مواقف

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

الديمقراطية في العالم العربي: شكرا، لم يحن الوقت بعد!

ترجمة :فاروق السعد

عن: الايكونومست

الآمال التي برزت مؤخرا في حدوث تقدم مطرد للديمقراطية قد اخذت بالخمود والى حد بعيد.
قبل عامين، طلب الرئيس اليمني، عبدالله صالح من زملائه القادة العرب ان يجروا اصلاحات، أو أن يغامروا بالتعرض لخطر الانجراف على يد التيار العالمي للديمقراطية. وكان الرئيس اليمني قد حذر" شذب شعرك الآن والا سيحلقه لك شخص آخر." ان السيد صالح، الذي كان في الحكم منذ 1978، قد وعد بالاحالة الى التقاعد في نهاية فترته الرئاسية الحالية. وفي الاسبوع الماضي غير رأيه. فبعد الانحناء لما اسماه" الضغط الشعبي"، الذي تمثل بمسيرات حاشدة على امتداد البلاد، اعلن عن ترشحه للانتخابات في أيلول، التي من المرجح ان تطيل فترته الرئاسية لغاية 2013. يمتلك السيد صالح نزعة مسرحية افضل من معظم الحكام-الأبديين الآخرين في المنطقة، ولكن غرائزهم في حب البقاء هي بنفس الحدة. فقبل عدة سنوات، خصوصا بعد الغزو الامريكي للعراق، وجد العديد منهم بانه من الحكمة ان يظهروا استجابة للضغوط المتصاعدة المطالبة بالتغيير. كانت تلك الضغوط محلية بجزء منها، ملهمة بعوامل مثل الديموغرافيا وذبول قوة الايديولوجيات التي حكمت طويلا، وتأثير وسائل الإعلام الحديثة التي يصعب السيطرة عليها مثل قنوات التلفاز الفضائية. كما ان القوى الخارجية قد ساعدت، ايضا، وبالاخص دعم ادارة بوش الصاخب لها، والذي رددته حكومات غربية اخرى، حول الحرية السياسية باعتبارها علاجاً نهائياً للتطرف. واختلفت ردود الافعال في المنطقة. فقادة الجزائر وتونس و مصر التجأوا الى إزعاج أنفسهم في إعادة اختيارهم في انتخابات تنافسية، كما ان العربية السعودية قد اجرت اول انتخابات للمجالس البلدية. وان مكانة المرأة قد تحسنت في كل مكان تقريبا. وانضمت قطر والكويت الى معظم البلدان العربية في دعوتها للتصويت والمنافسة على الوظائف العامة. واتسعت حرية الصحافة خصوصا في بعض البلدان، في حين في بلدان اخرى، مثل البحرين والمغرب، خولت المؤسسات القضائية في النظر بالأنتهاكات السابقة لحقوق الانسان. و بمشاركة العراقيين والفلسطينيين بحماسة في الانتخابات امام كاميرات العالم، شعرت حتى عمان و سوريا، رغم ترددهما، بانهما مجبرتان على قبول الخطاب النظري، ان لم يكن العملي، الداعي للإصلاح السياسي. و لكن اليوم يبدو ان المد قد انعكس. فالقائد السوري، بشار الاسد، لم يعد يزعج نفسه باي كلام عن الاصلاح؛ فقد اعتقلت شرطته مؤخرا عشرات المعارضين. ومنذ الانتخابات البرلمانية والرئاسية في العام الماضي، تراجعت الحكومة المصرية ايضا. فمن بين اجراءات اخرى، قامت بالغاء بعض الانتخابات البلدية واعتقال المنافسين للرئيس حسني مبارك في انتخابات العام الماضي، واعتقلت 600 عضو من مجموعة معارضة رئيسية من الاخوان المسلمين، وارسلت البلطجية من رجال الشرطة لضرب المحتجين المسالمين، واصدرت قوانين تمنح السلطة التنفيذية سلطة فوق السلطة القضائية ومنعت معهدين مقرهما واشنطن يعملان على نشر الديمقراطية من العمل في البلاد. وان مملكة البحرين، التي روجت في يوم ما لنفسها على اعتبارها نموذجا للاصلاح، قامت هي ايضا في الفترة الماضية بطرد ممثل احد تلك المعاهد، المعهد الوطني الديمقراطي للشؤون الدولية.
هذه ليست مأساتك
وقامت الشرطة في الاردن، البلد الاخر المفتوح نسبيا، بتوقيف أربعة من رجال المعارضة، بعد ان قدموا التعازي الى عائلة ابو مصعب الزرقاوي،زعيم القاعدة الذي قتل في العراق، وهو العمل الذي كان استفزازيا ولكن بالكاد يمكن ان نقول عنه بانه جرمي. كما ان المغرب، التي بدات ايضا بعملية الاصلاح، قد فرضت اخيرا غرامات ثقيلة على الصحافة الناقدة. كما تصلبت القوانين في الجزائر، ايضا، بتقييد حرية الصحافة. فرئيسها، عبد العزيز بوتفليقة، طرد رئيس وزرائه في أيار في ما اعتبرت خطوة لكسب الدعم لاجراء تغييرات على الدستور، لكي يسمح له بالمنافسة على رئاسة البلاد للمرة الثالثة لمدة خمس سنوات اخرى. ورغم ان الانتخابات قد جرت في السعودية السنة الماضية لاختيار المجالس البلدية، الا ان تلك المجالس لم تجتمع بعد. وان الاشارات من جانب كبار الامراء حول اجراء المزيد من الاصلاحات لا تزال في انتظار ترجمتها الى افعال. وفي الكويت، فان الانتخابات لم تجر إلا بعد إن قام أمير البلاد، الشيخ صباح الاحمد، بحل البرلمان في موجة غضب بعد ان هدد المجلس بتغيير قوانين الدوائر الانتخابية التي كانت منذ امد بعيد لصالح المرشحين المدعومين من قبل الحكومة. وبتقليدها الديمقراطي المشابه وانفتاحها، فان لبنان تشكل ايضا استثناء بارزا آخر. ومع ذلك ففي الوقت الذي ادت فيه "ثورة الأرز" إلى إحداث هزة سياسية، وادت الى زعزعة الكثير من نفوذ البلد المجاور، سوريا، الا انها لم تقلل من هيمنة القادة الطائفيين و القبليين الذين يلعبون دور العائق. توضح عدة عوامل سبب تضاؤل زخم الاصلاح. احدها هو سعر النفط المرتفع. فالمصدرون، من الجزائر و ليبيا وحتى ممالك الخليج العربي، يجدون انفسهم غارقين بالأموال إلى درجة تجعلهم قادرين على شراء المعارضة مرة اخرى. ولكن العامل الأكبر هو التقدم الذي تحرزه المجموعات الاسلامية. ففي السنة الماضية، سحقت الاحزاب الدينية منافسيها من العلمانيين في العراق، و استولت حماس على الحكومة الفلسطينية المهزوزة، و الاخوان المسلمون في مصر فازوا بشكل لم يسبق له مثيل بخمسة مقاعد في البرلمان. والأكثر إثارة، رغم انه لم يتم اللجوء لحد الان الى صناديق الاقتراع، ان الحركة الاسلامية الوليدة في الصومال(العضو غير العربي في جامعة الدول العربية) تبدو قريبة من توحيد القسم الاكبر من تلك البلاد المضطربة. ان صعود الاسلاميين لم يرعب حكومات المنطقة فحسب، ولكن من يقوم بنشر الديمقراطية من الاجانب ايضا. وخصوصا، فان الورطة التي شكلتها حماس قد حطت من حماس الامريكان من اجل التغيير. يصف السيد حمزاوي، الذي يقوم بتقييم عملية الاصلاح السياسي العربي في "كارنيج انداومنت" بواشنطن، بفزع كيف ظهر المسؤولون الغربيون و الأكاديميون في مؤتمر عقد مؤخرا "وهم يغسلون ايديهم من دعم الديمقراطية في العالم العربي". و خلال جدل داخل الكونجرس الامريكي حول مقترحات تخفيض المساعدات المقدمة الى مصر كعقوبة لها على فشلها في اجراء الاصلاحات، استشهد العديد من المتحدثين بخطورة تمكين الاسلاميين و تقويض الحكومة التي، رغم كونها مثيرة للاشمئزاز، خدمت مصالح امريكا. كما لوحظت علامات مماثلة عن العودة الى السياسة الحقة وبارتياح من قبل الحكومات العربية. فالقلق من خطط ايران النووية قد كبحت النقد الغربي الموجه ضد الخوف من الديمقراطية كما هو الحال في الجيران المؤيدين للغرب مثل اذربيجان وبلدان آسيا الوسطى. لقد اعادت امريكا العلاقات مع ليبيا، مكافأة لحكومتها على تخليها عن برامج التسلح في الوقت الذي تغض فيه الطرف عن المعاملة المرعبة التي تفرضها على شعبها ذاته. و حتى سوريا، تخلصت من العقوبات القاسية لتحديها قائمة طويلة من المطالب الغربية.


