المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

مجموعة بغداد سيعاد عرضها بعد خمس سنوات من الآن

لوسيندا كانيلاش - لشبونة

نشر القسم الثقافي في صحيفة بوبليكو البرتغالية في 18 مايس الماضي هذا المقال بعنوان (متحف بغداد لا يمكنه الاحتفال بيوم المتاحف).
ليس اليوم العالمي للمتاحف، الذي يُحتفل بذكراه اليوم، باعثاً على الاحتفال به عند الجميع او في الاقل ليس الآن عند ثريا البزاز، الاثرية المسؤولة عن مكتب العلاقات الدولية في المتحف القومي للآثار في العراق الذي نهب اثناء غزو بغداد في نيسان/ 2003 والذي ما زال بعيداً عن ان يجد مبرراً للاحتفال بهذا التاريخ (تاريخ اليوم العالمي للمتاحف).
ومتحف بغداد يستمر مُغلقاً، فلم يتم استرجاع الا ثلاثة الاف قطعة من اصل خمسة عشر الف سُرقت منذ ثلاث سنوات، وبعض القطع الفنية التي دمرها اللصوص الذين اقتحموا المتحف بين الثاني عشر والسادس عشر من نيسان (يوم الاقتحام ويوم طرد الامريكيين وقوات التحالف اياهم من المتحف) قد اصبحت في عداد المفقودة حيث يستحيل علاجها لاسترداد حالتها الاصلية، "هناك قطع قد تم تدميرها ويستحيل استردادها، هكذا تضطر ان تقول ثريا البزاز التي حضرت في مهمة للبرتغال منذ حوالي شهر مع حسان قصي من مركز الفن الحديث بالعاصمة العراقية الذي تم نهبه ايضاً خلال الحرب بدعوة من مدير مؤسسة كولبنكيان للتدريب في متحفها.
يقول قصي: نحن في كولبنكيان نحاول جمع المعلومات عن اشياء عملية مثل الحفظ والتخزين والاضاءة. وتضيف ثريا البزاز "ما زال امامنا الكثير لنتعلمه" لقد كنا منغلقين لعشرين سنة وفي هذه الفترة تغيرت المتاحف كثيراً وتغير العالم كثيراً، هكذا عقُبت مع رفضها الاجابة عن أي سؤال بشأن قوات التحالف التي اتهمت في ذلك الوقت بعدم حماية المتحف رغم تحذيرات المجتمع الدولي من المتخصصين، وبالرغم من الطلبات التي قُدمت الى حكومتي واشنطن ولندن.
لم تكن العالمة الاثرية في المتحف حينما وقع النهب بعد ثلاثة ايام من سقوط العاصمة حيث تتذكر "ان المشي في الشوارع كان ممنوعاً وخطراً، وعادت الى المتحف بعد النهب بعشرة ايام وما زالت حتى اليوم تعاني صعوبة في الحديث عن سيناريو ما وقع تقول ثريا "لقد كان اليوم الاول لعودتي الى المتحف صدمة كبيرة وعقيمة، بُليت حين رأيت الرفوف خاوية والقطع مدمرة وكان علي ان اغادر. في الاسبوع الاول استطاعت ثريا البزاز التفتيش عن قاعة جديدة واحدة. لقد كان الامر بالغ الصعوبة لقد آلمني اكثر ما آلمني انهم دمروا الاشياء التي لم يستطيعوا حملها ونهبها فهذا يعني انهم اعداء.
وتواصل العالمة الآثارية حديثها عن صعوبة فهم ما حدث فتقول "لا ادري من الذي فعل هذا؟ ولا لماذا؟ فلو كانوا عراقيين فهذا ملكهم. ولو كانوا اجانب فهذه آثار قديمة هذه حضارة ولو كانوا عرباً فالامر هو نفسه بالنسبة لهم. فلقد بدا الامر كأنهم يسرقون انفسهم".
ويحتفظ متحف بغداد بمجموعة من اهم الآثار في العالم فقد كانت فيه قبل النهب مائة وسبعون الف قطعة فنية، اقدمها يرجع الى الالف التاسع قبل الميلاد ويصعد بالتاريخ حتى الحقبة الاسلامية وذلك من خلال 28 قسماً للعرض وخزانة. تشهد المجموعة مولد الحضارة كما تبين ثريا البزاز، مذكرة بأن المتحف به بعض اوائل الادوات التي صنعها الانسان خصوصاً الحديد.
"لقد كان العراق هو محل ميلاد الكتابة، وفيه بدأ القانون في مسلة حمورابي (حوالي سنة 700 قبل الميلاد- متحف اللوفر).
في العراق بلاد الجزيرة القديمة ونهري دجلة والفرات "نعيش في اقدم بقاع الارض، حيث يمكن الرجوع عشرة آلاف سنة بتاريخ الانسانية".

كنوز يجب استرجاعها:
لصيقاً بمبنى المتحف مبنى آخر ستشغله قريباً ورش الحفظ والصيانة والتخزين ومن بين الاثني عشر الف قطعة مفقودة هناك قطع من اهم قطع الآثار في العالم وكذلك ثريا البزاز ترفض الحديث عنها لأنها كلها ذات دلالة كبيرة.
ومن بين القطع التي أُعيدت الى المتحف، بجهد الجيش، والشرطة الدولية (الانتربول) واليونسكو والمخابرات المركزية الامريكية ومكتب التحقيق الفيدرالي وموظفي الكمارك وبعض الافراد ذوي الوعي هناك اعمال في الصدارة مثل "رأس امرأة من الوركاء (3000 قبل الميلاد) والزهرية من الوركاء (اوروك القديمة)، وسجل او دعاء الالاباستر سجل من خمسة آلاف سنة بمناظر من الحياة اليومية في المنطقة قسمت الى اربع عشرة لوحة.
وتؤكد ثريا البزاز ان المتحف سيبقى مغلقاً طالما الوضع في بغداد لم يتحسن ولم يستجمع بعد كل شروط الامن، وربما امكن فتحه بعد خمس سنوات او ست.
وتعتقد العالمة الاثرية ان كثيراً من القطع لا يزال من الممكن استرجاعها وان المحاولات مستمرة من خلال المزادات على الانترنيت فمنذ ما يزيد قليلاً على شهرين ظهرت قطع فنية للبيع في باريس ونيويورك والمتحف والسلطات العراقية لديها علم بالكثير من القطع الفنية الموجودة في بلاد مثل العربية السعودية وايران وسوريا وتركيا والاردن وقامت بضغوط من خلال الدبلوماسيين لاعادتها الى العراق "في الاردن فقط توجد الف وخمسمائة قطعة تمت السيطرة عليها على الحدود ووضعها في المستودعات حتى تتحسن الاوضاع في بغداد. وتعتزم الاردن ارجاعها وقد طلبنا القطع من تركيا ولم يصلنا الرد بعد، كما هو الشأن ايضاً مع السعودية وسوريا".

مركز الفن بلا قطع فنية:
لم يقف النهب في الحرب عند المتحف القومي للآثار في العراق. وكما يقول حسان قصي ان مجموعة اللوحات المرسومة والتماثيل المنحوتة في مركز الفن الحديث الذي يستعد لاعادة فتحه، ما زالت بعيدة عن قاعة العرض لاسباب امنية "فلا يساوي الجهد المبذول ان يفتح المركز لمدة شهر دون تقدير العواقب" كما يقول ذلك المسؤول "فالمركز مفتوح دون ان تكون هناك براويز على الحيطان لأن الموقف لا يسمح".
والبلاد التي تصلها آثار تنتمي الى المتحف القومي يمكن ان تكون مستمرة في تجميع القطع والاعمال الفنية البالغ عددها سبعة آلاف واكثر التي اختفت من المركز (فلم يبق في المركز اليوم الا الف واربعمائة قطعة) ويُقرّ قصي بانه كان صعباً استرجاع اللوحات والتماثيل "اذ لم تكن هناك مساعدة كافية فالناس منشغلون بمشاكل اخرى ولكن الذين يعملون بالفن يصعب ان نتخيل اننا سوف نخسر وجودنا من حيث جئنا ومصيرنا حيث نذهب".
لقد اشترى المسؤولون عن المتاحف بعض القطع من الشارع "اذا شرعنا بشراء القطع التي ضاعت منا فسوف نخلق سوقاً نفاوض فيه الذين سرقوها. واذا لم نشترها بما يساوي اليوم دولاراً فسوف يساوي غداً مائة دولار، وعندها لن نجد المال اللازم للشراء فهذه حقيقة بالنسبة للفن الحديث وبالنسبة للآثار.
والتدريب الذي يتلقونه في البرتغال ليس قاصراً عليهم وحدهم، فهناك موظفون من متاحف العراق في ايطاليا وفرنسا واليابان وسيشارك كل من ثريا البزاز وحسان قصي في مناقشته في المتحف القومي للآثار في لشبونة يوم السبت بعد عرض مسرحية (حرّاس متحف بغداد الساعة)


من فعاليات ملتقى المدى الابداعي: معرض المصور الفوتوغرافي زياد تركي  .. الصورة الفوتوغرافية .. مشروعا تأويليا

خالد خضير الصـــالحي

الانفصال عن الواقعة
حالما تنفصل الصورة الفوتوغرافية، عند زياد تركي، عن اية متعلقات بالواقعة: المعلومات الوثائقية، والعنوان، واشارات المكان والزمان ونحو ذلك، فلن تعود جزءا من الارشيفات والسجلات التاريخية والوثائق والمعلومات .. وتندرج عندها ضمن مشروع بصري تأويلي ذي بعد انساني مفصول عن لحظته التاريخية، مشروع لمجاز منطو على ذاته، ومكتف به، ويحمل صفة مهمة باعتباره ليس الا اثرا من واقعة ذات بعد انساني عام، فتنتهي عندئذ تاريخية اللقطة، وتتسع المسافة، وتبتعد الشقة بين الواقعة والصورة حدّ اكتفائهما الذاتي، فينتهي المعيار التاريخي للصدق، ذلك الذي يقع في وهمه، كتّاب كثيرون حينما يتهمون انماط التصوير والصور التي يمكن (التلاعب) بتفاصيلها، بعدم الصدق جرّاء هذا التدخّل البشري، ولكننا نعتقد ان هذا المعيار يبدو ضيقا للغاية، وقد لا ينطبق الا على حدود ضيقة من التصوير الفوتوغرافي، كما لا تصحّ برأينا معايرة صدق الادوار التاريخية (=أدوار الاستحالة) التي مرّت بها الصورة الفوتوغرافية، وادت فيها مختلف المهام، خلال تطور (تكنولوجيا) التصوير عبر التاريخ؛ ومنها اعتبارها دالة على الواقعة التاريخية؛ وبذلك تتم اعادة انتاج مفهوم (الصدق)، وهو ما حاولت تجربة زياد تركي الفوتوغرافية الاسهام في تأسيسه حينما عرضها مؤخرا في معرض اقامه ضمن ملتقى المدى الابداعي في مدينة اربيل.

المحنة الانسانية
لقد كانت المحنة الانسانية هي الثيمة الكبرى التي قدمها معرض زياد تركي فيظهر فيها الانسان مقهورا، ومحطما، وحائرا، امام ابواب الحياة الموصدة دونه فكان التعبيرعن الحالة الداخلية من خلال عناصر الشكل الخارجي والعناصر الشيئية للصورة الفوتوغرافية، عند زياد تركي، يتم من خلالها توظيف عناصر الصورة والواقع كمجسدات لهذه الثيمة عبر تلاعبه بتوزيع الظلام في الصورة، بهدفين؛ هدف درامي، حيث تطْبق تلك العتمة الثقيلة، كالكوابيس، على الوجود الإنساني، تاركة له فسحة ضئيلة من مساحة الصورة (=الأمل) التي يظهر الضوء فيها، فكان توظيف الضوء من اجل إبراز "لحظة إدراك في وجوه وتلميحات الموضوعات؛ وكل ما سواه ملقى في الظلّ"، كما يصف الناقد (دونكان بول) أجواء مشابهة لتجربة زياد تركي، حيث تبرز التباينات بين الضوء والظلام، وثمة هدف سايكولوجي استبطاني يأتي ضمن محاولة للإمساك "بالحياة الداخلية لموضوعاته، عبر توزيع الضوء والظل لإبراز تعابير الوجوه المتغضنة المحفورة بفعل الزمن القاسي الذي ترك اخاديد كان قد حفرها بقسوة لا توصف، فتبدو لحظات الإدراك والإستغراق في التفكير، والإنغماس في التأمل، في وجوه نماذجه المختارة بالتزامن مع الجدران المرتفعة التي اخذت مساحة الجزء العلويّ الأعظم من اللقطة، فسحقت هيمنتها على فضاء الصورة أية مقاومة، يمكن ان تبديها تلك (الكائنات) البشرية المحشورة بين ظلفتيها تاركة إياهم غارقين في محنتهم، ساهمين، حائرين، بمصيرهم المحزن.
يقول زياد تركي عن تجربته التي قدمها في معرضه في ملتقى المدى الابداعي الاخير في مدينة اربيل،:داخل تلك المخلفات التي كانت يوما ما بنايات (محترمة !) تثير فينا الرعب ..والخدر ..والحذر ..والتقزز احيانا، والتودد احيانا اخرى,كانت هناك سجون وغرف تحقيق وغرف اجتماعات واخرى للنكات ,ولم تك تلك الغرف تخلو من صورة الاوحد ..الفريد ..العنيد.. الجبار .. اليوم لم تعد تلك الصورة معلقة ولم يعد له أسم مما كان . في جوف تلك البنايات ,وجدت من يفترش الاضابير للمنام وهناك من اقام مطبخه الصغير في زنزانة مفردة ,وهناك من يشارك زوجته غرفة رئيس التحرير، الاطفال وجدتهم يلعبون في مكتب أمين سر الفرع ,وهناك صبي يغازل فتاته في غرفة المدير العام ... الى هؤلاء، الى من يستحق منهم المأوى ،الى عيون أطفالهم جميعا أهدي هذه الصور .


من المكتبة الاجنبية

رواية كتاب ديف

تأليف :ويل سيلف
يبدو جلياً أن رواية ويل سيلف الجديدة (كتاب ديف) تجرى أحداثها في فترتين زمنيتين مختلفتين، تراوح بينهما فصول الكتاب. في الفترة الزمنية الأولى نتابع سائق سيارة الأجرة الساخط في الفترة من عام 2001 إلى عام 2003، وهو العام الذي يلقى فيه ديف حتفه. لتبادر ميشيل زوجة سائق التاكسي ديف رودمان إلى الهروب منه من أجل رجل آخر، حاملة معها ابنهما الصغير، فإن ديف يجد نفسه وقد استسلم إلى موجات من الشك والسخط. ولما كان يخشى من أن ابنه الصغير لن يقدر له أن يعرفه في يوم من الأيام بعد أن حرمتهما الأم من أن يلتقيا، فإنه يبادر إلى كتابة نص حافل، هو في جانب منه يوميات سائق سيارة أجرة وفي جانب آخر أطروحة فلسفية بالغة الغرابة، وفي جانب ثالث ركام من المعرفة يقدر لكل سائق سيارة أجرة في لندن أن يضع يده عليه بحكم مهنته ومتاعبها. هذا الكتاب الذي قصد به أن يقع في يد الصبي عندما يكبر يضم كل عناصر القلق والإحباط التي تحفل بها حياة المدن الحديثة.

قصة حياة فرانز فانون

تأليف :دافيد ماسي
الناشر: غرانتا بكس - نيويورك 2006

مؤلف هذا الكتاب هو الكاتب والمترجم الأميركي المعروف دافيد ماسي. وكان قد نشر كتبا عدة عن الشخصيات الثقافية الفرنسية. نذكر من بينها كتابه الشهير عن ميشيل فوكو، وكتابه الآخر عن جاك لاكان والتحليل النفسي. وبالتالي فهو من كتاب السيرة المعروفين في الولايات المتحدة، وقد برع في هذا الفن كثيرا. وفي هذا الكتاب الجديد يخصص دافيد ماسي سيرة ضخمة للمناضل والمفكر الأممي الشهير: فرانز فانون. ومعلوم أن الجزائر احتفلت به وبذكراه عام 2004 بمناسبة انعقاد المعرض الدولي التاسع للكتاب فيها. ونظمت له مؤتمرا علميا حافلا شاركت فيه عشرات الشخصيات من عربية وأجنبية. وكان ذلك تقديرا لنضاله من أجل تحرر الشعب الجزائري من نير الاستعمار الفرنسي.

هزيمة الإرادة

تأليف :مجموعة مؤلفين
الناشر: سويل ـ باريس

على الطريق الصعب للإرادة، أو ربما بالأصح على الطريق الصعب لـ (غياب الإرادة) في عالم ما بعد الحداثة في المجتمعات الغربية المتقدمة. هذا الغياب الذي يبرز في الثقافة الحديثة عبر القلق الذي يولده الإحساس بـ (التكرار) وب(العجز) وما يترتب عليهما من شلل الإرادة أو (مرضها). وفي الحالتين يغدو من الصعب تصور أي طريق للمستقبل .يحدد المؤلفان أهم سمات المجتمعات الحديثة في شيوع نوع من (الإحساس المرضي بالفراغ) وما يتولد عن هذا من (ثقافة قمعية يمكن اعتبارها بمثابة لباس حديث لنزعة العدمية). وهذا يطرح بدوره أسئلة جوهرية حول العلاقة بين المصير الإنساني والحرية والحداثة.

روبنسون في بكين

تأليف :إريك ماير
الناشر:روبير لافون ـ باريس 2006

الصحافي الفرنسي إريك ماير المقيم في العاصمة الصينية بكين منذ عام 1987 أخذ معه زوجته وأطفاله من فرنسا وذهب إلى الشرق الأقصى لكي يعيش هناك .في هذا الكتاب الجديد يتحدث المؤلف عن انطباعاته عن الصين منذ أن وصل إليها لأول مرة ويقول:في الخامس من شهر سبتمبر عام 1987 كانت السماء صحواً والشمس مشرقة عندما نزلت من الطائرة ووطأت قدماي لأول مرة أرض الصين. وقد أنزلوني في إحد المباني الفخمة المخصصة للضيوف الأجانب المهمين. ثم نظرت في الجهة المقابلة فوجدت ما يدعى هناك بمخزن الصداقة. وهو عبارة عن سوبرماركت محروس من قبل البوليس المدجج بالسلاح. ويشكل هذا المخزن المقهى الوحيد في المدينة كلها.


أساطير الآلهة في بلاد الرافدين

إبراهيم حاج عبدي - دمشق

ناجح المعموري، مؤلف هذا الكتاب، هو روائي وباحث عراقي، بدأ بكتابة القصص إذ اصدر بعض المجموعات القصصية، ومنها "الشمس في الجهة اليسرى"، ثم اتجه نحو الرواية فأصدر، عدة روايات من بينها "النهر"، و"مدينة البحر"، وتشير النبذة التي كتبت عنه في نهاية هذا الكتاب، إلى أن الكاتب تفرغ في السنوات القليلة الأخيرة للبحث والتنقيب في أساطير الشرق ومدلولاتها، وأبعادها، وخصوصا في التوراة، فأصدر عدة دراسات في هذا المجال، ومنها "موسى وأساطير الشرق"، و"الأسطورة والتوراة"، و"التوراة السياسي"، و"أقنعة التوراة"، و"ملحمة جلجامش والتوراة"، فضلا عن الكتاب، الذي نعرض له، والذي يحمل عنوان "أساطير الآلهة في بلاد الرافدين"، الصادر مؤخرا عن دار المدى (دمشق ـ 2006).
لا يبتعد مضمون هذا الكتاب عن اهتمامات الكاتب، وخصوصا في مؤلفاته الأخيرة، فهو يواصل فيه البحث عن الأساطير التي سيطرت على العقول والوجدان في مراحل تاريخية موغلة في القدم، ويحدد إطارا محددا للبحث يتمثل في الأساطير المتعلقة بالآلهة، كما يحدد إطارا جغرافيا متمثلا في منطقة بلاد الرافدين، والمقصود بها، جغرافية عراق اليوم، ووفق هذا الموضوع المحدد جغرافيا ومعرفيا، يجول الباحث في تضاريس تلك الأرض التي أنتجت مقدسات عديدة، والتي شهدت حضارات متعددة كالسومرية والبابلية والآشورية، وكانت لكل حضارة من هذه الحضارات طقوسها وعاداتها، وثقافتها، ورموزها، ومقدساتها، وعن هذا العنصر الأخير - أي "المقدس" - يتحدث المعموري ليرسم صورة وافية عن الأساطير التي تتعلق بالآلهة، ومدلولات هذه الأساطير، وما ترمز إليه، وكيفية تطور هذه المعتقدات، وكيفية ظهورها لدى كل حضارة من الحضارات التي استوطنت بلاد الرافدين، كما يرصد طريقة انزياح المعاني المقدسة في كل منطقة ومكان.
يقول الباحث في مقدمته" قادني ولعي بموضوعة الخلود في الأساطير وجمع المعلومات عنها الانتباه إلى أهمية مجمع الآلهة في الديانة القديمة"، الأمر الذي دفع الكاتب إلى متابعة حكاية هذه الآلهة و"تدوين المعلومات عنها، والعناصر المكونة لها، والوظائف المنوطة بها، مع تحولاتها ومتغيراتها التي تحصل بشكل موضوعي بين المراحل الحضارية"، ويبدأ المعموري بحثه بتوضيح مفهوم الدين إذ يورد تعريفا لماكس موللر يقول بان "الدين قوة من قوى النفس وخاصية من خواصها"، ويورد كذلك ما ذهب إليه المؤرخ الديني بنيامين كونستان الذي يرى ان "الدين من العوامل التي سيطرت على البشر، وان التحسس الديني من الخواص اللازمة لطبائعنا الراسخة، ومن المستحيل أن نتصور ماهية الإنسان دون أن تتبادر إلى أذهاننا فكرة الدين"، بينما يعتبر علماء الاجتماع ان "الدين من أهم القواعد التي قام عليها بنيان المجتمع البشري، وأنه قمة النماذج الخلقية المثالية التي تقبلها المجتمع لرسم العلاقات الاجتماعية على أسس إنسانية واقعية".
ووفقا لهذه التعاريف فان الإنسان، ومنذ أن وجد على هذه الأرض، كان بحاجة إلى صنع إله يعبده، فحين يجد الإنسان نفسه وسط المخاطر والأهوال والكوارث فلا بد له من أن يلوذ بعنصر غيبي يحميه، ويقيه من الشر المحدق به، وهكذا اختلق آلهة كثيرة في شتى مواقع سكناه، وهذه الآلهة والأساطير التي نسجت حولها، تشكل محور الموضوع الذي يتناوله المعموري في كتابه، إذ يخوض، في البداية، نقاشا حول أصل الديانة في بلاد الرافدين، ويبرز الفوارق بين هذه الديانة والديانات المصرية القديمة وكذلك الديانة الأغريقية، ويبين كذلك الانقسامات والصراعات التي نشأت بين ديانات بلاد الرافدين نفسها، ليمهد بذلك أرضية مناسبة تقوده إلى تعداد أسماء آلهة بلاد الرافدين، ومعانيها، ومكانتها مخصصا لكل إله بحثا مستقلا، ومختصرا في آن.
يبدأ المعموري كتابه بالحديث عن الإله "آنو" الذي يتصدر قائمة أسماء الآلهة، ولم تتوقف عبادته طوال كل تاريخ الديانة البابلية، حتى زمن السلوقيين، وبصورة خاصة في مدينة الوركاء، ويرى الباحث أن نسب "آنو" يرجع إلى "أبو"، أوقيانوس أو محيط العالم الأسفل، وإلى "تيامات"، العماء البدئي، وكان مقامه "السماء الثالثة"، أما حيوان "آنو" المقدس فهو الثور السماوي، وبالرغم من مكانته العالية لم يعتقد أنه محب للبشر بل كان الاعتقاد أنه إله الملوك والأمراء الذين اعتادوا أن يصنعوا أنفسهم على النقوشات بأنهم أحباء "آنو" الذي امتد حكمه على جميع الجنان، وتحترمه جميع المعبودات الأخرى بوصفه أبا لها، أي رئيسها، فكانوا يأتون إليه ملتجئين عندما يهددهم الخطر"، واتخذ "آنو" من أوروك مدينة له والتي يرقى تاريخها إلى حدود 3000 سنة قبل الميلاد، وهذا الإله جمع بين القوة والعدل، ويرمز له بالنجم المسمى "أوربابا" وهو الفهد.
ونقرأ كذلك عن الإله "أنليل" الذي يعني في اللغة السومرية "سيد الريح والعاصفة"، وهو إله قديم جدا، وكان يعتقد بأنه يقرر المصير، وهو الذي يراقب سير القانون ويعاقب المذنبين، ويرمز له بالنجم المسمى (ماجيدا) ويعني الدب الكبير، وتمتع مركزه في نيبور بمكانة متميزة، ولأنليل أسطورة معروفة ساهمت بتشكيل ما يسمى بـ "أساطير الدمار". باعتبار أنليل إله العاصفة المزمجرة أثناء هبوبها، فعندما "يسكن الهواء يكون أنليل في حالة هدوء ودعة واطمئنان، وإذا هب النسيم العليل فان أنليل يسرح ويمرح، وإذا هبت عاصفة فان أنليل في حالة حركة وانفعال، وإذا اشتدت العاصفة وثار الاعصار فان أنليل في حالة هياج وغضب"، أما الإله "مردوخ" فهو الابن الأكبر للإله "آيا"، وهو يمثل العمل المخصب للمياه، وهو الذي جعل النباتات تنمو والحبوب تنضج، ولذا كانت له صفة معبود زراعي. وقد تعاظمت أهميته بتعاظم بابل، مدينته المختارة، حتى احتل المكان الأول بين الآلهة، ويرفع معظم الكهنة التعازيم للإله "مردوخ" ليشفي المرضى.
ويفرد الباحث مساحة مطولة للحديث عن اشهر الآلهات في الميثولوجيا الشرقية وهي "عشتار"، وهي آلهة لها وزن في الميثولوجيا البابلية، وهي لدى عرب الجنوب إله ذكر، يقال له "عشتر"، وهي بنت "سين" وأخت "شمس"، وهي نجمة الصباح تارة، ونجمة المساء تارة أخرى، ويرمز لها بنجمة ذات ثمانية أشعة، منقوشة داخل دائرة، وظهرت هذه الآلهة بمسميات قريبة من عشتار في حضارات مختلفة، ويشير الباحث إلى أن اقدم نص مكتوب لاسم عشتار هو "اشدار" الآلهة الآكادية المقابلة للآلهة السومرية الأقدم "نيني" سيدة السماء. تظهر "عشتار" في التماثيل امرأة حسنة الوجه، ممتلئة الفخذين بإفراط وقد أمسكت ثديها بيدها على نحو ما كانت الآلهات الأم تصور في التماثيل لدى الشعوب القديمة إبان سيطرة الأم. وهي تسمى عند الإغريق بـ "فينوس".
ويقول الباحث "لا يعرف بالضبط ماذا تمثل الآلهة عشتار، ويمكن حصر شخصيتها الإلهية في مزاج شرس حافظت عليه حتى النهاية، وكذلك في حبها وميلها الشهواني"، وقد امتزجت عبادتها أخيرا بالآلهة السومرية "أنانا" أو "أنينا". وتمثل عشتار المرأة بكامل معانيها، ولذا جمعت في لقبها وشخصيتها العديد من الآلهة، ولهذا السبب كرمت بعد "آنو" في مدينة الوركاء، وهي آلهة مقربة من الرجال كمنقذة ومحبوبة، وكانت رهيبة مع أعدائها باعتبارها إله الحرب، وقد وصفت بنعوت منها "بطلة"، و"سيدة الفرد ضد الآخر في المعارك". ويرد اسم عشتار كثيرا في الميثولوجيا البابلية وخصوصا في قصص الطوفان وملحمة جلجامش، وتكشف عشتار عن مظهرين متميزين: فهي من ناحية إلهة الحب والتناسل وترتبط بمعابدها تلك الصبايا المقدسات اللاتي يعرفن باسم "البغايا المقدسات"، أو "مومسات المعبد"، وهي من ناحية ثانية إلهة الحرب وخصوصا في آشور. ولها معابد كثيرة في مدن آشور، وبابل، وبلاخ، ونينوى، وأور، وأربيل، أما مركز عبادتها الرئيس فهو أوروك، وهناك إله وثيق الصلة بعشتار وهو الإله الآكادي "تموز" واسمه السومري "دموزي" ومعناه "الابن الحقيقي"، وتظهر عشتار كسيدة في التراتيل والصلوات، وهي اصل الكون، ومبدأ الأشياء، عماد الحياة في شكلها كآلهة للحكمة الأنثوية، وهي تتخذ ألقابا شتى فهي "أنيتا" أي سيدة الرؤيا وسيدة الظلام وواهبة الحكمة للبشر، وهي "معات" سيدة الحقيقة عند المصريين، وهي سيدة النبوءة التي تتحدث بلسان عشتار البابلية فتقول "بكل اكتمالي أتجلى، فأعطي النبوءات للبشر".
تلك هي بعض ملامح الكتاب الذي يتحدث كذلك عن الإله "تموز"، وعن الإله "أدونيس"، وعن الإله "آشور"، وعن الإله "أورورو"، وعن الإله "داكان"، وعن الإله "آداد"، وعن الإله "ننورتا"، وعن الإله "أمورو"، وعن الإله "نابو"، وعن الإله "نركال"...وغيرهم من الآلهة التي عنت لشعوب الشرق القديم الكثير من المعاني والدلالات، بل أن هؤلاء نسجوا حولها الكثير من القصص والأساطير والخرافات التي يتوقف الباحث عند بعض منها، غير أن البحث، ولاشك، اعمق وأوسع من أن يختزله كتاب، وهذا ما يقر به المعموري الذي يعتبر كتابه إسهاما بسيطا في موضوع يتطلب المزيد من الدراسات والأبحاث.

ـ اسم الكتاب: أساطير الآلهة في بلاد الرافدين.
ـ اسم الكاتب: ناجح المعموري.
ـ الناشر: دار المدى، دمشق ـ 2006م.
ـ الصفحات: 128 صفحة من القطع المتوسط.


نــــســـاء عواطف نعيم

علي حسين

قد نختلف معها.. نرفضها.. نوافق عليها.. نفهمها او نضع علامات استفهام حول اعمالها.. نحن احرار فيما نذهب اليه.. لكننا لا يمكن ان ننكر اننا امام فنانة واعية لما تريد ان تقول.. ومخرجة تعرف جيدا كيف توظف النصوص التي تكتبها بما يتاح لها من امكانيات فنية لتحولها الى قيمة جمالية.
عواطف نعيم كاتبة ومخرجة نستطيع ان نضع وصفا محدودا لمنهجها ورؤاها الفكرية ولنوع القضايا التي تلامسها برقة احيانا وبخشونة احيانا كثيرة.. من (لو) الى (ابحر في العينين) ومن (مسافر زاده الخيال) الى (بيت الاحزان) ومن (يا طيور) الى (نساء لوركا) اعمال نجد فيها انفسنا ازاء فنانة همها واهتمامها قضية المرأة التي هي جزء من قضية الوطن والناس وندرك ان ما اختزنته في نفسها لتفصح عنه في نصها المكتوب (لو) ومن بعده مجموعة نصوص لم يكن مجرد حالة ابداع تحت لافتة (الادب النسائي) بل العكس انها اختزنت في اعمالها حالة من التمرد والاحتجاج على الاوضاع السائدة.. فالاشكالية في اعمالها اشكالية (اجتماعية) وليست (جنسية) فهي تدرك ان قضية المرأة مع المجتمع وليس مع الرجل فقط.. وان النساء ضحايا للمجتمع اكثر من كونهن ضحايا للرجال.. ان الرجال ايضا هم ضحايا الخوف والجهل والسلطه المطلقه.
***
عواطف نعيم ابنة لعائلة فنية معروفة بولائها المطلق للمسرح الملتزم اسمها (فرقة المسرح الفني الحديث) من هذه العائلة تعلمت ان المسرح بيت مدهش وان لامكان في الدنيا يكون فيه الناس قريبين من بعضهم كما في المسرح.. وفي غرف بيت مسرح بغداد اكتشفت معنى ان يكون المرء فنانا وكيف يمكن للفن ان يمنح الناس السعادة وهناك تعلمت درسين مهمين:
*الاول: ان العمل المسرحي لا يمكن الامساك به جيدا دون دراية حقيقية بالدور الذي يمثله الفنان.. ولهذا كان التدريب والبحث الدؤوب عن ادوات تعبيرية وتحقيق الكمال جزء من اداء الممثلين.
*الثاني: ان المهارة الفنية وحدها لا يمكن ان تصنع ممثلا..فتنمية الذائقة الثقافية جزء لا يتجزأ من عمل الممثل..
واذا اضفنا الى هذين الدرسين، النهج الذي اختطته الفرقة لاعمالها واعني به الاهتمام بقضايا الناس ومناقشة الواقع الاجتماعي والسياسي للانسان العراقي سندرك ان عواطف وقفت على خشبة المسرح وهي تمتلك مقومات الممثلة الواعية.. فقد تعلمت من استاذها سامي عبد الحميد (ان الممثل ليس من يملك الاحساس فقط وانما هو من يملك جهاز ارسال صالح لنقل هذا الاحساس) وادركت منذ ان وقفت على خشبة المسرح ان التمثيل علم قائم بذاته واساس هذه العلم هو الشعور بالمحبة نحو الدور الذي تمثله وظلت كلمات الاب يوسف العاني بمثابة وصية التزمت بتنفيذها (يجب ان تعشقي ما تمثلين فلا يجوز ان يكون هناك سوء فهم بينك وبين الشخصية التي تمثلينها) ووقفت على الخشبة مع ممثلين يعيشون بصدق ادوارهم المسرحية مانحين اياها عصارة اعصابهم وافكارهم.. ممثلين يصارعون على المسرح من اجل صدق الابداع.. تلك كانت حدود فن التمثيل العميق المضمون التي رسختها عائلة مسرح الفن الحديث والتي ساندت عواطف نعيم في رحلتها المسرحية مضيفة اليها الموهبة والاحساس والاصرار على الدراسة والتعلم.
***
تدرك عواطف نعيم ان مهمة المخرج مهمة صعبة فهي اقرب الى مهمة المعلم فهو المنظم كما قرأت في كتب ستاتسلافسكي وهو منبع الحيوية التي تمنح الممثلين النبض المستمر.. وهو فوق كل هذا يمتلك الدقة والرؤية الواضحة. وكما قال ابراهيم جلال: (يجب ان يكون كل شيء مفهوما لدى المخرج.. بحيث تتحول الفكرة لديه الى مادة يمكن وصفها على طاولة القراءة ولمسها) وتقترب عواطف نعيم من رؤية معلمها ابراهيم جلال الاخراجية وهي رؤية اقرب الى رؤية الفنان التشكيلي. الذي يرى الاشياء وبدقة متناهية.. كذلك في المسرح يجب ان ينطبع المشهد في وعينا بصورة ملموسة وادركت عواطف نعيم مبكرا ان مهمة المخرج اولا وقبل كل شيء هي الامساك المحكم بالعمل المسرحي ومعرفة من اين نبدأ وكيف نتطور والى اين ستنتهي؟ فنجد ان عواطف تبدأ عملها الاخراجي برسم مخطط دقيق يربط بين مختلف اجزاء العمل المسرحي وهي تسعى الى اشراك الممثل في هذا المخطط فهي تريد من الممثل ان يتمكن من معرفة خفايا هذا المخطط ومنحنياته ولهذا فالممثل الذي يعمل مع عواطف يحتاج الى تركيز شديد والى معرفة ماذا يجري في المشهد على وجه الخصوص.. ونجد ان السعي الى تحقيق التكامل الفني للعرض المسرحي يصبح غاية عند عواطف نعيم المخرجة والكاتبة فهي في الخطة التي تضعها للاخراج لا تتصور المكان والازياء والاضاءة والموسيقى الا مفردات لكل منها لغتها الخاصة التي تتظافر مجتمعة لايصال رسالة فنية جمالية تحمل من المشاعر والاحاسيس ما يجعلها تبتعد عن ان تكون رسالة بلاغية او تقريرية ولهذا نجد ان النص المسرحي عند عواطف نعيم ياخذ مراحل عدة:
اولا: وجود فكرة ذات بعد معاصر في نص قصصي او نص مسرحي عالمي تحاول من خلاله تحويل الهم الفكري الى قضية يومية.. ولذلك عندما تختار قصة لتشيخوف او فهد الاسدي او عملا للوركا فهي انما تجد من خلال هذه الاعمال طريقة للاقتراب من الناس ومخاطبتهم بفن يحمل سمات جمالية وتقنية متطورة.
ثانيا: تحاول ان تملأ النص الذي تعده بشخصيات جديدة لتصبح في الوقت نفسه مؤلفاً ثانياً يكمل المؤلف الاول.
ثالثا: يتشكل النص لديها في مرحلته النهائية خلال التمارين اليومية حيث تبدأ الرحلة مع النص من كلمات مسطرة على الورق الى كلمات تصدح في فضاء المسرح.. رحلة تبدأ بتحويل النص المقروء الى نص مرئي وفي اثناء هذه الرحلة يمكن ان تدخل اضافات جديدة على النص او تحذف بعض الزيادات..
وتكتب عواطف نعيم نصوصها وفق بناء خاص وهي غالبا ما تملك تصوراً كاملاً لكل جزئيات هذا العمل اثناء الكتابة ونصوصها منفتحة على مكملات العرض المسرحي الاخرى كالاضاءة والازياء والديكور بمعنى انها تتبنى سينوغرافيا للعرض من خلال حركة النص وهي كمؤلفة ومخرجة تهتم اهتماما خاصا بالمكان وينصب هذا الاهتمام على جمالية العرض فنراها تسعى في عملها كمخرجة الى توظيف المساحات توظيفا فنيا فالمكان يوضح الشخصية ويفسرها ويعمق حضورها وهويتها وغالبا ما تسعى عواطف الى (تعريق المكان) أي جعله عراقيا حتى وان كان النص الذي تشتغل عليه نصا عالميا.. وهي من خلال ذلك تسعى الى خلق جو محلي يقرب المتفرج من العرض ويخدم المؤلفة والمخرجة لتقديم لغة واقعية تقربها من الناس وهي في عملها المسرحي تؤمن بان المسرح فن المتعة كما هو فن الدهشة ولهذا فهي تسعى دائما الى تقديم عروض مسرحية ممتعة لا تغيب عن ذاكرة المشاهد..
***
ثلاثة عروض مسرحية وطدت وشائج العلاقة بين عواطف نعيم وكاتبها المفضل لوركا.. وكانت تسعى من خلال (الاسكافية العجيبة) (بيت الاحزان) (نساء لوركا) الى اعادة اكتشاف نصوص لوركا من جديد في المسرح العراقي.. هذا الاكتشاف الذي جاء من خلال اعمال مسرحية تسعى الى معانقة الواقع وليس تخطيه..الواقع المسكون بالموت والفجيعة والانتظار والصمت واكثرمن ذلك العزلة.. تلك العزلة التي هي جزء من الحياة.. وتدرك عواطف نعيم وهي تقترب من لوركا ان مدينتها بغداد تشبه لوركا شبها غريبا فهي مثله مدينة تتغنى بالشعر وتعيش عليه. وهي مثله واجهت وتواجه طغيات امراء الحروب الذين يزينون الشوارع دما.. وهو مثلها في حياته التي انتهت بقتله ثم القاء جثته في حفرة مثلما يحاول القتلة انفسهم اليوم قتل بغداد والقاء جثتها في حفرة بعد ان قطعوا عنها كل اسباب الحياة بما فيها العيش بالحرية التي رفع لوركا شعارها تلك الحرية التي كانت الثيمة الاساسية في عمل عواطف الأخير (نساء لوركا) فنحن امام خمس نساء في عالم اغلقت ابوابه وسط جو مشحون بالاسى والمرارة حيث يدور الصراع عنيفا وشرسا من اجل الحرية.. الحرية بمعانيها المتعددة.. يأتي ذلك كله في حوارات منتقاة بكثافة فنية مدهشة يسربلها احساس عام بالموت شهوة في الظلام.. قدرغامض يتربص بهمسات النساء.. مع قدر كبير من التفاعل الحواري الخلاق بين هذه الاستدعاءات وبين رؤية جديدة تبنتها (المعدة - المخرجة) محاولة تقديم عمل مسرحي يقدس الانسان برغباته وجسده وبجوهره المتحرر من كل القيود الزائفة.. وهي لم تستدع هذه الشذرات من اعمال لوركا وتعيد تركيبها بما يشبه اعادة التأليف وانما استدعت الى جوار ذلك طقسا عراقيا من الأسى والشجن.. وقد ذكرني اخراج عواطف نعيم بقول للوركا يوضح فيه مغزى مسرحياته (اذا ما افتقرنا الى الالبسة ومستلزمات الديكور المسرحي فاننا سنقوم بالتمثيل باجسامنا وبالبسة عادية.. واذا ما وقفوا في وجوهنا ومنعونا من بناء مسرح كلاسيكي فاننا لن نتهاون معهم عندئذ ننقل المسرح الى الشوارع والاماكن العامة.. واذا ما ادركوا خطورة هذا الامر فسيكون مسرحنا سريا في المنازل والكهوف)..
هذا المعنى وجدناه حاضرا في نساء عواطف نعيم ولوركا حيث نحن امام عمل تجريبي يمكن ان يقدم في اي ساحة او فسحة اذ انه عمل يعتمد على الممثل الحي ولا شيء غير الممثل الحي.. صحيح ان استخدام الموسيقى والاضاءة اضفي على العرض جمالية اخاذة لكن العرض يمكن ان يقدم من دونهما انه مسرح الايجاز البليغ والكثافة المدهشة.. مسرح كان فيه الممثلون يحافظون على ايقاع دقيق مرسوم وتحكم كامل بالصوت والصمت.. بالايحاء والحركة.. وقد كرس ذلك التواصل الداخلي الحيوي بين الممثلات بحيث كن يمثلن ليس بالصوت وانما بالحركة والاحساس كن اشبه باوركسترا سيمفونية تعزف بشكل منسجم متناسق وكان اللحن كما حلم به لوركا وارادت عواطف لحنا يمس شغاف القلب والوجدان.


مشكلات الكتاب العراقي في ندوة اتحاد الأدباء

متابعة وتصوير نهاد العزاوي
اقام اتحاد الأدباء والكتاب في العراق ندوة حول آفاق نشر الكتاب والمعوقات التي تقف في طريقه حيث القى الباحث خضير اللامي محاضرة بعنوان الكتاب العراقي آفاقه ومعوقاته، تناول فيها مشكلات اختيار الكتاب وتسويقه ودور الرقابة وتاثيرها ، فضلا عن تعرضه لأهمية انتشار الكتاب بين القراء لما لذلك من تأثير مباشر على ثقافة الأجيال. توزعت المحاضرة على عدة جوانب غطت دور الرقابة وعلاقتها بانتشار الكتاب ، اما الدور التسويقي وعلاقة هذا الامر بحركة الكتاب فقد تم تأشير هذا الجانب واهميته في ترويج الكتاب وتوفيره، اثارت المحاضرة اسئلة عديدة دفعت الجمهور للتفاعل مع موضوع المحاضرة فأغنوها بآراء ومداخلات اشترك فيها عدد من الحاضرين.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة