افغانستان تخشى عودة رجال طالبان..
بقلم:ادريان جولمز
ترجمة: عدوية الهلالي
عن: لوفيغارو الفرنسية
في
عام 2001، كان القصف الامريكي قد قضى تقريباً على النظام
المتزمت للملا عمر ودون مقاومة كبيرة، واليوم، يحاول رجال
طالبان العودة الى افغانستان والسيطرة عليها مستلهمين
افكار القاعدة ومستفيدين من الفتنة في العراق وغياب الامن
وانتشار الفساد في معظم المقاطعات الجنوبية في افغانستان..
في المقابل، يتحالف ويتحد الطيران الاميركي والجيوش
البريطانية والكندية والهولندية لمحاربة عدوهم العنيد، رغم
فقدان السلطات الافغانية المتجاوز عليها كل يوم جزءاً من
ارضها، فقد عاد محل الاقامة السابق لملا عمر ليصبح منطقة
محظورة تحيطها الاسلاك الشائكة والأضوية الكاشفة على سفح
فيل كو، تلك القمة الجبلية الصخرية التي تنتصب بهيئة فيل
شمال قندهار، وهكذا تحول قصر الزعيم الاعظم للطالبان الى
قاعدة للقوات الخاصة الامريكية وبعد خمس سنوات من هرب
الملا المشبوه، ما زالت قوات المغاوير تنطلق في اثره في
اكبر حملة تعقب لرجل في التاريخ المعاصر..
في خريف 2001، تمكنت طائرات البوينغ 52 في سلاح الجو
الامريكي من تشتيت رجال طالبان ليعودوا الى مقاطعات جنوب
افغانستان ويختبئوا في جبال اوروزكان وزابل او على الحدود
الباكستانية في كويتا لكنهم يحاولون الآن العودة الى ابواب
قندهار بينما تتعقبهم طائرات الهيليكوبتر والمدفعية
الامريكية في الجبال فتقصف ضواحي عاصمتهم القديمة الغارقة
في فساد مستوطن يمهد الطريق لرجال طالبان..
في المساء، يمكن لمحافظ قندهار الجديد أسعد الله خالد
التواجد في قصره الباذخ قرب معبد بابا والي في شمال
المدينة وهو يشبه لاس فيغاس بأضويته الساطعة وحدائقه
الجميلة لكن هذا المحافظ لا يمكنه التقدم لبضعة كيلومترات
دون ان ترافقه حراسة مشددة عدا ان محل اقامته في مركز
قندهار محاط بسور سميك من الجدران الاسمنتية كما هو الحال
في مراكز الشرطة ومكاتب بعثات الامم المتحدة في افغانستان
والعراق..
في الجانب الآخر من المدينة، يواجه رجال الشرطة الافغان
صعوبة بالغة في السيطرة على احياء كاملة من مدن طالبان،
يقول رامان الله، الشرطي الافغاني الشاب وهو ينظف مسدسه
على سجادة قذرة تغطي ارض مركز الشرطة الصغير: "يوجد معي
عشرة رجال شرطة آخرون لكننا لا نملك الا ست قطع سلاح في
حالة جيدة.. كان علي استعارة رشاش آر بي جي سفن وتسلم خمسة
لترات من الوقود في الشهر لأديم عمل سيارتي الجيب الصغيرة..
ويتطلب مني الامر مع ذلك مواجهة الطالبان الذين يغامرون
بحياتهم كل ليلة في الضواحي القريبة"..
وتمتلئ واجهة مركز الشرطة بثقوب الرصاص وينتصب البناء
الاسمنتي الفقير وسط مياه آسنة وقمامة وكان قد تعرض لثلاث
هجمات منذ بداية العام.. ويقول رامان الله مستري انه لا
يريد الاستسلام للتخاذل لكن عليه التسليم بالواقع الفاسد
في قندهار ويضيف: "التحقت بالشرطة في نهاية عام 2001، بعد
فرار الطالبان مباشرة وكنت اعمل في الميكانيك.. كنت قادراً
آنذاك على التجوال في قندهار ضمن دورية دون الخوف من
السيارات المفخخة او الانفجارات والاختطاف، اما الآن فقد
اقع في كمين فيما لو ابتعدت عدة كيلومترات من هنا كما ان
اسلحتنا تتعطل فجأة في كل اشتباك وعلي ان اقرر ان كان علي
استخدام راتبي الشهري لشراء الوقود والذخيرة او لاعالة
عائلتي المتكونة من 14 فرداً؟ وكنت قد كتبت عشرين مرة
للمحافظ لكني لم اتسلم أي رد"..
ويتناسب فقر حال الشرطة الافغانية والفساد المنتشر في
الحكومة مع نوايا طالبان بل يمهد الطريق لعودتهم. بعد ان
آمن سكان قندهار بانهم تخلصوا منهم نهائياً منذ خمس سنوات
فهم ينظمون محاكم تقضي بين الخصومات وفق (الشريعة
الاسلامية) بتزمت كبير ويقتلون الافغان الذين يعملون مع
قوات التحالف ويؤكدون باستمرار ان الغرباء لن يظلوا الى
الابد في افغانستان!
في عام 1994، تزايدت عصابات الابتزاز والاغتصاب واختطاف
السكان مقابل دفع فدية وتفاقم غياب الامن كما يقول سواق
الشاحنات الافغان الذين يجوبون طرق هذا البلد الواسع ومنهم
عبد الكريم، رئيس جمعية سواق الشاحنات في قندهار الذي يقول:
لم نعد كما كنا في عامي 1992، 1993 لكننا قد نعود الى حالة
انعدام الامن التام، ففي الطرق الرئيسية يضايقنا رجال
الشرطة لمحاولة ابتزازنا، اما في الطرق النائية فيقوم
الطالبانيون بايقافنا وتفتيش البضاعة واذا كان فيها أي شيء
يعود للحكومة، يتم حرق الشاحنة.. مع ذلك، يحاول رجال
المكاتب المكيفة لوكالات منظمة الامم المتحدة المنقولة الى
معسكرات محصنة خوفاً من التفجيرات الانتحارية ان يظلوا
متفائلين..
ويقول مسؤول بعثة الامم المتحدة في افغانستان: "يعمل الضعف
والفساد في الحكومة الافغانية على تسهيل امر الجماعات
المختلفة ابتداء من طالبان وليس انتهاء بسادة المخدرات
الذين يمثلون ثقلاً مالياً ضخماً وترتبط مصالحهم بغياب
الاستقرار والامن.. ويصعب هنا مواجهة هذه الظواهر بوسائل
عسكرية فقيرة، اذ يتوجب على الحكومة الافغانية استعادة
سيطرتها على هذه المناطق.. لكن ضعف الوسائل العسكرية
والبوليسية للدولة الافغانية تجعل الاعتماد على القوات
الامريكية وقوات متعددة الجنسية امراً لا غنى عنه وهكذا
ستقوم رئاسة الاركان الامريكية في نهاية شهر تموز بتسلم
قيادة خمس محافظات جنوبية..
وتعمل الوحدات البريطانية المنتشرة في الجنوب معها الوحدات
الكندية بالتعاون مع الدعم الامريكي على كسر عصا الفتنة
لكن عملية "هجوم الجبل" التي انطلقت منذ منتصف شهر مايس،
هيأت لاشتباكات قاتلة ومستمرة استخدمت فيها اكثر من وسيلة
لمواجهة حرب عصابات شديدة.. ورغم الخسائر الفادحة التي
يقدمها المسلحون لكنهم لا يتراجعون..، واخيراً، تحول مطار
قندهار في جنوب المدينة الى قاعدة واسعة للجيش الامريكي
وتزين بوابته طائرة ميغ 21 سوفيتية هي من مخلفات القوات
الروسية التي كانت قد عسكرت سابقاً في المنطقة، لكن قوات
التحالف تختلف عن القوات الروسية اذ لم يتم اعتبارها قوات
محتلة من قبل اغلب الافغان وبدلاً من انسحابها يطالبها
السكان بالبقاء لضمان الامن ويقول عبد القادر نورزاي رئيس
الجمعية الافغانية لحقوق الانسان في قندهار: "احاول البقاء
متفائلاً لكن على الحكومة والقوات الاجنبية ان تسرع
بالتصرف لصالح سكان المقاطعات الجنوبية"..
ومنذ عام 2001، انشغل الامريكان بتعقب ملا عمر وبن لادن
وافراد القاعدة ولم يهتموا بالسكان وبالكاد كان يمكن رؤية
قواتهم التي تتألف من متطوعين محجوزين في قواعد منعزلة
يتواجدون احياناً على الطرق الرئيسية او يطيرون في طائرات
هيليكوبتر فوق الجبال الافغانية بينما لا يتورع المسلحون
عن تفجير اماكن مختلفة في مركز قندهار مطلقين سياراتهم
الانتحارية ضد قوات التحالف او السلطات المحلية ومهددين كل
المتعاونين مع القوات الاجنبية.. اما عن سوق قندهار، فقد
تضاءل عدد زبائنه بشكل كبير ولم يعد اصحاب المحال قادرين
على دفع ايجار محالهم خاصة بالنسبة لباعة الاشرطة
الموسيقية وكل ما كان رجال طالبان يعتبرونه ممنوعاً.. مع
ذلك، يرى احد باعة الاشرطة الموسيقية التي تحوي اغاني
افغانية عن تحرير البلاد من الامريكان واعتبار المقاتلين
ضدهم شهداء بان نظام طالبان لن يعود ما دامت المدفعية
الامريكية موجودة!!
|