افغانستان تخشى عودة رجال طالبان..

بقلم:ادريان جولمز
ترجمة: عدوية الهلالي

عن: لوفيغارو الفرنسية

في عام 2001، كان القصف الامريكي قد قضى تقريباً على النظام المتزمت للملا عمر ودون مقاومة كبيرة، واليوم، يحاول رجال طالبان العودة الى افغانستان والسيطرة عليها مستلهمين افكار القاعدة ومستفيدين من الفتنة في العراق وغياب الامن وانتشار الفساد في معظم المقاطعات الجنوبية في افغانستان..
في المقابل، يتحالف ويتحد الطيران الاميركي والجيوش البريطانية والكندية والهولندية لمحاربة عدوهم العنيد، رغم فقدان السلطات الافغانية المتجاوز عليها كل يوم جزءاً من ارضها، فقد عاد محل الاقامة السابق لملا عمر ليصبح منطقة محظورة تحيطها الاسلاك الشائكة والأضوية الكاشفة على سفح فيل كو، تلك القمة الجبلية الصخرية التي تنتصب بهيئة فيل شمال قندهار، وهكذا تحول قصر الزعيم الاعظم للطالبان الى قاعدة للقوات الخاصة الامريكية وبعد خمس سنوات من هرب الملا المشبوه، ما زالت قوات المغاوير تنطلق في اثره في اكبر حملة تعقب لرجل في التاريخ المعاصر..
في خريف 2001، تمكنت طائرات البوينغ 52 في سلاح الجو الامريكي من تشتيت رجال طالبان ليعودوا الى مقاطعات جنوب افغانستان ويختبئوا في جبال اوروزكان وزابل او على الحدود الباكستانية في كويتا لكنهم يحاولون الآن العودة الى ابواب قندهار بينما تتعقبهم طائرات الهيليكوبتر والمدفعية الامريكية في الجبال فتقصف ضواحي عاصمتهم القديمة الغارقة في فساد مستوطن يمهد الطريق لرجال طالبان..
في المساء، يمكن لمحافظ قندهار الجديد أسعد الله خالد التواجد في قصره الباذخ قرب معبد بابا والي في شمال المدينة وهو يشبه لاس فيغاس بأضويته الساطعة وحدائقه الجميلة لكن هذا المحافظ لا يمكنه التقدم لبضعة كيلومترات دون ان ترافقه حراسة مشددة عدا ان محل اقامته في مركز قندهار محاط بسور سميك من الجدران الاسمنتية كما هو الحال في مراكز الشرطة ومكاتب بعثات الامم المتحدة في افغانستان والعراق..
في الجانب الآخر من المدينة، يواجه رجال الشرطة الافغان صعوبة بالغة في السيطرة على احياء كاملة من مدن طالبان، يقول رامان الله، الشرطي الافغاني الشاب وهو ينظف مسدسه على سجادة قذرة تغطي ارض مركز الشرطة الصغير: "يوجد معي عشرة رجال شرطة آخرون لكننا لا نملك الا ست قطع سلاح في حالة جيدة.. كان علي استعارة رشاش آر بي جي سفن وتسلم خمسة لترات من الوقود في الشهر لأديم عمل سيارتي الجيب الصغيرة.. ويتطلب مني الامر مع ذلك مواجهة الطالبان الذين يغامرون بحياتهم كل ليلة في الضواحي القريبة"..
وتمتلئ واجهة مركز الشرطة بثقوب الرصاص وينتصب البناء الاسمنتي الفقير وسط مياه آسنة وقمامة وكان قد تعرض لثلاث هجمات منذ بداية العام.. ويقول رامان الله مستري انه لا يريد الاستسلام للتخاذل لكن عليه التسليم بالواقع الفاسد في قندهار ويضيف: "التحقت بالشرطة في نهاية عام 2001، بعد فرار الطالبان مباشرة وكنت اعمل في الميكانيك.. كنت قادراً آنذاك على التجوال في قندهار ضمن دورية دون الخوف من السيارات المفخخة او الانفجارات والاختطاف، اما الآن فقد اقع في كمين فيما لو ابتعدت عدة كيلومترات من هنا كما ان اسلحتنا تتعطل فجأة في كل اشتباك وعلي ان اقرر ان كان علي استخدام راتبي الشهري لشراء الوقود والذخيرة او لاعالة عائلتي المتكونة من 14 فرداً؟ وكنت قد كتبت عشرين مرة للمحافظ لكني لم اتسلم أي رد"..
ويتناسب فقر حال الشرطة الافغانية والفساد المنتشر في الحكومة مع نوايا طالبان بل يمهد الطريق لعودتهم. بعد ان آمن سكان قندهار بانهم تخلصوا منهم نهائياً منذ خمس سنوات فهم ينظمون محاكم تقضي بين الخصومات وفق (الشريعة الاسلامية) بتزمت كبير ويقتلون الافغان الذين يعملون مع قوات التحالف ويؤكدون باستمرار ان الغرباء لن يظلوا الى الابد في افغانستان!
في عام 1994، تزايدت عصابات الابتزاز والاغتصاب واختطاف السكان مقابل دفع فدية وتفاقم غياب الامن كما يقول سواق الشاحنات الافغان الذين يجوبون طرق هذا البلد الواسع ومنهم عبد الكريم، رئيس جمعية سواق الشاحنات في قندهار الذي يقول: لم نعد كما كنا في عامي 1992، 1993 لكننا قد نعود الى حالة انعدام الامن التام، ففي الطرق الرئيسية يضايقنا رجال الشرطة لمحاولة ابتزازنا، اما في الطرق النائية فيقوم الطالبانيون بايقافنا وتفتيش البضاعة واذا كان فيها أي شيء يعود للحكومة، يتم حرق الشاحنة.. مع ذلك، يحاول رجال المكاتب المكيفة لوكالات منظمة الامم المتحدة المنقولة الى معسكرات محصنة خوفاً من التفجيرات الانتحارية ان يظلوا متفائلين..
ويقول مسؤول بعثة الامم المتحدة في افغانستان: "يعمل الضعف والفساد في الحكومة الافغانية على تسهيل امر الجماعات المختلفة ابتداء من طالبان وليس انتهاء بسادة المخدرات الذين يمثلون ثقلاً مالياً ضخماً وترتبط مصالحهم بغياب الاستقرار والامن.. ويصعب هنا مواجهة هذه الظواهر بوسائل عسكرية فقيرة، اذ يتوجب على الحكومة الافغانية استعادة سيطرتها على هذه المناطق.. لكن ضعف الوسائل العسكرية والبوليسية للدولة الافغانية تجعل الاعتماد على القوات الامريكية وقوات متعددة الجنسية امراً لا غنى عنه وهكذا ستقوم رئاسة الاركان الامريكية في نهاية شهر تموز بتسلم قيادة خمس محافظات جنوبية..
وتعمل الوحدات البريطانية المنتشرة في الجنوب معها الوحدات الكندية بالتعاون مع الدعم الامريكي على كسر عصا الفتنة لكن عملية "هجوم الجبل" التي انطلقت منذ منتصف شهر مايس، هيأت لاشتباكات قاتلة ومستمرة استخدمت فيها اكثر من وسيلة لمواجهة حرب عصابات شديدة.. ورغم الخسائر الفادحة التي يقدمها المسلحون لكنهم لا يتراجعون..، واخيراً، تحول مطار قندهار في جنوب المدينة الى قاعدة واسعة للجيش الامريكي وتزين بوابته طائرة ميغ 21 سوفيتية هي من مخلفات القوات الروسية التي كانت قد عسكرت سابقاً في المنطقة، لكن قوات التحالف تختلف عن القوات الروسية اذ لم يتم اعتبارها قوات محتلة من قبل اغلب الافغان وبدلاً من انسحابها يطالبها السكان بالبقاء لضمان الامن ويقول عبد القادر نورزاي رئيس الجمعية الافغانية لحقوق الانسان في قندهار: "احاول البقاء متفائلاً لكن على الحكومة والقوات الاجنبية ان تسرع بالتصرف لصالح سكان المقاطعات الجنوبية"..
ومنذ عام 2001، انشغل الامريكان بتعقب ملا عمر وبن لادن وافراد القاعدة ولم يهتموا بالسكان وبالكاد كان يمكن رؤية قواتهم التي تتألف من متطوعين محجوزين في قواعد منعزلة يتواجدون احياناً على الطرق الرئيسية او يطيرون في طائرات هيليكوبتر فوق الجبال الافغانية بينما لا يتورع المسلحون عن تفجير اماكن مختلفة في مركز قندهار مطلقين سياراتهم الانتحارية ضد قوات التحالف او السلطات المحلية ومهددين كل المتعاونين مع القوات الاجنبية.. اما عن سوق قندهار، فقد تضاءل عدد زبائنه بشكل كبير ولم يعد اصحاب المحال قادرين على دفع ايجار محالهم خاصة بالنسبة لباعة الاشرطة الموسيقية وكل ما كان رجال طالبان يعتبرونه ممنوعاً.. مع ذلك، يرى احد باعة الاشرطة الموسيقية التي تحوي اغاني افغانية عن تحرير البلاد من الامريكان واعتبار المقاتلين ضدهم شهداء بان نظام طالبان لن يعود ما دامت المدفعية الامريكية موجودة!!


الديمقراطية المزيفة في المملكة المغربية
 

تحليل: تيري اوبرليه
ترجمة: زينب محمد

عن: لوفيغارو

لعدم امكانية الاستماع الى الملك المغربي المتوفى الحسن الثاني تستجوب العدالة الفرنسية ظله، فقد استجوب القاضي الباريسي باتريك رامائيل/ ادريس باسري/. الرجل المخلص السابق للعاهل المغربي حول اختفاء المعارض/المهدي بن بركة/ في نهاية تشرين الثاني عام 1965 وبعد اكثر من اربعين عاما على هذه القضية يبدو الاحتمال ضعيفا في ان تنبثق الحقيقة من جلسة استماع للشاهد الذي كان خلال ثلاثين عاما عيون وآذان الملك الحسن الثاني. غير ان لاستدعائه في المحكمة معنى واهمية رمزيين، فعلى الرغم من وعود محمد السادس الحريص على تطهير ماض كان رديئا احيانا كثيرة ظلت قضية /بن بركة/ لغزا يختلط فيه الظلم والانفلات من العقاب، فقد اعيد فتح ملف القضية بعد تولي الملك محمد الخامس العرش ويبدو انها سوف تنطلق على اسسس وطرق جديدة مع التزام السلطات المغربية بالتعاون بإخلاص مع التحقيقات ولكن القاضي رامائيل مستاء، فعلى الرغم من الاتفاق بين الوزراء الفرنسيين والمغاربة على التعاون بشأن هذه القضية زادت الرباط من العقبات لمنع القاضي من انجاز مهمته في الانابة القضائية الدولية بشكل جيد، ويفضح ذلك اليوم العودة الغريبة لـ(ادريس باسري/ الرجل الذي كان يجسد السنوات الثقيلة او سنوات الرصاص كما يسميها اليسار المغربي الذي تخلص منه محمد السادس ليبرهن على انتهاء عهد الممارسات القديمة، وقد واتت الفرصة وزير الداخلية السابق بعد عقود من الصمت الملكي لكي يعبر عن سخطه من غياب الجدية والحكمة/لدى الرباط/ والهجوم الذي تعرضت له اسرة الضحية، اما العقبات التي وضعتها المغرب لعرقلة التحقيق فانها تجعل القضية مربكة.
ومع ذلك، كانت نتائج عملية الشفافية وادخال الديمقراطية التي التزمت بها المملكة الشريفية تبدو ايجابية بشكل واسع، فالقرارات العديدة المذهلة اتاحت للمغرب ان تكون نموذجا للمغرب العربي برمته، وان تكون حالة متفردة في الدول العربية وعلى الرغم من المنزلق الذي وقعت فيه المغرب في قضية معاملة اسرى الحركات الاسلامية، الا ان العاهل المغربي محمد الخامس كان يولي على الدوام اهتماماً لاحترام حقوق الانسان وهذا الاهتمام غير معتاد في المنطقة، فبعد اربعين يوما على توليه العرش في المغرب في عام 1999 اعاد العاهل محمد السادس ابراهام سيرفاتي/ اقدم منفي سياسي الى بلده ورفع الاقامة الجبرية عن المرشد الروحي لحركة العدل والاحسان الاسلامية المحظورة، واعاد الصلة بسكان (الريفين) الذين كانوا مهمشين في عهد الملك الحسن الثاني، وأغرت هذه القرارات اسرة (بن بركة) للعودة الى المغرب وهذا ما حصل. وفي عام (2003) فرض الملك محمد السادس مع قانون المدونة المساواة بين الرجال والنساء في النصوص على الاقل، ثم اسس محكمة العدل والتوافق وهي مؤسسة مكلفة بتسوية ماضي السنوات الثقيلة وهذه المؤسسة التي يديرها ادريس بن زكي تحقق بشأن السجون التعسفية وعمليات التعذيب وتهتم بتعويض الضحايا وعلى الرغم من ان العاهل المغربي مصلح بشأن حقوق الانسان الا ان لديه الكثير من التحفظات عند العمل على المؤسسات السياسية، وبسبب قلقه من اندفاع الاسلاميين من حزب العدالة والتنمية فانه فرض على هذا الحزب العمل بكل شيء لكي لا يكسب الانتخابات الاخيرة، وخضع هذا الحزب الذي يشبه بحزب اردوغان في تركيا والذي تمكن من ان يكون مقبولا لدى الجيش وخضع الى القرارات الاستبدادية ولكن لا يعني انه سيعود في الانتخابات التشريعية في عام 2007 ويعتبره قسم من الرأي العام البديل السياسي الصحيح الوحيد امام يسار بلا قوة، واعلن أنه مستعد للحكم، وبموجب استطلاع من المعهد الجمهوري الدولي، المؤسسة المقربة من البيت الابيض فان مداً اخضر قد ينتشر في البلاد في العام القادم.
وقد يوافق الملك على ان يدع الاسلاميين غير المعادين له بشكل اساس بالحكم ان يخضعوا له، بشكل كامل.
اما اذا قاوموا فان تقطيع الدوائر الانتخابية، والاقتراع الفردي وبعض الحيل قد يسمح بتفادي الأسوأ عندما تحين ساعة الفصل في صناديق الاقتراع لان الملك يريد ان يبقى سيد اللعبة الوحيد، سواء تعلق الامر بالانتخابات بالحكم او بملف قضية الصحراء الغربية، وعلى الرغم من ان الانتقال الديمقراطي المعظم في المغرب لم يكن فخا، الا انه يقوم على سوء فهم.
ومنذ سبعة اعوام لم يكن ممكنا اطلاق تقسيم السلطة التي ما زالت محصورة بيد رجل واحد، ويجمع محمد السادس المنحدر بموجب التقاليد العلوية من النبي (ص)، كل الادوار، فهو شخص معصوم ومقدس وامير المؤمنين ومرشد سياسي، فهو الحكم والفصل الوسيط والملاذ الاخير واخيرا فانه بفضل ثروته الهائلة رب البلاد في المعنى الاخير واخيرا.. فانه بفضل ثروته الهائلة رب البلاد في المعنى الاقتصادي للكلمة.
ويعتمد محمد السادس في التقليد الاسري، على اسلوبه الخاص المأخوذ من اساليب ابيه وبدأت عملية ادخال الديمقراطية ليست في تموز عام 1999 بعد تولي الشاب محمد السادس العرش وانما اثناء حكم الحسن الثاني في بداية التسعينيات عشية انهيار الكتلة الشيوعية، اما محمد السادس فانه ببساطة اعطاها دفعة للتعجيل في بداية حكمه، ولكن هدفه ينصب في اعطاء المزيد من الحرية في اطار ملكية استبدادية وتسعى الادارة الملكية كلما بدأت بالانتشار الى تخليد نفسها بشكل افضل وضمان بقائها، ويثير الهوس في اقامة الحواجز بطريقة استبدادية حول النظام الدهشة لان فكرة الملكية لا تبدو انها مهددة، ومحمد الخامس يحترمه اتباعه وهناك اجماع واسع واتفاق واسع حول العرش الذي يبدو انه يكتسب الشرعية، ان ادارة ملف الانتخابات التشريعية المقبلة الخطرة سوف تسمح ربما بالقول هل يشعر الملك ان البلد مستعد للعبة الديمقراطية، وهل سيمتلك المزيد من الجرأة لقول ذلك؟ ان التقييد الظاهر في معالجة قضية بن بركة يثير الخشية من رد سلبي.

 
 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة