الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

بعد أن كانت البصرة أكبر غابة نخيل في العالم: في حروب صدام هلكت بالبصرة سبع ملايين نخلة و(جرفت) من بساتينها 110 آلاف دونم - هل يعوض مركز أبحاث النخيل ما خسرته بساتينها؟

البصرة / عبد الحسين الغراوي

تحتل نخلة التمر مكانة متميزة بين اشجار الفواكه المنتشرة في العراق، لما يتميز به ثمرها من قيمة غذائية واقتصادية كبيرة، ولأن العراق (كان!) يحتل موقع الصدارة بين دول العالم في عدد نخيله وكمية الإنتاج، إلا أن أعداد النخيل تدنت من 30 مليون نخلة في فترة الستينيات من القرن الماضي إلى اقل من 14 مليون نخلة في الوقت الحاضر، وكانت البصرة تعتبر اكبر غابة نخيل في العالم، لما توفره من بيئة مثالية لزراعة النخيل حيث التربة والمناخ والمياه.. غير وبسبب الحروب أصابتها بإضرار جسيمة أدت إلى هلاك الملايين من أشجارها ونتج عن ذلك تدني إنتاجية التمور على نحو لافت للنظر، إضافة إلى هلاك أصناف النخيل النادرة والتجارية، كما أدت امراض النخيل التي تسببها حشرتا الحميرة والدوباس إلى هلاك الكثير منها وكان لابد من معالجة تدني إنتاجية نخيل البصرة وزيادة فسائله لتعويض ما خسرته. ومن هنا جاءت الحاجة الماسة لإيجاد صيغ عملية لدراسة واقع نخيل البصرة وايجاد الوسائل الضرورية لمعالجة الظروف البيئية التي ادت إلى تدني انتاجية نخيل البصرة وهلاكه..

في مركز ابحاث النخيل

ولدخولنا في موسم جني التمور حين تكون النخلة خلال شهر تموز في اوج تضوج تمرها لتبدأ بعدها الطواشات بجمع التمور ومن ثم تنقل التمور إلى الاسواق لبيعها. ولكي نسلط الضوء على ما صادفه هذا العام من مشاكل، من أهمها مكافحة الحشرات التي تؤثر على إنتاجية التمور ومشاريع إكثار زراعة النخيل زرنا مركز أبحاث النخيل التابع لجامعة البصرة وهو المركز المتخصص الوحيد في العراق ومنطقة الخليج للوقوف على دوره المركز من الناحية العلمية والاكاديمية النتائج البحثية التي توصل إليها لزيادة زراعة النخيل، والطرق العلمية المتبعة بهذا الخصوص. التقينا د. عباس مهدي جاسم / مدير المركز الذي أعطانا تصوراً علمياً شاملاً عن مهام عمل المركز قائلاً

تقنية الزراعة النسيجية

- لمركز ابحاث النخيل نشاطات متميزة على مستوى البلاد منها التعاون البحثي مع البرنامج الوطني لتكثير وتحسين زراعة النخيل وزارة الزراعة في مجال اجراء ابحاث علمية لتطوير تقنية الزراعة النسيجية كوسيلة حديثة للتكاثر وإمكانية الاعتماد عليها في انتاج اعداد كبيرة في فسائل النخيل لتعويض الاعداد الهائلة المفقودة منها: مضيفاً بأن المركز دعم من قبل وزارة الزراعة وتم تأسيس مختبر نموذجي لهذا الغرض يعمل مجموعة من المختصين وطلبة الدراسات العليا، وتوصلنا إلى نتائج ممتازة في هذا المجال. وكذلك تم تأسيس مشاتل امهات النخيل في مواقع مختلفة بواقع 1000 فسيلة في كل موقع، كما اجرينا اختبار زراعة فسائل النخيل في المناطق الصحراوية، في منطقة الزبير، لنفس الهدف ولدينا حالياً تعاون مع برنامج انعاش الاهوار، التي تعرضت للتجفيف من قبل النظام المباد، الذي تموله الوكالة الامريكية للتنمية الدولية وذلك للأشراف على زراعة مشاتل فسائل النخيل في المناطق الجافة من الاهوار في محافظات البصرة وذي قار وميسان، بهدف نشر زراعة النخيل في تلك المناطق. والمركز يشرف حالياً على مختبر لإكثار النخيل بزراعة الانسجة للقطاع الخاص في منطقة ابي الخصيب. وهو كما يؤكد د. عباس مهدي جاسم / أول مختبر يقوم بتأسيسه والصرف عليه من قبل القطاع الخاص العراقي لتطوير تقنية اكثار النخيل بزراعة الانسجة، ويضم مختبرات حديثة منها المختبر النموذجي للزراعة النسيجية ومختبر التحضير والتحضين وأمراض وفسلجة النخيل والبيت الزجاجي. وحقل لأصناف النخيل بمساحة 15 دونماً يحتوي على عدة أصناف.

هذا إلى جانب ملاك بحثي متخصص بدراسة زراعة النخيل وطرق اكثاره فضلاً عن ابحاث طلبة الدراسات العليا. وبين مدير المركز إن الخطة العلمية تشمل دراسة إكثار النخيل بزراعة الانسجة وامراض النخيل والحشرات المتطفلة عليها وانزيمات التمور والتربة والمياه. وبستنة النخيل وأصنافها وخزن التمور وتصنيعها. التفاصيل


عادت إليه الطيور والأسماك وتحركت فيه الأمواج .. رحلة مع الجفاف والماء في نهر البتيرة

ميسان / محمد الحمراني

حين كنت صغيراً شاهدت المرحوم كامل الدباغ مقدم برنامج (العلم للجميع)، يتجول في زورق بخاري في نهرب البتيرة ومعه الكثير من الاجانب... يبحثون عن كنوز لا اعرفها قرب ضفافه التقيت السباح عبد الرضا محيبس.. الذي اصبح فيما بعد بطل آسيا في السباحة وكذلك شاهدت أصدقائي الصابئة يصلون لأول مرة.. في امواجه غرق صديقي الزنجي (علاوي) وفي أحد الأكواخ المحاذية له ولد الشاعر حسب الشيخ جعفر، وعن احد قنواته كتب الدكتور جاسم الهاشمي روايته (أم ايشين)، وغنى سعدون جابر العديد من اغنياته وهو يجلس في زورق بين امواج نهر البتيرة وبزوارق مسلحة كان يمر الشيوعيون فيه خلال فترة الكفاح المسلح.. على ضفافه شاهدت كلب الماء لأول مرة.. العجائز يحتفظن بحكايات عن انتفاضة آل ازيرج ضد الإنكليز ومقتل العديد من رجالها في شط البتيرة.. وفيه لأول مرة أشاهد جسد امرأة.. حين غرق مركب لسياح أجانب.. إنها مجرد صور وخلفها صور أكبر..استذكرها الآن كاكتشاف قديم للنهر.. ولكنه محمل بالحيوية والخيال في زحمة صور خالية من الجمال.. تلك التي خلفتها مرحلة حكم البعث.

رحلة النهر

على بعد 16 كم شمال مدينة العمارة، يتفرع نهر دجلة.. من الجانب الايمن، إلى نهري البتيرة والعريض ويستمر دجلة، حتى مدخل مدينة العمارة حيث يتفرع منه نهر يلتف حول المدينة يسمى الكحلاء أما دجلة فيقطع مدينة العمارة إلى نصفين متجهاً إلى محافظة البصرة. ولو رجعنا إلى نهر البتيرة نجده يندمج في بدايته مع نهر العريض بمأخذ طوله 4 كم. ثم يأخذ كل واحد منهما مجراه ويسيطر على المياه في بداية تفرعها ناظمان.. على بعد امتار قليلة من مدخل نهر البتيرة كانت توجد أكبر مستعمرة للجذام في الشرق الأوسط وكان اغلب الذين يشفون من هذا المرض، لا يتقبلهم أهلهم وهذا ما جعلهم يبنون قرية لهم لا تبعد كثيراً عن المستعمرة يسميها أهل العمارة قرية (المحارمة).. وهي بعيدة عن أي تجمع سكاني. وعلى بعد 2 كم يوجد على النهر جسر البتيرة الحديدي، وهو يصل محافظة ميسان بمحافظة النجف وبعد الجسر توجد الكثير من التجمعات السكانية الصغيرة واغلب هذه التجمعات تعتمد في عملها على زراعة الخضروات ويطلقون عليهم تسمية (الحيساوية) ويتفرع نهر البتيرة في هذه المناطق إلى عدة فروع ومنها جداول: أبو سبع، دوارة الحكومة، الشلوحية ويسكن قرب هذه الانهار عشائر: البهادل والجمالة والسادة الهواشم. وعلى بعد 20 كم من بدايته يدخل النهر قضاء الميمونة ويوجد عليه جسر كبير يؤدي طريقه إلى مرقد السيد أحمد الرفاعي وأغلب سكنة هذا القضاء من عشيرة آل ازيرج. ثم يتجه النهر جنوباً ماراً بقرية (الحريجة) و(باب الهوى) و(الدويمة) و(الخورة)، وقرب هذه القرى تخرج منه عدة تفرعات نهرية صغيرة ومنها: (ابو جنايز)، (أم كعيدة) ونهر (الدويمة).. حين يصل البتيرة إلى ناحية السلام (الطويل سابقاً) يكون قد قطع 37 كم، وفي هذه المنطقة تتفرع منه أربعة انهار هي: (التركية) الأولى، (التركية) الثانية، (ابو جصانة)، و(أم العظام).. وتستمر رحلة النهر فيمر ببعض القرى الصغيرة ومنها: (السودانية)، (ام الفجل) المثنى، وفي هذه المنطقة يوجد عدد كبير من التفرعات واغلبها يصل إلى منخفضات صغيرة تحتوي على مضخات لسقي الحقول ويسكن هذه القرى ايضاً افخاذ من عشيرة آل ازيرج، وتنتشر فيها زراعة الحنطة والشعير.. حتى يصل النهر إلى قرية الخمس، وقرب هذه القرية توجد عدة تفرعات منها: (الضلع)، (الشبكة)، (المفصل)، (ابو عشرة). واغلب هذه القنوات كانت تصب في الاهوار قبل تجفيفها، أما الآن فهي تنتهي قرب الحقول الزراعية وتتلاشى فيها. وفي قرية الخمس يكون نهر البتيرة قد وصل إلى نهايته بعد أن قطع 40 كم. ويتفاوت عرضه على امتداد هذه المسيرة من 80 إلى 100 متر واغلب الخبراء أكدوا.. إن هذا النهر ليس له نسبة مائية ثابتة.. بعد قرية الخمس يصب البتيرة في نهر العز الذي أمر بحفره النظام المنهار بعشوائية للقضاء على الأهوار، وهو بعرض 1 كم، ويصل من محافظة ميسان إلى محافظة البصرة ليصب في نهاية نهر الفرات قبل مدخله في شط العرب.. وقبل التجفيف كانت هذه المنطقة تسمى بالاهوار الوسطية وتكون المياه اشبه بخزان مائي.. ونهر البتيرة يعتبر من اهم الانهار التي كانت تمد الأهوار السابقة بالماء. التفاصيل


تحت الضوء: الحر.. والنظام السابق

أحمد السعداوي

لي صديق، يقيم الآن في إحدى الدول الاسكندنافية، كان يردد في رسائله دائماً جملة، اعتقد انه مأخوذ بجمالها الشعري، أكثر مما فيها من حقيقة اكيدة. كان يقول إنه هرب من العراق لسببين لا أكثر أولهما صدام.. والثاني.. حر الصيف العراقي.

وكان من حقه طبعاً أن يتساءل: كيف كانت الحياة في العراق طوال عقود وقرون تسير دون (سبلت) أو (أركندشن) أو حتى مبردة أو مروحة سقفية؟!

وإذا كان صدام قد زال، فان الحر باقٍ لا يزول، وهذه نتيجة كافية لصديقي الاسكندنافي لكي لا يعود إلى العراق ابداً.

صديق آخر، هو في عمان الآن، كان يقول.. إنه ظل يدعو الإله فترة طويلة حتى يئس وانقطع رجاؤه، لتحقيق شيء فنطازي، لكنه مهم بالنسبة لهذا الصديق، وهو أن يدخل في السبات ابتداءً من نهاية الربيع وحتى مطلع الشتاء، وهو مستغن عن الاشهر الاربعة أو الخمسة التي تختفي بسبب هذا السباق الجميل، لأنها ثمن لا بد منه للتخلص من الحر.

كنا نقرأ عن البرنامج الكتابي لنجيب محفوظ، ونعجب لهذا الانضباط، فهو يكتفي بالقراءة خلال الصيف، ويبدأ موسم الكتابة لديه خلال الشتاء. ولا أدري هل للحر علاقة بالموضوع ولكني أعرف أن للحر علاقة بالكثير من النشاطات الابداعية وغيرها هنا في العراق.

وتيرة النشاط تهبط حين ترتفع درجة الحرارة (في الظل) إلى 45 درجة مئوية.. هناك علاقة عكسية للحياة كما يبدو مع الحر.

يتابع العراقيون اخبار موت أو مرض العديد من مواطني الدول الاوروبية خلال الصيف.. ومثلها في الهند والدول الآسيوية. ويعجبون أن يموت الانسان بسبب الحر، ولكن تلكؤ الحياة وتضعضعها هو شيء مشابه للموت. فان أظل معطلاً بانتظار الشتاء، وهو شيء يشبه الموت أو السبات.

إن جزءاً جوهرياً من مشكلة العراقيين السايكولوجية في عهدنا الجديد. هو إن بعضهم متكيفون إلى حد ما مع وجود الديكتاتورية وحضورها الرمزي والمادي، لذا نرى الآن الكثير من الآثار السلوكية التي يمكن ردها إلى معضلة التكيف السابق مع الديكتاتورية. وعدم التقدم في التكيف الجديد المراد مع الديمقراطية. هذه الصورة ترد إلى ذهني دائماً حين انظر إلى سائقي النقل الخاص، وباعة الارصفة. وأصحاب المقاهي في باب المعظم والباب الشرقي، وباعة الخضار والرقي وغيرهم. الذين يصطحبون بالشمس اللاهبة، ويختمون يوم عملهم بتوديعها إنهم متكيفون ولا ريب مع الحر العراقي المميز. يساعدهم على ذلك أن حس المقارنة مفقود. فهم لا يعرفون صيفاً آخر غير هذا الصيف. حتى وأن ذاب الإسفلت كل سنة وحمل معه إلى شتاء طبعات الإطارات المختلفة، فهذا هو الصيف!!

صيفنا - وأخشى أن نذعن لذلك - هو صيف مجرد، أنه شمس وهواء ساخنين على مدار النهار، وأرض وحيطان (فرنية) على مدار الليل. إنه صيف غير ملطف بشيء غير طبيعي، أو ينتمي للأنجاز البشري. على الصيف أن يعمل وفق سنن الطبيعة. وعليك أن تتعرق، وفق سنن الطبيعة ايضاً. والسبب معروف.. لا ماء ولا كهرباء.

على الضفة الاخرى، يتندر العراقيون على حالهم، حيث يذكرون صورة فردوسية عن علاقة الانسان بالحر، صورة المواطن الخليجي الذي يهرب من بلاده إتقاء الحر إلى بلاد الله المثلجة، أو الصورة البديلة عن ذلك.. البيت المسبلت! (من السبلت) الذي يخرج منه إلى السيارة المسبلتة. ثم ينزل منها إلى مكان عمله المسبلت جيداً، ثم إلى أماكن الترفيه والتسوق المسبلتة كالعادة، وهكذا حتى تنقضي محنة اقتراب الارض الموسمي من الشمس.

التشجير كان واحداً من خطط ثورة 14 تموز 1958، لتخفيف الحر عن سكان بغداد، وهذا ما لم يتحقق حتى الآن، كذلك بامكاني أن أتألم وأتندر على عنوان عريض خط في نهاية حرب الثمانينيات على غلاف مجلة (ألف باء).. (بغداد تنار بالطاقة النووية عام 2000 ولكننا (جزنا) الآن من الطاقة النووية ونريد كهرباءنا الاعتيادية.. نريد - لا أكثر - أن نسقط الحر الديكتاتوري في قسوته، والديمقراطية في نعمائه.. بمروحة سقفية في الاقل، حتى لا نظل نحلم بالسبات أو الهرب، وحتى لا يغدو الحمام - إن توفر الماء - هو البيئة الطبيعية لحياة الانسان العراقي خلال صيفه المميز!

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة