المكتبة الاجنبية

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

الفشل الذريع

المؤلف توماس ريك
مراجعة ميشيكو كاكوتاني
ترجمة مفيد وحيد
عن نييورك تايمز

عنوان الكتاب الجديد المنتقد للحرب الاميركية في العراق " الفشل ذريع" يبين وجهة نظر توماس ريك، مراسل البنتاغون الاقدم في صحيفة الواشنطن بوست، وهو يقيم في كتابه قرار ادارة بوش في احتلال العراق وادارتها إلى الحرب والاحتلال. وتقدم صور المؤلف عن هذه الحرب مثالا على التعالي الخاطئ وعدم القدرة فيها كل ذلك يتم مع مقدار كبير من الوصف والادلة الحية والمقنعة. وبحقيقة غنى المصادر التي يأخذ منها المؤلف من داخل الجيش الاميركي والخط الزمني الذي اتبعه الكتاب (مبتدئا من تصريحات الادارة الحادة حول صدام في حادثة 9/11 ثم الغزو والاحتلال، إلى الصراعات التي حدثت بعد ذلك). كتاب "الفشل الذريع" كتاب ضروري لكل شخص مهتم بمسألة كيف دخلت اميركا الحرب في العراق،وكيف ادى الاحتلال الفاشل إلى نفخ بالون التمرد وكيف اثرت تلك الاحداث في مستقبل العمليات العسكرية في العراق.ورغم ان كتبا اخرى رسمت مشاهد الحرب بشكل اكثر رعبا وكآبة او رسمت صورا اكثر عن الحرب الا ان هذا الكتاب يعطي صوراً صارمة وواضحة عن المشروع المأساوي الذي واجه الجيش الاميركي،بشكل ينفصل عن التقييمات المبكرة،وبأسلوب يتميز ببساطة التناغم والامتداد. كتب السيد ريكس " ان قرار الرئيس جورج بوش باحتلال العراق في 2003 يمكن ان يشكل واحدا من اسوأ التصرفات في تاريخ السياسة الاميركية الخارجية،وان نتائج هذا الخيار لن تكون واضحة لعقود من الزمن ". رغم انه من الواضح في منتصف عام 2006 ان قرار ذهاب الحكومة الاميركية إلى الحرب لم يكن مصحوبا بدعم دولي كبير،و اعتمد على معلومات مثل- اسلحة الدمار الشامل وارتباط نظام صدام بمنظمة القاعدة- ثم احتلال البلد بطريقة فاشلة. مات فيها الاف من الجنود الاميركان وعدد غير محدد من العراقيين.وانفقت مئات البلايين من الدولارات، اغلبها صرفت بطريقة خاطئة، ولم تثمر الديمقراطية في العراق والمنطقة بعد. كما ان الصراعات الداخلية والاقليمية قد أدت إلى ارتفاع اسعار النفط وإلى صدمة اقتصادية عالمية، ورغم ان العديد من الكتب ناقشت فترة ما قبل الحرب الا ان السيد ريكس سرد باسلوب مختصر مؤكدا على هذه الفترة" التي وضعت المقدمة غير المتوازنة للاحتلال الفاشل الذي تبع ذلك" انه يذكرنا حينما وصل التهديد الذي شكله صدام، اكدت الادارة الاميركية حينها بشكل ثابت "على اسوأ الاحتمالات" حتى مع اختلاف الامر على الارض عند الغزو"بطريقة افضل" وترتبت عليها النتائج اللاحقة لاحتلال البلد التي أدت إلى فشل الخطط في مواجهة الواقع بعد الاحتلال، والفشل في توفير العدة والعدد. يعتمد اسلوب السيد ريكس على سرد معلومات عن مئات المقابلات واكثر من 37 الف صفحة من الوثائق وعلى تقييمات البنتاغون لواقع الحرب بعد مواجهة تأزمات الواقع مع قادة لواء المشاة الاميركي الثالث، صرحت مصادر في البنتاغون وقتذاك" لا توجد خطة واضحة لاعادة القانون في بغداد، وتم تشكيل حكومة مؤقتة واعادة عمل موظفي الخدمات الضرورية، والتأكد من صلاحية الجهاز القضائي. ويكتب المؤلف في صفحات ذلك الكتاب كمراسل ومحلل، تدعمها الكثير من وجهات النظر في ملاحظات صحفيين آخرين وكتاب سابقين، ان الرئيس بوش تجاهل بشكل روتيني نصائح الخبراء(سواء اكانوا عسكريين ام دبلوماسيين ام خبراء في الشرق الاوسط) وان تصميم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد على مواصلة الحرب بقوة سريعة وبعدة خفيفة ادى إلى عجز في قدرة الجيش الاميركي لاعادة النظام والقانون في عراق ما بعد سقوط النظام، وان التناقض بين العسكريين في البنتاغون وبين العسكريين في سلطة الائتلاف عرقل قابلية تنفيذ سياسة الولايات المتحدة. والفشل في احتواء التمرد كان له نتائج قاسية مع استمرار المعارك. وحيث ان الحرب في العراق (كما تنبأ ووفل ويتز ستدفع مصاريفها من خلال عائدات النفط) وكلفت دافعي الضرائب الاميركان خمسة بلايين كل شهر في عام 2004 و2005، وان البلد الذي عاش الاضطراب اصبح بديلا عن افغانستان في تدريب جيل جديد من الارهابيين.وكتب السيد ريكس بان جيش الولايات المتحدة وجد نفسه في موقع ستراتيجي" يشبه موقف الاتحاد السوفيتي في افغانستان في الثمانينيات". ولم تكن الحرب فقط هي التي دفعت الجيش الاميركي إلى النقطة الحرجة بل انها حولته إلى اتخاذ" خيار وقائي غير ضروري عن الحرب" خلقت جبهة جيدة في الشرق الاوسط لمواجهة التطرف الاسلامي وعكس الاهتمام بعيدا عن توفير الأمن على ارض الولايات المتحدة ضد هجمات اخرى لمنظمة القاعدة. الحرب" لم تكن شاملة" بمقارنتها مع الحرب العالمية على الارهاب بل انها " انعطفت عنها"


صوت معارض

اسم الكتاب: يقظة ايران
اسم المؤلفة: شيرين عبادي
عرض: لورا سيكور
ترجمة: فاروق السعد
عن / النيويورك تايمز

في عام 1978، عندما تصاعدت حمى الثورة، دعا روح الله الخميني من منفاه في العراق الايرانيين إلى طرد الوزراء من مكاتبهم. التحقت عندها شيرين عبادي(كان عمرها واحداً وثلاثين عاما، اول قاضية في ايران) بزملائها في الهجوم على مكتب وزير العدل، الذي لم يكن موجودا هناك. وبدلا منه، وجد النشطاء الشباب قاضيا مسنا جالسا وراء طاولة و محدقا فيهم بدهشة. "أنتِ" هكذا صرخ، عندما شاهد عبادي من بين المتامرين." انت من بين كل الناس، لماذا انت هنا؟ الا تعلمين بانك تساندين اناس سيقومون باخذ وظيفتك إذا ما صعدوا إلى السلطة؟" كان رد عبادي"انك محق حد العظم" كما تذكر في "يقظة ايران". " افضل ان اكون ايرانية حرة على ان اكون محامية مستعبدة" كانت الموافقة على قاضية انثى امرا مفيدا للثوار، الذين كانوا يحاولون طمأنة النساء الايرانيات حول نواياهم الرحيمة. و لكن فيما بعد، في العام اللاحق، و حال ما نجح رجال الدين في الاطاحة بالشاه و توطيد سلطتهم، كانت مكانة عبادي الوظيفية قد انحطت بسبب كونها امراة، في الاول إلى كاتبة و من ثم إلى سكرتيرة في نفس قاعة المحكمة التي كانت تلعب دور الرئيس فيها. و من ثم اكد لها زملاؤها الثوريون، بانهم سينهمكون بسرور حول حقوق المراة. و لكنهم فيما بعد لم ياتوا. و في احد الايام من عام 1980 ظهر قانون العقوبات الاسلامي- الذي تم تبنيه بين عشية وضحاها و بدون مناقشة. اهتاجت عبادي غضبا عندما قرأت في إحدى الصحف. كانت حياة المراة تساوي نصف حياة الرجل في عين ذلك القانون. و كانت العقوبات الاجرامية والعلاقات بين الجنسين قد عادت إلى ما قبل 1400 عام. " كانت الحالة المزرية هي انه ينبغي علي ان امضي بقية حياتي اقاتل النظرة المتدنية عني." كما كتبت. فبالتعاون مع الصحفية الموهوبة (ازادة موفيني) كتبت عبادي، التي اصبحت عام 2003 اول ايرانية، وأول مسلمة تفوز بجائزة نوبل للسلام، مذكرات عن تاريخ مرحلة ما بعد الثورية في ايران و عن ذكريات حميمة صادقة. انها سريعة التأثير، مقتصدة، و تفاصيلها مختارة بعناية ولا يمكن نسيانها. كما انها عبارة عن قصة تحيط بالخيارات القاسية التي تواجه اؤلئك الذين يعيشون و يناضلون من اجل التغيير ضمن الجمهورية الاسلامية الايرانية. هنالك شيء واحد لم تكن عبادي تتوقعه من قانون العقوبات الاسلامي و هو انه قد القى بظلال من الغموض على زواجها." ففي اليوم الذي تزوجنا، جواد و انا، التحمت حياة كل منا مع حياة الاخر كشخصين متساويين" كما كتبت. " و لكن طبقا لهذه القوانين" ظل هو شخص و تحولت انا إلى ممتلكات منقولة. فقد سمحت له بطلاقي حسب هواه، والحصول على حق رعاية اطفالنا المستقبليين، وامتلاك ثلاث زوجات و حشرهن معي في البيت." كانت تعلم بان زوجها لم يكن لديه اية نية للقيام بتلك الاشياء، و لكن فقدان حالة التوازن في القوى بينهما قد سبب لها اضطرابا عقليا. و في النهاية توصلت إلى حل: اخذته إلى دائرة الكاتب العدل، حيث قام هنالك بالتنازل عن الحقوق الجديدة التي منحتها اياه الجمهورية الاسلامية. " لماذا تفعل هذا؟" سأله الكاتب العدل بدهشة." ان قراري لا رجعة فيه" هكذا اجاب زوج عبادي." اريد انقاذ حياتي." كان العقد الذي اعقب الثورة مزيجا من الحرب و القمع. و بالنسبة إلى عبادي، كان قبل كل شيء مؤشرا على عملية السجن السياسي و مقتل احد افراد العائلة. وروت ذلك المشهد بمزيج من الغضب و الحدس الذي سيعيدها إلى ممارسة القانون في التسعينيات، حيث كان قادة ايران في تلك الفترة قد ادركوا حاجتهم إلى محاميات اناث و اساتذة قانون. لقد اخذت عبادي على عاتقها اكثر حالات حقوق الانسان عنادا. فقد انغمست في عملية قراءة النصوص الدينية لكي تجادل بشكل ضد تفسيرات معينة حول الوصايا القرآنية عن طريق الاصرار بانه ضمن الاسلام، هنالك المزيد من الحقوق او انه لايمكن ان يوجد الا نسبة اقل من التفسيرات حول التمييز بين الجنسين. لم تفعل ذلك بسبب كونها متحمسة لقانون العقوبات الاسلامي او لفكرة التفسير الديني كاساس للقانون، بل لان قضاياها كانت ملحة و لكن غرورها الفكري لم يكن كذلك. تمثل عبادي عائلة زهرة كاظمي، و هي صحفية ايرانية- كندية قتلت في مركز اعتقال تابع للشرطة عام 2003. و كانت هي نفسها قد تعرضت للاعتقال عندما كانت تدافع عن طالب تعرض للضرب إلى حد الموت على ايدي المليشيات خلال مسيرة احتجاجية في 1999 . عندما كان عدد من المثقفين قد تعرضوا إلى القتل في ظروف غامضة اواخر التسعينات. اخذت عبادي على عاتقها واحدة من ابرز هذه الحالات، بالترافع عن الطفلين درويش وبرفانه فوروهار، وهما ثنائي كانا قد اغتيلا في بيتهما، ولقد واجهت عبادي التفويض الرسمي باغتيالها هي ذاتها. تعد عبادي شخصية متميزة، وكانت تكتب عن خياراتها في الحياة بطريقة طبيعية و واضحة. ليس لان الاخرين من دائرتها قد اختاروا جميعا المخاطرة بحياتهم وحريتهم. فالعديد من اصدقائها، كما تتذكر بحزن وغضب، قد هاجروا خلال الحرب العراقية-الايرانية. وهنالك اخرون ارتبطوا بالنظام او دخلوا ميدان القضاء الذي سمح لهم بالابتعاد عن السياسة. اما بالنسبة إلى عبادي، فقد كان الخيار الوطني الوحيد يتمثل في البقاء و ان الخيار الاخلاقي الوحيد كان في النضال ضد ظلم داخل نظام كان قد اتخذ منه قانونا. كانت كل تلك الجهود محبطة للامال. فالعديد من قضايا عبادي بقيت بدون حل، و ان الكثير من القوانين التي حاولت تغييرها مستمرة إلى يومنا هذا. ومع ذلك، فمن خلال عملها قامت بالقاء الضوء على بعض من اكثر ممارسات الجمهورية الاسلامية سوءاً. فبعملها هذا قدمت امالا ليست بالقليلة لأولئك الذين كانوا يعترضون على النظام القضائي و الذين كانوا يفضلون العمل في الظلال. يتمنى المرء بان هنالك المزيد من المعلومات عن القضايا ذاتها، الاستراتيجيات التي استخدمتها في الدفاع عن زبائنها و تعقيدات المحاكمات. ففي العديد من الحالات لم نخبر حتى عن كيفية انتهاء الاجراءات القانونية، هذا ان كانت قد انتهت اصلا. تكتب عبادي بانها تحتفظ بتلك التفاصيل إلى الكتاب القادم، و لكن غيابها هنا كان ملفتا للنظر. وان ما حصلنا عليه هي صورة معقدة و مثيرة لحياة جرت في الحقيقة، كما يمكن لفاكلاف هافيل ان يضعها، ضمن القيود المرهقة للنظام السياسي الذي كان يهدف إلى نشر السلبية. كانت عبادي على بينة تماما من التسويات التي فرضت عليها عندما كانت تعمل على لجم تجاوزات النظام القانوني الاسلامي. و من النافع الاستشهاد بها بالتفصيل في هذه النقطة، لانها توضح سمو حركة الاصلاح داخل ايران التي كان يسخر منها من قبل الاسلاميين و الغربيين على السواء على انها مستكينة جدا في الجهة الاخرى. في الوقت الذي تتحدث فيه واشنطن بسذاجة و طموح عن تغيير النظام في ايران، تقدم قصة عبادي تذكرة بليغة من ان العمل من اجل العدالة ضمن نظام غير عادل لا يسمح دوما باتخاذ موقف خلقي وحيد ومقنع. فهي تكتب:" لقد صادف باني كنت مؤمنة بعملية الفصل العلمانية بين الدين والحكومة لان الاسلام وبشكل اساس، حاله حال اي دين، عرضة للتفسيرات. فهو يمكن ان يفسر لغرض قمع النساء او يفسر لتحريرهن.... فمن خلال تجربتي كمحامية ومعرفتي للحدود الثابتة لمحاولة طمس الحقوق الثابتة في مصادر تفتقد معاني و تعاريف ثابتة. و لكني مواطنة ايضا في الجمهورية الاسلامية، واعلم بتفاهة مقاربة المسألة باية صيغة اخرى. ان هدفي لا يتمثل في التعبير عن ادراكي السياسي و لكن في الدفع من اجل ايجاد قانون لانقاذ العائلة كتلك التي تنتمي اليها ليلى"_ الطفلة التي اغتصبت ومن ثم قتلت- " من ان تصبح مشردة في سعيها لتمويل ولاعدام قتلة ابنتهم. ان كنت مجبرة على البحث في كتب عتيقة عن الفقه الاسلامي و الاعتماد على مصادر تشدد على اخلاق المساواة بين البشر في الاسلام، عندها فلتكن هكذا. هل ان هذه الطريقة صعبة؟ بالطبع انها كذلك. و لكن هل هنالك من ميدان معركة بديل؟ إذا ما أزحنا الرغبات جانبا، فاني لا ارى اي بديل".


الحرية والعدالة للجميع

عنوان الكتاب: زين الأصلي
مجموعة لقاءات بين هوارد زين وديفيد بارساميان.
العرض بقلم: ميرل روبن
ترجمة: هاجر العاني.

عن / لوس انجلس تايمز
عند سماع صوت (هوارد زين) من جديد في هذه الصفحات، مؤيد العدالة الاجتماعية والاقتصادية، لا يكون المرء واثقاُ هل يطلق هتافاً مذهلاً بالموافقة أم يهز رأسه خائفا إلى حد كبير، ففي الوقت الذي يبدو فيه من المثير التركيز على حالات الصعود والهبوط المستمرة في الوول ستريت، أكثر بكثير من الاهتمام بالأوضاع الاقتصادية المحفوفة بالمخاطر التي تـُـضعـِـف من عدم قدرة العوائل المتوسطة الدخل على تحمل تكاليف السكن والعناية الطبية والضروريات الاخرى، فأنه من المثير الاستماع إلى رجل يفتختر بأن يطلق على نفسه اسما ليس ليبراليا او تقدميا وانما اشتراكيا.
ومع ذلك فأن ما يبعث على بعض التشجيع ان هوارد، كحال الكثير من أبطال القضايا اليسارية الآخرين، تولى عدة مناصب فيها عيب خطير
ربما مضادة لأمريكا، وبالنسبة لأولئك الذين يتشاركون في هذه الآراء فكلما يحدث خطب في العالم تكون امريكا هي الملامة بشكل ما، وفي كل تدخل عسكري امريكي، حتى لو كان ضد الطغاة وإلى جانب المظلومين، يكون دائماً عملاً خاطئاً.
خدم زين كطيار امريكي في اوربا خلال الحرب العالمية الثانية ومن خلال تجربته في قذف القنابل على الاهداف المدنية، وصل إلى حالة تشبه حالة اتباع عدم العنف لغاندي (مثل غاندي، وفي تجاهل تام لمصير نيفيل تشامبرلين في صنع السلام غير المجدي في ميونيخ، يبدو ان زين يؤمن بأنه كان من الممكن ايقاف هتلر دون اللجوء إلى العنف).
ولعب هوارد زين، الناشط الاشتراكي والكاتب المسرحي والمؤلف الخصب للكثير من الكتب، وبشكل بارز كتاب
" تاريخ شعب الولايات المتحدة "، دوراً بارزاً في الحقوق المدنية في الستينيات والحركات المناهضة للحرب، والآن في الثمانينات من عمره، وهو استاذ فخري في جامعة بوسطن، استمر في كونه مؤيداً للقضايا التي يؤمن بها.
وكتاب " زين الاصلي " عبارة عن مجموعة من اللقاءات الاذاعية التي اجراها له بين عامي 2002-2005 ديفيد بارساميان مخرج البرنامج الاسبوعي " الاذاعة البديلة "، ويضم الكتاب كذلك كلمة هوارد زين التي القاها عام 2005 في كلية سبيلمان في اطلنطا حيث بدأ، قبل نصف قرن، عمله كأستاذ تاريخ إلى ان وقع في المتاعب مع المسؤولين في الكلية وفقد عمله عام 1963.
وعند الحكم عليه من خلال الكثير من هذه اللقاءات، قد يقول المرء ان هوارد زين كان يكرس الكثير جداً من جهده لتوجيه اللوم للحرب في العراق إلى أمريكا، رغم انها قامت باسقاط طاغية مثل صدام وبمنح شعب ذلك البلد انتخاباتهم الديمقراطية الاولى في تاريخهم، وعندما يصل الامر إلى مراقبة قيمة العدالة الاقتصادية والاجتماعية، كان زين، مع ذلك، يبذل جهده ليتبع نصيحة مارتن لوثر كنغ الابن النصيحة الهامة المنسية في أحيان كثيرة. يوجد الآن يوم عطلة بأسم زعيم الحقوق المدنية العظيم، وتوجد تفاصيل في الكتب المدرسية عن دوره في انهاء التمييز العنصري وفي ضمان حق التصويت للامريكيين الافارقة، الا أنه من النادر ان يذكر ان في وقت اغتياله المأساوي في ممفيس عام 1968 كان كنغ هناك لدعم إضراب عمال الصحة في المدينة، وكذلك كان كنغ قد أصبح منتقداً لحرب فيتنام وكان يوسـِّـع تركيزه للتعبير بحرية عن الفقراء والعاملين من كل الاعراق.
وسواء كان كنغ يتحرك نحو الاشتراكية، كما يعتقد زين (بالتأكيد لم يكن شيوعياً، رغم كل شكوك الـ اف.بي.آي الغربية)، فانه كان مناصراً لنوع من برامج (الاتفاق الجديد) و (المجتمع الكبير) السياسات التي أفادت الأمريكيين، ويـَـعجب زين، كالكثير منا، من سبب وقوع هذا النوع من السياسات في تشويه السمعة هكذا، ويخشى من ان الأمريكيين متعودون على المعاناة من " فقدان الذاكرة التاريخية ".
وهو يقترح أنه من بين فوائد قراءة كارل ماركس هو تعلم النظر تحت سطح الصدامات السياسية والثقافية فوق النزاعات الطبقية قائلاً " السؤال المهم الذي ينبغي طرحه في اي وضع هو، مـَـن المستفيد من هذا وأية طبقة تستفيد من هذا؟ فلو كان الامريكيون يفهمون هذا المفهوم الماركسي للطبقات ما كانوا ببساطة سيعملون ما تعمله الصحف وهو وضع مجمل القضية بـِـلـُـغة العموميات والقطع الضريبي او الزيادة الضريبية، دون اشارة إلى الطبقة التي سيضرها هذا القطع الضريبي والطبقة التي ستنتفع بهذا الارتفاع في الضرائب ".
ومع ذلك لا يأخذ زين بنظر الاعتبار بشكل كافٍ، ان الكثير جداً من الامريكيين لا يفهمون المفهوم الماركسي للطبقية، وحجر العثرة هنا له علاقة بالخرافة الامريكية الباقية التي مفادها أننا نعيش في مجتمع لا طبقي، وكأغلب الخرافات، لهذه الخرافة أساس من الصحة، ففي هذا البلد لا يوجد نبلاء بالوراثة ولا من ذلك الصنف الموجود في اوربا، في الواقع في ثقافتنا الشعبية الجماعية التي يهيمن عليها السوق يعتمد المصممون فيها على ثقافة الشوارع بحثاً عن الازياء، أما الشبان الاغنياء ذوو الامتيازات المفرطة فيقلدون لهجة وتصرفات افراد العصابات.
ولكن ما يعنيه زين بـ " الطبقية " هو الطبقية الاقتصادية أكثر منها الاجتماعية او الثقافية، ويشير إلى ان الامريكيين كثيراً ما يخفقون في تفهم مصلحتنا الذاتية الاقتصادية، مع وجود نتيجة ان اعداداً لا تحصى من الاشخاص في الطبقة الوسطى والطبقة العاملة يكونون مرتاعين من ضرائب الارث التي من المحتمل ان يتوجب عليهم دفعها في اي وقت، فالمفهوم الاقتصادي " للطبقية " يتقاطع عبر الحدود العرقية والثقافية والتعليمية، جاعلاً من المكافحين من الفنانين والمدرسين والميكانيكيين ورجال الشرطة والباعة والموظفين بدوام جزئي وفئة المتقاعدين بمدخولات ثابتة،وجعلهم منتمين إلى " الطبقة " نفسها لأنهم كلهم يتأثرون بنفس الطريقة بالتكاليف المرتفعة وتضرهم الخدمات العامة الهابطة وفرص التوظيف وضمان العمل وفقدان الراتب التقاعدي والمنافع الطبية والمنافع الاخرى.
وبالتالي، وبرغم نقاط الكتاب غير الواضحة فأن " زين الاصلي " كتاب مثير وقيّـم ليس لتذكيرنا فقط بأن الحقوق الاقتصادية بنفس أهمية الحقوق السياسية وللتحذير من أخطار نسخة من رأسمالية غير منظـَّـمة بشكل متزايد بل كذلك، لإلتزام هوارد زين ذلك الالتزام المتين بالمبدأ الليبرالي العتيق الطراز،القائل بأن العدالة لكل الجنس البشري تهمّ المواطنين أكثر من أساليب سياسة الهوية، فضلاً عن ذلك فأن اعتقاده الصادق والمـُـقنـِـع، الذي مفاده ان الاشخاص العاديين يمكنهم احداث فرق، يقدم ترياقاً باهراً للتشاؤم والقنوط اللذين أصبحا ميزتين بارزتين في مشهدنا السياسي.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة