الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

أصداء ألف ليلة وليلة في العالم الغربي

على الشوك

يبدو ان سحر ألف ليلة وليلة يبقى ممتنعا عن البلى على مر الزمن. فبعد عشر سنوات على صدور كتاب (الليالي العربية) لروبرت إروين، الذي لقي رواجاً، يعاد طبعه الآن، مع مقدمة جديدة. هذا الكتاب يتحدث عن (اعظم انجاز أدبي في العالم العربي). وليس ذلك فحسب، بل ان هذه الليالي العربية لا يزال لها سحر كبير على المخيلة الغربية، كما يقول كيفن جاكسون. هذا على الرغم من الصراع الحقيقي والمفتعل بين العالمين الغربي والاسلامي، وعلى الرغم من الصورة القاتمة عن العالم الاسلامي عند الغرب، التي تنعكس في فتاوى طالبان والاسلاميين المتشددين الآخرين، ومفجري القنابل الانتحاريين، الخ.

فبالرغم من هذه الصورة القاتمة عن العالمين العربي والاسلامي هناك التماعات إيجابية، من بينها تلك النزعة المتنامية في الغرب نحو نظرة أكثر تعاطفاً مع العالم الاسلامي بحكم دوره، الحضاري. فقد صدر كتاب (الحمراء) لإرفنخ ونفدت طبعته الأولى في غضون أسابيع، وسيقدم على الشاشة الصغيرة، كما أن الطبعة الثانية من (الليالي العربية) ستشفع بسلسلة من خمس حلقات بعنوان (ألف ليلة وليلة)، تذاع من القناة البريطانية BBC الرابعة، ويتحدث كيفن جاكسون عن الوصفة الإيكزوتية التي غزت العالم الغربي عن طريق الليالي العربية، وكيف ان لعبة الكرة والدبابيس القديمة كانت مزينة بصورة مثيرة عن مشاهد كانت مثار اعجاب المخيلة الأوروبية: (بيضة الرخ الهائلة، والجاريات بسراويلهن الشفافة، والرجال ذوو، الانوف المعقوفة المتفننين في استعمال السيوف المعقوفة، الخ).

وقد تبدو هذه اشياء تافهة، لكنها نافست وربما فاقت، مشاهد من شكسبير، أو هوميروس، في ما تنطوي عليه من عنصر الإدهاش. قال خورخة لويس بورخس مرة عن (الليالي) إنه (كتاب من السعة بحيث لا يتعين عليك قراءته)، مع انه قرأه، وظل متأثراً بقراءته بلا انقطاع.

ويقارن روبرت إروين بين الف ليلة وليلة والكتاب المقدس، في حضورهما في الذهن أكثر من قراءتهما. ولربما فكر القراء الأكثر ثقافة في شهر زاد، وبراعتها في الافلات من الموت برواية قصصها على مدى ألف ليلة وليلة، بيد ان القراء لا ينسون السندباد، وعلاء الدين ومصباحه، وعلي باب والأربعين حرامياً.. فهذه القصص هي، حقاً، نظائر لقصص مثل (Snow Whife)، وبينوكيو، وهرقل، وابطالها مثل اولئك الأوروبيين الذين اسهموا في خلق عالم امبراطورية ديزني.

على ان حضور (الليالي) في الذاكرة لم يكن مجرد شيء ذي طابع جماهري بسيط، قد يذكرنا بلعبة الكرة والدبابيس والتمثيل الإيمائي. فقد زعم فولتير انه قرأ قصص ألف ليلة أربع عشرة مرة، وانتحلها في قصصه؛ وقال هوراس والبول: (إذا قرأت السندباد فسوف تعرف من انياس [بطل إنياذة فرجيلى]؛ أما كوليرج، فقد زعم أنه قرأ الحكايات وهو في السادسة من عمره، حيث أرعبه بعضها، مثل دي كوينسي؛ (وورد زووث)، وتنيسون، وديكنز الذين اغنوا ذاكرة طفولهم بهذه الحكايات العربية، مع عبارة سكورج، احد ابطال ديكنز (يا عزيزي المخلص القديم علي بابا)، اما المؤلف غيبون فقد تعاطف بحرارة مع الخلفاء العباسيين في (انهيار وسقوط الامبراطورية الرومانية)، وهو انعكاس مباشر لهيامه بالليالي العربية في طفولته.

وقدم روبرت لويس ستيفنسون (ليالي عربية جديدة) لعصره؛ وفي أمريكا كان كل من إدغار ألن بو، وميلفل مسكوناً بالأرابيسك.. وهكذا؛ نرى ان ذكرى شهرزاد تترجع عند مارسيل بروست، وجيمس جويس، وبورخس، وآخرين، بمن فيهم سلمان رشدي. وقد صدرت روايتان حديثتان في بريطانيا متأثرتان بكتاب روبرت إروين عن (الليالي)، هما (الجن وعين البلبل) (A.S. byatt) و (شهر زاد) لأنتوني أونيل.

ولم يقتصر الحال على الأدب، بل تعداه إلى عالم السينما، والموسيقى، والمسرح، والفنون التشكيلية، كما هو معروف. فكيف حصل هذا الغزو الجميل؟ سؤال كبير استغرق روبرت إروين أكثر من 300 صفحة للاجابة عنه (جزئياً كما يؤكد). ولعل الجواب السريع هو: حجرات نوم الأطفال. وكما ينبغي، واحياناً بغباء، كان النص يتعرض إلى البتر، والتصرف لتشذيبه من السموم الضارة (بما في ذلك الكرم الوافر على الجنس، والعنف المخيف، والصورة عن المجرم العربي في القرون الوسطى بما يضارع أي شيء في الأدب الأليزابيثي واليعقوبي).

وكانت هذه الصيغ المهذبة من (الليالي) تعتبر ملائمة جداً للعقول الغنية التي كانت تتلهف إلى غذاء كهذا من الفناتازيا والاعاجيب. وهكذا، على غرار رحلات غوليفر، أو روبنسون كروزو، أصبحت السرديات التي كتبت للبالغين مادة صالحة لمخيلة الأطفال.

وكانت فرنسا أول من تعرف على هذه الليالي. كان انطوان غالان (1646 ـ 1715) أول مترجم أوروبي لها. لقد نشرت ترجمته بين 1704ـ 1717، ولقيت نجاحاً منقطع النظير.

ومن الجدير بالملاحظة، أن صيغاً عربية لبعض الحكايات لم تظهر إلا بعد ترجمة غالان ما يعني أنها قد تكون ترجمت إلى العربية من الفرنسية. ثم تبعتها ترجمة انكليزية في 1708، تشتمل على مختارات من الحكايات، يبدو انها كانت سطواً على ترجمة غالان، وبعد ذلك بقرن ظهرت ترجمة جوناثان سكوت في 1811 بعنوان (تسليات الليالي العربية). وكانت هذه الترجمة بشيراً بظهور ألف طبعة وطبعة للأطفال، على حد قول كيفن جاكسون، وفي اعقابه، وبفضل انتعاش الحركة الاستشراقية كمؤسسة نافعة ومدفوعة الأجر بسخاء في ما تقدمه من خدمات لأعظم امبراطورية، كانت الترجمات الرئيسة ترجع مباشرة إلى مصادر محققة ومطبوعة حديثاً: إدوارد لين في 1838 ـ 1841، وجون بين Payne في 1882ـ 1884، والسير ريتشارد بيرتن، بعشرة مجلدات، نشرت بين 1885 ـ 1888. وكان مستوى هذه الترجمات على نحو ما جاء في مجلة (أدنبرغ ريفيو): (غالان لدور الحضانة، ولين للمكتبة، وعين Payne للدراسة، أما بيرتن فللبالوعات (بالانكليزية Sewers، وتعني أيضاً كبار خدم المائدة).

أما ترجمة بنغوين في القرن العشرين، التي تعتبر مفضلة، فقد خذلت جمهور القراء، حسب رأي روبرت إروين، لأن لياليها تبدو مملة. وهو يعتبر ترجمة حسين هداوي [من العراق]، الصادرة في جزءين عن دار (Everyman Library) لا نظير لها، ويضم الجزء الأول مئتين وسبعين حكاية، اما الثاني فيشتمل على قصص مثل (السندبا، وعلاء الدين) ومن بين مشاريع سنة 2004، ان الدكتور مالكوم ليونز من جامعة كيمبرج أخذ على عاتقه انجاز أول ترجمة انكليزية شاملة لليالي الكاملة منذ بيرتن. وسوف تصدر عن دار بنغوين في 2005، أو 2006، وسيكتب إروين مقدمتها.

ويتساءل كيفن جاكسون: ترى هل يلعب الاحتفاء الجديد بحكايات شهرزاد، في المعسكرين، دوره المتواضع في التخفيف من هذا الصراع العنيف (بين العالمين الغربي والإسلامي؟ لكنه لا يذهب في آماله بعيداً، في ضوء الأوضاع الملتهبة في منطقة الشرق الأوسط والسياسة الواقعية.

ففي هذا الواقع الذي تحركه السياسة وتخطط له، لا يكاد يبقى موطئ قدم للطبقة المثقفة مهما كانت نياتها طيبة. مع هذا، وفي أقل الاحتمال، ان من شأن الليالي العربية ان تذكر القراء في الغرب انهم كانوا يوماً ما ينظرون إلى الشرق كعالم (ساحر ورومانسي، وتكتنفه الاسرار)، بدلاً من النظر إليه بغضب ورعب.

وفي العالم الاسلامي، حيث سعى البعض إلى تحريم (الليالي) لاسباب اخلاقية، قد يكتشف قراء غير متمغرضين في انطولوجيا إروين الكلاسيكية ما وصفه هذا الأخير بثقافة اسلامية، واثقة من نفسها، ومتسامحة، وتعددية) وعلى أية حال، ان في فلسفة روي شهرزاد الحكمة: ما دام ثمة من يروي قصة وثمة من يصغي إليها، فالموت يبقى بعيداً.


وهم العلاقة بين الذات والآخر  .. ثقافتنا الى اين؟

حامد الظالمي

يتطرف بعضنا ازاء الآخر فإما ان يقبله تماماً او ان يرفضه تماماً ويعتبره خطراً يفترض ابعاده وهكذا كانت العلاقة مع الغرب ولكن هذه الاشكالية التي نعيشها الآن في عصر الانترنيت والاطباق اللاقطة والفضائية تتطلب منا ابتداع تيار وسط يحترم الخصوصية الدينية والحضارية والشعبية ولكن مع الانفتاح على علوم الغرب وتقنياته مع تسلحنا برؤية نقدية تميز عيوبنا وعيوب غيرنا وكما يقول الدكتور نصر حامد ابو زيد علينا ان نتسلح بوعي نقدي تجاه الغرب وبوعي نقدي تجاه انفسنا كذلك. وفقاً لذلك تبدو شخصيتنا التاريخية وتتبلور فهي تحافظ على اصالتها التراثية من جهة ولا تحرم نفسها مع الانجازات الاخرى والثورة العقلية الاوروبية كما يقول الاستاذ سليم مطر (لم تبدأ كما نتصور برفض المسيحية مادة الكنيسة بل قبل كل شيء كانت العودة الى التراث الاوروبي ما قبل المسيحي، وبالتالي تطور المسيحية وتطويعها كي تتقبل الاوروبي القديم ومن ثم تتقبل العلم والحداثة الاوروبية).

لِمًَ لا ندرس تجارب الآخرين فالكثير من السياسيين والكتاب لم يحالفهم الحظ في الاطلاع على الفكر العربي لأن العمل السياسي قد شغلهم والعمل الإداري كذلك. لذلك لا تكون عنده الفرصة للتفكير في مستقبل علاقتنا بين بعضنا البعض ومع غيرنا. فهو يرى ان الإسلام تزداد شرعيته كلما اكتشف الغربيون قانوناً أو معمولة كان المسلمون قد عرفوها، وهكذا يصبح الإسلام عنده وعند غيره شرعياً (وأقصد هنا شرعية وجوده) بمقدار اقترابه من النموذج الحضاري الغربي وبالتدريج يتم تغريب النموذج الإسلامي كي يتفق مع النموذج الغربي. لذا فهو جعل الغرب الفكرة المرجعية المطلقة لتشخيص الذات واليقين بوجودها وخاصة عندما يعترف بها الآخر.

وفقاً لهذا المبدأ ارتضينا لأنفسنا أن يضع الغرب لنا صورتنا وثقافتنا، فالمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم قام به مستشرق ألماني والمعجم المفهرس لألفاظ الأحاديث النبوية ألفه مستشرق هولندي فتركنا الآخرين يكتبون عنا ويفهرسون كتبنا المقدسة ونحن ننظر إليهم ونردد شعاراتنا بالموت لهؤلاء الذين فهرسوا كتبنا تلك ومن ثم تؤسس المراكز البحثية عنا في دول العالم ونحن لا نعرف شيئاً. ففي أمريكا وحدها يوجد 150 مركزاً بحثياً يدرسنا ويحصي علينا أنفاسنا ولا نعرف عن الأمريكان شيئاً ونسمع (كما يقول الدكتور إدوارد سعيد) عن مركز الدراسات الشرقية في بطرسبورج وهو من المراكز الاستشراقية الضخمة ونحن لا نعرف شيئاً عن هذه المدينة أو عمّا يقال عنا والآن يقوم الباحثون اليهود بتفكيك شعرنا في الرثاء والبطولة والقصائد الكربلائية والتي تلقى في عاشوراء في محاولة منهم لدراسة ظاهرة الاستشهاد ونحن لم ندرس تلك التراجيديا في أدب العراقيين الذين استهلموها كما في قصص محمد خضير وجمعة اللامي وموسى كريدي وشوقي كريم وجبار ياسين وغيرهم.

فالانفصال بين كثير من مثقفينا وبين ثقافات الجماعات والديانات المتواجدة على أرضنا تراه بادياً فمثلاً يقتبس الرموز من جملة الأساطير اليونانية والإغريقية وغيرها ولم يفكر بجد بأساطير تلك الثقافات التي نعيش معها في وطن واحد.

وهكذا فإذا ما تكلم احد ذكر الكثير من الاسماء الغربية التي قرأها ولم يستلهمها لذلك يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري (كنا ندرس فن الخط العربي في المدارس ولكن أدركنا ما يسمى بالتقدم فألغيت هذه الحصة وألغي معها إدراك ان الخط فن جميل تعتز الشعوب به و ظهرت أجيال عندنا لا تدرك هذا أساساً بل هناك بعض فناني الخطوط يتحرجون من ذكر أنهم خطاطون فالخطاط الآن هو مَنْ يكتب لافتات (الكوكاكولا والسافو) ويمكن ان نقول ان هذا اهمال وعدم اكتراث بالتراث وهو بالفعل كذلك ولكن تعمق قليلاً ستجد أننا تبنينا رؤية للفن استوردناها من الغرب ولأن فن الخط ليس ضمن الفنون الغربية الجميلة فقد ضمر فن الخط هنا وهو من أهم الفنون العربية لا لسبب إلا لأنهم هناك يعترفون به فناً) هكاذ تعاملنا مع موروثنا وثبتنا شرعيتنا بعد ان قال الآخرون كلمتهم بها، ولكن لماذا لا نتبعهم بشيء آخر وهو المسرح كما اتبعانهم في رؤيتهم للخط (ففي بريطانيا ) كما يقول الدكتور غالي شكري (تدفع الحكومة لبعض الفرق المسرحية مئات الألوف من الجنيهات حتى تبقى في الساحة) لماذا لا ندفع للخطاط والفنان كي يبقى في الساحة.

لقد قرأت الكثير من النصوص ولكني لم أفهم منها شيئاً غير كلمات لا أرى فيها أية أدوات للربط فيه كلمات غير متصلة سواء بالإسناد، أ م بغيره علماً ان اللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي تكثر فيها أدوات الربط، فكنت أظن ان الخلل في فهمي للنصوص  ولكنها في الحقيق ليست محنتي بل شاركني فيها كل من سألته عن تلك النصوص وهكذا فعندما قرأت كتاب (الذات الجريحة) للاستاذ سليم مطر وقعت كثير من نصوصه على الجرح وخاصة عندما يقول (ان الوهم الاستعلائي شكل دائماً حاجزاً بين المثقف والثقافة الوطنية والشعبية فتشوهت الرؤية الثقافية وساد زيف الإبداع والفهلوة الاستثقافية وهيمن الميل إلى استخدام الرموز العصية والمتسوردة من نوعية (يا طائر البطريق.. وأرفع قبعتي تحية لك يا سيدتي) لقد طغى الغموض والتعقيد إلى درجة إنه صار شرطاً اساسياً للقيمة الابداعية فتقديس الرمز المجهول واللغة العصية على الفهم ذات المفردات القاموسية والجمل الطويلة المعقدة التي لا تعرف منها الفاعل والمفعول به إلا بعد قراءتها مرات عديدة. ففي القصص والأشعار يجب أن تكون المدن مجهولة والشخوص بلا أسماء والأحداث بلا ألوان ولا تواريخ. لوحات الرسامين مهما احتوت على اشكال واقعية فانها بالضرورة يجب ان تلطخ بالألوان القاتمة والضباب الداكن الذي يغطي مساحة اللوحة ويخفي محتواها. التفاصيل


 لقد صنعت لي حلماً

الصناعة الإنسانية للحلم تورق وتزدهر كلما عظم شأن الطغيان والظلم فما الذي يمتلكه الانسان ازاء ذلك غير الحلم، فالاحلام تقدم مساحة بديلة للحرية خارج الواقع، تعطينا تلك الفسحة لتلون الأمل الانسان الملبد برمادية الواقع.لذا كان صراخ الحلم يرتفع بين زمن وآخر... يصرخ بكلمات مهمة تدعو لصناعة حلم ما حتى لو كان على ارض الخيال بفهم ان الحلم بداية الامل.

مفكرون وفلاسفة : العصر يعرف من أحلامه

توتاليتارية الاحلام تحت حكم الرايخ الثالث

 

نيكول لابيير

ترجمة: زينب محمد

في عام 1938 أعلن روبرت لي، أحد كبار الموظفين النازيين في ميونيخ عن قناعته بان (الشخص الوحيد في المانيا الذي يتمتع بحياة خاصة هو الشخص النائم) وهو تأكيد يجانب الواقع لان النوم لم يعد انذاك ملاذاً،  لأن قلق الايام كان طويلاً، وتسكن الليل كوابيسه المرعبة، وفي عام 1934، كان أحد الاطباء يحلم بانه ممدد فوق اريكة في نهاية النهار وفجأة يرى حواجز شقته تختفي وكان مكبر صوت يصرخ ((وفقاً لمرسوم الغاء الجدران في السابع عشر من هذا الشهر) وفي العام نفسه اعتقد احد العمال القرويين بأنه سمع هاتفه يرن في منتصف الليل وكان صوت غير معبر يقول له: هنا قسم المراقبات الهاتفية وسرعان ما وجد نفسه في بحر من الاعذار يتوسل كي لاترفع ضده شكوى، هذه امثلة من بين العديد من الامثلة ومن عام 1933 وحتى عام 1939 جمعت شارلوت بيراوت (1901-1986) في برلين أكثر من ثلاثمئة حلم من مواطنيها، من المانيين اعتياديين، يهود وغيرهم من اصدقاء وجيران ومن اوساط الاطباء والمحامين أسكافيين خياطات، وربات بيوت، وكانت احلامهم تشترك في ميزة واحدة هي انهم لم يكونوا مدافعين متحمسين عن النازية ولانها صحيفة ويهودية وكانت مقربة انذاك من الشيوعيين، فانها كانت تفهم هذا الجمع الغريب على انه مقاومة وكانت تنوي تقديم شهادة حول الطريقة التي كان النظام الجديد فيها يسيء معاملة الناس، شهادة دافعة جداً الى درجة كان بحب محوها: وهكذا سعت الى ترميز الاسماء فحولت هتلر مثلاً الى (العم هنري) والحزب النازي الى (الاسرة) واخفت الاوراق في المكتب قبل ارسالها الى الخارج ولكنها استرجعتها في الولايات المتحدة الاميركية حيث عاشت في المنفى مع زوجها الكاتب مارتن بردات في عام 1940 لكنها لم تنشرها في المانيا الا بعد ستة وعشرين عاماً ومنذ ذلك الوقت جال كتابها فرنسا، وترجم احد فصوله المعنون/ النقاش/ في اير عام 1983، وتطلبة ترجمة الكتاب المدهش هذا الى اللغة الفرنسية عزيمة اثنتين من (مهربي) الاحلام هما المحللة النفسانية آن – ليس شتيرن والفيلسوفة مارتن ايبوفيس التي كتبت مقدمة هذا الكتاب، وكانت اعمال فرويد تقرأ في برلين في الدوائر التي كانت شارلوت بيرادت تردد عليها، لم يكن تأثير مؤلف /تفسير الاحلام / غريباً عن مبادراتها، ومع ذلك ابعدت أي منهج في التحليل السايكولوجي مفضلة عليه تحليل التوتاليتارية التي طورتها / حنا آروتدت / صديقتها في نيويورك، واشارت الى ان التأريخ الفريد للحالمين وصراعاتهم الداخلية اشياء ثانوية غير اساسية، اما كوابيسهم فقد كانت تمثل موضوعات مشتركة كان يعرف المضمون السياسي فيها بسهولة، وقد فرضت عليهم الديكتاتورية، وكانت تلقنهم لكي يسجلوا مثل آلة رسم الزلازل الاسلوب الذي يخرب بها النظام الاستبدادي العلاقات اريربك العقول العقول ويلغي اية حدود بين العام والخاص، واشرت العديد من الاحلام شخصيات لامبالية ووجوه جامدة ومواقف مهينة كحالة صاحب احدى احدى لشركات الصغيرة الذي في اثناء استقبالة لزيارة جويبلس، يقوم بأداء التحية الهتلرية بعد جهود وادار له ظهره وتركه وحيداً حامداً مهيناً، يده مرفوعة وسط صفين من عماله الهادئين.

وثمة موضوع متواتر آخر، هو موضوع الرقابة اليومية جداً الملحة جداً الى الحد الذي تتحول فيه الاشياء المألوفة نفسها الى ادوات تجسس كصالون الخزف الذي يردد بصوت ثاقب كل الانتقادات التي تتحدث عنها العئلة ضد السلطة، وهناك مصباح السرير الذي يكبر ويوضح كل مايقال في السرير، وتخترق السيطرة الموجودة في كل مكان الحواجز الداخلية فتلاحق الافكار السرية فقد تم القاء القبض على احدى النساء التي كانت تحضر حفلاً موسيقياً بعنوان / النادي المغرد / لان آلة سجلت انها عندما سمعت كلمة / شيطان / ربطتها باسم هتلر. كانت احدى ربات البيوت تتحدث الروسية، اللغة التي تجهلها، لكي لايفهم أي شخص وبخاصة هي نفسها، ان قالت شيئاً عن الدولة!، ويحلم رجل بانه لم يعد يحلم الا باشكال هندسية لانه ممنوع عليه ان يحلم ، ونكتشف في / صحف الليل / هذه ان الكيانات مهزوزة وان الخوف من اعتبار احدهم يهودياً يقض مضجع غير اليهود ولاشيء مضمون، وكل شيء مهدد، فالحالمون يبدون انفسهم مشتبهين او متهمين، مما يمكن ان يفسر على انه تعبير عن مشاعر التضامن ازاء مجموعات موصومة، وباسلوب ساخر وهزلي وعبثي ومضطرب يثير كره/المخيلة الكافكية / نسبة الى كافكا/ يكشف خيال الحلم عن استحواذ (النظام) على النفس وظواهر العداء والكراهية والنفور والخنوع أي الانضمام اللاارادي الذي يفرضه النظام لكنه يعبر ايضاً بشكل انكار (حلم الفرد بانه ممنوع من الحلم / او بشكل مخالفة (كتابة معادلات تصحيحية ضد الاخر اللامرئي/ عن مقاومة لهذا الاستحواذ. لقد كان وولتر بنجامين محقاً عندما اعتقد بان العصر يعرف من احلامه، واثبتت مجموعة كوابيس شارلوت ذلك، فقد اقرت بتحليلات متنوعة، منها تحليلات المؤرخين كما ذكر رينار كوسليك او تحليل المحللين النفسانيين الذي يمكن ان يقوم على موضوع اعادة التفكير بنظرية الصدمة او العاقبة التي تنشأ عن اوضاع الهيمنة الشاملة، لكنها تركت القارئ يصاب بالذهول من الوضوح المضطرب لهؤلاء الحالمين المصابين بالهذيان الذي يتوقعون حدوث الاسوأ دائماً. التفاصيل

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة