المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

كلمات مظفر النواب الطافية فوق سطح الهور
 

زهير كاظم عبود

أذا كان الشاعر مظفر عبد المجيد النواب قد ولد في بغداد الكرخ عام 1934 من أسرة ثرية مهتمة بالفن و الأدب والثقافة، فأنه لم يكن يدور في مخيلته أن يقيم في الأهوار العراقية لمدة من الزمن تمكنه من معرفة معاني مفردات اللهجة العراقية والغوص في مفرداتها، فنشأته لم تكن توحي بقدرته على معايشة حياة الهور القاسية، الحياة المجردة الا من الماء والسماء وأغصان الخيزران وكثافة القصب الذي يعيق الحركة والمرور، لكن مظفر النواب كان يحتضن جبشات القصب العائم ويتوسد كمشات البردي الحادة ثائراً ضد سلطة تملك جيشاً والعديد من الأجهزة الأمنية الفتاكة يحاربها بالكلمة الرصاصة وبضميره الناصع الذي لايملك سواه والذي لم تستطع ان تلوثة السنوات الجمر ولامخططات السلطات البائدة. وكان مظفر الأنسان قد تابع دراسته في كلية الآداب ببغداد وبعد انهيار النظام الملكي في العراق عام 1958 تم تعيينه مفتشاً فنياً بوزارة التربية في بغداد، وكان مظفر متعدد المواهب شاعراً ورساماً ويتميز خطه بالجمال وفنانا متميزا ومنشداً ساحراً للشعر، وصاحب ذوق موسيقي، لكن كل هذا لم يشغل روحه عن الأنتصار الى قضايا الأنسان في كل مكان ليرسم من خلال هذا الانحياز مايقدمه للناس وللعراق بشكل خاص .
ربما كان قدر مظفر النواب أن لا يكون شاعراً فقط، انما ثائراً ومعارضاً للسلطات القامعة والأنظمة الطاغية في كل زمان ومكان، لذا صار قدره ان يكون ثائراً ومتمرداً ضد كل ظلم وظلام، ولم يكن يقيده المكان وهذا سبب منطقي يدفعه للمشاركة في كل الثورات والحركات الثورية متنقلاً بين المدن والقارات، وبعد هروبه من نفق سجن الحلة (جنوب بغداد) وهي العملية الجريئة التي قام بها عدد من السجناء السياسيين بحفر خندق طويل يتجاوز خمسة عشر متراً من ارض السجن الى خارجه كانت كل عدتهم في الحفر الملاعق وسكاكين الطعام ليخرج وسط باحة كراج الديوانية العتيق المجاور للسجن وتتم عملية الهروب نحو الحرية التي سجلها التاريخ السياسي في العراق .
مجبول من طينة العراق وممتلئ بمياهه الطاهرة والجارية التي يغتسل بها المندائي ويتطهر بها تراب العراق المشمس، تجد في تقاطيع وجهه حزن الجنوب وماتحملته كوردستان من حيف، وما خطه سعف النخيل النابت على أمتداد الفرات فوق روحه، ولأننا نقرأ كل العراق في تلافيف روحه التي اضناها الرحيل والأغتراب والنأي والحنين وفاضت من حزنها وأنتظارها، فأننا نتلمس في كلمات قصائده وجع الفقراء ولهفة المظلومين وحرقة الجروح والمواجع التي تنتشر كمسامات الهواء في عراق الجوع والفقر والمرض والسجن والهواء والماء وطيور الهور مثلما تنتشر في روحه .
حزين بقدر الحزن كله، لانه لم يزل يحمل العراق في تلافيف روحه التي لم يستطع الزمن ان يجعلها متشظية، ولم يكن في مخيلة مظفر النواب ان يستل قصبة يتبختر بها على حافات المياه الطاهرة في اهوار الغموكة والطار والجبايش يلقي السلام على الفلاحين بمهابة وشموخ، ولم يكن بباله ان يصير فارس كلمة الماء النقي الذي ينبع من رحم العراق ويدفن روحه فيها، لكنه يعرف يقينا انه استطاع ملامسة وجع الناس وصار قريبا منهم بل صار جزءاً من تنفسهم وحديثهم في مجالسهم وزوايا حياتهم، وصارت كلماته القلائد التي تتزين بها بنات العراق ويترنم بها شباب العراق ويستذكرها رفاق الدرب، ويخط بعصاه رسوماً فوق سطح الماء تتحول الى حروف تجمعها موجات الماء الرقيقة فتطفو كما البط البري فوق سطح الماء، منزلقاً كما ينزلق المشحوف السومري بين غابات القصب .
أستلال هموم الناس ومعرفة دقائق حياتهم في الهور تلك مشكلة عصية على من لم يسبر غور هذه الأنهار الممهورة بالأزل والغافية عند مسارب الجنوب المدمن على الوجع والفقر والظلم، وأن يتعرف على خبز الرز المطحون المشوي فوق نار تستمد لهيبها من أقراص فضلات الجاموس اليابس تلك حالة تدل على تفرد في شخصية مظفر النواب الأنسان .
وليس غريباً أن يتمكن النواب من سبر أغوار اللهجة الجنوبية ذات المفردات الصعبة وأن يوظفها في شعره قبل ان يلج حافات الأهوار ويحتضن القصب والبردي في رحلة الماء التي استطاعت ان تجيش بإرهاصاتها روح الشاعر فتخرج من لبه ما يصيرها قصائد يتغنى بها اهل العراق ابدا، فقد تمكن بتفرد وبخصوصية أن يمزج كل الأشعار التي نقشها شعراء أور وسومر فوق جدران الزقورات مع وجع العراق الأزلي يصيرها شعرا يلامس الروح .
فقصيدته للريل وحمد لم تكن وليدة تجربة الأهوار ولم يكن قد لامس أكواخ القصب ومشاحيف الفلاحين ولاجالسهم في المضايف ليعب صدره برائحة القهوة والدخان وعبق الفلاحين المتعبين، ولم يكن قد دخل في ارواحهم عارفاً بلغة الحياة التي يتداولونها بينهم، ولاحتى راكبا لفراكين الريل الحديدية اللاهبة (القاطرات الحديدية) التي يستخدمها فقراء العراق عند الأنتقال بين المدن لرخصها، فقد كتبها بين عامي 1956-1958، ويبدو لنا ان نمو الحس الفني والقدرة على الأبداع والتجديد هو مادفع مظفر النواب ان يطلق مدرسته الشعرية أن لم نقل تجربته الشعرية الرائدة في الشعر الشعبي الحديث، متمرداً على ضوابط الشعر الشعبي التقليدي الصارمة . يقول مظفر النواب : ((أما عن معايشتي.. فلم أعش طويلاً في الهور، وهذه ظاهرة غريبة يسألونني عنها باستمرار، وأحياناً لا أستطيع تعليل ذلك.. بعد أن استمعت الى مغني الهور، صارت لدي رغبة قوية في أن أذهب الى الهور. كان علي أن أعرف شيئاً عن العالم الذي يكمن وراء ذلك الغناء)) .
وتلك الرغبة لم تكن وحدها الدافع الأساس لبناء هذا الزخم الرائع والتعبير الأنساني الذي كانت تجيش بين ارواح الفقراء من الفلاحين واهالي الهور بأنتظار أن يتمكن احدهم بلورة احاسيسهم ليحولها الى قصائد شعرية وهوسات تنفس وتعبر عن واقعهم، بالأضافة الى ماجاشت به روح مظفر النواب من افكار وعقائد اوجبت عليه إن يكشف عن تلك القصائد التي نبعت من روحه قبل إن تصل الى لسانه .
حمد تفكة بثنايا الهور والبيرغ ركد نصه
حمد والعار طر الهور مامش زلم وتكصه
ومن خلال ذلك نستطيع إن نستنتج إن الشاعر في هذه المرة بدافع من إحساسه وكوامن الأبداع في روحه ما ألح وسيطر عليه، وساهم مع ظروف أخرى من أن يكون في حضن الأهوار تلك الطبيعة الساحرة المتموسقة المليئة بالأسرار والكوامن في أرض لم تر الشمس منذ بدايات الخليقة البشرية، مكامن يتوالد فيها السمك والبط والطيور كما ينتشر العكيد والخريط، ومن خلال تلك الرحلة وبالرغم من قصر فترتها الزمنية أكتشف لهجة الهور التي وظفها في شعره، وأهل الهور لا يتداولون الشعر مثلما يتناولون الخبز والسمك، فالشعر يتم استعماله في لغتهم اليومية بأعتباره جزءاً من هذه المنظومة الكلامية المتداولة، ومن المفردات التي يتداولها اهل الجنوب عموما والهور خصوصاً منها العديد من المفردات السومرية .
اطرن هورهه مصكك واصيحنهن عليك جروح
يجحلن جالمطبجات الزرك صلهن يشوغ الروح
واجيك شراع ماهو شراع غركانه سفينة نوح
كما تمكن من تطويق الزمن بكلمات الهور ليؤرخ لأسطورة من أساطير العراق التي تناساها التأريخ وأغمض عينه عنها العراق، فيكتب للفلاح الثائر (حجام البريز) الذي قاوم السلطة الدكتاتورية ونذر روحه وفاء لهذه المقاومة، والذي يقدمه مظفر لنا انه فلاح من كل جموع الفلاحين وأخته اسمها سعيدة وعمرها سبع عشرة سنة والحرة لم تخف يوماً فيقول على لسانه :
أواكح جني أيد تفوج ومكطوعه اصابعهه
اشوغ ويه الشمس ليفوك أشمس كاع مدفون بنباعيهه
تحفر بيه مساحيهه
واشمس روحي للسنبل يجي بروجة شمس للكاع يسكيهه
أبوس أيد اللي يسقي الكاع
ويحمل تمر ورصاص وسلاح بشرايعهه
أفه يا كاع ينبت بيج للواوي عنب
ويعرس عليج الذيب
باعوني عليهه وخضرت عيني بدمعهه وماني بايعهه
كتب مظفر كلماته عن الأهوار ليؤرخ بها دهراً يتجسد في ثورة الفلاحين في هور ازيرج وفي انتفاضات الفقراء من الفلاحين في هور الغموكة، وفي تعاضد الفلاحين والصيادين مع الثوار، كما يجسد لنا اهازيج (فدعة) اخت صويحب التي لم تزل جراحه لاتلمها العطابات ولاكل ضمادات الدنيا حين تطلب من كل النسوة أن يتزحزحن عن جثته المهيبة :
(ميلن لاتنكطن كحل فوك الدم
ميلن وردة الخزامة تنكط سم
لاتفرح بدمنه لا يلقطاعي
صويحب من يموت المنجل يداعي .
**********
صويحب عالعكل صندوك عرس جبير
حزمه من الحصاد يلفها طيب جثير
وينه اللي يكلي الدنيه وين تصير
اوصله وادك شراعه بشراعي
صويحب من يموت المنجل يداعي
وقدرة مثل هذه التي يمتلكها مظفر النواب لاتكمن في توظيف تلك المفردات الصعبة الفهم على أبن بغداد وبقية المدن البعيدة عن الأهوار، فلأهل الهور لغتهم الممتدة من أور وسومر والمتلازمة مع جريان الماء وصفاء السماء، وانما قدرته على استيعاب تلك المفردات ليضعها في مكانها المتناسب مع حجم القصيدة وقابليتها على النفاذ في قلوب العراقيين وعقولهم، وأختراقها بعد كل هذا تأريخ الشعر الشعبي العراقي لتتصدر مقدماته (النكش والخزامة والعطابة والثناية والثوايا وصم التتن والمطبك والجحيل وشوغة الروح ووردة الخزامة والمطال وألاحاه والوشلة والدك) .
كان مظفر النواب فارساً في هور الجبايش متسلحاً بعصى لاغير يتبختر بين القرى التي يوزع أيامه عليها، ومع عصاه التي تشعره بفخر وزهو يكمش من طينها ومياهها كل كلماته التي تمكن من إن ينقش أسمه فوق ارواح العراقيين، حتى انه تمكن من أن يكون قاسماً مشتركاً ليس فقط في الغناء والغزل والوصف وأنما أمتد الى الوجع الأنساني الذي حمل رايته ولم يشخ ولم ينثن بعد إن منحه العافية والقدرة والموهبة، فصار جزءاً من تأريخ العراق ومن أغاني الفقراء وهوساتهم التي يتباهون بها .
كان مظفر النواب يقول: أن الكثير من الناس يستغربون كيف يستعمل عامية الجنوب وهو الذي لم يعش فيها وفعلاً لم يعش حياة الهور بل كان يزور المنطقة لخمسة ايام او ستة ايام ولكن لشدة حساسية المفردة هناك وموسقتها والانفعالية التي بها، فقد سيطرت عليهّ تلك المفردات ليعجنها في شعره، فصار عنده مفاتيح يفتتح بها قصائده التي تنساب كما تنساب مياه الهور .
يانهران اهلنه، ولن محطتنه محطة من جذب
صاح القطار بليل بيهه وماوكف، وتغامزن جذبات
ماجانت الظنه العمر كله ويالسجج يكضي، وليالي بالحماد نبات
لابد بالسريع النه نصيب ويه العشك ونحط عذر للي جزانه وفات
ولم يزل مظفر النواب وبالرغم من ابتعاده قسراً عن شهيق الهور وزفرة القصب وحركة السمك اللابط بين موجات المياه، لم يزل مظفر النواب مسكوناً بالتوغل عميقا في لجة الهور الذي استعاد قسماً من العافية مع عودة البربش والحذاف والخضيري، وعاد يلح بالسؤال عمن خلد وكتب تلك القصائد الممتلئة بالموسيقى والشجن والمفردات العراقية، وسيبقى مظفر النواب موجوداً في كل قصبة من قصبات الهور وبين كل موجة تحركها نسمات الهواء اللافح في جنوب العراق، ومهما امتد به الأغتراب سيطفو كل لحظة على بيرغ الشرجية وعلى رصاصات حجام وفي تلافيف جراح صويحب ومنقوشاً فوق مقابض المناجل وداخل أكواخ الفلاحين وفي دفة البلم، واقفاً معهم فوق المشاحيف لابطا كسمك العراق، يبيت معهم دون بيت، فبيته العراق، لم تزل نسمات الهواء في الغروب تنقل غناءه وصوته المتميز، سيبقى مظفر النواب شاهده عريضة من شواهد الهور، فقد تمكن أن ينقش أشعاره فوق الماء الأزلي لأهوار الجنوب العراقي، وقصائده التي لم تزل طافية فوق صفحة الهور تلتقط منها الناس حبات قلائدها وترانيمها، وصار أسم مظفرالنواب وشماً في قلوب العراقيين كلماته الممهورة بمحبة العراق وحزن العراق وهوسات العراق .


رأي: ما هكذا يحتفى بالراحلين  .. الناقد عبد الجبار عباس و... مرايا أخيرة
 

الحسين خلف الدعميّ

أطلت علينا دار الشؤون الثقافية اخيراً بكتيب للناقد عبد الجبار عباسي الذي عاش عفيفاً كريماً، امتهن النقد صناعة أدبية اجاد بها حيث وصفه الدكتور علي جواد الطاهر كما ورد في المقدمة اليتيمة "إنه ناقد حقيقي استثمر للنقد جميع شؤونه الاخرى في الحياة والدراسة والثقافة والقراءة الواسعة والشعر والمقالة المبدعة..) هذا الناقد الثري بخزينه المعرفي رحل عنا تاركاً لنا نتاجه النقدي حاضراً بيننا.. فتحية إكبار لدار الشؤون الثقافية على التفاتتها الكريمة هذه ولكن أين خبراء الدار لأقول لهم وبأسف شديد إنهم قد كبوا في مهمة الاحتفاء بعبد الجبار عباس عبر اخراجهم لمرايا أخيرة إن كانوا غير متواطئين..!؟ فكلنا يعلم ان الكتاب عنوان أو كما قيل "خذ الكتاب من عنوانه.." وقد عرفنا حتى ان العنوان "مرايا أخيرة" هو الآخر من بنات أفكار الدكتور عبد الاله احمد أختاره لينسجم مع العطاء الفكري للناقد الراحل عبد الجبار عباس في إصداراته مرايا على الطريق .. ومرايا جديدة، فما تبقى إذن للمُعد وعمله هذا لا يختلف عن عمل ساعي البريد بنقله الرسالة (من والى) ليس إلا فلصالح مَنْ ياترى هذا الاجحاف الكبير بحق الراحل في ان يسقط عن غلاف كتابه ليحل محله أسم آخر؟ فهل يحق ان نراسل دار الشؤون الثقافية بشأن يتعلق بإدارتها كالآتي: بغداد/الاعظمية دار الشؤون الثقافية / الدكتور الحارث عبد الحميد مثلاً متجاهلين رئيس مجلس إدارتها؟ .. هذا هو الذي حصل في "مرايا اخيرة" .. فهل كان ممكناً ان يحصل مثل هذا أو كان معمولاً به سابقاً، أرجو مراجعة الكتب التي صدرت عن سامي مهدي وحميد سعيد وغيرهما من فطاحل أدب النخاسة ففيها الدليل على مانقول.. فان كان التأليف أو الاعداد على مثل هذه الشاكلة فسلاماً على الفكر واليراع في غياب ضمير الابداع عن ساحتنا الثقافية.. وكان حَرياً باللجنة الفنية حتى لا تغمط الجهد المتواضع ان تضعه وبحرف /16 على هامش صفحة غلاف الكتاب وتمنح الحرف 32/ المضاعف والمثبت للمعد لصاحب الحق الشرعي فيه وان يتطرق المعد في مقدمته اليتيمة الى سيرة المؤلف الذاتية والأدبية لضرورات التوثيق الاحتفائي بالمؤلف الراحل لا ان يختم صفحات الكتيب بجردٍ لنتاجه وكأنه المؤلف للاصدار فمن ابسط واجبات الأمانة الثقافية والعلمية عليه ان يعرج الى التعريف بإصدارات المؤلف الحقيقي مع ترجمة مختصرة لتلك الإصدارات لتسليط الضوء عليها.. ونتساءل مرة أخرى هل من المسموح والمصرح به ان يخلع اسم مؤلف ما من كتابه ليدون آخر اسمه عليه.. هذا ما حدث بمرايا اخيرة لـ عبد الجبار عباس رحمه الله ، فان رفعت عنه صفحة واحدة هي المقدمة المنفصلة عنه أصبح برمته للمعد. وتلك لعمري من اقسى فنون السرقات الادبية وطأة على المؤلف الحقيقي والتي حسبوا انها لا ترى بالعين المجردة ولاتدركها البصيرة.. وهنا لا مبرر مقنع لتلك الفعلة غير الاتكاء على النتاج الفكري للآخرين وهي من أيسر "اللعب الأدبية" على زعمهم .. وكلنا أمل بدار الشؤون الثقافية ان تكف التعامل مع المتقولين من سدنة "الأنا" وعبدة الأصنام فان المبدعين بمساحة العراق الاشم والادعياء كثار.. وما عبد الحبار عباس ذو الذبحتين الاضحية من ضحايا غدر هؤلاء في حياته وبعد مماته، فجاء أحدهم ليمتطي أدبه بحثاً عن المجد والشهرة ولا مجد ولا شهرة لمن يبخسون الناس أشياءهم ويحسبون ذلك تفضلاً عليهم وعرفاناً لهم.. فما هكذا ينصف الراحلون يا أيها "المبدعون..!!".
إن ثقتنا لكبيرة بدار الشؤون الثقافية ان تنهض بواقع الثقافة والأدب العراقي المقروء لتعيده معافى بعد كبوته على مساره الصحيح وحذار من الغفلة فمنها ينفذ الادعياء لتحقيق مآربهم.. وانتم المسؤولون عن ثقافة البلاد وزاد العباد الروحي وعليكم تقع مسؤولية نشر البيان الثقافي لعراق اليوم بين الملأ بعيداً عن المنسوبية والمحسوبية التي قتلت الإبداع العراقي على مدى عقود حالكةِ قبرها الله برحمته .. فكم من حقوقٍ اغتصبت عند مَنْ حسبوا التملق إبداعاً.. وكم من الأفكار الفاعلة أندثرت باسم شرف الكلمة .. وخط الثورة.. وسلامة اللغة.. وتأويل الحرف بوحيٍ من الادعياء ووعاظ السلاطين.


رسالة شيكاغو الثقافية: عوني كرومي وكمال سبتي ومؤيد نعمة في حفل تأبيني في ولاية ميشغان
 

تقرير أعده فارس عدنان من شيكاغو

أقام الإتحاد العراقي الديمقراطي في الولايات المتحدة على قاعة مكتبة هنري فورد في مدينة ديربورن في ولاية ميشغان في يوم السبت الموافق 10 حزيران مهرجانا تأبينيا لثلاثة من مبدعي العراق: الشاعر كمال سبتي، الفنان مؤيد نعمة والدكتور عوني كرومي والذين فقدتهم الثقافة العراقية مؤخرا. وقف الحضور في بداية الحفل التأبيني دقيقة صمت على أرواح الراحلين وعلى شهداء العراق والحركة الوطنية وبعدها أفتتحت برامج الحفل بكلمة الإتحاد ألقاها الإعلامي نبيل رومايا التي تناولت دور الثقافة العراقية في إشاعة الكثير من المفاهيم الجميلة التي حاولت أجهزة النظام المقبور تغييبها وإبدالها بظواهر ظلاميه نعاني منها في الوطن وفي التجمعات العراقية في المنافي. بعد كلمة الاتحاد، جاءت كلمة أسرة تحرير موقع الجيران على لسان الشاعر والإعلامي زهير الدجيلي التي تناولت الكثير من التفاصيل الجميلة عن الراحلين. وفي ختام كلمته قال السيد الدجيلي أن الدول لا تسعد بحجم ثرواتها وبمساحة أراضيها وبحكامها أنما تسعد بعلمائها وبفنانيها وبمثقفيها.
بعدها، جاءت كلمة رائعة من الدكتور عبد الآله الصائغ عن البنى الفكريه الملحمية عند السومريين والبابليين عن الموت والخلود والتي تجسدت في ماوجدناه مؤخرا" في الأشعار السومريه وملحمة كلكامش وآثار هذه الأفكار في نص كمال سبتي وعلاقته بالموت في مجاميع الأولى حتى كتبه المتأخرة مثل بريد عاجل للموتى.
كما ألقى القاص زعيم الطائي نصاً نشر في صحيفة الزمان بعد رحيل كمال سبتي بساعات تناول فيه تفاصيل من الماضي المشترك ومن معاناة كمال في بغداد قبيل هربه: غادرنا كمال سبتي بصمت وكعادته حينما يتركنا وينسل بهدوء دائما وقبيل الختام من المقهى او الحانة او الحفل، دون ان يشعر به احد فنجده نحن المتأخرون قرب موقف الباص وحيدا مسافرا الى لامكان، او ينتظر تاكسيا كي يحمله الى سريره، حيث لم يكن يومها يمتلك غير سرير وهمي متنقلا به بين الفنادق والاقسام الداخلية وبيوت الاصدقاء،فقد قضى حياته الدراسية في بغداد مشتغلا في الصحافة حسب نظام المكافأة لسد نفقة العيش. ولم يكن بعثيا كما يتوهم البعض لانه لوكان كذلك لرأينا كمالا يتبوأ افضل المناصب ولما اضطر ان يهرب بجلده من هول العاصفة.
بعدها ألقى الشاعر فارس عدنان بالإنابة كلمة الإتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين في تأبين عضو الأتحاد الشاعر كمال سبتي وبقية الراحلين جاء فيها: إننا نقف معكم في كل خطوة تخطونها ونحن نتحسس نبض قلوبكم ومعاناتكم بعيداً عن ارض الوطن الذي لا يكف عن العطاء والتجديد على الرغم من تهديدات قوى الظلام.
كما القيت قصيدة شعبية للشاعر وضاح التميمي وقصيدة للشاعر سعيد الوائلي وقصيدة للشاعر محمد الجوادي كما ألقى في نهاية الحفل السيد كمال يلدو كلماته الحزينه التي ترافقت مع عرض سلايدات لرسوم الراحل مؤيد نعمة.


مقاطع من اصغاء للمنفى
 

علي سعدون

لستُ منفياً/ فقط انا بعيد عني/ بعيدٌ عن الوردةِ
يومياً اقفُ على هذه التلة
تلة الخيانة ولا اعرف عنها شيئاً
هو معاقٌ بالدم
معاقٌ بالفكرةِ
ولا احلم ببندقية
ثم
لا احد يدري أي الكلمات ستموت
لا تبوحوا لعابر سبيل
ولا تكتبوا لاحد على الاطلاق
نحن هنا وحدنا
نؤرّخ لموتٍ عظيم!
لاروح للحجر
لا روح للظلام
النور والوردة وحدهما يرتجفان هنا
في الصباح يتأمل يديه..
في الظهيرة كذلك
أما في الليل وفي ثمالة البكاء
يصرخ عالياً:
بيديَّ هاتين أفسدت حياتي..
عشرون عاماً من النفي
عشرون من المحبة
واكثر منها للبكاء والشجن
معنى ذلك انك تحتاج عشرين عاماً من الوطن
واكثر منها للضحك والبكاء
خُذ كلَّ شيء
كلَّ شيء
اكرر
كل شيء
وامنحني وطناً لا يعرف البنادق
السيدة العظيمة
السيدة المشرقة
التي تظهر ولا تختفي كشمسٍ ازلية
ربما هي المبرر الوحيد
في هذا الخراب
حدّ الوخز
كانت كلماتي عن الوطن
وإلى غاية الوجع
كانت كلماتكَ عن المنفى!
والغريب في الامر:
وبعيونٍ حادةٍ كشفرة كان العجوز الوطني
يقرأ كلماتنا معاً
ولا يبكي!!!

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة