الخصخصة ليست عصا سحرية لمعالجة
الاوضاع
المتردية والقطاعات الاقتصادية
اسعد
العاقولي
برغم ان عاصفة
الخصخصة اتجهت نحو الهدوء النسبي منذ اواخر عام 2003 وحتى
الان بعد لهاث مكثف من جانب الداعين اليها مصورين اياها
بالوصفة الجاهزة والعصا السحرية لمعالجة الاوضاع المتردية
للقطاعات الاقتصادية، لاسيما الانتاجية فقد اظهرت مجريات
الاحداث والتغيرات ابان اشهر عام 2004 انكفاء المستشارين
الاقتصاديين الفاشلين للادارة المدنية المؤقتة للاحتلال عن
دعواتهم المبكرة للخصخصة بعد ردود الافعال الشعبية والخبيرة
من ناحية، تدهور الاوضاع الامنية وتأكدهم من عدم رغبة
المستثمرين الاجانب، مرحلياً، في دخول السوق العراقية بصفقات
استثمارية، وبصفة خاصة في القطاعات التي تتعرض للتردي الاقرب
للانهيار، كما هو وضع القطاع الصناعي العام من ناحية اخرى،
وتركوا امر مواصلة التحرك لقوى وفئات ضاغطة داخل القطاعات
الاقتصادية وخارجها، وبضمنها خبراء ومراكز بحوث واستطلاع رأي
مستحدثة ، فضلاً عن وسائل اعلان، مرئية ومسموعة ومقروءة،
عراقية وعربية واجنبية، شغلها الشاغل ابقاء صورة الخصخصة
شاخصة، وممارسة الضغوط على الوزراء والمسؤولين القياديين
لقبول هذه الصيغة او تلك وترسيخ قناعاتهم بأن الظروف
القطاعية غير الطبيعية لا يمكن تخطيها دون الركون للوصفة
السحرية التي يعدونها متمثلة بالخصخصة معتمدين فكرة ان قلة
التخصيصات المالية بصفتها مصدر شكوى القطاعات كافة تتطلب
التفتيش عن منافذ تمويلية او استثمارية مقابل ارتهان
المشاريع الاقتصادية، الانتاجية والخدمية، على وفق واحدة من
صيغ الخصخصة وهي الطريقة الاسهل لا للحصول على التمويلات
فحسب، وانما التخلص ايضاً من المشاريع المتعثرة التي تتعرض
للمشاكل والمعضلات، الانتاجية والادارية، المعيقة لعودتها
التدريجية الى الاوضاع التشغيلية الطبيعية حتى ادنى
مستوياتها، أي ان اللجوء للخصخصة يشكل محاولة لتصدير
المشكلات للمستثمرين الذين سيقدمون التمويلات للمشاريع
ويتولون ادارتها، دون ان يكون ذلك جزءاً من الاصلاحات
الاقتصادية في بلد عانى، ومازال، اقتصاده من انهيار كارثي،
وتواجه قطاعاته امراضاً عضالا لاحصر لها بحيث تبدو اقرب
ماتكون الى جثة هامدة، ولعل في مقدمة ذلك البيروقراطية
والفساد الاداري والمالي، وانعدام الشفافية، والاختلالات
العميقة ، والبطالة المقنعة او المستترة وغيرها.
ولكي لانبقى على
هامش الاراء والتصريحات التي ادلى بها عدد من الوزراء خلال
الاشهر الاخيرة، ينبغي تسجيل مايأتي:-
اولاً: لقد توفرت
قناعات على مستوى من الجدية بأن الخصخصة ينبغي ان تكون جزءاً
من قرارات وبرامج حكومة منتخبة لانها تمس مباشرة اوضاع
ومصائر قطاعات اقتصادية وطنية لا يحق لأي كان ان يجري
تحويلاً جذرياً في مساراتها اذا لم يكن ذلك جزءاً في سياسات
اقتصادية عامة مثبتة واضحة المعالم تتركز حولها قناعات الناس
عموماً، والعاملين بشكل خاص وهذا بالذات مااكده العديد من
الوزراء القطاعيين، وبضمنهم وزيرا النفط والصناعة والمعادن.
ثانياً:-
برغم ان برامج الخصخصة تميل الى التشكل في اطار من الاولويات
البعيدة نسبياً عن القطاعات الخدمية في بداية انطلاقها، فان
وزيري الكهرباء والاتصالات تحدثا اكثر من مرة حول نيات
القطاعين للركون الى الخصخصة لمعالجة مشاكل نقص التخصيصات
المالية والحصول على استثمارات اضافية، مع ان مثل هذا المنحى
قد يؤدي الى زيادة كلفة الخدمات المقدمة للمواطنين وهو ما
يصعب تحمله في الافق المنظور، فضلاً عن ان مثل هذا التوجه
لايحمل دلالة الخصخصة بقدر مايكون اقرب الى خاصية الاستعانة
بالاستثمار والتمويل الاضافي من خارج القطاعات لاقامة
مشروعات جديدة.
ثالثاً:- وهناك
تباين معين لابد ان يدخل في الحساب بين الخصخصة والاستثمار
الخارجي أي بوجه الدقة الاستثمار من خارج القطاعات ذلك ان
الخصخصة بجميع صيغها واشكالها تعتمد على اساس اجتذاب
الاستثمارات والتمويلات من خارج القطاعات لنقل ملكية او
ادارة مشروعات داخلها، فيما قد تتجه هذه الاستثمارات
والتمويلات لاقامة مشروعات جديدة تدعم القطاعات وتعزز
امكاناتها المادية وقدراتها التقنية، وهو مالايحمل دلالة
الخصخصة بوجه التحديد.
رابعاً:- ولعل
التصريحات الاخيرة لوزير الصناعة والمعادن السيد حاجم
الحسني، كانت تتضمن الكثير من التناقضات بشأن الخصخصة
والاستعانة بالاستثمار والتمويل الخارجي، اذ انه برغم
الاقرار بمبدأ ارتباط الخصخصة بحكومة منتخبة وسياسة اقتصادية
ثابتة نابعة من الواقع والخصائص الوطنية المميزة، فسيادته
يطرح اكثر من (230) مصنعاً معروضاً على اساس قاعدة التأجير
لفترات قد تصل الى عقدين من السنين، وهو مايشكل من حيث
المنحى والمضمون نوعاً من انواع الخصخصة التي تغطي مساحة
واسعة من الصيغ والاشكال المؤدية الى تغيير طبيعة ملكية او
ادارة المشروعات العامة.
خامساً:- وفي ظل
واقع قصور وضعف الامكانات المادية والقدرات التقنية للقطاع
الخاص العراقي بصورة عامة في المرحلة الراهنة، فان التوجه
نحو تأجير المصانع الـ(230) سيكون في المال الاخير مخصصاُ
لخدمة المستثمرين الاجانب بصورة اساسية.
سادساً:- طابع
الغرابة في تلك التصريحات تتجلى في سلسلة النعوت والاوصاف
السلبية التي عرض فيها السيد الوزير مشروعات قطاعه الـ(230)
للتأجير، فهي غير حديثة وانتاجها قليل ، واغلبها متضرر
ومنهوب، وتعاني من البطالة المقنعة او المستترة بمعدلات خطرة
وما الى ذلك، في وقت كان من الضروري ان يتحرك امر التوصل الى
هذه النتائج السلبية للمسثتمرين انفسهم في حالة اعتماد مبدأ
التأجير فعلاً.
|