الحرية والعدالة للجميع
عنوان الكتاب: زين
الأصلي
مجموعة لقاءات بين هوارد زين وديفيد بارساميان.
العرض بقلم: ميرل روبن
ترجمة: هاجر العاني.
عن /
لوس انجلس تايمز
عند سماع صوت (هوارد زين) من جديد في هذه الصفحات، مؤيد
العدالة الاجتماعية والاقتصادية، لا يكون المرء واثقاُ هل
يطلق هتافاً مذهلاً بالموافقة أم يهز رأسه خائفا إلى حد
كبير، ففي الوقت الذي يبدو فيه من المثير التركيز على
حالات الصعود والهبوط المستمرة في الوول ستريت، أكثر بكثير
من الاهتمام بالأوضاع الاقتصادية المحفوفة بالمخاطر التي
تـُـضعـِـف من عدم قدرة العوائل المتوسطة الدخل على تحمل
تكاليف السكن والعناية الطبية والضروريات الاخرى، فأنه من
المثير الاستماع إلى رجل يفتختر بأن يطلق على نفسه اسما
ليس ليبراليا او تقدميا وانما اشتراكيا.
ومع ذلك فأن ما يبعث على بعض التشجيع ان هوارد، كحال
الكثير من أبطال القضايا اليسارية الآخرين، تولى عدة مناصب
فيها عيب خطير –
ربما
–
مضادة لأمريكا، وبالنسبة
لأولئك الذين يتشاركون في هذه الآراء فكلما يحدث خطب في
العالم تكون امريكا هي الملامة بشكل ما، وفي كل تدخل عسكري
امريكي، حتى لو كان ضد الطغاة وإلى جانب المظلومين، يكون
دائماً عملاً خاطئاً.
خدم زين كطيار امريكي في اوربا خلال الحرب العالمية
الثانية ومن خلال تجربته في قذف القنابل على الاهداف
المدنية، وصل إلى حالة تشبه حالة اتباع عدم العنف لغاندي
(مثل غاندي، وفي تجاهل تام لمصير نيفيل تشامبرلين في صنع
السلام غير المجدي في ميونيخ، يبدو ان زين يؤمن بأنه كان
من الممكن ايقاف هتلر دون اللجوء إلى العنف).
ولعب هوارد زين، الناشط الاشتراكي والكاتب المسرحي والمؤلف
الخصب للكثير من الكتب، وبشكل بارز كتاب
" تاريخ شعب الولايات المتحدة "، دوراً بارزاً في الحقوق
المدنية في الستينيات والحركات المناهضة للحرب، والآن في
الثمانينات من عمره، وهو استاذ فخري في جامعة بوسطن، استمر
في كونه مؤيداً للقضايا التي يؤمن بها.
وكتاب " زين الاصلي " عبارة عن مجموعة من اللقاءات
الاذاعية التي اجراها له بين عامي 2002-2005 ديفيد
بارساميان مخرج البرنامج الاسبوعي " الاذاعة البديلة "،
ويضم الكتاب كذلك كلمة هوارد زين التي القاها عام 2005 في
كلية سبيلمان في اطلنطا حيث بدأ، قبل نصف قرن، عمله كأستاذ
تاريخ إلى ان وقع في المتاعب مع المسؤولين في الكلية وفقد
عمله عام 1963.
وعند الحكم عليه من خلال الكثير من هذه اللقاءات، قد يقول
المرء ان هوارد زين كان يكرس الكثير جداً من جهده لتوجيه
اللوم للحرب في العراق إلى أمريكا، رغم انها قامت باسقاط
طاغية مثل صدام وبمنح شعب ذلك البلد انتخاباتهم
الديمقراطية الاولى في تاريخهم، وعندما يصل الامر إلى
مراقبة قيمة العدالة الاقتصادية والاجتماعية، كان زين، مع
ذلك، يبذل جهده ليتبع نصيحة مارتن لوثر كنغ الابن النصيحة
الهامة المنسية في أحيان كثيرة. يوجد الآن يوم عطلة بأسم
زعيم الحقوق المدنية العظيم، وتوجد تفاصيل في الكتب
المدرسية عن دوره في انهاء التمييز العنصري وفي ضمان حق
التصويت للامريكيين الافارقة، الا أنه من النادر ان يذكر
ان في وقت اغتياله المأساوي في ممفيس عام 1968 كان كنغ
هناك لدعم إضراب عمال الصحة في المدينة، وكذلك كان كنغ قد
أصبح منتقداً لحرب فيتنام وكان يوسـِّـع تركيزه للتعبير
بحرية عن الفقراء والعاملين من كل الاعراق.
وسواء كان كنغ يتحرك نحو الاشتراكية، كما يعتقد زين
(بالتأكيد لم يكن شيوعياً، رغم كل شكوك الـ اف.بي.آي
الغربية)، فانه كان مناصراً لنوع من برامج (الاتفاق
الجديد) و (المجتمع الكبير) السياسات التي أفادت
الأمريكيين، ويـَـعجب زين، كالكثير منا، من سبب وقوع هذا
النوع من السياسات في تشويه السمعة هكذا، ويخشى من ان
الأمريكيين متعودون على المعاناة من " فقدان الذاكرة
التاريخية ".
وهو يقترح أنه من بين فوائد قراءة كارل ماركس هو تعلم
النظر تحت سطح الصدامات السياسية والثقافية فوق النزاعات
الطبقية قائلاً " السؤال المهم الذي ينبغي طرحه في اي وضع
هو، مـَـن المستفيد من هذا وأية طبقة تستفيد من هذا؟ فلو
كان الامريكيون يفهمون هذا المفهوم الماركسي للطبقات ما
كانوا ببساطة سيعملون ما تعمله الصحف وهو وضع مجمل القضية
بـِـلـُـغة العموميات والقطع الضريبي او الزيادة الضريبية،
دون اشارة إلى الطبقة التي سيضرها هذا القطع الضريبي
والطبقة التي ستنتفع بهذا الارتفاع في الضرائب ".
ومع ذلك لا يأخذ زين بنظر الاعتبار بشكل كافٍ، ان الكثير
جداً من الامريكيين لا يفهمون المفهوم الماركسي للطبقية،
وحجر العثرة هنا له علاقة بالخرافة الامريكية الباقية التي
مفادها أننا نعيش في مجتمع لا طبقي، وكأغلب الخرافات، لهذه
الخرافة أساس من الصحة، ففي هذا البلد لا يوجد نبلاء
بالوراثة ولا من ذلك الصنف الموجود في اوربا، في الواقع في
ثقافتنا الشعبية الجماعية التي يهيمن عليها السوق يعتمد
المصممون فيها على ثقافة الشوارع بحثاً عن الازياء، أما
الشبان الاغنياء ذوو الامتيازات المفرطة فيقلدون لهجة
وتصرفات افراد العصابات.
ولكن ما يعنيه زين بـ " الطبقية " هو الطبقية الاقتصادية
أكثر منها الاجتماعية او الثقافية، ويشير إلى ان
الامريكيين كثيراً ما يخفقون في تفهم مصلحتنا الذاتية
الاقتصادية، مع وجود نتيجة ان اعداداً لا تحصى من الاشخاص
في الطبقة الوسطى والطبقة العاملة يكونون مرتاعين من ضرائب
الارث التي من المحتمل ان يتوجب عليهم دفعها في اي وقت،
فالمفهوم الاقتصادي " للطبقية " يتقاطع عبر الحدود العرقية
والثقافية والتعليمية، جاعلاً من المكافحين من الفنانين
والمدرسين والميكانيكيين ورجال الشرطة والباعة والموظفين
بدوام جزئي وفئة المتقاعدين بمدخولات ثابتة،وجعلهم منتمين
إلى " الطبقة " نفسها لأنهم كلهم يتأثرون بنفس الطريقة
بالتكاليف المرتفعة وتضرهم الخدمات العامة الهابطة وفرص
التوظيف وضمان العمل وفقدان الراتب التقاعدي والمنافع
الطبية والمنافع الاخرى.
وبالتالي، وبرغم نقاط الكتاب غير الواضحة فأن " زين الاصلي
" كتاب مثير وقيّـم ليس لتذكيرنا فقط بأن الحقوق
الاقتصادية بنفس أهمية الحقوق السياسية وللتحذير من أخطار
نسخة من رأسمالية غير منظـَّـمة بشكل متزايد بل كذلك،
لإلتزام هوارد زين ذلك الالتزام المتين بالمبدأ الليبرالي
العتيق الطراز،القائل بأن العدالة لكل الجنس البشري تهمّ
المواطنين أكثر من أساليب سياسة الهوية، فضلاً عن ذلك فأن
اعتقاده الصادق والمـُـقنـِـع، الذي مفاده ان الاشخاص
العاديين يمكنهم احداث فرق، يقدم ترياقاً باهراً للتشاؤم
والقنوط اللذين أصبحا ميزتين بارزتين في مشهدنا السياسي.
|