سفير
بريطاني سابق في العراق:
انجازات حكومة قاسـم
اعتاشت
عليهــا الحكومـات التـــي اعقبــــته!
بغداد/المدى
ذكر
احد السفراء البريطانيين من الذي عملوا في العراق: ان
الزعيم عبد الكريم قاسم قد جاء باعظم ثورة في تاريخ العراق
المعاصر وان الانجازات التي قدمتها هذه الثورة العظيمة
اعتاشت عليها الحكومات التي اعقبت حكومته وحتى نهاية نظام
صدام حسين و وصفه بأنه من طراز الثوار الكلاسيكيين الذين
تراهم لا يهدأون وبحركة دائبة في سبيل الارتفاع بمستوى
شعوبهم. لكن كان تعوزه الحنكة السياسية وانه مثلما جاء
بثورة عظيمة ايضاً جاء بموتها معها ممثلاً بشخص عبد السلام
عارف الذي عمل منذ الايام الاولى بالدعاية السياسية لجمال
عبد الناصر وكان يخطب باسمه في المحافل والتجمعات ويوزع
صوره حتى ان الكثيرين قد توهموا بانه صاحب الثورة وليس
الزعيم عبد الكريم قاسم بل جمال عبد الناصر اذ ان عارف كان
يقول لمن يلتقيهم بأن جمال يبعث بتحياته.
(المدى)
وبمناسبة مرور الذكرى الثامنة والاربعين لهذه الثورة التي
غيرت مجرى الاحداث في العراق وعلى الصعد كافة ارتأت ان
تلقي المزيد من الضوء على الاحداث التي رافقت قيامها
والاجواء السائدة في العراق انذاك. وكان اول المتحدثين
المواطن ابو طارق من منطقة حي الجهاد في بغداد ومن مواليد
1941 وقد عاصر احداثها اولاً بأول بحكم كونه من الناشطين
السياسيين ومن العسكريين الذي كلفوا بمهام مساندة الثورة.
الساعة الثالثة
صباحاً
كنت حينها عسكرياً
في قاعدة الرشيد الجوية وقد تم ابلاغنا بقيام الثورة في
حوالي الساعة الثالثة صباحاً. كان آمر مدرسة الصنائع
الجوية التي انتمي اليها في حينه هو الرائد رجب عبد المجيد
من ضباط الثورة لذلك كان الجنود الذين بامرته ضمن خطة
الثورة اذكر باننا قمنا باحتلال قاعدة الرشيد ومن ثم عملنا
على نشر العوائق على مدرجات الطائرات تحسباً ومنعنا
الآخرين من دخول مبنى الرقابة الجوية. كان خوفنا من طائرات
قاعدة الحبانية في ان تساهم في ضرب الثورة. وقتها لم أكن
منظماً حزبياً لكنني كنت مشبعاً بالوطنية. في الليلة
الثانية للثورة نزلت قوات مظليين بقيادة نقيب اسمه عبد
الحميد من الموالين لثورة تموز وسيطرت على جميع نواحي
بغداد دون قتال وبالمقابل سمعنا بان هناك تحرك يتجه نحو
بغداد مضاد للثورة بقيادة عمر علي العسكري المعروف ولكن
اللواء 19 بقيادة عبد الكريم قاسم تصدى له ومنعه من دخول
العاصمة بغداد.
اذكر في تلك الايام موقفاً لا يمكن نسيانه فعندما اعلنت
الثورة كنت ممسكاً ببندقية في يدي وعندما اعلن بيان قيام
الثورة رفعتها إلى ما فوق رئيسي مبتهجاً بالحدث لكن
المروحة الكهربائية ضربت بريشتها بندقيتي وحطمتها كنا
فرحين ومبتهجين ننثر الحجارة وصفائح التنك على المدارج خوف
اقلاع طائرات هنتر وهوكر الانكليزية من الحبانية لقد كنا
نخشى من الانزال في حركة مضادة للثورة.
في اليوم التالي فقط استطعنا التعرف على قائد ثورة 14 تموز
وعرفنا بانه الزعيم عبد الكريم قاسم ووزعت علينا صورة
بالاسود والابيض وان لم تخني الذاكرة كانت الصورة تعلوها
اية قرآنية (واعتصموا بحبل الله جميعاً) وايضاً وزعت صور
عبد السلام عارف بجانب صور الرئيس جمال عبد الناصر وعن
الاجواء السياسية التي كانت سائدة قبل قيام الثورة اجاب
بالقول:
كنا معبئين سياسياً. كانت هناك جبهة وطنية تنضوي تحتها
اغلب الاحزاب المعادية للنظام الملكي من امثال حزب
الاستقلال والوطني والحزب الشيوعي العراقي وكانت بوادر
الثورة موجودة قبل قيام الثورة لقد كنا نصف حكومة نوري
السعيد على انها عميلة للاستعمار وكنا بانتظار اليوم الذي
نتخلص منها ومن الذكريات التي لا يفوتني الاتيان عليها ان
زملاء لي من الجنود ومنهم الزميل داود المعاضيدي ذهبوا في
مهمة البحث عن فاضل الجمالي الذي هرب صبيحة الثورة وفر إلى
بساتين بلد شمال بغداد واستطاعوا العثور عليه واعتقد بانه
كان وزيراً للخارجية في وزارة نوري السعيد. نعم كانت
الحركة الوطنية في العراق قوية ومهدت للحدث الذي سبقه قيام
تظاهرات وانتفاضات عديدة. الضباط الاحرار وعلى رأسهم
الزعيم عبد الكريم قاسم كانوا من خارج الجبهة الوطنية التي
ذكرتها لكنهم وجدوا كل عون واسناد من باقي الاحزاب الوطنية
وخاصة الحزب الشيوعي العراقي الذي كانت عناصره تطوف
بالشوارع وهي تهتف للثورة وتدعو إلى مساندتها.
توقع الثورة
ابو خزعل من
مواليد 1938 له مشاهدات وذكريات عن ثورة تموز فهو يقول.
كنت حينها اعمل كاسباً واسكن منطقة الاعظمية عندما
استيقظنا في الصباح وجدنا الجنود والدبابات منتشرة في
الشوارع فعرفنا بان ثورة في العراق قد قامت ولكن من هم
قادتها السياسيين هذا ما لم نكن نعلمه. اعتقد بان الشعب
العراقي برمته كان مهيأ لها بصورة عفوية فلقد كانت البطالة
منتشرة وظروف الناس عسيرة جداً. وكنا نتوقع ان يثور الشعب
من اجل التغيير اذكر في يوم الثورة سمعت الشيوعيين وهم
يتغنون بالاناشيد الوطنية عبر الشوارع. فيما بعد رأينا صور
الزعيم عبد الكريم قاسم توزع في الشوارع ورأيته مراى العين
داخل سيارة موديل 58 صفراء اللون نوع شوفر ليت وسط
الجماهير المؤيدة وفيما بعد التقيته شخصياً عندما عملت في
مطعم باجة الحاتي في شارع الشيخ عمر. كان يأتي ليلاً
فتتحلق الجماهير حوله وكان يعرفني شخصياً. إلا انه لم يكن
يطلب منا طعام (الباجة) برغم الحاحنا عليه. اخيراً اقول
بان عبد الكريم قتله الذين ناصبوه العداء من اول ايام قيام
الثورة وان الرئيس جمال عبد الناصر هو من سعى إلى ذلك ولو
لم يحدث الذي حدث فيما بعد لتغيرت صورة البلد تماماً.
الناشط السياسي هاشم جونه من الحركة الاشتراكية العربية
ومن مواليد 1941 عن ذكرياته فيما يخص الثورة يقول: كنت
حينها عاملاً في معمل سكائر التركي في منطقة العبخانة قرب
ساحة حافظ القاضي كنت متجهاً من منطقة العاصمة شرق بغداد
باتجاه معمل السكائر انا وشقيقي الذي يكبرني اذكر ان الوقت
كان يشير إلى السادسة صباحاً ولم يكن لنا علم بالحدث لكننا
انتبهنا ونحن نقطع الطريق إلى صاحب دكان وقد رفع صوت
المذياع الذي كان لديه وعندما اقتربنا منه اخبرنا بقيام
ثورة في العراق. لكننا واصلنا الطريق إلى المعمل ووجدنا
عماله مجتمعين يحثون بعضهم بعضاً على المساهمة في انجاح
الثورة وفعلاً عبئ العمال لذلك واخذوا يطوفون شوارع الرشيد
والسعدون مهللين لقيام الثورة ومن مشاهداتي في تلك المدة
انني رأيت جثة نوري السعيد في اليوم الثاني للثورة وقد جيء
بها وهي ملقاة على ظهر دبابة وفي ساحة النصر ثم جاء احد
العسكريين ونقلها إلى سيارته وذهب بها إلى مكان اجهله. في
اليوم التالي للثورة فقط عرفنا ان قائدها هو الزعيم عبد
الكريم قاسم واذكر كذلك ان الحزب الشيوعي بجماهيره كان
يطوف بالشوارع في النهار والليل وهو يعلن مساندته للثورة.
|