اراء وافكار

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

العلمانية صراع غير متكافئ مع التيارات الدينية

تيسير محمد

مصطلح العلمانية يقصد به هنا، كل ما هو غير ديني. احزاب ليبرالية، افكار حرة، منظمات مجتمع مدني، حركات ثقافية وسياسية واجتماعية، وهلم جرا. ولا يمكن الحديث عن العلمانية الا بتحديد تاريخ معين لها، منه يتم استشرافها في مجتمع العراق، المتنوع اثنياً ومذهبياً وقبلياً.

اذ تلمس العلمانية في حركات سياسية وانماط تفكير شعبية، ومؤسسات مجتمع مدني تهتم بكل ما هو ارضي، كحقوق الانسان والبيئة والحركات النسوية المطالبة بالحقوق المدنية وغير ذلك من اتجاهات، حتى الوصول الى ايقاع مجتمع برمته، ما هي خصائصه، والى اين يسير، اجتماعياً وسياسياً وثقافياً؟ كانت الخارطة الاجتماعية للعراق، بخطوطها العامة، قبل سقوط النظام، تمتلك بصمات مشخصة بعض الشيء. المناطق الجنوبية (ذات اغلبية شيعية) محكومة بفرمانات بعثية ناصبت العداء بقسوة بالغة جميع الاتجاهات الدينية العلنية، ونقصد بهذا الاحزاب الدينية المذهبية، فصفت وجود حزب الدعوة منذ زمن بالحكم بالاعدام على أي منتسب، واحياناً العائلة اجمع، وتسفير الموالين سواء لهذا الحزب او للمرجعيات الدينية التي كانت مدوزنة بتوازن قلق مع السلطة. ولذلك اتجه الشعب المضطهد، والمسحوق، نحو التدين الشعبي، وهنا يقصد بذلك الطقوس الحسينية والتقليد للمرجعيات والالتزام بفتاواها وتوجيهاتها، والبحث عن هوية مذهبية مغايرة للمذهبية الرسمية، من دون ان تستطيع تلك الكتل السكانية من تشكيل حزب ديني علني في هذا الاتجاه، كون الامر ظل مستحيلاً ومرفوضاً.
اصبح التدين الشعبي هو الآيديولوجيا البديلة لحزب البعث. وكان ايضاً بديلاً عن الاحزاب العلمانية التي كانت لها جماهير واسعة ذات يوم، مثل الحزب الشيوعي العراقي، والفكر الماركسي عموماً فضلاً عن الحركات القومية كالناصرية مثلاً. وبضرب الحزب الشيوعي العراقي كحركة علمانية ذات جذور في الوسط الجنوبي ذي الغالبية الشيعية، وتحول حزب البعث من حزب علماني الى حزب طائفي وقوماني وفاشي، عبر عقود التسلط، اصبحت الاتجاهات العلمانية فردية وضعيفة، خاصة لدى الاجيال الجديدة التي تربت في احضان الحروب والتفرقة الطائفية والتهجير والتحكم المذهبي في مفاصل الدولة العراقية.
سلطة مرفوضة شعبياً، ويخشى من جبروتها، وجماهير سدت امامها ابواب الخيارات فالتجأت الى معينها التاريخي، أي الدين، سواء في قبول واقع صعب بصورة قدرية، او باستخدام آلية التقية، وهي مجاراة الحكومة والتكيف معها حتى وان كانت مرفوضة لدى البشر، ولا يمكن التصريح بهذا الرفض. اصبح الاحتجاج على العسف يأخذ طابعاً دينياً مثل ارتداء الحجاب، والتقيد بفتاوى رجال الدين، والتمسك بالطقوس الدينية، وشبه تقديس للمراجع الدينية، واحتضان الرموز التي قتلها النظام باعتبارهم قادة تاريخيين لمسيرة تحررهم من جور السلطة.
حاربت السلطة البعثية كلاً من العلمانية والعقلانية والوعي من جانب، لكنها لم تطمئن الى الفكر الديني في الوقت ذاته، وبالخصوص البعيد عن سيطرتها. هذه الازدواجية اوقعتها في شرك البراغماتية المنفلتة، والديماغوجية في التثقيف والاعلام والشعارات المطروحة، منذ الثمانينيات وحتى لحظة سقوطها.
كانت السلطة حذرة من تفشي الظاهرة الدينية، فأقدمت على منع الاحتفالات الدينية، او تقليصها للحد الادنى، وشجعت التشيع العراقي. هذا في المناطق الجنوبية ذات المذهب الجعفري، اما في مناطق الغرب العراقي ذات الغالبية السنية، التي جعل منها النظام قاعدة لحكمه، واعتمد عليها في مفاصل اجهزة الامن والجيش، وحتى الحزب بصورة ما، تناغماً مع الآلية التاريخية للدولة العراقية منذ خروجها من عباءة الحكم العثماني وحتى سقوط النظام في التاسع من نيسان، عام الفين وثلاثة، فقد كانت هذه المناطق تاريخياً، منبعاً للحركات القومية الناصرية، والبعثية، على حد سواء. استطاع حزب البعث وقادته، بعد ضرب أي تعددية فكرية وحزبية، حتى على صعيد الفكر القومي، ان يجيّروا تلك الاتجاهات الى تخومه ليوحد تلك الحركات، سواء بالقوة او عبر الامتيازات والشعارات، تحت رايته اولاً، ثم راية القائد الاوحد لاحقاً.
لم يعد هناك من آيديولوجيا سوى ايديولوجيا حزب البعث، ورؤية مفردة الا وهي رؤية صدام حسين وبطانته الواقع العراقي.
الاحزاب الدينية السنية انتهت ايضاً في الواقع.
حزب الاخوان المسلمين الذي نشط في الستينيات، تلاشى تماماً في ثمانينيات القرن العشرين. وشجع النظام الاتجاهات الدينية الاصولية، وتوجهاته القومانية، وديماغوجيته فيما يصلح من تعاليم دينية للحياة ام لا. شجعت السلطة الجو الديني الاصولي لكنها منعت قيام احزاب دينية، وحاول حزب البعث استيعاب ذلك الجو بقدرته الفذة في التلون والديماغوجية.
ولقطع الطريق على أية افكار علمانية او يسارية او قومية، خارج معطف الحزب وقائده، شجع صدام حسين الفكر الاصولي، الوهابي تحديداً، في حملته الايمانية المشهورة، التي بدأها في منتصف عقد التسعينيات، اثر الحصار الشامل الذي فرضه مجلس الامن على العراق. عداء صارم لامريكا والغرب، تقسيم العالم بين مسلمين وغير مسلمين، تفسير النص القرآني حسب المصلحة، والطاعة العمياء لأولي الامر.
منعت دور السينما او حوربت، واغلقت النوادي الترفيهية، ومنعت الخمور، وحورب السفور، وأعطي لرجال الدين الأصوليين سلطة التوجيه الشديد في الاشراف على مناحي الحياة، ولكن تحت مراقبة امنية شديدة كي لا تخرج الحملة عن المسار المرسوم لها، أي موالاة الرئيس المؤمن، وتطبيق شعاراته الدينية حيناً، والقومية حيناً، والاشتراكية حيناً، حسب الظروف التي تتطلبها المعركة مع الغرب الكافر، المتصهين، البعيد عن التقاليد الاسلامية.
ما ينطبق على مناطق غرب العراق السني عموماً، وجنوب العراق الشيعي عموماً، ينطبق ايضاً على المدن والمناطق المتداخلة مذهبياً، مثل بغداد على وجه الخصوص. ففيها تجلت كلتا الحالتين، وهابية صارمة تصب في خدمة القائد، وارتداد ديني الى التدين الشعبي الطقوسي المسيطر عليه هو الآخر، بواسطة القمع لكي يحيد في الاقل فلا يشكل خطورة على النظام. تم قمع انتفاضة السيد محمد صادق الصدر في مدينة الثورة بعد قتله بشراسة، ودونما رحمة من قبل قوات الامن الخاص والحرس الجمهوري في نهاية الألف الثاني الميلادي.
اما العلمانية المتمثلة بالاحزاب اليسارية والليبرالية ومنظمات المجتمع المدني والتفكير الحر لدى المثقفين والمفكرين، فقد ازيحت تماماً من المجتمع، اما قمعاً وتقتيلاً، او هجرة ومعارضة خارج العراق، وصار الجميع تحت رحمة آلة الدولة الرهيبة، المعروفة التفاصيل. لم يعد هناك مجال لأي حركة شعبية ذات صفة ليبرالية او علمانية، لا في الغرب ولا في الجنوب، ويمكن تذكر انتفاضة اللواء الطيار محمد مظلوم الدليمي في مناطق غرب العراق كذلك، حيث قتل الدليمي ببربرية، من دون ان تسمح السلطة حتى بتأبينه، واستبيحت الرمادي مسقط رأسه من قبل فدائيي صدام لثلاثة ايام، نكاية بانتماء اللواء الى تلك المحافظة.
