مدن الأمازون المفقودة
ترجمة / عادل العامل
يمكن لآثار الطرق،
والجسور، والساحات القديمة التي تم اكتشافها في غابة
البرازيل الاستوائية ان تساعد على تبديد الانطباع الشائع
عن امازون "لم يمسه احد" قبل وصول الاوروبيين. فقد عثر
علماء الآثار، في جنوب البرازيل، على بقايا شبكة من
المجتمعات المدينية التي ضمت كما يظهر سكانا اشد قوة. وكما
يقول الباحثون، فان الناس الذين سكنوا هناك قد غيروا
مشهدهم المحلي بصورة دراماتيكية.
ففي
اقليم زينغو الاعلى من الامازون الجنوبي، وسط البرازيل،
اكتشف مايكل هيكينبيرغر من جامعة فلوريدا وزملاؤه بقايا
طرق انشئت قبل قرون، تربط كما يبدوا شبكة من القرى الكبيرة
فيما يظهر انها شبكة خطوط منظمة بعناية، وقد قام السكان
انذاك وهم اسلاف الزينغويين اليوم، بحفر قنوات للري حول
القرى، وبناء جسور، وخنادق في مناطق تتميز بالرطوبة
العالية، وحرثوا قطعا كبيرة من الارض.
ويبدو ان ليس هناك فعليا جزء من هذا المشهد كان بريا حقا،
او "اصليا باقيا على حاله". بل ان بعض المناطق المكسوة
بالغابات يمكن ان تكون اقرب الى متنزه كبير منها الى غابة
لم يقربها احد، كما قال هيكينبيرغر.
ومع ان حشودا من الحيوانات والنباتات تزدهر في منطقة
الامازون، فقد كان هناك اعتقاد طويل الامد بان البيئة هناك
معادية جدا للاستيطان البشري الواسع، واعتقد علماء الاثار،
بوجه خاص، بان نوعية التربة فقيرة جدا بحيث لا يمكنها ان
تدعم الزراعة المكثفة التي ستكون ضرورية لاسناد سكان
بمستوى هام من العدد او الحجم وقال هيكينبيرغر ان الانطباع
العام عن الامازونيين الاصليين باعتبارهم "بدائيي العصر
الحجري المجمدين عند فجر الزمن"، لم يتغير إلا قليلا على
مدى القرون القليلة الماضية. "وكانت هناك صورة مفعمة
بالاعتزاز بان الامازون طبيعة نقية. والمشكلة هي ان لدينا
القليل جدا من الحالات الجيدة القائمة على التجربة
والاختبار التي تبصرنا بما كانت عليه منطقة الامازون عام
1492 بطريقة او بأخرى".
وفي السنوات الاخيرة، يعيد الآثاريون النظر في وجهة نظرهم
عن الامازون ويثيرون احيانا مناقشات مريرة بشأن الاتساع
الذي اتسم به استيطان البشر للارض هناك، وقد كان السبب
الأساس للاخلاف هو الافتقار الى دليل مادي جيد، كما قال
هيكينبيرغر.
فالبيان المكتوب الاول الذي يشير الى الكويكورو
Kuikuro
وهم جماعة فرعية من
الزينغويين عمل معهم هيكينبيرغر لعقد من الزمن ، يعود الى
العام 1884. لكن وفقا لتاريخ الكويكوردو الشفهي، فان
الاوروبيين الذي واجهوهم كانوا مستعبدين، عام 1750 تقريباً.
ويقدر الباحث وزملاؤه بصورة غير نهائية ان تعداد سكان
الاقليم كان بعشرات الالاف، لكن سحقتهم العبودية والامراض
الوبائية. وفي خمسينيات القرن الماضي، كان هناك منهم فقط
500 زينغوي. وبتلك الاعداد المتناقصة من الامازونيين
الاصليين، وقلة الادلة الملموسة عن حضاراتهم السابقة،
استنتج الباحثون الزائرون للامازون بوجه عام ان شعب
المنطقة كان على الدوام عبارة عن قبائل "بدائية"صغيرة تركت
القليل من الاثر على بيئتها.
وقد عثر الباحثون في حينه على 19 مستوطنة اربع منها مراكز
رئيسة. وكانت مبنية حول مساحات دائرية كبيرة، مع طرق تخرج
منها عند زوايا معينة، مكررة من ساحة الى اخرى تليها. وقد
استدلوا من خلال التعاون مع اثنين من رؤساء الكويكورو، على
ان المعالم المهندسة المميزة للمشهد كانت جميعها تتضمن
عناصر من فهم الكويكورو للكون باكمله، فاتجاهات الطرق
والمنشآت الاخرى مرتبة وفقا لاتجاهات الشمس والكواكب، على
سبيل المثال.
وكانت الطرق في المستوطنات القديمة بسعة تصل الى 50 متراً
وهو عرض الطريق العام الحديث ذي الاربعة ممرات، وتحيط بها
حواجز كبيرة. وذكر الباحثون ان الطرق كانت تربط المستوطنات،
كل ثلاثة الى خمسة كيلومترات، على امتداد شبكة واسعة ،
وكان هذا النوع من التخطيط يتطلب القدرة المتطورة نسبيا
على تكوين زوايا على امتداد مسافات كبيرة.
|