الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

هذه النصوص

ابراهيم المصري: اعطانا العراق بدر شاكر السياب واعطيناه ابو مصعب الزرقاوي

عبد الزهرة زكي

هل ابدو مغامراً وانا اجرؤ على تقديم شاعر عربي لقراء عراقيين؟ ربما يبدو مثل هذا التساؤل مدخلاً يفتقر الى اخلاق التقديم، ولكن النصوص التي سيطالعها القارئ هنا سمحت لي بتجاوز حفاوة التقديم وتفخيمه المعتاد، بل هي اسهمت في اقتيادي الى هذا المدخل الصادم الذي لا يقل مغامرة عن اقدامي على تقديم شاعر عربي الى قراء عراقيين بعد كل هذا الذي فعلته السنوات الخمس والثلاثون بعلاقة ظلت محكومة بالريبة والشك وسوء الظن بين العراقيين وشعراء العرب الوافدين الى بغداد زرافات ووحدانا.

لم يكن ابراهيم المصري شاعر مربد،  ولن يكون، في ما احسب، شاعر أي مهرجان من هذه التي تحركها خيوط العاب السيرك، وذلك في ضوء النفور الذي تبديه نصوص ابراهيم في مواجهة السكون والركود اللذين تتطلبهما  قوانين اللعبة، لعبة المهرجانات.

هل تكفي هذه الطبيعة المتوحشة وحدها لتطبيع العلاقة بين شاعر عربي وقرائه العراقيين؟

يدرك ابراهيم المصري، وهو ما يشفع للمأزق الاخلاقي الذي فرضه التساؤل الاستهلالي على هذا التقديم، هول ما قد جرى ليس بين الشعراء العرب من جهة والعراقيين من جهة اخرى، ولكن بين قطاعات عريضة من العرب المسممين بلوثات الاعلام وتدجيل السياسة وبين الشعب العراقي الذي يلتقط حياته (ولو جمراً) من فوهة بركان.

مثلنا تماماً، مثل اصابعنا، تمتد اصابع ابراهيم المصري لتقبض على هذه الحياة، حياتنا، ويستعيدها معنا، فيما تلتهب ظهورنا بزعيق الفضائيين العرب المطالب بأن نرمي هذه الجمرة الحياة. وسيشكل كل هذا مادة لنصوص المصري.

لم اتوقع ان تكون المفاجأة بمثل هذه الدهشة حين قدم لي الصديق محمد الغزي مخطوطة كتاب شعري، قالا انه لشاعر من مصر، وينبغي ان تطالعه.. لم يثرني العنوان، عنوان المخطوطة (الديوان العراقي) كما هو متوقع.. لقد استثمروا مشكلتنا في كل شيء، فما العجب في ان يستثمرها شاعر.. هذا ما فكرت به ومالم اشأ قوله للصديقين حينها.

منذ فترة لم اقرأ شعراً يثير اهتمامي.. لذلك كان فضولي للدخول الى (الديوان العراقي) متواضعاً. وزاد في تواضع هذا الفضول (وهذه صراحة قد لا تستساغ في هذا الموضع) ان العلاقة بيننا، نحن الشعراء العراقيين، والشعر المصري ليست في صالح الشعر المصري.. او فلنقل ليست في صالحنا نحن الشعراء العراقيين. لا فرق!

ولكنني دخلت، بفتور، في عالم الديوان، عالم ابراهيم المصري المترع بروح انساني لا يتأتى الا بصفاء الشعر ورهافه ضمير الشعراء. انه عالمنا وتفاصيل حياتنا ودقائق عذاباتنا ومرارة غربتنا في هذا السديم العربي المهول. انسحبت من غرفة القسم الثقافي، دخلت غرفتي وحدي و ( الديوان العراقي) .. بعد قليل صار معي سهيل وباسم وسهام وخالد.. لم اكن يوماً انانياًُ.. اشركتُ الجميع في هذه اللحظة، لحظة اكتشاف الشاعر والانسان: ابراهيم المصري.

حين اقرأ الشعر امتّع نفسي بأقصى قدر من الحرية، حرية تجردي من أي مفهوم او عرف او حدود لمساحة القول الشعري. مع هذه الحرية، وبها وحدها، استطيع ان استمتع بقراءة الشعر، في ضوء ما يفرضه هذا الشعر، وما يدل به على مواطن شعريته واهدافها واساليب بلوغها الشعر.

ان عمل الشعراء الحي هو توسيع افق الشعر، اضافة احتمالات ومساحات جديدة. ان ما يبدو مهملاً وغير ذي اعتبار شعري، يعود ليستحيل، بأيدي الشعراء، جوهراً شعرياً بقيمة تكرسها اساليب وجوده في الشعر، وجوده المنقطع عن طبيعته الاولى. ذلك هو ما جعل من الشعرية افقاً مفتوحاً. ان الشعر صنو الحرية. وهو موئلها السري.

في (الديوان العراقي) يتخلى الشعر عن بلاغته اللغوية، لصالح بلاغة الوقائع والتفاصيل. هذه البلاغة التي تراكم المشهد الانساني بفظاعاته وانتصاراته، مزيحة عنه جماليات اللغة وبشاعة تلك الجماليات حين تكون في مواجهة المأساة.

تريد هذه النصوص وهي تتقدم نحونا عاريةً مجردة من اكسسوارات زينتها ان تكون مثلنا، ومثل ما يحيق بنا.. هل ثمة بلاغة تحيل الى بشاعة في الوصف، وصف الزرقاوي مثلاًُ، اكثر من صفة الزرقاوي ذاتها؟ يكتفي ابراهيم المصري بأقل قسط من الكلمات، تماماً مثلما نكتفي نحن بأقل قسط من الاشياء كلها. وبهذا سيكون اختلافنا، ايها القارئ، حول مقدار شعرية هذه النصوص اختلافاً غير ذي قيمة، ما دمنا في موضع تفهّم شعريتها ودوافعها، وهو ما يوافقنا عليه حتى ابراهيم المصري بتواضع بالغ في نصه الاخير المثبت في هذه المختارات.

اتشرف هنا في ان اقدم مختارات من (الديوان العراقي) وقد استأذنت شاعرها. كنت اريد، مثلما اراد ابراهيم، ان افتح نافذة في جدار الظلمة العربية التي تزحف على العراقيين من ثقافة الفضائيات. فدائماً خلف هذا الجدار يوجد من يبتسم لإنتصاراتنا..

وينسحق تحت وطأة آلامنا .. ويستقوي بقوتنا.

اقدم هذه المختارات، واقترح على مؤسسة (المدى)، او دار الشؤون الثقافة العامة ان تقدم (الديوان العراقي) لقرائها كاملاً، وبما يستحقه وشاعره منا من تقدير وحب.

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة