مكتبة عالمية

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

مبــــــــدأ الواحـــــــد بالمئـــــــــة

-العنوان: مبدأ الواحد بالمئة
-تأليف :
رون سسكيند
-
عرض: ميشيكو كاكوتاني
-ترجمة:
فؤاد عبد الجبار
 

ان عنوان كتاب رون سسكيند المثير للانتباه (مبدأ الواحد بالمئة)يشير الى عقيدة بدأت تسري في الولايات المتحدة، ارتبط بها نائب الرئيس ديك تشيني بعد أحداث 11 ايلول بفترة قصيرة. ومن الكلمات التي اوردها السيد سسكيند المقتبسة من ديك تشيني والتي تقول(لو كانت هنالك فرصة للإرهابيين بنسبة واحد بالمئة في الحصول على أسلحة دمار شامل، وان هنالك احتمالية لحدوث ذلك ولو لبعض الوقت فان على الولايات المتحدة أن تتصرف كما لو ان ذلك شيء أكيد)ويقتبس من تشيني أيضا قوله "ان المسألة لا ترتبط بتحليلاتنا بل بطريقة المواجهة" ويؤكد سسكيند ان هذا الاعتقاد سينحي جانبا الأسلوب التقليدي في اتخاذ القرارات السياسية الذي يعتمد على التحليل والمناقشة، جاعلا من الشكوك، وليس الأدلة، قاعدة للعمل.
يبدو ان كتاب السيد سسكيند قد كتب اعتمادا على اتصالات واسعة مع جورج تينت، المدير السابق لوكالة المخابرات الأمريكية، ومع مسؤولين آخرين من ال
CIA وحشد من المصادر منFBI وكذلك مع مسؤولين في الحكومة من وزارتي الدفاع والخزانة، وهو ذات الأجراء الذي اتبعه في كتابه(ثمن الولاء) الذي صدر في 2004، وكذلك كتاب ريتشارد كلارك (ضد كل الاعداء)في 2004.
ان كتاب سسكيند هذا يركز على الفترة من 2001 الى 2004 ولا يسلط فقط اضواء جديدة على استراتيجية بوش والبيت الأبيض في تفكيرها وعقيدتها وفي اجراءاتها الوقائية، بل يوضح ايضا الدور الذي يلعبه التكوين الشخصي والعقائدي في صنع قرار الإدارة في شن الحرب على العراق.وهو يصف ايضا الاستعدادات الأمنية الرديئة في الداخل لمواجهة هجوم ارهابي اخر، ويتفحص سلسلة من الوقائع في الحرب على الارهاب والتي غالبا ما نجد ان (المخفيين) الذين يقودون بذكاء وقوة العمليات ضد الارهاب على الارض في تناقض مع المرموقين من قادة الحكومة. وعندما تحدد العلاقات بين مسؤولي الإدارة وبشكل خاص بين السيد تشيني والسيد بوش وبين السيد بوش والسيد تينيت وبين السيد تينيت وكوندليزا رايس وبالتالي مستشارو الامن الوطني، ستضاف إيحاءات كبيرة إلى اللوحة الملغزة للبيت الأبيض والى أسلوب العمل داخله، وستمنح القارئ نظرة قريبة وشخصية عن العمليات التي تقوم بها الحكومة في حربها على الارهاب يوما بيوم. وقد كشف السيد سسكيند في كتابه (مبدأ الواحد بالمئة) بان مؤسسة فيرست داتا وهي واحدة من أوسع شركات العالم في التعامل ببطاقات الاعتماد، والشركة الأم للويسترن يونيون، بدأت تتعاون مع ال
FBI في أعقاب أحداث أيلول وتزودها بمعلومات عن التعاملات المالية والتحويلات المصرفية في جميع انحاء العالم. إن العملية الهائلة في جمع المعلومات التي ترتبط في بعض نشاطاتها ببرنامج المراقبة المحلية لوكالة الأمن القومي (المخولة بصوره سرية من قبل السيد بوش بعد اشهر من هجمات 11 ايلول)وهي تراقب محادثات واتصالات معينة كما أنها متغلغلة على نطاق واسع في الاتصالات الهاتفية وشبكة الانترنت في بحثها عما يقودها الى احتمالات القيام بشن أي عمل إرهابي. وبالرغم من الشكوك التي ساورت مدراء (الويسترين يونيون) في البداية إلا إن الشركة كما يذكر تقرير سسكيند عملت ايضا مع ال CIA وزودتها بالمعلومات عن الصفقات المالية أينما حدثت وحينما تحدث.
ويذكر السيد سسكيند في كتابه ان العاملين في تنظيم القاعدة قاموا بتصميم طريقة هجومية أطلقوا عليها اسم (مبتكر)تستعمل فيها الغازات المميتة، قد اخبر مصدر في القاعدة حكومة الولايات المتحده بان خطة لمهاجمة مدينة نيويورك بواسطة سيانيد الهيدروجين كانت على وشك التنفيذ في مترو الانفاق سنة 2003 ، ولكن ايمن الظواهري، مساعد بن لادن، قد أوقف هذا الهجوم لاسباب ما زالت غير واضحة. ويشير الكتاب أيضا الى ان القاعدة قد تمكنت من انتاج جرثومة الانثراكس من النوع (الفتاك جدا) في افغانستان قبيل الحادي عشر من ايلول والتي يمكن اعادة انتاجها لتصبح سلاحا جاهزا. وبقدر ما تكون خطط القاعدة مثيرة للمشاكل وماتملكه من قدرات، فالشيء نفسه ينطبق على ادارة بوش في تعاملها في الحرب على الارهاب وعزمها الاكيد على خوض الحرب في العراق . تلك الحرب وطبقا لمصادر المؤلف الذي حضر اجتماعا مصغرا لمجلس الامن القومي في 2002 التي كرست لجعل صدام حسين أمثولة " ولخلق نموذج واضح يخضع له اي شخص ذي سلوك متهور ينوي امتلاك اسلحة الدمار الشامل بطريقة او بأخرى ويستخف من سلطة الولايات المتحدة ". إن " مبدأ الواحد بالمئة " يضخم من الصورة التي تبدو عليها الإدارة، والتي صورت على نحو مثير في كتب صدرت حديثا لمؤلفين يختلفون فيما بينهم مثل بروس بارتلك الخبير الاقتصادي في ادارة ريغان، والخبير السابق لسلطة التحالف المؤقت لاري دايموند المتحمسين لتطويق الاجراءات التقليدية في المناقشات والتطبيقات السياسية واستخدام خبراء ( سواء كانوا من ال
CIA او وزارة الخزانة او الجيش ) لا لغرض صياغة سياسة معينة ولكن وببساطة لتقديم مبررات جاهزة للجمهور الامريكي .
وكتب السيد سسكند ان الحرب على الارهاب قد منحت الرئيس ونائبه (امتيازات واسعة ومطلقة ) للقيام بما يريدونه ومتى يريدونه ولاي سبب يرونه " وخلق اي واقع مناسب " ويضيف " ان صلاحيات الحرب الواسعة التي منحت للبيت الأبيض عقب أحداث 11 أيلول والتي ترابطت مع رغبة الادارة قبل احداث ايلول برفع القدرة التنفيذية لجهاز الدولة التي تضاءلت، حسب اعتقاد ديك تشيني، بعد فضيحة ووترغيت، ولغرض فرض رسالة انضباط على اعضاء الحكومة ". ويكتب السيد سسكند " لقد تقبل الكونغرس والجمهور على مضض" ما يقدم لهم من معلومات، وهي دون المعلومات التي يريدونها والتي حددها بشكل خاص البيت الأبيض، وفيما يخص الحكومة يواصل سسكند قائلا: لطالما كان هنالك لدى الحكومة إحباط عما يتخذه البيت الابيض من قرارات مكبوتة وعامة ( ويعلن المسؤولون في الحكومة عن رغبتهم بان تكون العمليات السياسية أكثر شفافية وتقليدية ) كما كتب ايضا عن اتهامات بعدم الولاء الذي يظهره موظفو البيت الأبيض تجاه الدولة وعن " قضايا تناقش بقوة وصخب على مستوى المسؤولين والنواب في الكونغرس والتي نادرا ما تذهب بصورة كاملة الى طاولة الرئيس ولو حدث ذلك فستصل بعد ان يكون الرئيس بوش قد اتخذ قراره استنادا الى غريزته وشجاعته .
ويناقش هذا الكتاب صورة السيد بوش وكونه مسؤولاً تنفيذياً يتسم باللامبالاة وغير مطلع على خبايا الامور بشكل يلفت النظر، وهو ما قام بتوضيحه مبكرا السيد سسكند في كتابه ( ثمن الولاء ) وفي سلسلة من المقالات في المجلات عن الرئيس ومساعديه . وفي جلسة مع الرئيس خلال شهر تشرين الثاني روى السيد سسكند ان احد وكلاء المخابرات الامريكية قد وجد ان البنتاغون لم تطلع السيد بوش على رأي المخابرات المركزية الأمريكية العاجل بان اسامة بن لادن سيهرب من منطقة تورابورا في افغانستان ( وهو مافعله لاحقا ) حيث لم تقم الولايات المتحدة بارسال تعزيزات الى المنطقة . ويضيف السيد سسكند وبعد بضعة شهور وجد الحضور في اجتماع بين السيد بوش والسعوديين بان مجموعة من الرسائل المهمة تتضمن وجهة نظر السعوديين بشأن الموقف الإسرائيلي والفلسطيني قد حولت الى مكتب نائب الرئيس ولم تصل الى الرئيس . ان حجب المعلومات عن الرئيس، كما يفترض سسكند، هي استراتيجية مدروسة من البيت الابيض تمكن السيد بوش ( من التفكير بصوة معقولة ) عما يجري من احداث وذلك من وجهة نظر السيد تشيني ويحد ايضا من نفاد صبر رئيس الاركان بشان التفصيلات والشروحات السياسية التي تعيق عمله، وتشير في الوقت نفسه الى ان هنالك تعمداً بان لايقرأ السيد بوش تقديرات دوائر الاستخبارات عن الوضع في العراق الذي قدم الى البيت الابيض في خريف 2002 ،ويذكر السيد يسكند ان حجب معلومات معينة عن بوش والتي يكون معظمها مبهما نتيجة لتصنيفاتها وتبويبها، يهدف إلى جعل الرئيس القيام بطرح استراتيجيات مختلفة، وتكون له الحرية في قول ما يريد. كما تمكنه في نفس الوقت من التنصل منها، ويعقب سسكند قائلا ( واذا كانت افكار تشيني هذه قد فصلت لتناسب ميول بوش او العكس فهي في الاغلب غير مهمة ويضيف قائلا ( لقد كان من المناسب جدا وعن طريق هذا النموذج من الاستراتيجية ان تكون قراءة كل التقارير والتحليلات من قبل بوش تسبب له المشاكل، وقد يرددها في خطاباته التي هي السلاح الرئيسي في الاتجاه الى الحرب وقد يجعله ذلك على علم بكل شيء ).
أما بالنسبة للسيد تينيت فان هذا الكتاب لايقدم سوى صورة ضئيلة عن الرجل الذي يرتبط معه بولاء متضارب. ويتحدث هذا الكتاب عن الرئيس الذي كان بامكانه ان يطرده بعد احداث 11 ايلول ولكنه لم يفعل، وعن المحللين النفسانين الذين يقومون بتحليل شخصيته . وقد كان الرئيس ملزماً ادبيا وعاطفيا بالدفاع عنه عندما اصبح مركز تينيت غير محتمل بعد نفاد صبر البيت الابيض الذي ازداد حنقه على الـ
CIAلعدم تزويد البيت الابيض بالمعلومات المطلوبة ( وقد اسست دائرة في البنتاغون يرأسها دوغلاس فيث كبديل للـ CIAلتقوم بتقديم المعلومات لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد. وبينما كان الكثير من المحللين في الـ CIA في شك عميق في ان صدام حسين يشكل خطرا وشيك الوقوع وقلقون من حدوث غزو محتمل عليه، فان الـ CIA ستصبح مرشحة لان تكون كبش الفداء المفضل لقرار الادارة في حربها على العراق ويعود الفضل في ذلك وبنسبة غير قليلة الى ملاحظة السيد تينيت ( المقتبسة من كتاب بوبي ودوارد في 2004 واسمه " خطة للهجوم " بان تصريحه بوجود اسلحة دمار شامل عراقية كان زلة مصحوبة بضوضاء ) . وفي هذا الفصل يذكر السيد سسكند بان السيد تيتنت لا يتذكرانه قال مثل هذه الكلمات وقال " انا لاافندها ولكني لااتذكرها " . ويقول السيد سسكند: لقد استخدم السيد تينيت في علاقاته الشخصية بصورة حاذقه مع شركائه في الحرب على الارهاب من المتنفذين بدءا من الرئيس الباكستاني برويز مشرف الى الملك عبد الله ملك السعودية، كما ويصف سسكند رئيس المخابرات المركزية السابق بانه طالما قد هيئ البيت الأبيض " لتلقي الصدمة " عن رؤسائه حول مسائل من ضمنها تعامل الادراة مع المعلومات الاستخبارية قبل الحرب وكذلك ال 16 كلمة التي اثارت الخلافات والتي تضمنها خطاب الرئيس عن حال الاتحاد، التي تزعم وجود مساعٍ لدى العراق للحصول على يورانيوم من افريقيا . كما يضيف سسكند وبسبب كون السيد بينيت قد جاء بهذه التحليلات من الـ CIAفهو في موضع جيد لالقاء اللوم عليه وهو مافعلته رايس بمهارة . وفي الوقت نفسه يفترض السيد سسكند بان تينيت قد تصرف وكانه مخول من البيت الابيض، ويقول بهذا الصدد " لقد شعر تينيت بمزيج من عدم الامان والعرفان تجاه الرئيس بوش وهو المتلهف على إرضاء رئيسه، وقد دفع مرارا باعضاء المخابرات إلى ان يأتوا بأدلة من شانها ان تدعم تصريحات الرئيس العامة . وفي الايام التي اعقبت الحادي عشر من ايلول دافع الرئيس بوش عن رئيس المخابرات الامريكية امام رجال الكونغرس الغاضبين، وعن تلك النقطة يكتب سسكند قائلاً " ان جورج تينيت على استعداد ليفعل أي شيء يطلبه الرئيس، أي شيء وجورج بوش يعلم ذلك".


فـــــــــــــردوس علـــــــــــى الأرض
 

-العنوان: رسم خارطة الجنة:
-تأليف :
اليساندرو سكافي
-العنوان:الجنة: تاريخ الفكرة التي تحكم العالم
-تأليف :
كيفن روشبي
-ترجمة:
فاروق السعد
عن الايكونومست

كان الانسان يحاول ومنذ 3000 عام ان يتخيل ما يمكن ان تبدو عليه الجنة. يتابع كتابان صدرا حديثا تاريخ الآخرة.
اين يمكنك ان تجد الجنة على الخارطة؟ بالنسبة الى العين المعاصرة، التي اعتادت على الخرائط الرخيصة للطرق والحدود، يبدو السؤال بحد ذاته سخيفا. فالخرائط تبين الاشياء الحقيقية، و ليست الخيالية.
فكما يبين اليساندرو سكافي في دراسته التاريخه الموسعة عن جهود المسيحية لرسم خارطة الجنة، كان رسامو الخرائط في مرحلة ما قبل الحداثة يركزون على الملاحة الروحية، وليس على الملاحة العلمانية. فقد حاولوا رسم الزمن والفضاء بطريقة ما زالت جميلة، و لكنها يمكن ان تبدو محيرة. حيث بينت الله، التاريخ، ومحن البشر وأفراحهم، وغالبا ما كانت انجيلية. فكانت جنة عدن مكانا حقيقيا، تماما مثلما كان آدم رجلا حقيقيا. صورت هذه الخرائط الجنة على نحو تخيلي وواثق مثلما فعلوا مع طوبوغرافية الارض. فكان العالم مثل الطبق؛ كانت الجنة فوق جبل، عبر بحر، وربما محروسة من قبل الملائكة، قد تكون في الصين، او امريكا، او الحبشة، او بلاد ما بين النهرين. وكان كريستوفر كولومبس، وهو يصادف المياه العذبة لنهر الأمازون ، يعتقد بانه يجب ان يكون نابعا من الجنة.
يبين كتاب السيد سكافي بشكل جميل( رغم انه مما يؤسف له كان على الاغلب بالاسود والأبيض) كيف انتقلت جنة عدن من وسط الخارطة الى المحيط، وأخيرا الى الهوامش. لقد عزز كل من عصر النهضة والإصلاح من ثقة الجنس البشري العقلية و الثقافية. و رغم ان الاعتقاد في الوجود الحرفي القديم لجنة عدن قد بقى حيا، الا ان القسم الاعظم يتفقون مع مارتن لوثر على انها قد هلكت في فيضان. وحتى الأتقياء من واضعي الخرائط وجدوا صعوبة في المصالحة بين الاشارات من الانجيل(المكان الذي تنبع منه اربعة انهر) مع حقائق الجغرافيا الطبيعية. لم تصبح الجنة عصية المنال فحسب، بل انها شيئ ما خارج هذا العالم. وحتى في هذه الايام، في اقسام من المسيحية الشعبية، هنالك اشخاص يزعمون بانهم عثروا على جنة عدن. قد لا تكون الان جنة( خصوصا ان كانت زاوية تلفها الاتربة ومعزولة من العراق) ولكنها كانت في يوم ما مثيرة للفرح البهيج. يخبرنا السيد سكافي في هذه القصة من البداية الرائعة الى النهاية المضحكة، بفيض وافر من الاقتباسات التاريخية الموثوقة من اللاتينية، الاغريقية والعبرية. ولكن التركيز محكم؛ قلما تم التطرق الى الافكار السماوية للثقاقات الاخرى.
وفي المقابل، يبتدئ كتاب روشبي بوقت مبكر، ينتشر بشكل اوسع وينتهي متاخرا. (فخببه) الممتع والمشبع بالمعلومات القيمة عبر ثلاثة آلاف سنة من التاريخ الثقافي والديني يبين الطرق المتعددة، المبدعة، الجميلة، العنيدة او المجنونة، التي حاول بواسطتها البشر تعريف الجنة، في البحث عنها او، اخيرا، خلقها. يعود تاريخ الفكرة الى ما قبل المسيحية، نابعة من بابل القديمة، حيث كانت
paradeiza عبارة عن منطقة مسيجة تستخدم للصيد السهل. ان فكرة الوفرة، او " قديد الخنزير الذي لا ينتهي" كما وصفه السيد روشبي بشكل لطيف، هي فكرة الديمومة. ثم ظهرت مرة اخرى في الفكرة الاسلامية عن الانهر الجارية ووفرة العذارى، رغم انه يلاحظ بان الحوريات( وهي كلمة فارسية) قد تكون تحريفا للكلمة الآرامية: " الزبيب الابيض". ان الشوق الى الوفرة يتناوب مع فكرة ان الجنة الحقيقية تعمل على مقايضة المتعة الارضية بشيء ما افضل. فبالنسبة الى الاغريق، تاتي السعادة الحقيقية من المعرفة، وبشكل خاص من النظام وتناغم الرياضيات. كان رأيه معقولا. فاغلب المعماريين يستخدمون phi ، وهو مقدار ثابت مشتق من نسب النجمة الخماسية(ان النقاش حول phi يمثل لحظة نادرة عن الحقيقة، على العكس من رواية شيفرة دافنشي غير الحسية).
ان الخيط الثالث، الاكثر غموضا هو ان الجنة تعني تطهير عالم غير المؤمنين، الخطيئة، الفحشاء و غيرها. كان اول ظهور لهذه الفكرة في "كتاب الالهام" ، هنالك سرد رهيب لسفر الرؤيا ربما من الافضل قراءته كاستعارة لرحلة المسيحي الفرد نحو الخلاص. هنالك آلاف الطوائف، وخصوصا الصغيرة منها، تستشهد بفرح بالنص مبينة بانه لن ينجو سوى 144000 شخص. و جميع تلك الخيوط الثلاثة تشق طريقها داخل وخارج التاريخ البشري. يعاود الاغريق ظهورهم على السطح كلما تلألأت حركة التنوير العلمية و العقلية.
ان الحداثة، والنعيم الذي خلقته (للقلة، في البدء ومن ثم للكثيرين) قد جعلت الوفرة الارضية تبدو في متناول اليد. كان الحجاج الأوائل يأملون في جنة ارضية بلا خطيئة وأنانية العالم القديم. كما اراد اصحاب المذهب الانساني من امثال روبرت اوين ذلك أيضا، لكن من دون الهام الهي. لم تؤد تجربته الا الى افلاسه. وبعدها ادت محاولات بناء جنة ارضية الى هلاك ملايين البشر.
ان أمل الاستحواذ على الكمال يكمن وراء العديد من الافكار الكبيرة والسيئ منها في الأغلب. ان كنت تفعل الشيء الصحيح، تعتقد بالشيء الصحيح، تعاني بما فيه الكفاية، تحب بما يكفي، تعمل بما فيه الكفاية، تقتل ما يكفي من الاشرار وتطعم ما يكفي من الاخيار- عليه سينتهي بك الحال في جنة. وهذا هو المحفز العظيم، وغالبا بنتائج مرعبة. لا اصحاب مذهب الاستهلاكية المعاصرة و لا اصحاب العودة الى الطبيعة الذين يدفعون الناس للحنين الى سعادة الريف سيحصلون على مقال تقريظي جيد من السيد روشبي. وان محاولة التغلب على حالات نقصنا ذاتها، بدلا من استئصال تلك التي عند الاخرين، هو الرها
ن الافضل، كما يقول..

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة