الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

في ايام الثورة  الاذاعة تطلب من المواطنين تزويدها بالاناشيد .. صحفي مصري يقول لقاسم: انا في عرضك يا ريس

صائب ادهم

لا يمكن ان انسى ما حييت وكذلك كل عراقي شهد يوم 14 تموز 1958. هذا الحدث الذي هز العراق من اقصاه الى اقصاه. فلقد كان يوماً تموزياً اسقط في ساعات معدودة النظام الملكي واقام نظاماً جمهورياً شعبياً واخرج العراق من حلف بغداد..

ومن الخواطر الاعلامية عن ذلك اليوم الاغر. ان العقيد الركن عبد السلام عارف طلب المجيء بمذيع يتلو بيانات الثورة وقراراتها. فذهبت مع مجموعة من المواطنين الى دار المذيعة عربية توفيق لازم في منطقة المأمون التي لبت على الفوز نداء الثورة وقدمت معنا الى دار الاذاعة في الصالحية وتولت قراءة نشرة الاخبار صبيحة يوم الثورة قائلة: هنا اذاعة (الجمهورية) العراقية في بغداد. وكانت عربية توفيق - شهادة للتأريخ- هي اول من لفظ عبر الاثير العبارة المذكورة..

كان الشارع البغدادي يغلي حماسة للثورة كما يتساءل عن مصير نوري السعيد. لكن الشعب بمختلف طبقاته آنذاك كان متعاطفاً مع الملك الشاب فيصل الثاني ويعتبره وديعة عنده من امة الملكة عالية. واتذكر عبارة للعقيد عبد السلام عارف قالها في مقره بدار الاذاعة. ان القضاء على نوري السعيد يوقف أي خطر على الثورة وخصص عندها مبلغ عشرة آلاف دينار في (حساب ذلك الزمن) لمن يلقي القبض عليه ويسلمه الى قيادة الثورة..

لقد فاجأت ثورة 14 تموز العالم اجمع في حفظ سريتها وفي دقة تنفيذها. وهنا يقول الكاتب الصحفي المحامي المرحوم احمد فوزي عبد الجبار في كتابه المهم - ليلة سقوط الملكية في العراق. كانت ليلة لم يعرف سرها حتى المنجمون كما اذكر عبارة لزعيم الثورة الصينية (ماويتسونغ) : لو تأخرت ثورة الصين لإستفادت من ثورة 14 تموز 1958 في العراق.

استعددت للعودة الى بيتي بعد اعلان حالة منع التجول. لكن عربية توفيق دعتني الى البقاء معها فلا احد في الاذاعة من العاملين فيها الا القليل وهي تحتاج الى يكون من يقدم لها المساعدة في مهمتها فهي الآن وحدها تقوم بمهمة المذيع ومقدم البرامج اضافة الى استلام وفرز برقيات التأييد للثورة التي كانت تنهال على الاذاعة من المواطنين في بغداد والمحافظات. وهنا برزت حاجة الاذاعة الى عدد من الاغاني الوطنية والقومية وحين تم البحث في ارشيف الاذاعة ومكتبتها لم نجد شيئاً. وكان الحل توجيه نداء الى المواطنين لتقديم ما عندهم من تسجيلات الاغاني والاناشيد. وفعلاً وردت للاذاعة عدة تسجيلات من اغاني ذلك الزمن.

اذكر منها: يا شراعاً وراء دجلة يجري لأحمد شوقي، غناء محمد عبد الوهاب والنشيد الوطني المشهور (الله اكبر) واغنية (والله زمن يا سلاحي) لأم كلثوم واغنية قديمة عن بغداد للمطرب المصري الراحل عبد الغني السيد وعدد من اغاني عزيز علي. ثم توالت الايام حتى جاءت انشودة ام كلثوم بغداد يا قلعة الاسود. وقد ساندت اذاعة القاهرة واذاعة صوت العرب الاذاعة العراقية في بث اخبار الثورة

واجراء مقابلات مع عدد من قادتها واذكر من هذه اللقاءات حالة (طريفة) حصلت للصحفي المصري الجريء زكريا نيل (الآن مدير قسم الشؤون العربية في جريدة الاهرام المصرية) فقد دخل هذا الصحفي في تلك الايام الساخنة مبنى وزارة الدفاع وتصادف ان صار وجهاً لوجه مع الزعيم عبد الكريم قاسم وكان يهبط من احد سلالم الوزارة وبيده الرشاشة (استرلينغ) وكان القلق بادياً عليه وعيناه جاحظتان فتصور زكريا نيل ان الزعيم قاسم سيطلق عليه النار من رشاشته. فبادره الصحفي باللهجة المصرية (انا في عرضك يا ريس) .. انا صحفي عربي. مصري..

ودون الخوض فيما آلت اليه الاوضاع السياسية فيما بعد. اقول: ستبقى ثورة 14 تموز ثورة اقتحامية غيرت مجرى التأريخ العراقي.


 

رسائل الى عبد الكريم قاسم

احمد المظفر

بعد اشهر من قيام ثورة 14 تموز تسلل احد الصحفيين المصريين الى مكتب الزعيم الركن عبد الكريم قاسم واستطاع ان يقرأ ويتفحّص الرسائل التي تصل الى اكثر من عشرة آلاف رسالة اغلبها تهنئة بثورة العراق او طلب صورة للزعيم..

وكان يستلم هذه الخطابات ضابطان هما الرئيس قاسم امين والملازم اول حافظ علوان، ويقومان بفرزها ثم الرد على المهنئين او طالبي صور الزعيم، اما بقية الخطابات فتعرض على الزعيم شخصياً بعد تلخيصها ويقوم بإبداء الرأي فيها ثم توزع على الوزارات والجهات المختلفة.

ومن اغرب الخطابات التي تلقّاها الزعيم عبد الكريم قاسم خطابٌ من سامي فتاح الذي كان وزيراً للداخلية ووزيراً للشؤون الاجتماعية في وزراة نوري السعيد.. والخطاب يروي تاريخ الوزير في اعمال الخير، ويلقي كل اعباء التصرفات المشينة على زملائه الوزراء السابقين..

والطريف ان الزعيم تلقى فيها خطابات مماثلة من وزراء في المعتقل كلّها تشيد بتاريخهم وتلقي اعباء الفساد على زملاء لهم.. ويقوم الزعيم بتحويل هذه الخطابات الى المحكمة الخاصة..

ومن الخطابات التي تلقاها الزعيم عبد الكريم قاسم خطابٌ من مواطن عربي يطلب منه ارسال 20 حقنة مقوية غير موجودة في صيدليات بلده.. واحال الزعيم الخطاب الى وزارة الصحة مع التنبيه بإرسال الحقن بأسرع وقت وبدون مقابل..

وبالاضافة الى هذه الخطابات كان عبد الكريم قاسم يتلقى هدايا من مختلف انحاء العالم، وقد ارسلت له شركة صناعية مصرية لوحات عليها تماثيل من الالمنيوم للرئيس جمال عبد الناصر وللعقيد عبد السلام عارف وله شخصياً.

وارسلت له فتاة عراقية من لندن لوحة من الجبس من صنعها نقشت عليها جملة (الله يحفظك يا كريم)..

وقد خصصت غرفة في وزارة الدفاع بها عدة دواليب للاحتفاظ بهذه الرسائل بعد ترتيبها وحفظها في ارشيف خاص..

 


اضاءة  ثورة 14 تموز والذاكرة الحية

آمنة عبد العزيز

ثمة مسافة كبيرة بين الحقيقة والتزوير بين التلقائية والبراءة، ولا يصح في الاخير غير الصحيح فالحقيقة هي الحقيقة بكل تجلياتها المعروفة، التزوير هو التزوير بكل انتكاساته لذلك فإن عبد الكريم قاسم لم يكن غير الحقيقة بعينها ، تلك الحقيقة التي الغت كل المسافات بينه وبين الجماهير الممتدة في طول العراق وعرضه.

وبات صورة مشرقة لها، لا تقبل ان تزول من الذاكرة برغم مرور خمسة واربعين عاماً على اندلاع ثورة 14 تتموز 1958.

لقد اعطى عبد الكريم قاسم عبر مسيرته القصيرة في الحكم صورة للقائد عندما يتخلى عن كل الحيثيات الشخصية ويتجه بكامل قدراته نحو الجماهير، زارعاً في قلب كل مواطن وردة، يزداد عطرها بمرور الايام من هنا كان الطريق الى الناس، يمسد على جراحاتهم ويمنحهم الدفء والامان، ولا يسرق جهودهم يعالج مرضاهم، ويداري المحتاجين مما جعل الطريق سالكاًُ امامه اليهم وعبر كل المسافات المثقلة بالصبر والانتظار، لذلك ما بين زمن وآخر وقفة ولكن وقفة شاهد يحكي تأريخ الرجال الذين ما انطوت ذكراهم ابداً، بإمكاننا الآن ان نتكلم عنك دون خوف او وجل وان نحكي معاً تلك الحكايات الجميلة عن الوطن الحاضر، الماضي.

فأنت الذي اعطيت ولم تأخذ وواصلت العمل لأجل العراق واهله دون تعب.

بيننا وبينك ذلك الحلم الجميل الممتد من العين الى القلب.

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة