مواقف

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

الحرب العالمية على الإرهاب .. الأخـــــطاء والمحـــــاذير
 

بقلم: جيسيكا ستيرن*
ترجمة: فؤاد عبد الجبار

عن: مجلة فورن أفيرز

*جيسيكا ستيرن: محاضرة في الارهاب في جامعة هارفرد و هي مؤلفة كتاب الإرهاب باسم الرب.

قبيل ذكرى تفجيرات السابع من تموز في لندن التي اودت بحياة 25 شخصا، اطلقت القاعدة شريط فديو عكس وجود تغيرات واضحة في عملها و يفيد ان الارهاب قد و صل إلى البلاد.
الشريط الجديد يحاول ان يجند المواطنين الامريكيين المسلمين الذين ربما تعرضوا للمضايقة جراء الاخطاء و السلوك اللا اخلاقي الذي ارتكبته امريكا في حربها على الارهاب.
وكانت نجوم هذا الشريط ثلاثة ارهابيين: شهرزاد تنوير وهو احد الذين قاموا بتفجيرات السابع من تموز، وتوفي اثناء الهجوم، وايمن الظواهري مساعد بن لادن و كبير منظريه منذ عهد بعيد، و ادم غادان و هو امريكي يبلغ الثامنة والعشرين من العمر، ترعرع في حقل لتربية الماعز، في رفيرسايد في كاليفورنيا ثم اعتنق الاسلام . كان حديث ادم غادان ثوريا لا لكونه ينذر بوقوع هجوم ارهابي دموي مخيف على البلاد و لكن وبصورة ادق ان ذلك الهجوم لن يحدث. لقد ظهر السيد غادان مرات عديدة في اشرطة القاعدة و كان و جهه يختفي وراء قناع، و بدا شديد الحماس واصفا مواطنيه الامريكان بالمذنبين الذين اضطهدوا العالم الاسلامي و طغوا فيه لعقود كثيرة و ينذرنا في الوقت نفسه قائلا انه في شهر تشرين الاول من سنة 2004 " بمشيئة الله سيصبغ الدم شوارع امريكا باللون الاحمر ". و في ايلول الماضي ظهر رجل مقنع في شريط للقاعدة يعتقد انه غادان ينذر قائلا " في الامس لندن و مدريد و غدا لوس انجلوس و ملبورن ". و على غير ما ظهر به سابقا، كان شريط غادان في الاسبوع الماضي واضحا و منطقيا و مقنعا بصورة تثير المتاعب، اذ اتهم الولايات المتحدة بتعمدها ايذاء المدنيين المسلميين في شتى الصراعات التي تحدث في انحاء العالم. و اذا كانت هذه هي سياسة الولايات المتحدة فلا حاجة للقول بأنها لن تؤذي التعاليم الاسلامية فقط بل تقاليد الحرب اليهودية
المسيحية.
و يخبرنا السيد غادان " لقد حملت الضحايا بيدي نساء و أطفالا، اطفالا يحبون، و أطفالا في أرحام امهاتهم ".
و يشير كذلك إلى ان الناخبين الأمريكيين و ليس قادتهم فقط هم مسؤولون عن ستراتيجية الايذاء هذه. و من تبعات ذلك ان يصبح المدنيون الامريكان هدفا شرعياً لضربات القاعدة وهو نفس المنطق الذي تحجج به اسامة بن لادن في شباط 1998 . و لسوء الحظ ان بعض ادعاءات غادان عن حربنا على الارهاب لا يمكن نكرانها. فقد لاحظ ان الجنود الامريكان ياسرون المسلمين المدنيين و يبعدونهم إلى غوانتانامو او إلى اماكن اسوأ. و الكثير منهم سلموا إلى انظمة دولهم المتسلطة في العالم الاسلامي و التي تدعمها الولايات المتحدة و بريطانيا حيث قامت باستجوابهم بصورة وحشية.