منطقة كردستان العراق صار لها وضع خاص منذ بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين، اذ انفصلت عملياً عن العراق بحماية دولية، وتشكلت في كردستان العراق حكومتان، هما حكومة يقودها الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني ومقرها في السليمانية، وحكومة الحزب الديمقراطي الكردساني ويقودها السيد مسعود البارزاني ومقرها في اربيل. كلتا الحكومتين خرجتا من كنف المعارضة العراقية للنظام، وارادتا ان تعكسا الوجه البديل عن السلطة المركزية في بغداد. فاطلقتا الحريات الصحفية نسبياً، والاجتماعية، وحرية تشكيل الاحزاب وتنظيم المجتمع على اساس مدني، لكي يثبت كلاهما انهما جديران بالتأسيس لعراق آخر، يكفل حقوق الانسان، ويقر بالتعددية وحرية الفكر والمعتقد، ويقف كل ذلك على عتبة انتخابات حرة وبرلمان وحكومة لها مؤسسات واضحة المعالم.
مدى واقعية تلك التجربة في تطابقها مع الشعارات المرفوعة يحتمل كثيراً من النقاش، حيث سجلت ايضاً الخروقات والاخطاء في هذا المجال، الا ان الخطوط العامة لتلكما التجربتين لم تخرجا عن جوهر الشعارات المطروحة، وكان اهمها فصل الدين عن الدولة، وعدم السماح للاحزاب الدينية، وهي موجودة في كردستان، بتسييس الدين للانقضاض على السطلة. واقع شعب كردستان العراق اليوم يتميز بتجذر صوت عال للعلمانية، في اطار تشكيل منظمات المجتمع المدني والحرية الاجتماعية المتاحة للانسان، وامتلاك المرأة حقوقها، وابعاد رجال الدين عن السياسة، وجعل الشريعة الاسلامية منطلقاً عاماً للقوانين والتشريعات، من دون ان تتحكم بتفاصيل حياة البشر.
هذه الخارطة كانت واضحة حتى سقوط النظام، بتقسيماتها العامة، في مختلف مناطق العراق. وظلت هي التي يمكن الانطلاق منها لفهم الصورة الراهنة لاتجاهات الواقع العراقي، الدينية والعلمانية، والصراع الرهيب، وغير المتكافئ، الذي بدأ يستعر بين الاتجاهين. فضعف العلمانية واندحارها، مهد لهما امر اساسي مورس في الثلاثين سنة الاخيرة، ان بوعي او كنتاج لديماغوجية الحكم السابق، الا وهو ضرب العقلانية، سواء في سياسة النظام او في المجتمع. وما هو معروف ومتفق عليه هو تلك العلاقة الوشيجة ما بين العلمانية والعقلانية. فلا يمكن للعلمانية ان تسود، في حقبة من الحقب، من دون عقلانية متبلورة وضاربة العمق في كل طبقات المجتمع.
لقد كشفت الانتخابات الاخيرة، بشكل جلي، ضعف التيارات العلمانية والحركات الليبرالية، وتلاشي تأثيرها تقريباً، وصعود صارخ للاحزاب الدينية، الشيعية منها والسنية. ففي الجنوب الشيعي صعد اتجاهان بارزان هما اتجاه بقيادة السيد علي السيستاني، واتجاه آخر بقيادة السيد مقتدى الصدر. الاحزاب الشيعية، صغيرها وكبيرها، المجلس الاعلى، حزب الدعوة، ثأر الله، الفضيلة، حزب الدعوة العراق، التيار الصدري، الخ، لا تخرج تقريباً عن خيمة هذين الاتجاهين.
اما في المناطق السنية فالنتيجة معروفة. هناك الحزب الاسلامي العراقي، وهو تنظيم معتدل بعض الشيء، وهيئة علماء المسلمين، وهي تجمع غير منسجم الافكار والتصورات حول القضية العراقية، يلم تيارات متوزعة ما بين التطرف الوهابي، والليبرالية الاسلامية، كما يمثلها قادة الوقف السني ومنه رئيس الوقف احمد عبد الغفور السامرائي. هذان الحزبان لم يستطيعا اختراق القشرة الوهابية الصلبة المهيمنة في المدن السنية، خاصة في غرب العراق. المعروف ان هيئة علماء المسلمين تأسست بعد انهيار النظام، وحاولت ان تصبح منبراً للسنة الا انها لم توفق في ذلك. اما الحزب الاسلامي بقيادة محسن عبد الحميد فكان موجوداً في صفوف المعارضة العراقية سابقاً، ولا يمتلك جذوراً عميقة في الوسط السني. اتجاهه الديني ينحو الى الاعتدال وأيد قيام نظام جديد في العراق حتى بوجود قوات محتلة. ويظل ثمة تأييد لا يستهان به للحركات التكفيرية المسلحة، ومنها بالأخص، قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، وكان لها هيمنة شبه مطلقة على الناس بسبب حجم الترهيب الذي تمارسه على المناطق الواقعة في مجال نفوذها.


منظّر الحرب ضد الارهاب .. هكـذا تكلم برنـارد لويــس!!

احسان الجرجفجي

يعتبر المستشرق برنارد لويس من اكثر الشخصيات المثيرة للجدل في عصرنا الحاضر، وبصورة خاصة في العالم الاسلامي. يتهمه نقاده بانه يوظف علمه في خدمة سياسة ادارة بوش في حربها على الارهاب، وانه هو الذي كان وراء بلورة قرار الحرب على العراق، ولا يرفع من رصيده في العالم العربي كونه قد ولد في اسرة يهودية.
ولد لويس في لندن عام 1916، درس وقام بالتدريس في مدرسة الدراسات الشرقية والافريقية التابعة لجامعة لندن، ثم انتقل في منتصف السبعينيات الى جامعة برنستون الامريكية الشهيرة حيث تولى منصب استاذ دراسات الشرق الادنى حتى تقاعده رسمياً عام 1986، وهو يشغل منصب الاستاذ الفخري لدراسات الشرق الادنى في الجامعة ذاتها. كانت اطروحته عن طائفة الحشاشين التي ظهرت في القرن الحادي عشر، ولكنه سرعان ما تحول الى دراسة العالم الاسلامي الحديث، فدرس التجربة التركية التي لا يخفي اعجابه بها. اصدر العديد من الكتب عن التاريخ العربي والاسلامي، ومنح ثمانية شهادات دكتوراه فخرية، جاءت اثنتان منها من اسرائيل. يطلق عليه طلابه (عميد دراسات الشرق الاوسط) و(حجة التاريخ الاسلامي) و(بطريرك الاستشراق).
صدرت في القاهرة ترجمة لاحد كتبه الحديثة والمسمى (الاسلام وازمة العصر.. حرب مقدسة وارهاب غير مقدس)، واسم الكتاب في الاصل (ازمة الاسلام.. الحرب المقدسة والارهاب المدنس). قام بترجمة الكتاب احمد هيكل وقام رؤوف عباس استاذ التاريخ الحديث بكلية الآداب في جامعة القاهرة بالتقديم للكتاب مع كتابة دراسة عن فكر لويس. تقع الترجمة العربية للكتاب في 175 صفحة مقسمة الى تسعة فصول. الكتاب في الاصل مأخوذ من ثلاثة مقالات منفصلة نشرت في مجلات امريكية رصينة ثم اضاف اليها المؤلف مواد جديدة واصدرها في كتاب واحد، وهذا هو السبب الذي يظهر مواضيع الكتاب وكأنها غير مترابطة.
- 1 -
يصاب المرء بالدهشة وهو يرى كمية ونوعية الاخطاء التي يقع فيها (حجة تاريخ الاسلام)، التضليل المتعمد بدراسة بعض الظواهر في التاريخ الاسلامي بمعزل عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبناء استنتاجات خاطئة وتعميمها على المسلمين في كل العصور. اكثر ما يخشاه المرء ان اجيالاً من القراء الغربيين سيلجؤون الى كتب لويس المليئة بالافتراءات ويعتبرونها القول الفصل في التاريخ الاسلامي. قد يحتاج الباحث الى تسويد العشرات من الاوراق للرد المفصل على هذه المغالطات.
يشدد د. لويس على اهمية مؤسسة الخلافة عند المسلمين ورمزيتها و(الاذلال والعار) الذي لحق بالاسلام بالغائها، بينما يتفق معظم المؤرخين على ان الخلافة فقدت اهميتها بعد سيطرة امراء الجيوش الاتراك على زمام الدولة في العصر العباسي الثاني. يزعم (عميد دراسات الشرق الاوسط) بان اغلبهم (المسلمين) يوافقون على ان الله معني (بالسياسة)، وان هذا الاعتقاد تؤكده وتسانده الشريعة، وهي القانون المقدس الذي يتناول باستفاضة مسألة اكتساب السلطة وممارستها، وطبيعة الشرعية، والسلطة، وواجبات الحاكم والمحكوم، أي بعبارة اخرى ما نطلق عليه نحن في الغرب القانون الدستوري والفلسفة السياسية). ان معظم المسلمين لا يعتقدون بان القرآن والسنة النبوية قد حددا (النظام السياسي) الذي يجب ان تقام على اساسه (دولة الاسلام)، وان اجتهادات الفقهاء في هذه المسائل كانت مبنية على الاجماع وجاءت متأخرة نسبياً. اما الفكر السياسي الاسلامي، فقد ظهر كجزء من علم الكلام وكان جله محاولة لتفسير الواقع المعيشي واضفاء الشرعية على الاعراف الجارية في ذلك العصر.
بل ان هنالك اخطاءاً لا يمكن لطالب مبتدئ في التاريخ ان يقع فيها، من المعقول ان يدعي مستشرق مخضرم بان القدس لا اهمية لها عند المسلمين بدليل ان احد السلاطين قد تنازل عنها كجزء من تسوية سياسية. اليست القدس هي اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين؟ ام انه نسي ذلك لغرض في نفس يعقوب؟ يصل المنطق الممجوج عند (عميد دراسات الشرق الاوسط) الى درجة مبتذلة عندما يكتب في شرح فكرة التفويض الالهي (كان المحاربون من اجل الاسلام يخوضون حرباً مقدسة (في سبيل الله) ويحاربون من اجل الله، فان ذلك يستتبع ان خصومهم يحاربون ضد الله، وما دام المبدأ ان الله صاحب السيادة (
Sovereign) وانه الرئيس الاعلى للدولة الاسلامية (Supreme Head of the Islamic State) وبعده النبي، ومن بعد النبي الخلفاء، كنواب عن الله، فان الله صاحب السيادة هو قائد الجيش، والجيش هو جيش الله والعدو هو عدو الله.. الخ).
تبلغ المهزلة قمتها في قراءته التاريخ العربي الحديث، فهو يكتب: (قام الاتحاد السوفيتي بدور كبير في الحصول على الاغلبية التي صوتت في الجمعية العامة للامم المتحدة الى جانب انشاء دولة يهودية في فلسطين ثم في الاعتراف القانوني الفوري باسرائيل، وكانت الولايات المتحدة اكثر تردداً وجاء اعترافها بحكم الامر الواقع فقط)!!، ان أي مطلع على التاريخ الحديث يعلم ان الاتحاد السوفيتي قد ناصر قرار التقسيم ولكن دوره لا يمكن ان يقارن باي حال من الاحوال بالدور الذي لعبته الولايات المتحدة في الحصول على تأييد الدول لقرار التقسيم والضغوط التي مارستها لكي يتم انجاح مشروع القرار. هل يتوقع د. لويس ان يصدق أي أحد في العالم العربي عندما يقول: (كثيراً ما ينسى اليوم ان العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة واسرائيل كانت نتيجة وليست سبباً، للتغلغل السوفيتي (في الشرق الاوسط في الخمسينيات والستينيات)). كاتب هذه المقالة يعتقد ان لويس باختياره كلمة (الكفار) (وهم عبدة الاوثان) للاشارة الى المسيحيين وهم من اهل الكتاب (الذين لا يجوز قتالهم اذا دفعوا الجزية) محاولة لترسيخ الفكرة القائلة بان الجهاد ليس الا حرباً عدوانية تشن ضد (الكفار) بكلمة اخرى (المسيحيين).
- 2 -
يركز اكثر الكتاب العرب على الاخطاء الفاضحة التي تم ذكر بعضها في الفقرات السابقة ويخفقون في فهم الهدف الحقيقي للكتاب. كيف يقع السيد لويس الذي يمتلك غزارة في المعلومات عن التاريخ الاسلامي وقدرة فذة في البحث في مثل هذا الاخطاء؟ اسم الكتاب في الاصل هو (ازمة الاسلام) فيا ترى ما هي هذه الازمة التي يمر بها العالم الاسلامي في رأي السيد المستشرق؟
(يعاني العالم الاسلامي كله تقريباً الفقر والاستبداد. وتعزى كل من هاتين المشكلتين، لاسيما عند اولئك الذين لهم مصلحة في ابعاد الشبهات عن انفسهم، الى امريكا: الاولى بسبب السيطرة والاستغلال الاقتصاديين من جانب امريكا.. والثانية بسبب مساندة امريكا لمن يسمون بالحكام المسلمين المستبدين الكثيرين الذين يخدمون اغراضهم) ويضيف: (ان انخفاض الانتاجية واقترانها بتزايد معدلات المواليد في الشرق الاوسط يشكل خليطاً يصعب تحمله نظراً لما يحدث من زيادة في اعداد العاطلين وغير المتعلمين والمحبطين من الشباب)، ملاحظات سليمة يتفق معها اكثر المحللين في الشرق الاوسط. يشير د. لويس في الفصل السابع الى مجموعة من الاحصاءات الدولية، ارقام تثير الحزن والاسى حول الناتج المحلي الإجمالي، متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي، الناتج الصناعي، امتلاك خطوط الهاتف وحيازة اجهزة الكومبيوتر في الدول الاسلامية. يقتبس المؤلف من التقرير العربي للتنمية الانسانية ارقاماً مخيفة عن الوضع الاقتصادي والثقافي في العالم العربي. يعتقد د. لويس انه بسبب هذه الاوضاع المأساوية فانه مما لا يثير الدهشة ان يتحدث كثير من المسلمين عن اخفاق التحديث وان الحل بالنسبة لبعضهم هو مزيد من التحديث والقيام به على نحو افضل، بينما يرى القسم الآخر ان الحداثة نفسها هي المشكلة ومصدر كل بلاء.
فما الحل في رأي المحلل السياسي الحصيف، هل هي باجراء انتخابات حرة؟ (من الواضح ان الانتخابات الحرة والمنصفة في العالم الاسلامي، كما كان الحال في اوروبا، هي ذروة التطوير الديمقراطي وليست بداية له)، كما ان الانتخابات الحرة قد قادت الى انتصار الاسلاميين في الجزائر قبل الغائها عام 1992، وسيفوز الاسلاميون لو جرت انتخابات حرة في مصر وباكستان. كما ان هنالك معوقات لقيام الديمقراطية في الدول البترولية (كان للثروة البترولية آثار سياسية سلبية باعاقتها تطور المؤسسات النيابية فمبدأ (لا ضرائب بغير تمثيل شعبي) يعتبر خطوة حاسمة في تطور الديمقراطية الغربية، ومع الاسف فان العكس صحيح ايضاً (لا تمثيل بغير ضرائب)، ذلك ان الحكومات التي تملك ثروة نفطية لا حاجة بها الى المجالس الشعبية لغرض الضرائب وتحصيلها وتستطيع في الاقل لفترة من الزمن ان تتجاهل الرأي العام).
من الواضح ان لويس المنظر السياسي افضل بكثير من لويس المؤرخ، ولكنه بعد التشخيص الدقيق للظروف التي يمر بها العالم الاسلامي، يبقى السؤال اذا لم تكن الانتخابات تساهم في التنمية والقضاء على منابع الارهاب، فاين يكمن الحل (يبدو ان الطائفة الاسلامية المعروفة باسم الحشاشين التي كانت نشطة في ايران ثم في سوريا بين القرن الحادي عشر والقرن الثالث عشر الميلادي، كانت اول من حول (ممارسة القتل) الى نظام وايديولوجية، ولم تكن جهودهم موجهة، على خلاف الاعتقاد الشائع، الى الصليبيين بل كانت موجهة في المقام الاول الى الحكام المسلمين الذين رأوا فيهم مستبدين وغاصبين، بهذا المعنى يكون (الحشاشون) هم الاسلاف الحقيقيين للكثيرين ممن يسمون اليوم بالارهابيين المسلمين)، ويضيف د. لويس: (وقد هزم الحشاشون في النهاية على يد الحملات العسكرية التي استولت على معاقلهم وقواعدهم في ايران وسوريا وهما البلدان اللذان كانوا يقومون بنشاطهم الاساسي فيهما، وربما يهزم القتلة المعاصرون بنفس الطريقة ولكن الطريق الى ذلك طويل وشاق.)
اذن هل يفهم من هذا انها دعوة لاحتلال البلدان التي (ترعى) الارهاب؟ فاذا كان ذلك هو القصد، فقد اصبح وصف السيد بول وولفوفتز للاستاذ لويس بأنه المنظر الاساسي (
Chief Ideologue) للحرب ضد الارهاب، واضحاً وضوح الشمس في رائعة النهار.


الـديمقراطية وســيادة القـانون

المحامي هاتف الاعرجي
باحث قانوني

لا تعيش الديمقراطية الصحيحة ولا تنمو، الا بسيادة قانون عادل يطول جميع المنتمين الى البلد الديمقراطي، يحدد لكل مواطن مسؤول وغير مسؤول، سلم الحقوق والواجبات، ويمنع جميع المخالفات على وفق مبادئ واحدة تسري على الجميع.

وقمة المهانة والاذلال ان يشعر مواطن ان كسر قانون او الاقدام على مخالفة، لا ينالها جزاء اذا صدرا عن فئة معينة، لا يبرر أي منطق او أي عدل اعفاءها من تأدية ودفع ثمن مخالفة، او عدم سريان العقوبة عليها.
كان في الازمان الدكتاتورية يرتفع (عيار) هكذا مهانة او اذلال في بلدٍ يرفع شعار (العدل اساس الملك) او يدعي الديمقراطية
وتقوم عصابات فئوية تحمل شعارات طائفية او تتخفى في ظلها لتعتدي وتحرق وتقتل، وفئات الشعب على اختلافها منها براء.
وبات من الضروري دك حصون هؤلاء ليخرج الى النور كل عمل يأتيه عراقي او اجنبي على ارض العراق ويجري عليه من دون أي استثناء مبدأ واحد هو مبدأ الحساب، وقانون واحد، هو قانون الثواب والعقاب، لاسيما الاعمال الصادرة عن الهيئات السياسية او الدينية، والدين منها براء.
على ان التجربة تقول ان كل جريمة لا يقتصُ منها وبشكل سريع، تفقد القصاص اهميته، بالنسبة للجمهور. فلا يعود يرتدع احد من العقاب عليها.
وكان تركيب الجهاز القضائي يملك نفس مواصفات الجهاز الاداري فالقضاة يتم اختيارهم وتعيينهم وفق القواعد الطائفية والعنصرية التي يُشير بها او يسير عليها السلطان. ونقلهم من مكان الى آخر يخضع في بعض جوانبه لعامل الوساطة السياسية والدولة لا تتورع عبر جهازها التنفيذي المتمثل بالوزراء او النواب عن النفاذ الى الجهاز بعوامل الترغيب والطائفية والمصالح الخاصة لتأمين مصالحها التي تمر عبر جهاز القضاء.ولعل الكل يتذكر (خير الله طلفاح) وكيف كان يصول ويجول بين المحاكم والدوائر الرسمية لتأمين المزيد
من هل أمتلأتِ!!
لا بد من قضاء يكون في مستوى العراق ذي الحضارة في العدل ليشيع الاطمئنان من دار العدل بالذات، ويشعر كل مواطن بقدسية الحق من خلال تحقيق الاقتراحات التالية:
1-    استقلال القضاء: ومن الضروري استقلال القضاء استقلالاً تاماً عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، بشكل لا نزاع فيه ولا هيمنة عليه. وتكريس القضاء كمرجع اخير لجميع السلطات.
2-    انشاء محكمة عليا تكون مهمتها الوحيدة محاكمة السياسيين والمسؤولين السياسيين
والوزراء والمدراء على مختلف فئاتهم ورتبهم ودرجاتهم. ولكي تنجح هذه (المحكمة العليا) في مهمتها الحساسة والدقيقة، وتؤدي رسالتها الديمقراطية والوطنية. فمن الضروري ان تكون عناصرها البشرية قضاة من الدرجة الاولى يتمتعون بدرجة عالية من العلم والخبرة القضائية وبنوع خاص وبدرجة عالية جداً من الاخلاق والجرأة. بحيث لا يجبن عملهم، امام أي ضغط صادر من اية جهة كانت. كما من المهم جداً التثبت من رفعة ونقاوة حسهم الوطني. ومن المهم ان يكون ملاك هذه الهيئة القضائية العليا وجهازها ملائمين للمهمة الكبرى التي خلقت من اجلها من حيث عدد القضاة والمحققين وغير ذلك.
ولا يفوتنا التركيز على ضرورة التفرغ التام للقضاة، ويكون تعيينهم لمدى الحياة كما هو الحال في الكثير من البلدان المتقدمة. ولابد من استقلال هذه المحكمة التام عن الهيئات القضائية الاخرى.
لاسيما سلطة مجلس القضاء الاعلى او سلطة وزير العدل، باعتبار ان وزير العدل بالذات هو عرضة لان يجد نفسه يوماً في قفص اتهام، او ان يمثل امام الهيئة التي تعلوه كي يؤدي الحساب عن افعاله واعماله في وزارته عند تجاوزه على القانون ويمكن ان نشير الى ان مهمات هذه المحكمة (المحكمة العليا) هي:
1-    اللجوء الفوري لمحاكمة أي مسؤول له رائحة مخالفة او مخالفات (مادية او ادارية) او تقدمت به شكوى بموجب الاصول.
2-    تقييم دوري لولاية أي مسؤول في الرئاسة والوزارة والنيابة بعد انتهاء الولاية الرئاسية او الوزارية او النيابية.
3-    اما المحكمة الدستورية
فمهمتها النظر في قرارات المحاكم، وفي قرارات الحكومة والوزراء والمراسيم الصادرة عن رئيس الدولة ورئيس الحكومة وما اذا كانت مخالفة للدستور والقوانين والحقوق الشخصية للانسان.
وعلى صعيد تطوير الاجهزة القائمة، فمن الضروري:
1-    اعادة النظر بعمل مجلس القضاء الاعلى وتزويده باوسع الصلاحيات، بصدد تعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم ومحاسبتهم وتأديبهم وانهاء خدماتهم.
2-    رفع مستوى القضاة مادياً ومعنوياً والعمل على ابعادهم عن مواقع التأثير عليهم في اداء مهماتهم.
ويمكن ملاحظة مشكلات القضاء في البلدان العربية وهي الآتي:
1-    القضاء مستقل نظرياً
لكن السلطة السياسية هي التي تنظمه وتعين عناصره البشرية.
2-    مجلس القضاء الاعلى هو ايضاً من صنع السياسيين.
3-    السياسيون الذين تولوا الحكم لم يكونوا في وضع متحرر يسعفهم على المبادرة لقيام قضاء مستقل حقاً، (صلاحه) الحق والعدل والقانون.
4-    يقع القضاء في كل تشكيلاته من مجلسه الاعلى وقضاته وفي مختلف درجات المحاكم تحت ضغوط سياسية.
فيذكر احد الكتاب المهتمين بشؤون اصلاح القضاء يقول: تلفون وزير، مثلاً، او نائب او متنفذ كفيل بان يقلب ارض القانون وسماءه رأساً على عقب.
ناهيك بفعل زيارات لهذا المرجع القضائي او مراجعات رسول يتسلح بظهرٍ متنفذ قوي.. (الاستاذ عزيز الاحدب
لبنان الجديد ص 42
النقص الهائل في عدد القضاة
تشير الدراسات عن دور وعدد القضاة في بعض البلدان.. الى أن في السويد مثلاً لا يجد المواطن صاحب الدعوى مشقة تذكر في اقامة دعواه وملاحقة حقه، فيحصل بسرعة على الحكم الذي يحدد مصير قضيته. وفي فرنسا يتبين ان هناك قاضياً لكل ستين الف شخص.
وفي لبنان فان هناك قاضياً واحداً لكل (125) الف شخص. اما في العراق فهناك نقصٌ كبير في عدد القضاة
فلو قدرنا عدد القضاة بألف قاضٍ، فيكون هناك قاضي واحد لكل (275) الف شخص. ويلاحظ ان العدد كبير جداً قياساً الى الدول التي اوردناها واستشهدنا بها اضافة الى ان هذه الدول تمتاز بتقدم وعي الانسان الحضاري والثقافي الاقتصادي والاجتماعي. مما يتطلب مضاعفة عدد القضاة وبما يتناسب وعدد السكان.
واخيراً لابد من اعادة النظر في
معظم ان لم يكن في جميع القوانين التي تحكم القضاء، ابتداءً من قانون العقوبات وانتهاءً بطريقة ملاحقة المطلوبين للقضاء او على المدعى عليهم لتبليغهم باوراق الجلب مروراً بكل الانظمة التي تنظم عمل القضاء وتزيد من فعاليته.

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة