ثرثرة
البشر ليست بلا طائل!
ترجمة/ عادل العامل
يمكن
القول ان التنقل في بلد لا تتكلم لغته امر صعب من دون شك.
وعليك ان تستخدم قاموسك بعناية، وإلا فانك قد تسأل بقالاً
ان كان بامكانك ان تتزوج باذنجانة! لكن تخيل يوماً لم
يستخدم فيه احد لغة على الاطلاق هل يكون الامر، في النهاية،
مختلفاً كثيراً عن يوم من حياة أي حيوان اجتماعي ذكي آخر؟
ان
اللغة، كما تقول كاثلين رين كاتبة هذا المقال، هي في لب ما
يجعلنا بشراً، ولو ان كيفية تطويرنا لهذه القدرة قد اثارت
جدلاً شديداً. ويمكن للبحث الجديد ان يساعد العلماء في
تفحص ما يتعلق بالدماغ البشري الذي يمنحنا اللغة.
فقد وجد باحثون ان قرود التامارين
Tamarin
او الطمارو لديها بعض
قدرات ما يشبه اللغة على نحو مميز، لكنها لا تستطيع التمكن
تماماً من القواعد الاكثر تعقيداً لعلم النحو البشري.
وكما يقول مؤلف الدراسة مارك هوسر من جامعة هارفارد "ان
السؤال المفتوح نسبياً فيما يتعلق بنشوء اللغة او تطورها
هو: ما اوجه القدرة اللغوية التي نشترك فيها مع حيوانات
اخرى، وما الاوجه التي تعد فريدة لدى البشر؟"
وللتحقق من ذلك، قام هوسر وتيكومسيه فتش من جامعة سانت
اندروز، في سكوتلندة، بابتكار اختبارات لقرود الطمارو
ومتطوعين من البشر. وهذه القرود تتطور بمعزل عن البشر على
مدى 40 مليون سنة تقريباً مما يشير الى ان اية آلية مشتركة
لدى البشر وقرود الطمارو قديمة بما فيه الكفاية لان تكون
شائعة نسبياً وسط الحيوانات الرئيسة (وهي رتبة من الثدييات
تشمل الانسان والقرد وغيرهما).
وبدلاً من محاولة تعليم القرود كلمات حقيقية، قام هوسر
وفتش بتوليد مجموعات حروف من كلمات ذات مقطع واحد تتبع
قواعد نحوية متنوعة.
ووفقاً للخبير اللغوي نعوم تشومسكي، فان ابسط نوع من النحو
هو (نحو الحالة المحدودة)، الذي يُملي على اية انواع
الكلمات هي التي تكون قرب بعضها البعض الآخر في الجملة ففي
اللغة الانكليزية، مثلاً، يجب ان تذهب صفة مثل (سريع) امام
كلمة (سيارة)، وهي الاسم الذي تصفه تلك الكلمة.
وبناءً على تجارب سابقة، سجل هوسر وفتش مجموعات حروف كلمات
تطاوع نحو حالة محدودة معينة، كان أي مقطع يقوله صوت انثى
يتبعه اوتوماتيكياً صوت ذكر.
وبعد الاصغاء الى سلسلة من هذه المجموعات اصبحت القرود
قادرة على التمييز بين تلك التي تتبع هذه القاعدة واخرى لا
تفعل ذلك. ويمكن لموضوعات اختبارية بشرية ان تكشف عن الفرق
ايضاً، متضمنة ان قرود الطمارو والبشر قد يتشاطرون في
الاقل بعض عناصر ما يدعوه هوسر (صندوق العدة الذي يشكل
اساس كل اللغات).
ويمثل التمكن من هذا النوع من النحو او القواعد القدرة على
حساب بعض الاحصاءات البسيطة، شيء ما ينجزه الاطفال البشر
مبكراً وهم يتعلمون الكلام. وقد لا تكون هذه القدرة نوعية
بالنسبة للغة، على كل حال. "فاما الآلية نفسها او ما
يقاربها تستخدم في الرياضيات، والرؤية، والموسيقى وغيرها
من النشاطات"، كما قال هوسر.
ان القواعد النحوية للغات الحقيقية تتحكم باكثر مما هو
مجرد وضع كلمات متجاوزة، كما يمكن لكل من عليه رسم جمل في
صف انكليزي ان يتذكر جميعاً على نحو جيد تماماً.
واحد انواع النحو الاكثر تعقيداً يعرف بـ (نحو تركيب
العبارة). وهذه القواعد تتضمن علاقات بين الكلمات ليست
متجاورة في الجملة وبالتالي تسمح بصنف من التعبير اكثر
تعقيداً، كقولنا: "لو.. عندئذٍ"، مثلاً، وبعد اسماع هذه
التسجيلات تكراراً للقرود، وجد الباحثون ان الحيوانات لا
يبدو انها تلاحظ الفرق بين مجموعات حروف الكلمات المتفقة
مع هذه القواعد والمجموعات الاخرى التي لا تتفق معها.
بينما لاحظ المتطوعون البشر ذلك.
ان حقيقة امكانية تعشيش عدد غير محدد من التعابير بعضه
داخل بعض يمنح اللغة البشرية لا نهائية مفتوحة، تسمح لنا
بالتعبير عن افكار جديدة على الدوام. وقد علق عالم النفس
ديفد بريماك على هامش هذه الدراسة العلمية، قائلاً: ان
مرونة قواعد النحو البشري يمكن ان تكون سمة مركزية من سمات
العقل البشري. (ان العقل البشري والتطور هما العمليتان
المرنتان الوحيدتان على الارض القادرتان على ايجاد حلول لا
نهاية لها للمشكلات التي توجهها الكائنات الحية.
|