و عندما يخبرنا بذلك يشير إلى الستراتيجية غير العادية لسياسة الاجتثاث التي تمارس. و قد كانت معظم عملية الدعاية السابقة للقاعدة تبدو و كانها كتبت لتقوية و دعم المتطرفين، الا ان بيان السيد غادان يبدو موجها اراءه إلى جمهور اخر. فهو يسرد قصة الاعتداء الإجرامي على فتاة عراقية قتلت مع عائلتها بعد ان اتهم خمسة جنود امريكان بالاعتداء عليها و محاولة اخفاء معالم جريمتهم.
قصة كهذه ستثير مشاعر الخجل لدى كل مستمع امريكي حتى لو ادرك انها صيغت ببراعة و بدافع التاثير. اني اخشى ان تكون هذه الاتهامات عن الاعتداءات الامريكية و التي من المحتمل ان تتكاثر كلما طال بقاؤنا في العراق ستزيد و بشكل واسع من المصدر الذي تجند منه القاعدة و مناصروها اعضاءها الجدد. و الاكثر سوءا من ذلك ان قصصا كهذه ستساعد القاعدة على تجنيد الامريكيين و هو بدوره سيجعل من السهل على هذه الحركة ان تحقق اشكال الهجمات التي انذرنا بها غادان في تشرين الاول 2004 و هي من ذلك النوع الذي سيجعل الدماء تسيل في شوارعنا.
ان التغير الذي حصل في ستراتيجية القاعدة يحتاج إلى تغيير في ستراتيجيتنا ايضا. ان علينا ان ندرك باننا نقاتل في حربين في ان واحد
الحرب العالمية على الارهاب و الحرب على الارض في العراق. ان اي خطا في اية واحدة منهما سيضعف من جهودنا على الاخرى. فإلى حد ما و بسب الاخطاء التي من المحتمل ان يجري تصويرها على اشرطة و توزع في ارجاء المعمورة،على سبيل المثال، أساليب التحقيق التي تهدف إلى انتزاع المعلومات و ذلك باذلال العدو، سيساعد ذلك عدونا ليبرهن ان الهدف هو اذلال المسلمين.
ان الحرب هي جحيم كما لاحظ بجدارة الجنرال وليم نيكوميش. انها دائما و تقريبا تنذر، ولكن بصورة غير مرئية بعدوان من كلا الجانبين. و عليه فان الرئيس عندما وضع شباب الامة في خطر الحرب فان عليه ان يكون واثقا بان احتمال النجاح كبير و ان المكاسب المتوقعة ستفوق الاضرار المتوقعة على كلا الطرفيين . لقد ارتكبنا خطأ كبيرا عندما قمنا بالحرب على العراق و بالغنا في فرص النجاح و تجاهلنا التحذيرات في ما يخص التمرد. و نحن لسنا مهيئين لاحتلال طويل المدى و كذلك لبناء دولة نظامية هناك. اننا لم نستوعب كيف يمكن لحرب طويلة ان تكون ذات فائدة و لعقود طويلة لاعدائنا الارهابيين عندما نعطيهم الفرصة ليتدربوا و يحاربوا اقوى قوة عسكرية عرفها التاريخ و يدعموا الفكرة الخاطئة و التي هي مفروضة بان امريكا عازمة على اذلال العالم الاسلامي. سيكون خطأ يرتكبه كل من الامريكيين و العراقيين لو تركنا العراق يسقط. و لكن الخطورة ستكون اكثر لو طال بقاؤنا الذي سيكون مستمرا و سينجم عنه و بصورة حتمية المزيد من القسوة و العدوان، و سنعطي الفرصة اكثر لاشرطة الفديو لكي تجذب و تغري المزيد من الارهابيين حول العالم و حتى من داخل و طننا.


حزب الله وإسرائيل  .. هــل يستمــــر القتــــال حتـى النهايــة؟
 

قلم: توني كارول
ترجمة: المدى

عن: التايم

ثمة أربعة أسباب لاحتمال تردي حالة الحرب على امتداد الحدود الشمالية لاسرائيل قبل ان تتحسن.
بالنسبة إلى إسرائيل تمثل هذه المعركة قتالا حتى النهاية- او في الاقل، هي الطريقة التي صممت على اساسها. وبالرغم من ان حزب الله لا يمتلك الوسائل لتدمير اسرائيل، الا ان قادة الدولة اليهودية اوضحوا انهم لن يقبلوا باقل من تدمير حزب الله كتهديد عسكري على امتداد حدودهم الشمالية. ان اسرائيل تستخدم معركة تم اختيارها من قبل حزب الله كفرصة لها، ليس لاستعادة الوضع الذي كان قائما، بل لتدمير تلك الحالة عن طريق ابطال امكانية حزب الله على الشروع في الدخول بتلك المواجهات. فهل تدعم الولايات المتحدة تلك الاهداف؟ تقول وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس بان عملية وقف اطلاق النار التقليدية لن تنفع؛ فالولايات المتحدة تريد"توقف العنف" الذي تعني به نزع سلاح حزب الله طبقا لفقرات قرار مجلس الامن 1559. لقد طالبت اسرائيل بان تقوم الحكومة اللبنانية بتطبيق القرار 1559، و لكنها لا تضمر اوهاماً من ان بيروت قادرة على القيام بذلك. لذا تقوم اسرائيل بشن حملة عسكرية لتحقيق ذلك الهدف، بشنها ضربات جوية في ما يمكن ان يكون عملية تهيئة لغزو ارضي يهدف إلى تدمير قدرات حزب الله الصاروخية في جنوب لبنان. استهدفت اسرائيل البنية التحتية لوسائل النقل لمنع الاسلحة و المقاتلين من الوصول إلى خط المواجهة، اضافة إلى مهاجمة مقرات القيادة المتحركة في الاحياء الشيعية من بيروت.
ان ضراوة رد حزب الله- حيث وصلت صواريخه إلى ابعد مما كانت اسرائيل تتوقع- لم يؤد الا إلى تعزيز تصميم اسرائيل على استخدام القوة لتصفية التهديد الصاروخي المسلط على مراكز استيطانها. و اوضحت اسرائيل ان ثمن اي هدنة هو نزع سلاح حزب الله بشكل دائم و موثوق.
الجيش اللبناني هو اضعف من ان يتمكن من منع حزب الله، برغم ان الاجماع الدولي يتمثل بوجوب انتشاره في النهاية حال نزع سلاح حزب الله. لقد دعا رئيس الوزراء البريطاني توني بلير و الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان إلى نشر قوات امن دولية لمنع حزب الله من مهاجمة اسرائيل، مما قد يسمح لاسرائيل بالانسحاب.
و لكن بما ان القوات الامريكية و قوات التحالف تتحمل حاليا وزر الانتشار في العراق و افغانستان، فقد لا يكون هنالك الكثير ممن يتقبلون القيام بمهمات قد تتطلب قتالا على شكل حروب العصابات. كما اوضح الاسرائيليون بانهم لا يتصورون نشر تلك القوات الا بعد ان تقوم اسرائيل بازالة حزب الله من مواقعه المتقدمة.
وربما ان الرئيس بوش، في تعليق صريح على توني بلير حول ما ينبغي ان تقوم به الامم المتحدة، قد كشف عن خيار اخر:" ان ما يحتاجون اليه هو دفع سوريا إلى الضغط على حزب الله من اجل الكف عن الاعتداءات و الامر بحكم المنتهي."
و لكن من غير المرجح بان تكون الولايات المتحدة و حلفاؤها الغربيون، الذين جعلوا من اخراج السوريين من لبنان هدفهم الاول خلال الاشهر العشرين الماضية، يميلون الان إلى دعوة دمشق كي تقوم بتكرار الدور التقليدي في الحفاظ على الغطاء على المليشيات المناهضة لاسرائيل (او في ازالة ذلك الغطاء عندما تتطلب مصالح سوريا ذلك). لم تنفع الخطب و التهديدات في اقناع سوريا من اجل تنفيذ مطالب الولايات المتحدة في العراق، و من المرجح بان دمشق ستكون بحاجة إلى حافز ملموس كي تقوم بدك اشياء في لبنان.
ان مقدمات الهجوم الاسرائلي قد بينت ان العمل العسكري بامكانه القيام بالواجب، او خلق ما يكفي من الضغط على الاخرين لجعلهم يقومون بالعمل. ترى اسرائيل، و من المحتمل الولايات المتحدة ايضا، ان مجرد مسالة وجود جيش راديكالي قوامه ليس اكثر من 1000 مقاتل متفرغ يعني انه يقوم باخذ كامل لبنان رهينة. و لكن تجارب الماضي تشير إلى انه، و حتى ان اجبر على تغيير بعض تكتيكاته، الا انه من غير المرجح ان يتم تدمير حزب الله بواسطة العمل العسكري لاسرائيل.
و ذلك نابع من طبيعة حزب الله المزدوجة: فهو في نفس الوقت يمثل قوة الحركة الشعبية الشيعية في لبنان. تلك القاعدة السياسية- فالشيعة يمثلون اكبر جالية دينية منفردة في لبنان- ستجعل من مسالة انهاء حزب الله مهمة في غاية الصعوبة. وكما تعلمت الولايات المتحدة من الثمن الذي تدفعه في العراق، فان التمرد الذي يحظى بدعم واسع من جالية حتى وان كانت صغيرة لا يمكن تصفيته عسكريا-و ان محاولة اللجوء إلى ذلك الطريق، مثلما حدث في عملية تدمير الفلوجة لا يمكن ان يؤدي الا إلى تعزيز الدعم الذي يتمتع به التمرد.
ان اختيار حزب الله للمعركة الحالية جاء لتنفيذ مصالح ليست بالضرورة متطابقة مع المصالح اللبنانية- استجابة لدعوة الشارع العربي لمعاقبة اسرائيل بسبب ضربها للفلسطينيين، او ربما عرض للعضلات نيابة عن طهران في وقت يقترب فيه عرض الموضوع النووي على مجلس الامن. لقد تم توجيه نقد علني لاعمال حزب الله من قبل قادة السنة، و المسيحيين و الدروز في لبنان، و لكن طالما ان تلك الافعال تحظى بدعم القاعدة الشيعية، فان مناوئيه سيجدون صعوبة في عزل الحركة عن المشهد السياسي اللبناني.
من المعروف ان هنري كيسنجر قد لاحظ، في ذروة حرب فيتنام، ان" مقاتل حرب العصابات يربح اذا لم يخسر. و الجيش التقليدي يخسر اذا لم يربح." و نفس الشيء ينطبق على اسرائيل وحزب الله. فاذا ما عاش حزب الله لكي يدخل في معركة اخرى، فانه قد ربح، ليس في عيون مسانديه فقط، الذين سيهتفون لبسالته في مقاومة الحملة الاسرائيلية، و لكن ايضا في عيون القيادة العسكرية الاسرائيلية. لذلك فان اسرائيل ستصعد من عملياتها قبل ان تتراجع. فهي تعلم بان الدبلوماسية ستسود في النهاية، و ليس من مصلحتها الاحتفاظ بسيطرتها على جنوب لبنان.
لذلك فان هدفها يتمثل في تصفية قدرات حزب الله العسكرية الاساسية على الارض قبل سريان اي هدنة. كما ان حزب الله لا يبدي اي اشارة على التراجع.
وفي الحقيقة، قد يقوم الان باطلاق اكبر قدر ممكن من صواريخ ترسانته العسكرية(رغم ان المسؤولين الاسرائيليين يقولون انه قد استخدم حتى الان اقل من عشر ما لديه) قبل ان يقوم الهجوم الارضي الاسرائيلي بتحييدها عن طريق دفع قواته في منطقة عازلة.
ان حزب الله قد امتلك فن الدخول في حرب عصابات ضد الوحدات المدرعة الثقيلة الاسرائيلية خلال الثمانية عشر عاماً من الاحتلال، و التي تمكن خلالها من قتل اكثر من 1000 جندي اسرائيلي. ان افتراض اسرائيل مبني على اساس امكانية تصفية حزب الله عسكريا؛ و يعتقد حزب الله بان ارتفاع الخسائر بين المدنيين و تدمير البنية التحتية للبنان ستقود في النهاية إلى تدخل دولي يجبر اسرائيل على التراجع.
ومن المرجح ان يقوم كل طرف بتعريض افتراض الاخر إلى اختبار النار في الايام القادمة.


لبنان ينزف والعالم ينظر إليه

كتابة: انتوان لاجورديا
ترجمة: عبد علي سلمان

عن: صحيفة الديلي تلغراف

أذرف دمعة على لبنان، البلد الجميل الذي دمرته حرب ليست من صنعه. فبعد معاناة دامت لخمسة عشر عاماً في حرب أهلية. شهد لبنان أخيراً انسحاب القوات الاسرائيلية عام 2000. وبعد سنين خمس انسحبت القوات السورية. وبعد أن استعادت بيروت نكهتها القديمة، عادت أشباح الماضي مجدداً: الإسرائيليون والسوريون والأمريكان والإيرانيون كل يخوض حروبه على التراب اللبناني متلاعباً بحياة اللبنانيين.
لبنان "الأبيض" انقلبت ألوانه إلى الأحمر الدموي وإلى الأسود المحترق.وتدعي إسرائيل، تدعمها في ذلك أمريكا، أن قصف لبنان ومحاولة سحق حزب الله هي لمصلحة لبنان. أما إيران وسوريا فهما في منتهى السعادة حين يقومان بتموين الصراع داعمين حزب الله ويقاتلان إسرائيل حتى آخر لبناني. وإذا كان لبنان يحترق فإن خط وقف النار على مرتفعات الجولان هو الأكثر هدوءاً على الحدود الإسرائيلية.
وهناك مخاطر من أن ينتشر الصراع ليشمل سوريا وآخرين. وللوهلة الأولى فإن لا أحد من اللاعبين يرغب بانتشار المعارك خارج حدود لبنان.
والآن فإن تأثير ما يحدث في لبنان والقتال الذي تم نسيانه في قطاع غزة والذي كان سبباً لبدء الأزمة، سيكون لهما نتائج بعيدة على المنطقة. وقد ألقى اجتماع دول الثمانية باللوم على حماس وعلى حزب الله مباشرة وعلى سوريا وإيران اللتين ترعيانهما ضمناً. وجاء في بيان قمة الثمانية "لا يمكن السماح لهذه العناصر المتطرفة ولا لأولئك الذين يساندونها بزج الشرق الأوسط في الفوضى والتحريض على توسيع الصراع. وعلى أولئك المتطرفين إيقاف هجماتهم فوراً".ويجب أن يرقى هذا إلى ما يمكن اعتباره البديل الأفضل للبيانات الإسرائيلية العالمية خلال عقد في الأقل.والباعث على هذا التصريح هو الخوف من انتصار حماس وحزب الله ويعرف الزعماء العرب ذلك أيضاً. ولهذا السبب كانوا يعصرون أيديهم ألماً على معاناة لبنان لكنهم بالمقابل لم يفعلوا شيئاً لإيقاف إسرائيل، بل إنهم تمتموا بانتقاد "مغامرة" حزب الله، ورأت إسرائيل أن هذه الحرب هي فرصة لتغيير المفهوم الذي يعتبر أن انسحاب إسرائيل من لبنان عام (2000) وانسحابها من غزة عام (2005) كان دلالة ضعف. فيما أمريكا تنزف بشدة في العراق بسبب المتمردين المدعومين من سوريا وإيران. وهي تشعر بضعف قدرتها على التعاطي مباشرة مع أعدائها في المنطقة. وتقوم دمشق (بتحريك) المشكلة ولذا بات العالم يناشدها المساعدة وليس إيقاف "التحريك".
ولبنان يشوش خطوط الفصل المعتادة في المنطقة: الشق بين العرب والإسرائيليين وبين الحكومات الراديكالية والمتحالفة مع الغرب.
وقد تطلب عقدين من إسرائيل المنهكة لتغادر لبنان. ولعل أمور أمريكا وبريطانيا لا تسير بصورة حسنة. وفي كل الأحوال، فإن أمريكا اختارت البلد الخطأ. ذلك أن التهديد الأكبر في الشرق الأوسط يتأتى من إيران أن إزاحة صدام حسين جعل نظام رجال الدين في إيران أكثر جرأة وشجعه لتسريع برنامجه النووي. وإذا كان الاتفاق مع إيران وحلفائها من المتطرفين صعباً هذه الأيام فإنه سيكون مستحيلاً. ذلك أن إيران سلحت نفسها بالسلاح النووي. وكانت الفكرة الكبيرة للرئيس بوش "للحرب على الإرهاب" هي إحلال الديمقراطية في الشرق الأوسط. فإعطاء الحق بانتخاب المسلمين لحكوماتهم سيجعلهم يشيحون بوجوهم عن المتطرفين أعداء العرب. ولكن وعند التطبيق فإن الذين منحوا هذا الحق قاموا بانتخاب المتطرفين. فالعراق أصبح في يد أحزاب دينية. وازدادت أعداد الناخبين لحزب الله. وحقق الأخوان المسلمون تقدماً كبيراً في مصر. وتسلمت حماس السلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وهكذا عادت الولايات المتحدة وإسرائيل إلى استخدام القوة وإن نجاحاً على حزب الله أصبح أمراً مهماً. ولكن من الصعوبة معرفة ما الذي سيشكل "نصراً" صريحاً.
ربما تستطيع إسرائيل تدمير عدد لا باس به من صواريخ حزب الله. وحتى قتل البعض من قادته المسؤولين المختبئين في ملاجئ محصنة تحت الأرض في الضاحية الجنوبية في بيروت لإضعاف المنظمة. والقادة العسكريون واثقون من أنهم سيكسبون الحملة العسكرية إذا منحوا الوقت الكافي. لكن الوقت يلعب ضد إسرائيل بسبب اندلاع الاحتجاجات العالمية ضد توريط المدنيين وزيادة احتمالات سقوط القنابل التي توجه توجيهاً خاطئاً على بنايات تكتظ بالمدنيين فكل ذلك سيقلب المغامرة العسكرية إلى كارثة سياسية. ومع مرور وقت أكبر فإن حزب الله المنهك سيعيد تشكيل نفسه ويبدأ من جديد دورة العنف.
أما قوة التدخل الدولية التي اقترحها توني بلير فهي أما ستكون غير فعالة، حالها في ذلك حال القوة الدولية الحالية، أو أن تحاول تحدي حزب الله، والمخاطر ستغير من نفسها لهدف على شاكلة الهجومات التي أخرجت إسرائيل من لبنان.
ولعل أفضل فرصة للنجاح تكمن في الجهد السياسي والدبلوماسي. ولكن ذلك سيكون تحمل عناء لمسافة طويلة. والبعض من الساسة اللبنانيين يحملون حزب الله الآن مسؤولية جر البلد إلى حرب لا طائل من ورائها، وذلك بمهاجمة إسرائيل خلف الحدود التي عينتها الأمم المتحدة. ومهمة العالم هي تقوية هؤلاء الساسة اللبنانيين ودعم حكومة بيروت لتثبيت سلطتها ومد سيطرتها إلى جنوب البلاد ونزع سلاح حزب الله الذي هو حكومة داخل حكومة.
وبذل المزيد من الجهد الدبلوماسي الموحد سيكبح سوريا ويجبر إيران على التراجع عن برنامجها النووي. مع تثمين الجهود لحل النزاع الإسرائيلي
الفلسطيني الذي يلهب حماسة المتطرفين في كل مكان.ومن الصحيح أن العالم يتوجب عليه أن يخبر إسرائيل أن عليها الانسحاب من الأراضي التي احتلتها، لكنه عليه في الوقت نفسه أن يجبر الفلسطينيين على إيقاف إرسال الانتحاريين والصواريخ إلى إسرائيل.
ويجب على إسرائيل التراجع إلى حدود معترف بها دولياً من أجل السلام. ولكن السلام سيكون ممكناً إذا كانت هذه الحدود مقدسة إلى أبعد حد. وذلك هو جوهر القضية في غزو لبنان.

 
 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة