الـديمقراطية وســيادة القـانون
المحامي هاتف الاعرجي
باحث قانوني
لا
تعيش الديمقراطية الصحيحة ولا تنمو، الا بسيادة قانون عادل
يطول جميع المنتمين الى البلد الديمقراطي، يحدد لكل مواطن
مسؤول وغير مسؤول، سلم الحقوق والواجبات، ويمنع جميع
المخالفات على وفق مبادئ واحدة تسري على الجميع.
وقمة
المهانة والاذلال ان يشعر مواطن ان كسر قانون او الاقدام
على مخالفة، لا ينالها جزاء اذا صدرا عن فئة معينة، لا
يبرر أي منطق او أي عدل اعفاءها من تأدية ودفع ثمن مخالفة،
او عدم سريان العقوبة عليها.
كان في الازمان الدكتاتورية يرتفع (عيار) هكذا مهانة او
اذلال في بلدٍ يرفع شعار (العدل اساس الملك) او يدعي
الديمقراطية –
وتقوم عصابات
فئوية تحمل شعارات طائفية
–
او تتخفى في ظلها
–
لتعتدي وتحرق وتقتل،
وفئات الشعب على اختلافها منها براء.
وبات من الضروري دك حصون هؤلاء ليخرج الى النور كل عمل
يأتيه عراقي او اجنبي على ارض العراق ويجري عليه من دون أي
استثناء مبدأ واحد هو مبدأ الحساب، وقانون واحد، هو قانون
الثواب والعقاب، لاسيما الاعمال الصادرة عن الهيئات
السياسية او الدينية، والدين منها براء.
على ان التجربة تقول ان كل جريمة لا يقتصُ منها وبشكل سريع،
تفقد القصاص اهميته، بالنسبة للجمهور. فلا يعود يرتدع احد
من العقاب عليها.
وكان تركيب الجهاز القضائي يملك نفس مواصفات الجهاز
الاداري فالقضاة يتم اختيارهم وتعيينهم وفق القواعد
الطائفية والعنصرية التي يُشير بها او يسير عليها السلطان.
ونقلهم من مكان الى آخر يخضع في بعض جوانبه لعامل الوساطة
السياسية والدولة لا تتورع عبر جهازها التنفيذي المتمثل
بالوزراء او النواب عن النفاذ الى الجهاز بعوامل الترغيب
والطائفية والمصالح الخاصة لتأمين مصالحها التي تمر عبر
جهاز القضاء.ولعل الكل يتذكر (خير الله طلفاح) وكيف كان
يصول ويجول بين المحاكم والدوائر الرسمية لتأمين المزيد
–
من هل أمتلأتِ!!
لا بد من قضاء يكون في مستوى العراق ذي الحضارة في العدل
ليشيع الاطمئنان من دار العدل بالذات، ويشعر كل مواطن
بقدسية الحق من خلال تحقيق الاقتراحات التالية:
1- استقلال القضاء: ومن الضروري استقلال القضاء
استقلالاً تاماً عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، بشكل
لا نزاع فيه ولا هيمنة عليه. وتكريس القضاء كمرجع اخير
لجميع السلطات.
2- انشاء محكمة عليا تكون مهمتها الوحيدة محاكمة
السياسيين والمسؤولين السياسيين
–
والوزراء
–
والمدراء على مختلف
فئاتهم ورتبهم ودرجاتهم. ولكي تنجح هذه (المحكمة العليا)
في مهمتها الحساسة والدقيقة، وتؤدي رسالتها الديمقراطية
والوطنية. فمن الضروري ان تكون عناصرها البشرية قضاة من
الدرجة الاولى يتمتعون بدرجة عالية من العلم والخبرة
القضائية وبنوع خاص وبدرجة عالية جداً من الاخلاق والجرأة.
بحيث لا يجبن عملهم، امام أي ضغط صادر من اية جهة كانت.
كما من المهم جداً التثبت من رفعة ونقاوة حسهم الوطني. ومن
المهم ان يكون ملاك هذه الهيئة القضائية العليا وجهازها
ملائمين للمهمة الكبرى التي خلقت من اجلها من حيث عدد
القضاة والمحققين وغير ذلك.
ولا يفوتنا التركيز على ضرورة التفرغ التام للقضاة، ويكون
تعيينهم لمدى الحياة كما هو الحال في الكثير من البلدان
المتقدمة. ولابد من استقلال هذه المحكمة التام عن الهيئات
القضائية الاخرى.
لاسيما سلطة مجلس القضاء الاعلى او سلطة وزير العدل،
باعتبار ان وزير العدل بالذات هو عرضة لان يجد نفسه يوماً
في قفص اتهام، او ان يمثل امام الهيئة التي تعلوه كي يؤدي
الحساب عن افعاله واعماله في وزارته عند تجاوزه على
القانون ويمكن ان نشير الى ان مهمات هذه المحكمة (المحكمة
العليا) هي:
1- اللجوء الفوري لمحاكمة أي مسؤول له رائحة مخالفة او
مخالفات (مادية او ادارية) او تقدمت به شكوى بموجب الاصول.
2- تقييم دوري لولاية أي مسؤول في الرئاسة والوزارة
والنيابة بعد انتهاء الولاية الرئاسية او الوزارية او
النيابية.
3- اما المحكمة الدستورية
–
فمهمتها النظر في قرارات
المحاكم، وفي قرارات الحكومة والوزراء والمراسيم الصادرة
عن رئيس الدولة ورئيس الحكومة وما اذا كانت مخالفة للدستور
والقوانين والحقوق الشخصية للانسان.
وعلى صعيد تطوير الاجهزة القائمة، فمن الضروري:
1- اعادة النظر بعمل مجلس القضاء الاعلى وتزويده باوسع
الصلاحيات، بصدد تعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم ومحاسبتهم
وتأديبهم وانهاء خدماتهم.
2- رفع مستوى القضاة مادياً ومعنوياً والعمل على
ابعادهم عن مواقع التأثير عليهم في اداء مهماتهم.
ويمكن ملاحظة مشكلات القضاء في البلدان العربية وهي الآتي:
1- القضاء مستقل نظرياً
–
لكن السلطة السياسية هي
التي تنظمه وتعين عناصره البشرية.
2- مجلس القضاء الاعلى هو ايضاً من صنع السياسيين.
3- السياسيون الذين تولوا الحكم لم يكونوا في وضع متحرر
يسعفهم على المبادرة لقيام قضاء مستقل حقاً، (صلاحه) الحق
والعدل والقانون.
4- يقع القضاء في كل تشكيلاته من مجلسه الاعلى وقضاته
وفي مختلف درجات المحاكم تحت ضغوط سياسية.
فيذكر احد الكتاب المهتمين بشؤون اصلاح القضاء يقول: تلفون
وزير، مثلاً، او نائب او متنفذ كفيل بان يقلب ارض القانون
وسماءه رأساً على عقب.
ناهيك بفعل زيارات لهذا المرجع القضائي او مراجعات رسول
يتسلح بظهرٍ متنفذ قوي.. (الاستاذ عزيز الاحدب
–
لبنان الجديد ص 42
النقص الهائل في عدد القضاة
تشير الدراسات عن دور وعدد القضاة في بعض البلدان.. الى أن
في السويد مثلاً لا يجد المواطن صاحب الدعوى مشقة تذكر في
اقامة دعواه وملاحقة حقه، فيحصل بسرعة على الحكم الذي يحدد
مصير قضيته. وفي فرنسا يتبين ان هناك قاضياً لكل ستين الف
شخص.
وفي لبنان فان هناك قاضياً واحداً لكل (125) الف شخص. اما
في العراق فهناك نقصٌ كبير في عدد القضاة
–
فلو قدرنا عدد القضاة
بألف قاضٍ، فيكون هناك قاضي واحد لكل (275) الف شخص.
ويلاحظ ان العدد كبير جداً قياساً الى الدول التي اوردناها
–
واستشهدنا بها
–
اضافة الى ان هذه الدول
تمتاز بتقدم وعي الانسان الحضاري والثقافي الاقتصادي
والاجتماعي. مما يتطلب مضاعفة عدد القضاة وبما يتناسب وعدد
السكان.
واخيراً لابد من اعادة النظر في
–
معظم ان لم يكن في جميع
القوانين التي تحكم القضاء، ابتداءً من قانون العقوبات
وانتهاءً بطريقة ملاحقة المطلوبين للقضاء
–
او على المدعى عليهم
لتبليغهم باوراق الجلب مروراً بكل الانظمة التي تنظم عمل
القضاء وتزيد من فعاليته. |