الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

قبل الحرب، بعد الحرب.. ثنائية القمع والحرب قبل غزو الكويت  (1-2)

زهير الجزائري

توقفت المدافع بعد حرب السنوات الثماني مع ايران  وتوقفت الصواريخ التي تدك المدن والطائرات المغيرة التي تخلط اللحم الادمي بقضبان الحديد. توقفت الحراب المتقابلة  والتحام القاتل بالقتيل. توقفت الكوابيس التى تقض مضاجع الامهات خوفا على الابناء. هل يبدا الفرح اذن ؟ من المنطق ومن سجية القلب ان يخرج الناس للشوارع ابتهاجا بعودة الابناء الذين اجبروا على ان يكونوا (مشاريع دائمة للشهادة). ولكن بعد فرح اللحظة الاولى اختلط الفرح بالتوجس. وقد يكون الانكار بعضا من دهشة الفرح. ولكن هذه الحرب كانت في جانب منها تصريفا للقمع المسلط على شعبين واشغالا للضحية بعدو اخر. ولذلك تداخلت الحرب والقمع حتى تعذر ايجاد الفاصل المعرفي بينهما: ايهما السبب , وايهما النتيجة؟

وقد كان النظام اكثر ارتيابا بهذه الهدنة القلقة.. ففي فترات الهدنة، وحين يهدا الصراخ يبدا العقل دورته : من التذكر الى التوجع الى الاسئلة فالاحكام... وفي الهدنة يبدا حساب القتلى والاحساس بالفراغ المؤلم الذي تركوه... ويرتفع السؤال لماذا حدث الذي حدث، ولماذا عدنا الى نقطة الصفر بعد حرب كلفتنا 300 الف قتيل وجريح ؟

ويدري الذين اشعلوا الحرب ان كل سؤال يحمل الادانة والوضوح الذي يسبق القرار. ولذلك يبقون الحرب احتمالا قائما وسببا للطوارئ.. وتوحي لغة الوعيد التي رافقت مفاوضات جنيف بان عمر الفرح قصير ولذلك (ينبغي للحذر ان ياخذ مكانه) كما قال وزير الاعلام.. وخلال ذلك يخلطون عصيدة الحرب الدامية بمغرفة القمع خلطا سريعا ليشوشوا العقل بالاحقاد العاجزة واختلاط السبب بالنتيجة.. ينقلون الحرب من الجبهة الى الداخل لتهديد العقل وارغامه على قبول الذي حدث باعتباره قدرا لا مفر منه او (اختبارا لارادة امة) كما نصت عقيدتهم.

الهدنة القلقة

لقد خرج النظام من حرب الثماني سنوات بجيش بلغ تعداده المليون، اغلبه من جيل قضى شبابه في الخنادق او في المعارك قريبا من الموت. واذا كان النظام قد نجح في ابعاد مخاطر الحرب الايرانية عن الوضع الداخلي باستخدام المساعدات المالية الخليجية الكبيرة في تحقيق توازن نموذجي بين (المدافع والزبدة) بحيث حققت الطبقات الصاعدة ارباحا خيالية من خلال القطاعات العسكرية، فان وعود الرفاه بعد نهاية الحرب ستصبح موضوع امتحان صعب في جو الازمة الاقتصادية القادمة، خاصة للعسكريين العائدين من الجبهات للحياة المدنية  بانتظار حصة من الرفاه الذي وعد به النظام. وما كان في خزينة النظام لا يكفي لتوفير فرص عمل مقنعة للجنود الذين سيسرحون ولا اية امكانية لمكافاة الاف الضباط الذين سيرون في جو الهدنة علائم رفاه الطبقات الجديدة التي كانت تغرف الملايين بينما كانوا يبددون شبابهم في الحرب.

ولعل حادثا عارضا اعطى النظام تحذيرا واضحا من مخاطر عودة الجيش الى المدن.. ففي اوائل ايام الهدنة من عام 1988 تجمع في كراج النهضة الاف الجنود الذاهبين الى والعائدين من وحداتهم في الجبهة خلال اجازات العيد..هناك فوجئوا بان السيارات التي اعتادت نقلهم قد توقفت عن العمل بلا سبب في محاولة لرفع الاسعار.. الرغبة الحراقة في رؤية الاهل بعد اشهر من الحياة على حافة الموت والاحساس بضيق الزمن والقهر من بطر المجتع المدني والسخط على قوات الشرطة التي بقيت ساكنة ازاء عذابات الجنود، ووراءها هذا العنف المتجمع نتيجة للقهر الذي عاشه الجنود على الجبهات.. كل ذلك تجمع في هذا المكان وبين الحشد العسكري المتجمع خارج انضباط الوحدات. وكان الامر بحاجة الى صرخة تحريض واحدة ليهجم الجنود على سواق الحافلات ونقطة المخابرات فيها وقوات الشرطة المحمولة التي جاءت لحل المشكلة، لينتزعوا السلاح منها ويطلقوا النار على القوات الخاصة التي اعترضتهم.. ولتهدئة الوضع وصلت قوة خاصة من القصر لتخبر الحشد الغاضب بان الرئيس قد امر بتوفير سيارات خاصة لنقلهم الى حيث يريدون. وقد وصلت السيارت فعلا، ولكن لتنقلهم الى معتقلات خاصة.. كان هذا الحادث تحذيرا خطيرا من امكانية انفجارات اخرى. ولذلك  بدا النظام يعمل بسرعة في سباق مع الزمن معدما اية فرصة لعودة الجيش الى ثكناته القريبة من المدن. فقرارات التسريح التي صدرت معطلة بقيت معطلة عمليا بانتظار شيء ما. فمن موقع قريب من النظام يقول سعد البزاز في كتابه (حرب تلد اخرى) كانت هناك رؤيتان تحكمان الموقف من الجيش بعد انتهاء الحرب : (الاولى ترى ان بقاء جيش بهذه السعة والضخامة والتسليح من دون فعالية هو ضرب من تعطيل لجزء حي من قدرة الشعب وطاقته.. ولذلك لابد من واجب ميداني وفعالية لهذا الجيش، والا تحول الى عبء على المجتمع كله، واصبح بالتالي مصدر قلق للنظام السياسي والنظام الاجتماعي... الثانية تذهب الى ان بالامكان الحصول على النتائج التي يريدها العراق على مستوى السياسة الخارجية دون اللجوء الى استخدام قوته العسكرية بل بالايحاء بها والاعلان عنها، وجعلها قوة ردع تحقق توازن الرعب في جانب وتوفر مصدرا لجني مكاسب سياسية). مخرج النظام من هذه الهدنة القلقة تجلى بابقاء حالة الحرب داخليا وخارجيا. فخلال فترة الهدنة القصيرة بدات عملية تصفية الحساب مع سوريا على الساحة اللبنانية فارسلت دبابات سوبر تشر من وام 48 التي استولى عليها العراق في الحرب مع ايران الى القوات اللبنانية والطين ما زال في جنازيرها من الحرب السابقة، كما وصلت راجمات صواريخ وصواريخ ارض - ارض محمولة على شاحنات كبيرة، ومعها 70 ضابطا عراقيا كدفعة اولى لجعل دمشق تحت مرمى القوات اللبنانية... هذه الدفعة الكبيرة من الاسلحة ساعدت في خلق صدام حسين لبناني اقصر قامة، هو العماد ميشيل عون الذي اتبع اسلوب استاذه بتصفية الرفاق السابقين لمركزة القرار بيديه، احتقارا للحل السياسي والاعتماد على الدمار وسيلة لفرض الارادة السياسية.

لم تكن لبنان مجال التمدد الاخير بعد الحرب مع ايران، فقد وصلت الاسلحة العراقية والخبراء لدعم العقيد عمر البشير في فرض حل تدميري على المتمردين في جنوب السودان يشبه الحل العراقي في كردستان.

و قبل ان تتثبت الهدنة في الحرب مع ايران من خلال مفاوضات جنيف، وبينما القطعات ما تزال تحت الانذار في الجبهة، سحبت ثلاثة فيالق عسكرية وعشرات الالاف من (الافواج الخفيفة) الكردية من الجبهة الايرانية وتحولت الى قوة امن داخلية متجهة شمالا لخوض سياسة التطهير العرقي الشاملة في كردستان التي تمثلت مجزرة حلبجة وحملة الانفال.                

الدولة العسكرية

خلال الدورة المغلقة بين القمع والحرب ارتبط مشروع الدولة القوية بالخيار العسكري.. انه الحل الامثل للازمة الاقتصادية التي تجسدت بخسائر تقدر ب    452,6 مليار دولار  وديون تزيد على 70 مليار دولار. وبالعسكرة الشاملة يمكن حل ازمة الحزب الواحد بعد سلسة انهيارات الانظمة الشبيهة حيث سيحل انضباط الثكنة محل انضباط الحزب الواحد. وبدمج وزارة الصناعة بالتصنيع العسكري تركز حلم النظام على تحويل العراق الى مجمع اقليمي على غرار البرازيل والارجنتين. وبالتركيز على الصناعة الحربية يمكن مكافاة الجنرالات العائدين من حرب السنوات الثماني بتحويلهم الى رجال اعمال الدولة العسكرية. وقد تحكمت هذه العقلية العسكرية برسم تطور الدولة الحديثة وبرنامجها الاستراتيجي في استخدام العلم والتكنولوجيا: 22 الف مليون دولار خصصت للصناعة الحربية في الخطة التي تنتهي عام 1992 في وقت تحتاج فيه البلاد كل فلس لاعمار ما خربته الحرب. ورغم تراكم الديون اصبح العراق السوق الامثل والاكثر اغراء لتصريف الاسلحة التي ستكسد في الغرب بعد تخفيف الاستقطاب الدولي وحل المشاكل الاقليمية بالحوار.

ولكن العقل الارادوي الذي اراد الخيار العسكري وسيلة لفرض اسهامته في صناعة الاحداث، جاء في غير اوانه تماما. فالبرسترويكا السوفياتية وضعت احلام صدام حسين في الزاوية الحرجة.. ذلك ان اول مبادئ التفكير الجديد  هو نقد سياسة الحزب الواحد التي تقوم على دمج الناس بالدولة عبر الحزب في هرم صارم يجلس القائد الفرد في قمته. وقد جعلت من ستالين والستالينية ارثا كريها.. وبذلك حرمت انظمة الحزب الواحد، ومنها نظام صدام حسين، من المثال والقدوة. وقد كانت النتائج العملية التي تمثلت في سقوط انظمة الحزب الواحد في هنغاريا والمانيا وتشيكوسلوفاكيا تحذيرا للتلاميذ الصغار في العالم الثالث. ولكن الخطر اصبح جديا بسقوط نظام شاوشسكو الاكثر شبها بقوميته الاشتراكية  واعتماد حكم العائلة واشاعة التاليه الايماني للقائد.

وقد انعكس الوضع الدولي الجديد على العالم العربي بظهور اتجاهين :

اتجاه عام للتكيف مع الوضع الجديد والميل نحو حل المشاكل الاقليمية بالاساليب السلمية والحوار المباشر: قضية الصحراء بين الجزائر والمغرب، الصراع بين اليمنين الشمالي والجنوبي، الحوار السياسي في لبنان. سلسلة المصالحات في الشمال الافريقي: الجزائر والمغرب، الجزائر وتونس، ليبيا والمغرب ومصر وتونس، الحوار السوداني الاثيوبي...الخ

كما اتجهت العديد من الانظمة العربية،بشكل او باخر نحو التقليل من هيمنة الحزب الواحد والتقدم نحو التعددية : الجزائر تونس اليمن الاردن الكويت... وقد شمل الاتجاه نحو التعددية الانظمة الثلاثة التي تشارك العراق في الاتحاد الرباعي الذي تاسس في 19 شباط 1989،وهي مصر والاردن واليمن.

مقابل ذلك كان رد فعل النظام العراقي، كما هو الامر عند العديد من الانظمة العربية الاخرى، هو تطمين النفس والتظاهر بان ما حدث امر خاص بالانظمة الشيوعية ولا يصلح للتعميم. وقد تدخلت الارادوية هنا لتعزيز الثقة المفرطة بالذات. وبدات جريدة الثورة تنشر سلسلة من الافتتاحيات تستعيد الاصول النظرية لمعاداة الشيوعية لتقول ان البعث كان منذ البداية على بينة بالخلل في اصل النظرية الماركسية وتطبيقاتها الشيوعية التي تعلي المادة على الروح والاممية على الخصوصية المحلية.  وكان رد الفعل المتمم هو قيام النظم التي تجد نفسها ضد التاريخ ومشروعية الحاضر بالبحث عن ملجا في السلفية الدينية كما هو الامر مع نظام البشير في السودان، بينما اتجه التبرير العقائدي العراقي نحو القطيعة التامة مع الماركسية والتاكيد على خصوصية الواقع العربي باعتبارها محصنة ارادويا ضد تاثيرات الوضع الدولي.

ولتعزيز هذه الثقة اراد النظام العراقي ان يستبق الضغوط الخارجية والداخلية نحو شكل من التعددية. وقد اضيف للعوامل الخارجية عوامل داخلية فبعد انتهاء الحرب مع ايران انتهت مبررات استمرار حالة الطوارئ واصبحت الديمقراطية السؤال الاول المطروح على النظام. وبعد تفكيك مؤسسات الدولة وبيعها بالجملة والمفرد للقطاع الخاص تقلصت القاعدة الاقتصادية لمركزية الدولة المهيمنة على كل شيء ونشات برجوازية حول النظام تقدمت من المقاولات نحو الصناعة التحويلية. ولا تستطيع هذه الطبقة ان تؤمن نشاطا اقتصاديا مستقرا بدون نظام دستوري يحدد ويضمن صلاحياتها.

الديمقراطية ام الحرب ؟

ولذلك بدا النظام بمناقشة موضوعة التعددية في الاطار القيادي في الاشهر الاولى من عام 1989. ولكن اية خطوة نحو التعددية محكومة بمخاوف القيادة العراقية من اي تراخ في قبضة الدولة. والتجارب التي اجتاحت العالم تعطي النظام العراقي الحكمة المعكوسة.. فابتداء من شاه ايران وانتهاء بشاوشسكو، لم تتساقط انظمة الحزب الواحد، او انظمة الفرد الواحد نتيجة لانفجار الكبت الطويل الذي مارسته ضد شعوبها، انما لانها اجبرت في اللحظات الاخيرة على ان تفتح في جدار القمع ثغرة هامشية لم تستطع التحكم بها في النهاية. ومن هنا، كما يتصور العقل الامني، بدا الانهيار.. و كانت اجهزة الاعلام  العراقية تركز على احداث العنف في اعقاب انفلات الجماهير المكبوتة.. فتحت عنوان (طاعون الديمقراطية) كتب مدير التوجيه المعنوي عبد الجبار المحسن في جريدة (بابل) التي يصدرها عدي  صدام حسين (واتامل كما تتاملون شاشة التلفاز، وارى كما ترون ان العالم ليس سوى رواية ماساوية، او فلما من افلام الرعب صنعته يد فنان مقتدر.. فهذه شعوب قد دب الشقاق بين صفوفها فراح يقتل بعضها بعضا، طوابير من الدبابات يحركها البعض ضد البعض، ومدفعية ثقيلة يرمي بعضها البعض... فتتقوض البيوت على ساكنيها وتتهدم معالم الحضارة والتراث).... ويمضي الكاتب واصفا المشاهد اليومية المروعة التي يعرضها التلفزيون عن جثث قتلى، نساء ثاكلات، طوابير من مهاجرين بلا ماوى، جوع وتهالك على فرق الاغاثة الدولية... ثم يطرح السؤال (من الذي زرع هذا الطاعون ليجعل الموت غاية وخلاصا ؟) وجوابه الوحيد هو (طاعون الديمقراطية).. وينتهي الكاتب بالدعاء (ربنا لك الحمد ان وهبتنا صدام، وابقيت لنا صدام حسين، فلولاه لكنا المثال الاسوا بين هذه الصور).. من هذه المقدمة والتسبيب والاستنتاج النهائي نرى ان البديل الوحيد لعنف الدولة المستبدة هو عنف الحرب الاهلية الفالتة على غرار المثال اللبناني والايراني واوربا الشرقية، ودكتاتورية صدام حسين مقدمة كبديل وحيد للحروب الاهلية التي شملت معظم الدول التي سقطت فيها انظمة الحزب الواحد. ولذلك كانت القيادة العراقية  تستبعد تماما الـ(الديمقراطية على النمط الغربي) كما تقول مداخلة صدام في هذه المناقشة ،  وتتذرع بطبيعة المجتمع العراقي الذي لم ينضج بعد لمثل هذه الديمقراطيات (بسبب غياب الدولة الوطنية لمدة سبعمائة سنة في حدها الادنى، وهي الفترة الممتدة بين سقوط بغداد عام 1258 حتى العصر الحديث، اي ما يقارب الالف سنة من الضيم) تجعل من الخطر اعطاء الديمقراطية دفعة واحدة.. ولذلك فضل النظام تقديم وعد الديمقراطية على شكل اقساط بلا سقف زمني، انما مرهونة بتطور واقع الحال وزوال دوامة حالة الطوارئ المغلقة التي تحولت الى سبب ونتيجة في نفس الوقت. وكانت هذه الوعود هي مراوحة بين الخوف والخوف:                        

الخوف من ان تزداد ضغوط الواقع الخارجي والداخلي فيحدث المحذورالذي نبه صدام حسين قيادته اليه (ان ترغم ارغاما على ان تفعل شيئا اراده طرف من الاطراف خارجك وقبل ان تختمر فكرته الصحيحة في عقلك وينتقل الى التصرف في وقته الصعب).. يقابل ذلك خوف معاكس ينشا عند الاستجابة لهذه الضغوط، وانذاك يفلت كل المكبوت في قمقم القمع خارج سيطرة النظام..

شبح الحرب القادمة

وقد عاد الحديث عن الخطر الخارجي ليقترن هذه المرة بتفسير النظام الدولي الجديد.. مثل هذا الخوف شمل العديد من الانظمه التي كانت تجد في توازن الخطر بين معسكرين مصدر قوة وفسحة تحرك بين الاثنين... الوضع الدولي الجديد وضع هذه الانظمة امام خطر هيمنة خطر واحد... الحس الامني المرهف الذي يبحث في اي وضع دولي جديد عن مؤامرة  داخلية، اوحى لصدام حسين بانه سيكون المستهدف الاول في النظام الدولي الجديد وتقارب الكبار. ولهذا القلق ما يبرره.. فرغم ان الولايات المتحدة والغرب حرصوا على الاستفادة من طموحات صدام لتصريف انواع عديدة من الاسلحة بما في ذلك اسلحة الدمار الشامل الكيمياوية والنووية وحتى بالمعلومات المخابراتية التي تساعده على كشف المواقع الايرانية في مراحل الحرب الاخيرة، الا ان سياسة التسليح في المنطقة بقيت محكومة بالاسترتيجية الامريكية التي تريد ابقاء اسرائيل القوة الوحيدة المطلقة في المنطقة، ووضع الجميع، بما في ذلك اقرب الحلفاء العرب، تحت موقع محدد لا يتيح لهم تشكيل قوة مكافئة لاسرائيل. وستحكم هذه السياسة مصر والسعودية والاردن والعراق.. ولذلك ستصطدم طموحات صدام حسين بالتحول الى قوة اقليمية او قوة ثالثة في فترة تخفيف الاستقطاب بموقفين يلتقيان، بغض النظر عن الدوافع، بنقطة واحدة : عدم السماح لاية قوة جديدة يمكن ان تخل بالنظام الدولي الجديد. وقد استقر في ذهن النظام وجود مخطط امريكي لقلب نظام الحكم في العراق من خلال اغتياله شخصيا. وحسب سعد البزاز فان هذا الهاجس كان شاغل صدام الدائم في فترة ما بعد الحرب الايرانية، فكان  يبلغ ضيوفه العرب والاجانب بتخوفه من هذه المحاولة ومنم بريماكوف. بل ان صدام ارسل وزير خارجيته طارق عزيز، الذي كان في نيويورك في تشرين الاول 1989، ليبلغ نظيره الامريكي جيمس بيكر (انزعاج العراق من ضلوع الولايات المتحدة في  مؤامرة لاغتيال القيادة العراقية وتغيير نظام الحكم). وعزز هذا الخيال تقرير الكونغرس الامريكي الذي وصف النظام العراقي بانه الاكثر انتهاكا لحقوق الانسان في العالم. وفي شباط اصدرت وزارة الخارجية الامريكية تقريرها عن حقوق الانسان الذي يصف الوضع في العراق بانه (مروع). وقد دونت وثائق التقرير الحملة على القرى الكردية التي خلفت عشرات الالاف من القتلى و65 الف لاجئ.. كل هذه المعطيات حول المؤامرة حفزت حس النظام الامني، ولذلك تكررت كلمة (الامن القومي) 14 مرة في الخطاب الذي القاه صدام في قمة عمان التي ضمت رؤساء دول مجلس التعاون الاربعة التي عقدت في شباط 1990... وقد ركز في هذا الخطاب على خطورة عالم انكفا فيه القطب السوفياتي وبقي العالم العربي مكشوفا امام قطب امريكي واحد. وقد تجسدت مخاوفه بسيناريوهات محددة.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة