تحقيقات

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

سفير بريطاني سابق في العراق: انجازات حكومة قاسـم اعتاشت عليهــا الحكومـات التـــي اعقبــــته!

بغداد/المدى

ذكر احد السفراء البريطانيين من الذي عملوا في العراق: ان الزعيم عبد الكريم قاسم قد جاء باعظم ثورة في تاريخ العراق المعاصر وان الانجازات التي قدمتها هذه الثورة العظيمة اعتاشت عليها الحكومات التي اعقبت حكومته وحتى نهاية نظام صدام حسين و وصفه بأنه من طراز الثوار الكلاسيكيين الذين تراهم لا يهدأون وبحركة دائبة في سبيل الارتفاع بمستوى شعوبهم. لكن كان تعوزه الحنكة السياسية وانه مثلما جاء بثورة عظيمة ايضاً جاء بموتها معها ممثلاً بشخص عبد السلام عارف الذي عمل منذ الايام الاولى بالدعاية السياسية لجمال عبد الناصر وكان يخطب باسمه في المحافل والتجمعات ويوزع صوره حتى ان الكثيرين قد توهموا بانه صاحب الثورة وليس الزعيم عبد الكريم قاسم بل جمال عبد الناصر اذ ان عارف كان يقول لمن يلتقيهم بأن جمال يبعث بتحياته.  

(المدى) وبمناسبة مرور الذكرى الثامنة والاربعين لهذه الثورة التي غيرت مجرى الاحداث في العراق وعلى الصعد كافة ارتأت ان تلقي المزيد من الضوء على الاحداث التي رافقت قيامها والاجواء السائدة في العراق انذاك. وكان اول المتحدثين المواطن ابو طارق من منطقة حي الجهاد في بغداد ومن مواليد 1941 وقد عاصر احداثها اولاً بأول بحكم كونه من الناشطين السياسيين ومن العسكريين الذي كلفوا بمهام مساندة الثورة.
الساعة الثالثة صباحاً
كنت حينها عسكرياً في قاعدة الرشيد الجوية وقد تم ابلاغنا بقيام الثورة في حوالي الساعة الثالثة صباحاً. كان آمر مدرسة الصنائع الجوية التي انتمي اليها في حينه هو الرائد رجب عبد المجيد من ضباط الثورة لذلك كان الجنود الذين بامرته ضمن خطة الثورة اذكر باننا قمنا باحتلال قاعدة الرشيد ومن ثم عملنا على نشر العوائق على مدرجات الطائرات تحسباً ومنعنا الآخرين من دخول مبنى الرقابة الجوية. كان خوفنا من طائرات قاعدة الحبانية في ان تساهم في ضرب الثورة. وقتها لم أكن منظماً حزبياً لكنني كنت مشبعاً بالوطنية. في الليلة الثانية للثورة نزلت قوات مظليين بقيادة نقيب اسمه عبد الحميد من الموالين لثورة تموز وسيطرت على جميع نواحي بغداد دون قتال وبالمقابل سمعنا بان هناك تحرك يتجه نحو بغداد مضاد للثورة بقيادة عمر علي العسكري المعروف ولكن اللواء 19 بقيادة عبد الكريم قاسم تصدى له ومنعه من دخول العاصمة بغداد.
اذكر في تلك الايام موقفاً لا يمكن نسيانه فعندما اعلنت الثورة كنت ممسكاً ببندقية في يدي وعندما اعلن بيان قيام الثورة رفعتها إلى ما فوق رئيسي مبتهجاً بالحدث لكن المروحة الكهربائية ضربت بريشتها بندقيتي وحطمتها كنا فرحين ومبتهجين ننثر الحجارة وصفائح التنك على المدارج خوف اقلاع طائرات هنتر وهوكر الانكليزية من الحبانية لقد كنا نخشى من الانزال في حركة مضادة للثورة.
في اليوم التالي فقط استطعنا التعرف على قائد ثورة 14 تموز وعرفنا بانه الزعيم عبد الكريم قاسم ووزعت علينا صورة بالاسود والابيض وان لم تخني الذاكرة كانت الصورة تعلوها اية قرآنية (واعتصموا بحبل الله جميعاً) وايضاً وزعت صور عبد السلام عارف بجانب صور الرئيس جمال عبد الناصر وعن الاجواء السياسية التي كانت سائدة قبل قيام الثورة اجاب بالقول:
كنا معبئين سياسياً. كانت هناك جبهة وطنية تنضوي تحتها اغلب الاحزاب المعادية للنظام الملكي من امثال حزب الاستقلال والوطني والحزب الشيوعي العراقي وكانت بوادر الثورة موجودة قبل قيام الثورة لقد كنا نصف حكومة نوري السعيد على انها عميلة للاستعمار وكنا بانتظار اليوم الذي نتخلص منها ومن الذكريات التي لا يفوتني الاتيان عليها ان زملاء لي من الجنود ومنهم الزميل داود المعاضيدي ذهبوا في مهمة البحث عن فاضل الجمالي الذي هرب صبيحة الثورة وفر إلى بساتين بلد شمال بغداد واستطاعوا العثور عليه واعتقد بانه كان وزيراً للخارجية في وزارة نوري السعيد. نعم كانت الحركة الوطنية في العراق قوية ومهدت للحدث الذي سبقه قيام تظاهرات وانتفاضات عديدة. الضباط الاحرار وعلى رأسهم الزعيم عبد الكريم قاسم كانوا من خارج الجبهة الوطنية التي ذكرتها لكنهم وجدوا كل عون واسناد من باقي الاحزاب الوطنية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي الذي كانت عناصره تطوف بالشوارع وهي تهتف للثورة وتدعو إلى مساندتها.
توقع الثورة
ابو خزعل من مواليد 1938 له مشاهدات وذكريات عن ثورة تموز فهو يقول. كنت حينها اعمل كاسباً واسكن منطقة الاعظمية عندما استيقظنا في الصباح وجدنا الجنود والدبابات منتشرة في الشوارع فعرفنا بان ثورة في العراق قد قامت ولكن من هم قادتها السياسيين هذا ما لم نكن نعلمه. اعتقد بان الشعب العراقي برمته كان مهيأ لها بصورة عفوية فلقد كانت البطالة منتشرة وظروف الناس عسيرة جداً. وكنا نتوقع ان يثور الشعب من اجل التغيير اذكر في يوم الثورة سمعت الشيوعيين وهم يتغنون بالاناشيد الوطنية عبر الشوارع. فيما بعد رأينا صور الزعيم عبد الكريم قاسم توزع في الشوارع ورأيته مراى العين داخل سيارة موديل 58 صفراء اللون نوع شوفر ليت وسط الجماهير المؤيدة وفيما بعد التقيته شخصياً عندما عملت في مطعم باجة الحاتي في شارع الشيخ عمر. كان يأتي ليلاً فتتحلق الجماهير حوله وكان يعرفني شخصياً. إلا انه لم يكن يطلب منا طعام (الباجة) برغم الحاحنا عليه. اخيراً اقول بان عبد الكريم قتله الذين ناصبوه العداء من اول ايام قيام الثورة وان الرئيس جمال عبد الناصر هو من سعى إلى ذلك ولو لم يحدث الذي حدث فيما بعد لتغيرت صورة البلد تماماً. الناشط السياسي هاشم جونه من الحركة الاشتراكية العربية ومن مواليد 1941 عن ذكرياته فيما يخص الثورة يقول: كنت حينها عاملاً في معمل سكائر التركي في منطقة العبخانة قرب ساحة حافظ القاضي كنت متجهاً من منطقة العاصمة شرق بغداد باتجاه معمل السكائر انا وشقيقي الذي يكبرني اذكر ان الوقت كان يشير إلى السادسة صباحاً ولم يكن لنا علم بالحدث لكننا انتبهنا ونحن نقطع الطريق إلى صاحب دكان وقد رفع صوت المذياع الذي كان لديه وعندما اقتربنا منه اخبرنا بقيام ثورة في العراق. لكننا واصلنا الطريق إلى المعمل ووجدنا عماله مجتمعين يحثون بعضهم بعضاً على المساهمة في انجاح الثورة وفعلاً عبئ العمال لذلك واخذوا يطوفون شوارع الرشيد والسعدون مهللين لقيام الثورة ومن مشاهداتي في تلك المدة انني رأيت جثة نوري السعيد في اليوم الثاني للثورة وقد جيء بها وهي ملقاة على ظهر دبابة وفي ساحة النصر ثم جاء احد العسكريين ونقلها إلى سيارته وذهب بها إلى مكان اجهله. في اليوم التالي للثورة فقط عرفنا ان قائدها هو الزعيم عبد الكريم قاسم واذكر كذلك ان الحزب الشيوعي بجماهيره كان يطوف بالشوارع في النهار والليل وهو يعلن مساندته للثورة.


اليوم والبارحة
 

عامر القيسي

الطريق الذي افضى إلى اجهاض ثورة 14 تموز 1958 هو طريق خلافات وصراعات القوى السياسية الوطنية والديمقراطية وعدم اتفاقها على برنامج الحد الادنى لرعاية الثورة وصيانتها وتطوير افرازاتها الديمقراطية الجنينية.
واذا كان النظام الملكي قد سقط على ايد عراقية فان نظام الطاغية قد سقط تحت سرفات الدبابات الامريكية. وقد أفرز السقوط التاريخي الثاني مشاهد مشابهة لمشاهد افرازات السقوط الاول للحكم الملكي. وتجلى هذا التشابه في المشهد السياسي، في الاجواء الديمقراطية غير المألوفة لدى الشعب العراقي وتعود المنابر الاعلامية المختلفة لتوجهات في خطابها الاعلامي وتنوع القوى التي شاركت في حكومة الجمهورية الاولى بما فيها القوى التي ناصبتها العداء منذ لحظة ولادتها الاولى. وكان مشهد التدخلات الخارجية العروبية والاقليمية والدولية اكثر المشاهد تشابهاً مع مرحلة ما بعد 9 / 4 ولسنا هنا في مجال الخوض في تفصيلات التشابهات التي تصل في بعض مساحاتها إلى حد التطابق، وانما نقول بان على القوى السياسية العراقية المؤمنة، بالعملية السياسية لمرحلة ما بعد 9 / 4 والداعمة لها ان تستخلص الدروس من تجربة العمل السياسي التي ولدت بعد ثورة 14 تموز 1958.
واول هذه الدروس هو الاختلافات التي وصلت إلى مرحلة التناحر وحمل السلاح بعد اشهر من الثورة وقد قادت هذه التناحرات الثورة إلى حتفها وبالتالي خسر الجميع وخسر الشعب العراقي فرصة نموذجية لبناء عراق متحضر وجديد. والاكثر فجائعية في هذا الدرس، انه انتج بعد سقوط الزعيم، اول نموذج لسلطة قمعية ارهابية ودموية، شيدها البعث، لتمارس العنف بطريقة منهجية، لأول مرة في تاريخ العراق المعاصر.
الدرس الثاني، هو ان سماح القوى السياسية، باتساع مساحة التدخل غير العراقي بالشؤون الداخلية قد افضى إلى حرف هذه القوى عن اهدافها الوطنية الحقيقية. ذلك ان تجربة سقوط الجمهورية الاولى، اكدت ان الاندفاع وراء مصالح الغير لن يقود إلا إلى فقدان هذه القوى المنساقة وراء مشروع الاخر، لقاعدتها الشعبية. ومساهمتها الفاعلة - بوعي أو بدونه - في تدمير المشروع العراقي النهضوي الجديد.
ثالث الدروس واخطرها، هو هيمنة اجواء النفاق السياسي سواء كان ذلك داخل حكومة قاسم أو على مستوى الفعاليات السياسية والشعبية. والنفاق السياسي اشد خطورة من العدو الرئيسي وتلك بديهة حتى على المستوى الاجتماعي، اذ انك تستطيع ان تتجنب عدوك مباشرة أو تجيد التعامل معه لانك تعرفه، لكن الخطورة تكمن في الذي يصافحك بيده اليسرى ويغرس خنجره في خاصرتك بيده اليمنى.
دروس ينبغي التوقف عندها وفهمها وتمحيص نتائجها والعمل على ان لا يكرر التاريخ نفسه مرة ثانية، فالاساءة لن تكون سوى مهزلة والخاسر الوحيد لن يكون سوى الشعب العراقي ومستقبله.


فلاحو قرية الدورة  ..  منحهم عبد الكريم قاسم الأراضي وصادرها أزلام الطاغية!

عمران السعيدي

في عام 1960 وفي العطلة الصيفية تناهى إلى اسماعنا ونحن في قريتنا (الدورة) بان الزعيم قد وصل مدينة البياع لتفقد حال ابنائها والاستماع إلى شكاواهم. فعلاً كان الزعيم عبد الكريم موجوداً يتجول راجلاً بين الناس تاركاً سيارته (البوكس) العسكرية ودون حماية تذكر سوى مرافق واحد يسير بعيداً عنه.
كانت جموع الناس الفقيرة القادمة من قرية الدورة وهم مزيج من الفلاحين ومربي الجاموس تهتف وتحيي هذا الرجل المحبوب من الفقراء بالذات. كنت واقفاً مع مجموعة من اطفال القرية على رصيف شارع الحلة الترابي وحين شاهدنا وهو في طريق عودته من داخل المدينة ترجل من سيارته وراح يصافحنا واحداً واحداً ونحن نشعر بالزهو بمد يده ووجه الباسم. سألنا عن طلباتنا وحاجاتنا وماذا تريدون ايها الشباب وكنا نضحك معه بكل ود ومحبة طلب منه احد هؤلاء الاطفال الجريئين ان يوصل لنا التيار الكهربائي كي نستطيع الدراسة. رحب بهذا الطلب الجرئ من طفل بسيط وفقير.
وأكد مجئ التيار لقريتنا باسرع وقت ممكن. وفعلاً وبعد مضي ايام قليلة وفي اثناء عودتنا من المزرعة عند الغروب شاهدنا وعن بعد منظراً غريباً لا ينسى ابداً ألا وهو وجود الأضوية. الكهربائية وهي تملأ شوارع القرية من كل جانب.
دخلنا القرية فرحين واصبح النور يملأ كل (دربونة) وسطح دار طيني. ورحنا نجوب الدروب الضيقة تحت اعمدة النور الزاهية وبدأنا الدراسة تحتها وغابت عنا (اللالات والفوانيس). واختفى من دروب القرية الحاج (احمد ابو الفوانيس) حيث كان يزورنا كل مساء يصعد اعمدة الخشب وينزل الفوانيس وينظفها ويملأها بالنفط الابيض ويعيدها إلى رأس العمود الخشبي وينظف النهايات من اعشاش الحمام والعصافير الكثيرة.
غير ذلك منح عبد الكريم قاسم الاراضي الزراعية إلى الفلاحين من اهالي القرية ووفر لهم الاسمدة والبذور ومضخات المياه باسعار تعاونية وفعلاً كانت حصتنا ما يزيد على العشرين دونماً من اراض خصبة غنية تطل على ضفة دجلة الغربية من جهة جزيرة (أم الخنازير) والتي صارت مرتعاً لجلاوزة النظام وعائلته حيث حولوا هذه الجزيرة والشواطئ الجميلة والمباركة إلى مخادع للرذيلة والشر.
وما ان جاء اليوم الاسود في الثامن من شباط عام 1963 حتى تغير الحال في هذه القرية وما جاورها من مزارع وشواطئ غنية حيث اتخذ اجراء سريع بهدم دور المزارعين ومربي الجاموس بحجة تحسين اوضاعهم فقد رحل مربو الجاموس إلى منطقة (ابو غريب) والذين ما زالوا يعانون الأمرين من اوضاعهم السيئة خاصة في تربية الجاموس الذي لا يعيش إلا قرب المياه الوفيرة وظلال الاشجار الكثيفة. اما الفلاحون فقد هدموا دورهم الطينية دون أدنى تعويض واخذت الجهات الرسمية اراضيهم الزراعية واستغلوها لتربية اغنامهم وخيولهم.
راحت ارضنا الزراعية الواسعة بعد ان كانت ارضاً غناء باشجار النخيل والتين والمشمش والخضرة الزاهية. من طماطة وخيار وفلفل ورقي ولوبيا ولهانة وقرنابيط.. راحت الارض دون تعويض وهدم الدار دون تعويض ايضاً بفضل (عروس الثورات) وقادتها. وتاه ابناء القرية في ارض الله من دون مساعد، بعد ان كان عبد الكريم قاسم قد منحهم الارض والمضخات والبذور والاسمدة ومد بيوتهم بالكهرباء والماء الصافي وقدم لهم معمل البان من النوع الجيد حيث راح مربو الجاموس يزودون المعمل بانتاجهم من الحليب وتسلم المبالغ مباشرة وعاش اهالي القرية في بحبوحة من الراحة والخير لكن هذه الحالة لم تستمر ساعة مجيء (عروس الثورات) التي اتعبت الارض والناس معاً، ووقفت ضد ارادة الانسان العراقي ولم تفسح لزعيم عراقي ان يواصل مسيرته خدمة للفقراء والمتعبين.


حـــــــق في أعنــــــــــــاق العراقييــــــــــــن!

أ. د. محمد يونس

الزعيم عبد الكريم قاسم - مؤسس الجمهورية العراقية، شخصية متميزة، بغض النظر عن اختلاف وجهات النظر حوله، في حياته وبعد مماته. فهو في نظر الاغلبية الشعبية الساحقة انسان رائع في مجمل صفاته: مبدئي في مواقفه، تقدمي في سياسته، انساني في سلوكياته، وطني في اهدافه، نزيه في طموحاته، شريف في مفردات حياته. وهو في نظر الاقلية من القوميين والبعثيين: ديكتاتور شعوبي فردي مارق! وتوالت السنون وتكشفت الحقائق وانطلقت الاعترافات من الاعداء قبل الاصدقاء، وظهر ان حدس الجماهير الشعبية هو الاقرب إلى الحقيقة وموقفها هو الادنى من الصواب - "والفضل ما شهدت به الاعداء" وقد "خاب من حمل ظلما". ما سر انجذاب جماهير بسطاء العراقيين وفقرائهم إلى الزعيم عبد الكريم قاسم وحبهم الكبير له؟ السبب واضح هو مدى قرب هذا الانسان من تلك الجماهير وتحسسه مشاكلهم واخلاصه في خدمتهم وتواضعه في التعامل معهم. فقد كان يقطع بغداد وضواحيها جيئة وذهاباً ويتجول في ارجائها ليلاً ونهاراً ولا يصحب بمعيته غير سائق سيارته وفي النادر احد مرافقيه. كان يفاجئ عمال البناء أو اكشاك بيع الشاي ليجالسهم ويتحدث اليهم ويشرب الشاي بمعيتهم. ومن الاسباب ايضاً مشاعر الطيبة والرحمة التي تعمر قلبه والتي استغلها خصومه ليغدروا به. وهذا ما وضعه موضع الشهيد في قلوب بسطاء الناس. من الاسباب المهمة لحب الجماهير له هو كسره طوق السياسة البريطانية المضروب على الشباب العراقي آنذاك وبخاصة ابناء الكسبة والفقراء المتطلعين إلى العلم والتقدم فبمجئ عبد الكريم قاسم إلى السلطة تفتحت امامهم ابواب الجامعة العراقية بعد ان كان دخولها مقتصراً على الفئة القليلة من ابناء المتنفذين والموسرين. واستقبلتهم الجامعات الاجنبية - وبخاصة جامعات الدول الاشتراكية - باعداد غفيرة، في الوقت الذي كانت فيه الجامعات الغربية تقبل النفر المحدود جداً من الطلبة المحظوظين والمسنودين بامكانات عوائلهم الثرية أو بضربات الحظ في الحصول على درجات البعثات النادرة.
وهكذا ارتفعت اعداد الخريجين والمتخصصين ليغطوا احتياجات دوائر الدولة ومؤسساتها ومنها الجامعات العراقية. وبعد ان كان العراق يستقدم المتخصصين واساتذة الجامعات من البلدان الاجنبية والعربية صار يبعث بهم إلى الجامعات العربية وغيرها. واصبح العراق في مقدمة دول المنطقة علمياً وثقافياً. فهل هناك اسمى وأنبل من تلك الحظوة الوطنية والعلمية الرائعة!
لم تنل شخصية الزعيم عبد الكريم قاسم من التجسيد الفني، برغم الحب الكبير، سوى تمثال متواضع لا يلفت النظر في مكان اكثر تواضعاً وأنزواءً. وكان الاجدر بابناء الشعب العراقي النجباء ان يقيموا له تمثالاً يليق بمكانته العالية وفي ابرز ساحات بغداد واهمها. وباقتراح متواضع ارى ان المكان اللائق والمناسب في ساحة باب المعظم وامام نصب الجندي العراقي، ذلك لوقوعه قرب مبنى وزارة الدفاع القديمة - التي افنى فيها جل سني عمره ومنها غادر إلى حتفه ونهاية حياته!
والتمثال المقترح هو اقل ما يمكن تقديمه لتخليد ذكرى هذا الانسان الانسان!


بعد 48 عاماً على ثورته .. الزعيم حاضر جميل في الذاكرة العراقية

بغداد / علي المالكي

يتوارث العراقيون، محبة (الزعيم) عبد الكريم قاسم، مع مرور الزمن بسبب ما ترسب في الذاكرة العراقية من حكايات عن نزاهة الانسان وصدقه في التعامل مع الآخرين، وسعيه لخدمة الفقراء، وتواضعه وانتمائه الخالص للعراق وشعبه..
في مدينة الحلة اطلق اسم عبد الكريم قاسم على احد الشوارع اعتزازاً وتخليداً ومحبة لهذا الرجل الذي ارتبط تاريخه بالانعطافة التاريخية في تحول نظام الحكم السياسي في البلد من الملكي إلى الجمهوري. كما تشكلت منظمة سياسية حملت اسمه.. واذا كانت الحكومات الانقلابية التي جاءت بعد حكم الجمهورية الاولى قد حاولت تشويه تاريخ الراحل عبد الكريم قاسم، فانها لم تستطع محو الحقائق التي يتداولها الناس وباتت تنتشر بينهم حتى ادرك العراقيون حجم الجريمة التي ارتكبها البعثيون حين تآمروا على قاسم وقتلوه. وامام مشهد ومسمع من العالم كله، ورسخت الحقائق محبة العراقيين لعبد الكريم قاسم الذي ما زالت صوره تعلق في بيوت العراقيين.
قبل ايام دخلت احد المقاهي الشعبية في بغداد التي يملكها الحاج علي حمود مغامس، وكانت احدى الفضائيات تعرض فلماً وثائقياً عن الزعيم، فظهرت الصورة على شاشة التلفزيون، فهتف ابو حسين: (الف رحمة تنزل على روحك يا أصيل..) سألته: لماذا تحبون عبد الكريم قاسم؟ ..اجاب بتلقائية: وكيف لا نحبه، ولماذا؟ قال ابو حسين: لم يؤذ احداً، وهو بريء من قتل العائلة المالكة.. ويروى ان اخته ذهبت اليه ذات يوم شاكية له سوء المنطقة التي تسكن فيها والمنزل الذي تعيش فيه وطلبت منه ان يوفر لها منزلاً، فقال لها: سأشتري لك منزلاً في البحر.. أمسك بيدها واركبها السيارة (فورد ستيشن)، وذهب بها إلى منطقة الميزرة، وسألها ماذا تشاهدين؟ سماء واكواخاً وصرائف.. اليس كذلك؟ هؤلاء متى استطعت ان اسكنهم في بيوت تليق بهم كبشر، سوف تحصلين على المنزل الذي تريدينه..
واستمر ابو حسين يتحدث فقال (صدام الهدام زار ذات يوم كوبا، ودعاه كاسترو للطعام... وطلب منه الصعود في السيارة، فطلب صدام منه حضور الحماية وكان يصطحب معه (600).. فسأله كاسترو قائلاً انت في كوبا ولديك (600) رجل حماية فكم يبلغ عددهم في بلدك؟.. في حين كان عبد الكريم قاسم يتجول في بغداد وحده وبلا حماية.. يدخل الاسواق ويتوقف ليسلم على الناس بتواضع.. اين صدام الآن؟ واين عبد الكريم؟ صدام في السجن يحاكم عن جرائم وعبد الكريم في قلوب الناس نقرأ على روحه الفاتحة.
السيد علي مهدي (ابو رائد) مواطن كوردي، قلت له ماذا تقول عن عبد الكريم قاسم: (كلنا نحبه كان مناضلاً شعبياً ويحب الديمقراطية والسلام والاخوة، حاولوا قتله في شارع الرشيد، ولكنه قال بقلب كبير (عفا الله عما سلف).. بينما صدام قتل 148 شخصاً في الدجيل ودمر البساتين وهدم البيوت.. كان المرحوم عبد الكريم قاسم يذهب إلى المخابز ليفحص الخبز والصمون.. كان صديقاً للفقراء.. يسأل عن احوال الناس. كان فعلاً انساناً عظيماً.. ومات ولم يملك شيئاً وهذا سبب من اسباب عظمته ومحبتنا له.. ولم يؤذينا نحن الاكراد ولكن النفوس الضعيفة من ضباط الجيش هي التي حاربت الاكراد.
ولعنت السيدة (ام سرى)، (الحرس القومي) وحزب البعث وكل من ساهم في انقلاب 8 شباط، وقالت (لقد ارتكبوا الفواحش بانقلابهم الاسود لعنة الله والتاريخ عليهم.. ولو لم يتأمروا لما عشنا كل كوارث البعثيين)..
اما الشاب محمد رزاق (30) سنة فقال ان ما وصلنا عن الزعيم عبد الكريم قاسم لم يكن فيه أي شائبة تسيئ لهذا الرجل، فالاهل يحبونه ويذكرونه بالخير دائماً، وما سمعناه انه كان نزيهاً واميناً ومنصفاًُ ومحباً للفقراء ويقال انه هو الذي اسس مدينة (الثورة) بعد ان كان اهلها يعيشون في اكواخ من الصرائف والطين.. عما يقال انه قال عندما حاولوا اغتياله (عفا الله كما سلف)، وهذا يدلل على حلمه وكظمه الغيظ..
لم اجد احداً ممن استطلعت اراءهم، يذكر عبد الكريم قاسم بسوء، واحدهم قال (انا لا اكرهه ولا أحبه، ولكن الحق يقال ليس هناك ما يشوه تاريخ هذا الحاكم.. فكل الكلام لصالحه..)، ان الدرس الذي ينبغي ان يلتقطه قادة العراق الجدد هو ان الحاكم كلما كان قريباً من الشعب احبه الشعب واستجاب له وتفاعل معه.. بدليل ديمومة واستمرار محبة العراقيين لعبد الكريم قاسم، وكرههم صدام وتخليهم عنه.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة