم الوظيفي للإدارة وكذلك من خلال هيئات التفتيش.

4-الرقابة القضائية / وهذه الرقابة تمارسها السلطة القضائية حيث يمكن التظلم أمام المحاكم عن اعمال الإدارة التعسفية أياً كان مصدرها.

وختاماً تجدر الاشارة إلى اعادة النظر في جميع قوانين الخدمة للعاملين في مؤسسات الدولة وتجديد الرواتب والمحفزات بشكل مجز ومشجع بالشكل الذي يقطع دابر الفساد الاداري واعتبار جرائم الفساد الاداري، خاصة في المرحلة الراهنة، مساوية لجرائم الخيانة العظمى.


من يتحمل المسؤولية الدولية عن العمليات الإرهابية في العراق؟

بعد التاسع من نيسان عام 2003 شهد العراق انفلاتاً أمنياً لا مثيل له في تأريخه وبصرف النظر عن الأسباب التي قادت إلى هذه النتيجة، فإن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها تتجسد في أن العمليات الإجرامية التي ترتكب ضد الشعب العراقي والتي تودي بحياة العشرات بل المئات من العراقيين يومياً نتيجة عمليات التفجير وتفخيخ السيارات هي أمر واقع أمام العيان.

ومن هذا المنطلق فإن مجلس الأمن الدولي في قراره الأخير المرقم 1546 والصادر بخصوص الحالة في العراق بتاريخ 8 حزيران عام 2004 أدان هذه العمليات الإرهابية التي تستهدف قتل الأبرياء من أبناء الشعب العراقي وذكر بالقرارات المتعددة التي اتخذها ونبه فيها إلى المخاطر المترتبة على مثل هذه الجرائم، فإنه في القرار الأخير قد اكد مجدداً وعلى وجه التحديد دعوته إلى الدول الأعضاء أن تمنع عبور الإرهابيين إلى العراق ومنه، وتزويد الإرهابيين بالأسلحة وتوفير التمويل لهم مما من شأنه دعم الإرهابيين، كما أكد القرار على أهمية تعزيز التعاون بين بلدان المنطقة، لاسيما البلدان المجاورة للعراق في هذا الصدد، مما يوفر دعماً قانونياً قوياً للحكومة العراقية في مواجهة دول الجوار على وجه التحديد بضبط عمليات التسلل عبر الحدود العراقية مع هذه البلدان. فما يتخذه مجلس الأمن من قرارات يحوز صفة الإلزام تجاه أعضاء الجماعة الدولية بأسرهم، وهذا ما نصت عليه المادة الخامسة والعشرون من ميثاق الأمم المتحدة.

فضلاً عما تقدم فإن قواعد المسؤولية الدولية المعمول بها في إطار القانون الدولي قد تحمل هذه الدول على وجه الخصوص مسؤولية كبيرة عن الأضرار التي تصيب العراقيين في أرواحهم وممتلكاتهم. فكل دولة طبقاً للقواعد القانونية الدولية المطبقة مسؤولة بشكل أو بآخر عن تصرفات الأشخاص الذين يحملون جنسيتها، وهذه النتيجة قد أكدتها لجنة القانون الدولي التي لا زالت تدرس مشروع مسؤولية الدول، وبموجبه فإن أية دولة يمكن أن تتحمل المسؤولية إذا ما قامت بانتهاك التزام دولي ثابت تجاهها، وقد يكون مرد هذا  الانتهاك أو الخرق لقواعد القانون الدولي عمل تأتي به السلطة التشريعية في الدولة أو السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية كما يمكن أن تقوم مسؤوليتها الدولية إذا ما ارتكب أحد مواطنيها الذين يحملون جنسيتها خرقاً لنظام القانوني الدولي. وفي حالة العراق فإن عدم ضبط الحدود من جانب دول الجوار والسماح للمتسللين بعبور أراضيها إلى العراق لا يمكن إلا أن يعد خرقاً واضحاً للنظام القانوني الدولي تترتب عليه قيام مسؤوليتها الدولية، وقد يكون المتسللون من الذين يحملون إحدى جنسيات دول الجوار وهذا ما يؤكد نسبة الفعل غير المشروع أو ما يعرف في مشروع مسؤولية الدول بالانتهاك لألتزام دولي إلى الدولة.

إن وجود حالة الانتهاك للالتزامات الدولية المترتبة على عاتق هذه الدول يقضي بتحميلها المسؤولية الدولية عن الأضرار التي تصيب العراق كوطن وشعب من جراء هذه العمليات التي يقوم بها متسللون إلى العراق عبر حدودها سواء كانوا ممن يحملون إحدى جنسيات دول الجوار أو غيرها من الدول الأخرى.

كما أن ما تقدم لا يعني إخلاء سبيل الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كامل بوصفها الدولة المسؤولة عن توفير الأمن في العراق، وهذا التزام سياسي تفرضه عليها الاتفاقيات الدولية بل النظام القانوني الدولي بمصادره المتعددة. ويكفي لتبرير تحريك هذه المسألة أن دولاً مختلفة ما انفكت تطالب العراق بملايين بل بمليارات الدولارات كتعويضات حرب أو غيرها بينما لا يثير أحد المسؤولين العراقيين هذه المسألة حتى على الصعيد الإعلامي على الرغم من أن جنسيات من قام بالعديد من عمليات التفجير معروفة باعترافات صريحة من مسؤولي الدولة التي يحملون جنسيتها.


صدام في قفص الأتهام

 

زهير كاظم عبود

من سوء الحظ العاثر للطاغية صدام أن يتقدم بالأعلان  للدفاع عنه بعض المحامين ممن  لايمتلكون من المعرفة القانونية مايؤهلهم لمعرفة أحكام الوكالة وهي من ابسط القضايا القانونية التي ينبغي على الحقوقي معرفتها ومعرفة أركانها وشروطها ، وقوانين البلد الذي قد يقبل ترافعهم أمام محاكمه المدنية والجنائية في حال قبول نقابة المحامين بذلك  ، وسبق أن ذكرنا في مقال سابق أن المتهم البالغ سن الرشد والمكتمل القوى العقلية يقوم بتوكيل محام بنفسه ووفق أختياره ويبرم عقداً مع المحامي المنتخب من قبله وبأرادته الحرة  ، ويقدم وكيله صورة من هذه الوكالة الى محكمة الموضوع ليترافع عنه وفق الأصول  ، وفي حال عجزه أو عدم قبول محامٍ للدفاع عنه لأي سبب  فأن محكمة الجنايات المختصة بالنظر في قضية الأتهام المنظورة من قبلها تقوم بانتداب محام للدفاع عنه وتقوم المحكمة بتحديد اجور للمحامي المنتدب تدفع له من خزينة الدولة بعد اكتساب الحكم الدرجة القطعية .

أما أن يصرح أحد المحامين العرب والأجانب أن زوجة الطاغية المتهم أو أحدى بناته أو مجموعة من أقاربه من قام بتوكيله ، فأن الأمر لايخرج عن باب الصورة القضائية البائسة والمضحكة ، حين تتم ألغاء شخصية المتهم القانونية خلافاً للقانون  لتقوم زوجته أو بناته بالتصرفات القانونية بديلاً عنه دون اي سند قانوني  ، وحالهم في هذا الأمر لايعدو الا تصريحات مخالفة للمنطق القانوني ولاتدخل في باب احكام الوكالة العامة أو الخاصة ولاتسندها النصوص القانونية .

ولو كان المتهم صدام قاصراً أو مختل القوى العقلية لقامت المحكمة بتنصيب قيم عليه ليقوم بالتصرف بدلاً عنه ، كما لو شعرت المحكمة أنه مخرف أو سفيه أو أنه مصاب بأي عارض من عوارض الأهلية لأوقفت الأجراءات القانونية عنه ولو بشكل  مؤقت  .

وتبقى التصريحات التي اطلقها أحد المحامين تدور في هذا المجال دون أن يقوم بتقويم منطقه القانوني من أن يقول  كون المتهم شخصياً اتصل به عن طريق زوجته او ابنته  وأبدى رغبته في توكيله للدفاع عنه .

ولو تمعن المحامي الأجنبي في قانون نقابة المحامين العراقي الذي سمح للمحامي في الدول التي ترتبط بالعراق بمعاهدات قانونية وقضائية وتبيح للمحامي العراقي أن يترافع أمام محاكم البلد الآخر ، من السماح لمحامي تلك الدول بالترافع وفق مبدأ المعاملة بالمثل بموافقة خاصة  .

وفي حال رغبة المتهم بتوكيل محام من غير نقابة المحامين العراقيين فأن الأمر يتوقف على موافقة نقابة المحامين العراقية  من عدمها .

والمعروف ان نقابات المحامين تجنح لحماية أعضائها ومنحهم الأولوية في العمل ضمن قضايا بلدهم المدنية والجنائية ، بالرغم من كون السلطة البائدة في الزمن الصدامي  كانت تمنع على المحامي العراقي التوكل في القضايا الأمنية في دوائر الأمن وكذلك  المعروضة أمام جهاز المخابرات والأمن الخاص ، ولاتسمح للمحامي حتى بمقابلة المتهم أو معرفة مكان توقيفه أو احتجازه ولا الأطلاع على أوراقه التحقيقية ومعرفة تهمته  بتعميم صادر من ديوان الرئاسة ، ويقع تحت طائلة  المسؤولية أي محام عراقي يخالف ذلك .

وبعد ان استلمت السلطة العراقية ملفات الطاغية المتهم بأبشع الجرائم بحق الشعب العراقي من عربه وتركمانه والكلدان والآشوريين  و الأكراد والأنسانية بشكل عام ، يكون من الضروري أن يتم التعامل مع المذكور على أساس انه متهم بقضايا خطرة وجرائم حرب بشعة ينبغي الأسراع في أنجاز التحقيق الأبتدائي والقضائي فيها  ليقدم الى المحاكمة في حال توفر الأدلة التي تكفي للأحالة .

وأمام المحكمة الجنائية المختصة بمحاكمة صدام وزمرة الشر  والتي لنا كل الثقة بأن القضاة العاملين فيها وهم من خيرة الكفاءات والطاقات القضائية العراقية ، بما لهم من خبرة ودراية وتجربة طويلة في العمل القضائي سيقومون بتدقيق الأدلة المتوفرة ضد المتهم صدام الماثل أمامهم ، ومن ثم أصدار القرار العادل سواء بالأفراج عنه أن لم تتوفر الأدلة أو بادانته بجرائمه المروعة وتنسيب الحكم الجزائي العادل والمنصوص عليه في نصوص قانون العقوبات النافذ ، مع منح المتهم صدام حق الطعن بقرار الحكم أو تمييزه تلقائيا امام محكمة التمييز ليكون قرارها باتاً بهذا الصدد .

وقد حسم السيد وزير العدل العراقي الدكتور مالك دوهان الحسن وهو نقيب المحامين بالعراق الأمر بأن أكد منع القانون الخاص بالمحاماة من توكيل الأجانب للمتهم العراقي ، وأناط التوكيل بالمحامي العراقي ، والدكتور مالك دوهان الحسن بالأضافة الى كونه أستاذا للعديد من القضاة والقانونيين والحقوقيين فهو مناضل عراقي قومي  لم يهادن السلطة البائدة ، وهو مرجع قانوني لم تزل مؤلفاته سنداً للعديد من الأبحاث والدراسات الأكاديمية في القانون .

أما من تبقى هارباً من وجه العدل وبالأخص المتهم الهارب عزت أبراهيم حميد الدوري والمتهم بجرائم عديدة والمطلوب أمام السلطات التحقيقية ، والهارب من قبضة الشعب العراقي متمسكاً بما ابقى له الطاغية من أيامه التعيسة ، بعد أن اعتبر الطاغية الهاً له وصيره نبياً وكفر بالأديان بعد أن استخدمه الطاغية كمطية من مطاياه الطيعة التي عجزت عن التفكير فصار ( طرطوراً )  كما أسماه ابناء العراق، فستتم محاكمته غيابياً ليصدر بحقه حكم القضاء العراقي العادل والذي سينفذ بحقه حتى أخر يوم من ايام عمره التعيس .

وعليه فأن الأيام العراقية القادمة ستشهد بشائر انتهاء الأجراءات التحقيقية مع الطاغية والتي جاهد القضاة والحقوقيون العراقيون كثيراً في المؤتمرات التي عقدت في المعهد الجنائي الدولي في ايطاليا أو في واشنطن ولندن من أجل أن تصير المحاكمة عراقية وأن تكون الأحكام عراقية وأن يكون التنفيذ عراقياً ، وهذا ما سيتحقق أخيراً بعد أن دخل الطاغية البائد في القفص العراقي .

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة