الكركم ليس كنكهة فقط ولكن كعلاج واعد للسرطان

بقلم محمد صايل

ماذا كنت تفعل لو وجدت زوجتك يوما وقد اضافت الكركم او الكاري الى جميع اصناف الطعام الذي تضعه امامك، بما في ذلك الحلويات والمعجنات؟ لا اظنك الا وستتهمها بالافراط في مشاهدة الافلام الهندية، او ان ذوقها قد اصابه خلل لا يغتفر، ولكن .. ولكن هل ستقبل على تناول الطعام اذا ما اخبرتك هي بان الكركم يمكن ان يوفر لك الحماية من دزينة من الامراض الزمنة القاتلة بالاضافة الى وقاية مثالية من شتى انواع الامراض السرطانية. بالنسبة لي فان تناول كذا طعام يصبح مشجعا جدا، اما مسالة الكاري والكركم في الحلوى .. فالمسالة فيها نظر!

على كل حال فالامر ليس كذلك بالنسبة لسكان المناطق التي تكثر فيها زراعة نبتة الكركم Curcuma Longa مثل الهند واندونيسيا، اذ يعمد اهل هذه البلدان الى رش هذه التوابل فوق كل شيء، ليس احلوى فقط، ولكن حتى اجسادهم وخصوصا في بعض الطقوس والرقصاتن الدينية. وقد استخدموه ايضا في صبغ الملابس وكذلك لتحفيز زيادة ادرار الحليب.

اما من الناحية العلاجية الطبية فقد استخدم الكركم على اوسع النطاقات ابتداءا من جوف الانسان لعلاج مشاكل الامساك وسوء الهظم وانتهاءا بسطحه الخارجي في علاج الامراض الجلدية. اما نتائج هذه الاستخدامات العلاجية فقد كانت ناجعة الى درجة ان الكركم استخدم تقريبا لعلاج شتى المشاكل الصحية في تلك الاصقاع.

ما السر يا ترى وراء هذا الاستخدام الواسع لمادة بسيطة صفراء، تجمع من جذور متيبسة متربة؟ لنلقي نظرة عل ىمقارنة في احصائيات الاصابة بمجموعة من الامراض السرطانية بين الولايات المتحدة والهند للفترة ما بين عامي 1983 – 1987 بين كل مئة الف شخص، 67.8 من الرجال في الولايات المتحدة يصابون بسرطان البروستات مقابل 6.9 من الرجال في الهند، 89.2 من النساء الاميركيات يصبن بسرطان الثدي مقابل 24.6 من النساء في الهند، 79.5 من الاشخاص يصابون بسرطان القولون في الولايات المتحدة مقابل 11.4 مصابين من الهند، 94.2 من الاشخاص يعانون من سرطان الرئة في الولايات المتحدة مقارنة بـ 17 فقط في الهند. ليس هذا فحسب، اذ تعتبر هذه المقارنة غير متكافئة اذا ما اخذ بعين الاعتبار النسبة العالية لتلوث المياه في الهند والتي تزيد من احتمالية الاصابة بالاورام السرطانية، اضف الى ذلك الظروف المعيشية المتردية وانتشار الاوبئة، وانخفاض المستوى الصحي الى درجة كبيرة، كل ذلك يمكن ان يدفع الى الاعتقاد بان نسبة الاصابة بالسرطان قد تكون الاعلى ضمن سكان الهند، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك.

عزي بالانخفاض في معدلات الاصابة بالامراض السرطانية في الهند الى غنى موائد سكانها المحليين بالكركم والتوابل، وذلك ما دفع بالمؤسسة العالمية للسرطان National Cancer Institute الى درج الكركم او تحديدا المادة الفعالة في الكركم وهي الكركمين Curcumin، والمسؤولة عن الفوائد الفريدة لهذا النوع من التوابل، الى درج هذ المادة ضمن قائمة الادوية التجريبية الواعدة لعلاج السرطان، مع دعم وتمويل للابحاث الموجهة الى هذا المجال، اما النتيجة .. ما يزيد عن الالف بحث طبي موثق عن الكركمين خلال العشر سنوات الاخيرة، وباكتشافات ايجابية كبيرة ومبشرة.

ما هو اذن هذا الكركمين الذي استفز مثل هذا العدد الكبير من الابحاث؟

الكركمين مادة كيمياوية بسيطة التركيب غير ذائبة في الماء وذات لون اصفر فاقع، واليها يرجع تلون الكركم بهذا اللون. فاذا اشتريت مثلا مئة غرام كركم من العطار، فاعلم ان الكيس الذي يعطيك اياه يحتوي على غرامين من الكركمين وسط المائة كاملة. وقد قيض لي الحصول على بعض من هذه المادة بشكلها النقي مئة بالمئة، والمستخدمة للاغراض البحثية حصرا، ووجدت لها رائحة الكرك القوية وطعما باهتا غير لاذع.

طبعا .. ما كنت لاضع هذه المادة على لساني لولا علمي بانها غير سامة بالمرة، وبانها اعطيت في بعض الابحاث لاشخاص على جرعات عالية تصل الى 12.000 ملغرام يوميا دون حدوث اي مشاكل او تاثيرات جانبية.

للكركمين فعالية كبيرة في منع حدوث الورم السرطاني وكذلك القابلية على القضاء على الورم السرطاني فيما لو تكون .. اما عن الميكانيكية التي يعمل بموجبها على محاربة الخلايا السرطانية فنحتاج في البدء اخذ فكرة عن كيفية تولد الخلايا السرطانية وانتشارها. تنشأ الاورام السرطانية مرورا بثلاث مراحل:

1. تحول الخلايا الطبيعية الى خلايا سرطانية.

2. تكاثر الخلايا السرطانية المتكونة.

3. انتشار الخلايا السرطانية وغزوها باقي الانسجة السليمة.

وغالبا ما توصف الادوية او الطرق المعهودة لعلاج السرطان بعد معرفة المرحلة التي وصل اليها الورم، وتكون العقاقير المستخدمة لايقاف تقدم السرطان عن مرحلة معينة ثم بدء مرحلة علاج اخرى للسيطرة ثم القضاء على الورم. ان ما يميز الكركمين كعلاج واعد للسرطان كونه يعمل في محاربة الخلايا السرطانية على جميع مراحل نموها. فهو يثبط العوامل الفسلجية والبايوكيميائية المسؤولة عن تحول الخلايا الطبيعية الى سرطانية مثل العوامل NF-KB و AP-1 ومن ثم يمثل خاصية وقائية للجسم من الاصابة بالسرطان اساسا (المرحلة الاولى). والكركمين ايضا يوقف تكاثر الخلايا السرطانية وانقسامها عن طريق تقليل انتاج بروتينات تعرف باسم عوامل النمو Growth Factors وكذلك المستقبلات الخلوية الخاصة بعوامل النمو Receptors، بالاضافة الى تقليل الدفاعات الايضية الذاتية، داخل الخلية السرطانية مما يزيد من فرصة موتها بالانحلال الذاتي Apoptosis. اما لانتشار الورم السرطاني فهناك بروتينات خاصة تسمى جزيئات التلاصق Adhesion Molecules تحفز انحلال وانفصال الخلايا عن نسيجها الاصلي وانتقالها والتصاقها بانسجة اخرى بعملية تسمى Metastasis، يعمل هنا الكركمين على منع تكوين جزيئات التلاصق وبالتالي انتشار الورم (المرحلة الثالثة).

وقد اكتشف مؤخرا وجود عامل فسلجي مهم يدعى Necrosis Factor Kappa B او اختصارا (NF-kB)، يمكن ان يؤدي الى تحفيز نمو السرطان عبر خمس طرق:

1. تحويل الخلايا الطبيعية الى سرطانية عن طريق زيادة فعالية انزيمات معينة.

2. زيادة دفاعات الخلية السرطانية ومقاومتها للانحلال او الادوية الكيميائية.

3. زيادة انقسام وتكاثر الخلايا.

4. خلق اوعية دموية جديدة تغذي الورم السرطاني.

5. تسريع انتشار الورم وغزوه لانسجة جديدة غير الاصلية.

اما ما يسبب ارتفاع مستوى العامل (NF-kB)، وزيادة خطورة احتمال الاصابة بالسرطان، فهناك العديد من الوسائل نتعرض لها على الدوام يمكن ان تضعنا على حافة هذا الخطر، فدخان السكائر، والتلوث البيئي من ماء يمتزج بنفايات المعامل، بالاضافة الى التعرض لاشعة الشمس فوق البنفسجية، والصدمة والتقدم في السن، وتناول الاغذية الغير صحية والمشتملة على نسب عالية من الدهون المشبعة والنشويات،  وايضا عوامل اخرى نفسية وجينية وراثية، كل ذلك يمكن ان يحفز توليد العامل (NF-kB) ومن ثم احتمال الاصابة باحد الامراض السرطانية.

وقد اثبتت العديد من الابحاث فعالية الكركمين في منع تكوين العامل (NF-kB) من عدة طرق ووفق العديد من الميكانيات البايوكيميائية مما يقلل الى حد كبير تاثيراته السلبية على الجسم، وبكلمة واحدة، فقد وجد ان الكركمين يؤثر على ما يزيد عن الخمسين من العوامل الفسلجية الحيوية والموجودة في الجسم من هرمونات وانزيمات وبروتينات وعوامل جينية ووراثية جميعها مرتبطة بصورة مباشرة او غير مباشرة بنشوء وتكاثر الخلايا السرطانية.

هل تتوقف فائدة الكركمين في علاج السرطان عند هذا الحد؟ ابدا ..فقد وجد مجموعة من الباحثين في جامعة اوكسفورد ان الكركمين يمكن ان يحمي مرضى السرطان المعالجين بالاشعاع الذري من التاثيرات الجانبية التي يسببها الاشعاع كالحروق الجلدية وتلف الانسجة السليمة الغير مسرطنة، وكذلك التهابات الاغشية المخاطية واحتمالية تلف النخاع الشوكي واصابة الدماغ مما قد ينشأ عنه مخاطر اخرى كالشلل وفقدان الذاكرة. وحيث ان اكثر من خمسين بالمئة من مرضة السرطان يعالجون بالطب الذري فان استخدام الكركمين يمكن ان يوفر الكثير من الحماية لهؤلاء من التاثيرات الجانبية السلبية للاشعاع.

ان ما يشجع في استخدام الكركمين كعلاج جديد للسرطان، بالاضافة الى كونه يوقف نمو الخلايا السرطانية عند كافة مراحل نموها، هو انخفاض درجة سمية وتاثيراته الجانبية الى الصفر. اضف الى ذلك سهولة زراعة نبتته وسهولة استخلاص المادة الفعالة منها ورخص ثمنها.

لذلك تجد العديد من شركات الصناعات الدوائية قد اخضت على عاتقها مهمة انتاج خلاصة الكركم، والتي تحتوي على ما مقداره من 68 – 98 بالمئة من الكركمين، ومن هذه الشركات Sabinsa, Kalases, Iherb, Big fitness, American Nutrition، وغيرها.