الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

ملاحظات ورّاق فرنسي الهوى

في مطلع السنة الحالية أجرت الصحافة البريطانية بالتنسيق مع الاذاعة البريطانية استفتاء لاختيار أفضل الشخصيات الانجليزية التي ظهرت على مدى القرون.

كثيرون اختاروا الملكة إليزابيث الأولى، وهناك من اختار اوليفر كرومويل والدوق والنغتون. واحد فقط اختار اللغة الانجليزية بالذات باعتبارها (أهم شخصية) انجبتها (العبقرية الانجليزية) هذا الواحد كان ملفن براغ الروائي والوجه التلفزيوني المعروف ببرنامج (عرض الساوث بانك) التلفزيوني وغيره، باعتبار ان (شخصية) اللغة الانجليزية انتشرت في كل انحاء العالم وانها في المستقبل ستطمس اللغات الأخرى ان لم نقل تدفنها إلى الأبد. إلا ان اللغة الانجليزية سادت وانتشرت مع فترة الامبراطورية والامبراطورية كانت اقتصادية الطابع بالمقام الأول، أي ان اللغة الانجليزية كانت الأداة المتواطئة للتوسع الامبريالي والاندفاع نحو ايجاد اسواق جديدة على المستوى العالمي.

بل ان الانجليز افلحوا في (تثقيف) السهم اللغوي ليكون بسرعة الانطلاق نحو اسواق جديدة انها لغة التجارة وليست لغة الشعر.

اللغات الأخرى من عربية وفرنسية والمانية وروسية أكثر طواعية واستقبالاً للمفردة الشعرية. الانجليزية أيضاً لغة العسكر.

والاشارات إلى المصطلح العسكري في الشعر الانجليزي كثيرة وأكثر مما يتصور القارئ الذي لم يقرأ هذا الشعر بالتأني اللازم.

ولست أول من يقول بأن اللغة الانجليزية أكبر لص في تاريخ اللغات.. سرقت وتسرق باستمرار.

كتاب هايزيتا والتر (تاريخ اسماء الثدييات المدهش) هو آخر كتاب أصدرته هذه العالمة اللغوية الفرنسية وقبله اصدرت عدة كتب منها (مغامرات لغات الغرب) مغامرة المفردات الفرنسية الآتية من وراء الحدود، و(قاموس المفردات ذات الاصل الاجنبي) وهي تعتقد بان 60 بالمائة من الكلمات الانجليزية اصلها فرنسي، وان اللغة الفرنسية في القرون الوسطى كانت اللغة التي تتفاخر بها طبقة النبلاء الانجليز.

اللغة الانجليزية هي لغة الاستعمار وان زال الاستعمار من على أرض الواقع الفعلي.

***

بين الفرنسيين والألمان اعجاب متبادل، وبرغم ان الألمان لايقلون ابداعاً ان لم نقل يتفوقون على الفرنسيين في مجالي الفلسفة والموسيقى، إلا ان الالماني مأخوذ بما هو فرنسي، ولا يمر يوم إلا ويترجم كتاب عن الالمانية إلى الفرنسية، يترجم ويحتفى به ويكتب عنه في تناغم جميل بين اللغتين.

وهناك من يعتقد بأن والتر بنجامين هو مفكر القرن الحالي أو في أقل تقدير مفكر العقود المقبلة، مفكر اليسار واليسار المتطرف بقدر ما كانت هنة ارندت مفكرة اليمين السائدة في العقود التي انصرمت وانقضت.

صبوة الحياة تتحول إلى كبوة الحياة يخنقون بالثازار فيصبح بلشزر، جوان يتحول إلى دون جوين بالثازار الشخصية الاسطورية والاسم المشحون بالوميات ووضعه مرة أخرى على خارطة الوعي الجمعي من خلال ظهور شخصية تحمل اسمه في (الرباعية الاسكندرانية) للورنس دريل. يتحول بالانجليزية إلى بلشزر. دون جوان هو الآخر يتحول إلى دون جوين وكأنك تقول (نهير) بدل نهر.

(ريبورتوار) يتحول في اللفظ الانجليزي إلى (ريبرتري) ساؤكد وأعيد التأكيد إلى آخر رمق في حياتي بأن ترجمة نجيب المانع لـ(غاتسبي العظيم) رواية فتر جرالد ـ اجمل من النص الاصلي. اتذكر دائماً كيف تبدأ بالعربية (ترجمة نجيب المانع): (في سني عمري الاكثر طواعية منحني أبي نصحاً..)

أما في الأصل الانجليزي فتأتي على هذا النحو

In my younger and more valnerable years , my father gare me an advice

تقرير عادي خالٍ من البيان والسلاسة مقارنة بالنص كما نقرأه  بقلم الراحل نجيب.

رامبو أيضاً يخسر من ترجمته إلى الانجليزية أكثر مما يربح، ان جاز التعبير. لنأخذ سطرين من (فصل في الجحيم) بالعربية:

(وذات مساء أجلست الجمال على ركبتي فوجدته مراً)

بالفرنسية مفردة الجمال مؤنثة بينما بالانجليزية جماد لا نقول she أو he وإنما H. وقول المترجم: And I found her bitter  يبدو مستغرباً ان لم نقل ممجوجاً بالفرنسية المفردات تصعد وتنزل وكأنها نوطات موسيقية اما بالانجليزية فهي تركع على ركبتيها مقعدة غير قادرة على التحليق أو التموج.

One evening I sat beauty on my knees - and I found her bitter

مقال آخر على ان لغة رامبو لا تستوعبها اللغة الانجليزية قوله في قصيدة (تأملات الصباح المسّرة) حيث يقول رامبو: (آه يا ملكة الرعاة احملي للكادحين ماء الحياة eau- de - vie)

المترجم الانجليزي استعمل كلمة (Spirits) الفضفاضة التي تعني الارواح والاشباح وتعني أيضاً انواع الكحول القوية.

وفي القصيدة نفسها يكتب رامبو عن ارواح العشاق المتوجة. قارن ذلك بالترجمة الانجليزية: Lovers Whose souls are wearing crowns

رامبو بالتأكيد لا يريد لعشاقه ان (يلبسوا (أو يضعوا) التيجان على رؤوسهم.. على طريقة ملوك الانجليز.

وعلى كل حال (أرواح العشاق المتوجة) بالتأكيد اجمل من (العشاق الذين ارواحهم تلبس التيجان). قال لنا عربي يكتب الشعر ان اللغة الانجليزية دقيقة جداً وهو لهذا يفضلها على الفرنسية.

إلا ان هذه (الدقة) المزعومة يا صديقي تتم على حساب الانسيابية والجملة الشعرية والغنائية وبدونها يخسر الشعر ثلاثة من أسباب وجوده وحياته.

 

مؤامرات السلفيين لا تنتهي

هل تتذكرون مجلة (شعر) التي صدرت في لبنان في الخمسينيات؟ كانت المجلة الأولى التي قدمت الشعر الأوروبي الفرنسي والانجلوساكسوني إلى ملايين القراء العرب. تأثيرها كان اكبر من أن يوصف.

فيها قرأنا نصوصاً مترجمة ولا أفضل، حتى قصائد ت.س البوت تبدو اجمل في ترجمة عبد الواحد لؤلؤة وكذلك ترجمة أدونيس لقصيدة سان جون بيرس ضيقة هي المراكب ضيق سريرنا (...) وللبحر وحده سنقول كم كنا غرباء في أعياد المدينة.

وكذلك قصائد هنري ميشو ورينيه  شار وجاك بريفير.

الغريب ان الروائي الأرجنتيني بورخس الذي يكتب بالاسبانية، أبدى ذات يوم اعجابه بدقة اللغة الانجليزية في الوصف وإذا اضفنا إلى هذا الرأي رأي شاعر ستيني أبدى اعجابه بدقة اللغة الانجليزية مقارنة بالفرنسية الفضفاضة يتعاظم انزعاجك الداخلي من هذين الرأيين خاصة وانهما جاءا على لسان شاعرين واحد عربي وواحد ارجنتيني.

الشاعر لا يتوخى الدقة. المحقق الجنائي والعالم ورجل القانون يتوخون الدقة اما الشاعر فيتعامل مع تجربة من نوع آخر تماماً. وإذا كانت اللغة الانجليزية تستوعب

تماما التكنولوجيا ونصوص القانون فانها في رأينا تتوقف مشلولة وبلهاء وخرقاء امام الشعر وعالمه الرحيب والعميق والمستجيب للعقل  اللاواعي وما بعده وعش طويلاً ترى العجب.

 

 

رامبو وحروف العلة والرسمة في كتاب رامبو

ما من لغة في العالم تخنق حروف العلة كما تخنقها الانجليزية. انها تكبح التموج الصوتي للمفردات، تجعلها تمشي بثقل داخل ممرات خانقة عديمة الهواء. انها تقص اجنحة المفردات وكأن الانجليز يريدون توفير حبالهم الصوتية لقضايا أهم من فتح الفم وهل رأيت اندرو موشن شاعر البلاط و(امير الشعراء) الانجليز يقرأ شعره. رأيته في مسابقة لأفضل قصيدة والانجليز أكثر شعوب الأرض ولعاً بالمسابقات للفوز بهذه الجائزة أو تلك كان يشبه الجثة يخاف من تحريك شفتيه ويديه. كان محنطاً ووجهه اصفر لا دم فيه ولا ما يجعل الكائن حياً. وتتساءل اين هذا (الروبوت) من ماياكوفسكي يقرأ اشعاره في الساحة الحمراء.

\اللغة الانجليزية تخنق حروف العلة التي خصص لها رامبو قصيدة لا تزال حتى الآن تثير اهتمام النقاد والقراء والدارسين ونرى ان هذه الظاهرة التي نستطيع بسهولة ان ندعمها بآلاف الكلمات المقهورة والمكفوخة هي جزء من الشخصية الانجليزية الملغزة. وخنق حروف العلة في الواقع احد الاسباب التي تجعل كتابة الشعربالانجليزية مستحيلة لأن الموسقة والنغمية واللحنية سمها ما شئت هي جزء اساسي من الشعر ولا نعرف ماذا حدث بالضبط بعد الشاعر تشوسر وكيف ان اللغة الانجليزية (شذبت) نفسها لتصبح لغة الانطلاق الامبريالي والهيمنة على العالم.

الكلمات كائنات حية تريد ان تتمطى، تريد ان تتنفس، تريد ان تجلس في بيت شرقي باحته مفتوحة على السماء الرحيبة، تريد ان تبتسم وتصدح. والانجليزية في رأينا، اختارت ان تخنقها، تكفخها، تعصر البهجة منها تمسكها من خاصرتيها وتضغط عليها بقبضة قوية قاسية ومحكمة حتى تكاد تعصر منها الرحيق والعنب.

والكلمات بطبيعتها اجتماعية تحب السمر والمسامرة وتبتهج عندما تكون في وليمة أو مأدبة. إلا انها في اللغة الانجليزية فردية وفردانية. تتنافر وتتنابز بطبيعتها تماماً كالشخصية الانجليزية. تراها تنزعج عندما تجد نفسها جنباً إلى جنب مع اخواتها انها لا تريد ان تنظم ولا ان تتمرغ على الصمغ الجماعي.

في بريطانيا لا يوجد فن، توجد تجارة كاميل بيسارو

الأب الروحي للانطباعيين

الروض العاطر (؟) يتحول إلى الحديقة المعطرة ونساؤكم حرث لكم يتحول إلى نساؤكم حقلكم

Yoar women are your field

الحرث فعل يتطوى على معانٍ ومرامٍ وتضمينات عديدة منها اعداد الأرض قبل الزرع حرثها. (الحقل) مجرد اسم جامد وسكوني وعديم الحركة على عكس الحرث الفعال والمتحرك والاقرب في وصف لقاء الرجل بالمرأة جنسياً.

ريشارد بيرتون ترجم (الروض العاطر) عن الترجمة الفرنسية. وقامر في وقت لاحق بترجمته من الاصل العربي إلا ان زوجته البيوريتارينة احرقت الترجمة من العربية وهي التي كان بيرتون يعتبرها تتويجاً ليحاته كمترجم ورجل أدب.

سيكون من المفيد ان نعرف كيف ترجم المترجم الفرنسي الجملة إياها Stomping ground will be better and nearer to the Arabic verb ham field or may be the land to be fallowed?

لن تقوم للغة الانجليزية قائمة إلا إذا أطلقت الحرية لحروف العلة، إلا إذا فكر علماء اللغة والألسن بإعادة الاعتبار اللغة شوسر وما قبله، واستعادة اللجنة والانسيابية والجرس للكلمات التي تعيش حالياً حالة من الاضطهاد بسبب غلق منافذ الهواء فيها.


البطولةُ  بين الوهم والحقيقة ..

سمير الظامر

حملت الآداب العالمية على مرِّ التاريخ صوراً وبطولات وملاحم قادها الأبطال من أجل أن تنعم شعوبهم بالحرية والحياة الكريمة ، وللحلم لغته في إضفاء صورة المثال على البطل الذي يصبح مع تراكم الزمن مثالاً وهمياً يعيش في أذهان الناس ولا يفيقون منه إلا بعد صدمة موت البطل ، أو هروبه عن الواقع  بسبب أنه اقتات على آمالهم وأحلامهم وسرقها من أجل أن ينعموا بالحب والحرية الكاذبة !!

يقول الشاعر حيدر محمود :

والحق علينا نحنُ

أقولُ الحقَ ..

 فقد جاء إلينا

والدنيا غارقة في العتمةِ

طفلاً منبوذاً

مكسور الخاطر

لايعرف من أين أتى ..

فتبنيناه

وربيناه على العزِّ

وعلمناه المشي

وعلمناه الرمي َ

وعلمناه ركوبَ الخيلِ

...   ...   ...

لكن حين اشتدَّ الساعد ُ

كانت أول ضربة سيف ٍ

في رأس أبينا الطيبِ

قحطان ! 

      وبسقوط الرئيس العراقي السابق تسقط إحدى الشعارات الكبيرة التي راهن عليها كثير من الناس والمثقفين في تحرير القدس وضرب اليهود وطردهم في مزبلة التاريخ .. ولك أخي القارئ أن تقرأ كمَّـاً هائلاً من قصائد الشعراء -  الذين رأوا في صدام حسين قائداً مُخَلِّصَا ً للشعوب العربية من ظلم اليهود والمستعمرين – ما يجعل منها معلقات جديدة تفوق معلقات الشعر الجاهلي !!

    لا أزال أذكر السباب والشتائم التي قُذِف بها الشاعر سميح القاسم في إحدى الأمسيات التي أقامها في  صيف عمَّان 2002م والتي تهجَّم فيها أحد الحضور قائلاً لسميح : أنت عدوٌ لـ : عبدالناصر! فرد َّ سميح بنفس الحدة والألم قائلاً : ( أنا بحبو لعبدالناصر !! أنا قلت في عبدالناصر قصائد بتبكي الحجر !! لكن عبدالناصر شق جنازتنا ! )

    ومع هذه الأمثلة هل نستطيع القول :  أن أزمنة الشعارات قد سقطت ؟ وأن البطولة ماهي إلا وهم ٌ كبير عاشه الإنسان من أجل أن يخفي وراءه خوفه ويأسه وعجزه ؟ وهل البطل هو الأمل ؟ أم أن الأمل شيء أكبر من البطولة والأحلام لاندرك كنهه ولا نحيط بسره ؟

    لقد وجد شعراؤنا العرب المعاصرون – ولاسيما بعد الهزائم المتكررة مع الأعداء والمتمثلة في النكسة ، والنكبة ، والكبوة .. _  في الشخصيات التراثية مرتعاً خصباً في استدعاء البطولة العربية ، وإسقاطها على واقعهم المعاصر ، فوجدنا نتيجةً لذلك عنترة ، والزير سالم ، وكليب ، وأبا ذرٍ الغفاري  ، وخالد بن الوليد ،  والمتنبي ، وصلاح الدين الأيوبي.. بوصفهم أقنعة متخيلة يتخفى الشاعر من ورائهم ليقول مايريد قوله متقاطعاً في ذلك بالعديد من الأزمنة التاريخية والأسطورية من أجل إعادة قراءة الماضي في الحاضر .

    ولكن مع كل تلك التجارب الشعرية الناجحة فنياً إلا أن المفارقة والسخرية تبلغ حدَّها عند أولئك الشعراء ، فقد كرهوا انتظار البطل / المثال ، والقائد والمُخَلِّص ، وتراجعوا عن استدعاء الأبطال السابق ذكرهم ، لأنهم عندئذٍ كمن ينتظر مالا يجيئ ، ولعلهم في استدعائهم لصورٍ من البطولة غير المألوفة كصور اللصوص وقطاع الطريق مثل " تأبط شراً "  مناسب لحالات الفشل ، والتشتت التي تعيشها الأمة ، ، وأن طلبهم الخلاص ممن ليس لديهم الخلاص فيه لعبة من الكذب يصنعه الشاعر على نفسه ومجتمعه ، ثم يصدقها من أجل الهروب من اليأس والإحباط وتتسع دائرة الوهم شيئاً فشيئاً ولا يملؤها إلا السراب !  .


 
 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة