فـــــــــــــردوس علـــــــــــى الأرض
-العنوان:
رسم خارطة الجنة:
-تأليف :
اليساندرو سكافي
-العنوان:الجنة:
تاريخ الفكرة التي تحكم العالم
-تأليف : كيفن
روشبي
-ترجمة: فاروق
السعد
عن الايكونومست
كان
الانسان يحاول ومنذ 3000 عام ان يتخيل ما يمكن ان تبدو
عليه الجنة. يتابع كتابان صدرا حديثا تاريخ الآخرة.
اين يمكنك ان تجد الجنة على الخارطة؟ بالنسبة الى العين
المعاصرة، التي اعتادت على الخرائط الرخيصة للطرق والحدود،
يبدو السؤال بحد ذاته سخيفا. فالخرائط تبين الاشياء
الحقيقية، و ليست الخيالية.
فكما يبين اليساندرو سكافي في دراسته التاريخه الموسعة عن
جهود المسيحية لرسم خارطة الجنة، كان رسامو الخرائط في
مرحلة ما قبل الحداثة يركزون على الملاحة الروحية، وليس
على الملاحة العلمانية. فقد حاولوا رسم الزمن والفضاء
بطريقة ما زالت جميلة، و لكنها يمكن ان تبدو محيرة. حيث
بينت الله، التاريخ، ومحن البشر وأفراحهم، وغالبا ما كانت
انجيلية. فكانت جنة عدن مكانا حقيقيا، تماما مثلما كان آدم
رجلا حقيقيا. صورت هذه الخرائط الجنة على نحو تخيلي وواثق
مثلما فعلوا مع طوبوغرافية الارض. فكان العالم مثل الطبق؛
كانت الجنة فوق جبل، عبر بحر، وربما محروسة من قبل
الملائكة، قد تكون في الصين، او امريكا، او الحبشة، او
بلاد ما بين النهرين. وكان كريستوفر كولومبس، وهو يصادف
المياه العذبة لنهر الأمازون ، يعتقد بانه يجب ان يكون
نابعا من الجنة.
يبين كتاب السيد سكافي بشكل جميل( رغم انه مما يؤسف له كان
على الاغلب بالاسود والأبيض) كيف انتقلت جنة عدن من وسط
الخارطة الى المحيط، وأخيرا الى الهوامش. لقد عزز كل من
عصر النهضة والإصلاح من ثقة الجنس البشري العقلية و
الثقافية. و رغم ان الاعتقاد في الوجود الحرفي القديم لجنة
عدن قد بقى حيا، الا ان القسم الاعظم يتفقون مع مارتن لوثر
على انها قد هلكت في فيضان. وحتى الأتقياء من واضعي
الخرائط وجدوا صعوبة في المصالحة بين الاشارات من
الانجيل(المكان الذي تنبع منه اربعة انهر) مع حقائق
الجغرافيا الطبيعية. لم تصبح الجنة عصية المنال فحسب، بل
انها شيئ ما خارج هذا العالم. وحتى في هذه الايام، في
اقسام من المسيحية الشعبية، هنالك اشخاص يزعمون بانهم
عثروا على جنة عدن. قد لا تكون الان جنة( خصوصا ان كانت
زاوية تلفها الاتربة ومعزولة من العراق) ولكنها كانت في
يوم ما مثيرة للفرح البهيج. يخبرنا السيد سكافي في هذه
القصة من البداية الرائعة الى النهاية المضحكة، بفيض وافر
من الاقتباسات التاريخية الموثوقة من اللاتينية، الاغريقية
والعبرية. ولكن التركيز محكم؛ قلما تم التطرق الى الافكار
السماوية للثقاقات الاخرى.
وفي المقابل، يبتدئ كتاب روشبي بوقت مبكر، ينتشر بشكل اوسع
وينتهي متاخرا. (فخببه) الممتع والمشبع بالمعلومات القيمة
عبر ثلاثة آلاف سنة من التاريخ الثقافي والديني يبين الطرق
المتعددة، المبدعة، الجميلة، العنيدة او المجنونة، التي
حاول بواسطتها البشر تعريف الجنة، في البحث عنها او،
اخيرا، خلقها. يعود تاريخ الفكرة الى ما قبل المسيحية،
نابعة من بابل القديمة، حيث كانت
paradeiza
عبارة عن منطقة مسيجة
تستخدم للصيد السهل. ان فكرة الوفرة، او " قديد الخنزير
الذي لا ينتهي" كما وصفه السيد روشبي بشكل لطيف، هي فكرة
الديمومة. ثم ظهرت مرة اخرى في الفكرة الاسلامية عن الانهر
الجارية ووفرة العذارى، رغم انه يلاحظ بان الحوريات( وهي
كلمة فارسية) قد تكون تحريفا للكلمة الآرامية: " الزبيب
الابيض". ان الشوق الى الوفرة يتناوب مع فكرة ان الجنة
الحقيقية تعمل على مقايضة المتعة الارضية بشيء ما افضل.
فبالنسبة الى الاغريق، تاتي السعادة الحقيقية من المعرفة،
وبشكل خاص من النظام وتناغم الرياضيات. كان رأيه معقولا.
فاغلب المعماريين يستخدمون
phi
، وهو مقدار ثابت مشتق
من نسب النجمة الخماسية(ان النقاش حول
phi
يمثل لحظة نادرة عن
الحقيقة، على العكس من رواية شيفرة دافنشي غير الحسية).
ان الخيط الثالث، الاكثر غموضا هو ان الجنة تعني تطهير
عالم غير المؤمنين، الخطيئة، الفحشاء و غيرها. كان اول
ظهور لهذه الفكرة في "كتاب الالهام" ، هنالك سرد رهيب لسفر
الرؤيا ربما من الافضل قراءته كاستعارة لرحلة المسيحي
الفرد نحو الخلاص. هنالك آلاف الطوائف، وخصوصا الصغيرة
منها، تستشهد بفرح بالنص مبينة بانه لن ينجو سوى 144000
شخص. و جميع تلك الخيوط الثلاثة تشق طريقها داخل وخارج
التاريخ البشري. يعاود الاغريق ظهورهم على السطح كلما
تلألأت حركة التنوير العلمية و العقلية.
ان الحداثة، والنعيم الذي خلقته (للقلة، في البدء ومن ثم
للكثيرين) قد جعلت الوفرة الارضية تبدو في متناول اليد.
كان الحجاج الأوائل يأملون في جنة ارضية بلا خطيئة وأنانية
العالم القديم. كما اراد اصحاب المذهب الانساني من امثال
روبرت اوين ذلك أيضا، لكن من دون الهام الهي. لم تؤد
تجربته الا الى افلاسه. وبعدها ادت محاولات بناء جنة ارضية
الى هلاك ملايين البشر.
ان أمل الاستحواذ على الكمال يكمن وراء العديد من الافكار
الكبيرة والسيئ منها في الأغلب. ان كنت تفعل الشيء الصحيح،
تعتقد بالشيء الصحيح، تعاني بما فيه الكفاية، تحب بما
يكفي، تعمل بما فيه الكفاية، تقتل ما يكفي من الاشرار
وتطعم ما يكفي من الاخيار- عليه سينتهي بك الحال في جنة.
وهذا هو المحفز العظيم، وغالبا بنتائج مرعبة. لا اصحاب
مذهب الاستهلاكية المعاصرة و لا اصحاب العودة الى الطبيعة
الذين يدفعون الناس للحنين الى سعادة الريف سيحصلون على
مقال تقريظي جيد من السيد روشبي. وان محاولة التغلب على
حالات نقصنا ذاتها، بدلا من استئصال تلك التي عند الاخرين،
هو الرهان
الافضل، كما يقول.. |