الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

عمارة القصب في جنوبي العراق أسلوب حياة وطراز عمارة عمره سبعة آلاف عام

د. علي ثويني / ستوكهولم / معمار وباحث عراقي

الأجمة أو البطائح أو (الأهوار) عالم حالم سحري  يتيه بين الحقيقة والخيال.لا يقرأ عنه إلا ما ندر. تجمعات شحيحة من البشر وسط خضرة البردي والقصب وزهور الزنبق المسترخي على سطوح المياه.. حالة غريبة من التوفيق بين جسد البندقية وروح الصحراء. يشعر المرء عند ولوج مجاهلها أن  الملائكة تحف به،  ففي هذا المكان كان النقاء سر الحياة،  ولبهاء البيئة أعمق أثر في النفوس. هنا تأمل السومريون وصنعوا أرقى نتاج للفكر الإنساني،  وهنا انطلق (ماني ) بدعوته البابلية المحبة للخلق والخالق، وهنا ولد أبو منصور الحسين حلاج النفوس وقطب التصوف على مدار الدهور،  ووسط تلك الأحراش أختبأ كل ثائر ومتمرد على الطغيان.

أسمها (هور) محليا يثير الكثير من اللغط، حيث وردت في التراث العربي الإسلامي باسم أجمة أو أجمة البريد أو البطائح. ويقول د. رشيد خيون في تفسير تسميتها: أسم الهور قديم،  و كانت معروفة قبل أن يتعرف سكانه الأصليين على العربية،  ولا تربطه رابطه بالمصدر الثلاثي هار،  وليس له علاقة بالانهيار. وفي معنى الهور قال ابن دريد : البحيرة تغيض بها مياه غياض وأجام (بردى وقصب ) فتتسع ويكثر ماؤها،  والهور القطيع من الغنم،  سمي به لأنه من كثرته يتساقط بعضه على بعض  (تاج العروس ). وقال ابن منظور: الهور (ماء لا يرى طرفاه من سعته،  وهو مغيض دجلة والفرات  (لسان العرب ). ولا نجد في هذين المصدرين الهامين ما يفيد تحت كلمة (الهور) من انهيار الجرف،  بقدر ما أشار إلى كيان جغرافي محدد.

و يعتقد د. رشيد خيون بأن كلمة هور قادمة من جذور آرامية من كلمة (حور)التي أصبحت (هور)  وتعني البياض بسبب لون صفحة المياه الغالبة حتى أن بعض الأهالي يسمون بعض الأماكن بـ(البياضة) والتي ولد بها الحلاج.وفي الفارسية اتخذت صفات الشمس والنجوم بسبب لونها الأبيض كذلك. وكلمة  الأجمة ترد بالآرامية بصيغة  ( ogmo   أجمو): وهو يعني حوض أو غدير، ووردت في نبوة أشعيا 44 :2.وفي فتوح البلدان للبلاذري وردت باسم (آجام البريد) ومثله نقل صاحب معجم البلدان وزاد : جمع أجمة وهو منبت القصب الملتف وقال الفيومي الشجر الملتف.  ويعزي من يأخذ هذا التفسير أن كل الأسماء التي تحيط بتلك المنطقة هي كلمات ارامية حرفت بقليل أو كثير الى أختها العربية،  وثمة مفردات لاتعد ولا تحصى من مفردات تلك اللغة مازالت ترتع بين ثنايا حكايا الناس بما تسمى اللهجة (الشرقاوية).

وتعتبر بيئة الأهوار من اكبر البحيرات في الشرق الأوسط وهي اقدم مأوى طبيعي في العالم،  و كانت تغطي مساحة بين15000- 20000   كيلومتر مربع ولكن ونتيجة لرعونة وقصر نظر سلطة البعث الساقطة أريد تجفيفها،  فتقلصت مساحتها إلى 2000 كيلو متر مربع.  أما السكان الذي كان عددهم نحو نصف مليون،  فقد هربوا إلى المدن والقرى القريبة، وولجوا حتى بغداد.

ويعود انخفاض الأرض هنا ومكوث الماء فيها الى حقب تاريخية موغلة في القدم فقد حدث في العصور الجيولوجية الساحقة أرتفاع أدى الى تكوين الجبال في شمالي العراق تزامن معه انخفاض حاد في تلك البقعة ابتداءا من منطقة تكريت شمال بغداد حتى مياه البحر، وثمة بحث يذكر أن الخليج العربي كان يبعد عام 4000 ق.م  مسافة 96 كلم جنوب مدينة بغداد. وقد حدث أن تراكم الطمي والطين القادم مع سيول الانهار وأدى الى تكوين برزخ مرتفع عزل منطقة الأهوار وهي اليوم محصورة بين مثلث قاعدته الى الشمال وأركانه مدن العمارة والناصرية وقمته مدينة البصرة. وقد أثبت ذلك عمليا أن مياه الخليج العربي قد أخذت بالأنحسار باتجاه الجنوب،  ولدينا ما يدلل على ذلك، حيث تذهب بعض النظريات إلى أن  مدينة (أور) التاريخية كانت يوما ما ميناء سومرياً تقع على شواطئه عند مصب نهر الفرات والأن تبعد مئات الكيلومترات عنه وعشرات عن الفرات وربما يكون أنسحاب الخليج لأسباب تعود إلى الترسبات، ولا غرابة في أن ماءها اصبح عذبا مع مرور الوقت.

والناس هنا هجين جميل من السحن والملامح التي تغزل بجمالها (كافين يونغ)، وأطلق المغامر البريطاني ولفريد ثيسيجر(1910-2003) على القوم هنا تسمية (عرب الأهوار) لكلامهم بلغة الضاد، ولتمييزهم عن (عرب الصحراء) الذين عايشهم، وغامر معهم في رحلته المشهورة بين المكلا وأبو وظبي. وقد أبدى عشقه بها كما حدث لتوماس من قبله ويونغ من بعده،  وقد  ورد ذلك في السياق نقد مبطن  للحضارة المادية،  حينما عبروا عن رفضهم  للنظام الكئيب والرتيب الذي أملته الحضارة الحديثة،  وأبدو تحمسهم لاستمرار (الأصالة البدائية) لتلك المجتمعات. وهكذا مكثوا أمناء لمشاعرهم،  و انتابتهم بين الأحيان حالة من الحنين (نوستالجية) لتك الأصقاع، ودونوا مشاعرهم المرهفة على صفحات القليل مما كتب عن الأهوار العراقية. وبالرغم من أن السواد الأعظم  للناس من المسلمين فأن ثمة بقية باقية من ملل الأيام العراقية الخوالي منهم (الصابئة المندائية) ممن مازال يحتفظ ببعض السمات الطقوسية القديمة مثل تقديسهم للماء  بما يشبه السومريين،  الذين كانوا قد خصصوا له آلهة تدعى (آنكي)، أو اعتقادهم بعالم الظلمات والنور، كما هي عقيدة أهل بابل و عقيدة الداعية ماني (213-277م).

ولم تثبت حتى اليوم أي دراسة أنثروبولوجية أصولهم البعيدة بشكل قطعي بالرغم أن بعض العلماء الغربيين أثبت التشابه بين بنيتهم الخلقية وبين الهياكل العظمية الباقية من أثار السومريين.وقال في ذلك د. أحمد سوسة (إنهم جماعة من السومريين الأوائل قد انفردوا في نمط حياتهم البطائحية الخاصة بهم حيث كانت الأهوار الشاسعة مقرهم وميدان تحركهم ). واليوم يطلق أسم  (السيامر) على بعض تجمعاتهم السكانية الواقعة في أقصى الجنوب، وإلى شمال البصرة ، حتى أن بعض الزوارق التي تستعمل مازالت تسمى (السيمريات). ويعتقد الكثيرون أنها متأتية من مصدر (سومر) كما ذهب الى ذلك عامر حسك في كتابه (أهوار جنوب العراق).و يطلق أسم  (سيمر) على النهر الذي يخترق منطقة (بشتكو) من الشمال حتى الجنوب ويصب في الكرخة،  بما يوحي بحدود سومر الجغرافية، ومن الجدير ذكره أنه موطن العراقيين (الفيلية) الحبلى لغتهم بالكلمات السومرية.

أن  اختيار هذه البيئة مسكناً لهؤلاء القوم جاء بسبب  سخائها،  فالقصب والبردي هو مصدر لا ينضب من مواد البناء وأدوات الاستعمال اليومي. آما صيد الأسماك وقنص الطيور فهو مصدر غذاء (بروتيني).ولا يكبح ذلك  طموحهم الزراعي حيث تقام هنا حقول واسعة لزراعة الرز(التمن العراقي) وعلى اليابسة نجد بساتين  أشجار النخيل والسدر ومزارع  الخضراوات التي تفي حاجتهم. ومما يفيض من إنتاجهم لهذه المواد،  يقايضونها في أسواق المدن والقرى القريبة مقابل الملبس والكماليات. وفيهم من يدجن البقر والأغنام والأهم الجاموس الذي يرتع في هذه البيئة المناسبة لفطرته، ليهبهم الحليب  ومشتقاته التي يقايضونها  مع سكان المدن.

ويعد استعمال هؤلاء القوم للقصب والبردي في بناء ديارهم تقليداً موروثاً منذ سومر وربما قبلها ولم يكن وليد اليوم وسابقة استجدوها،  فالقصب يستعمل في بناء بيوت وقوارب السومريين منذ سبعة آلاف عام، وربما ورثوه ممن سبقهم من الشعوب (الفراتية).و وجدت رقم طينية من الحفريات تؤكد ذلك،  وقد ورد في ملحمة كلكامش من تلك الحقبة (تعريب طه باقر) :

بيت من قصب البردي..يابيت من قصب القصب.

جدار..جدار بني من قصب البردي.

ياملك شورباك..ياإبن (أوبارو- توتو)

أهدم بيتك وشيد زورقاً.

ومما يؤسف له أن مادة القصب غير قابلة للبقاء في الطبيعة لتدلل على أثرها فهي بنت البيئة وتعود إليها دون أن  تترك بصمات يمكن أن تفيدنا في معرفة تاريخ وطبيعة البيوت التي بناها الأقدمون من هذه المادة.

لقد كان وقع هذه البيئة وبيوتها القصبية مستهجنا وغريبا على ما ألفه  الفاتحون العرب حيث قال عنها القائد عتبة بن غزوان (ليس هذه منازل العرب) . ومن الجدير بالذكر أن عتبة بن غزوان هو الذي أسس مدينة  البصرة ثم تلاه سعد بن أبي وقاص الذي انشأ مدينة الكوفة. وهاتان هما أول حاضرتين عربيتين مصرهما الإسلام،  وكانتا قد شيدتا بالقصب أول مرة عامي 636 و638م. وقد وقع اسم القصب  غريباً على مسمع  الخليفة عمر بن الخطاب (رض) الذي تساءل عن فحواه فقيل له ( العكرش إذا روى قصب فصار قصبا) فأعطاهم حرية الاختيار. وتذكر حوادث التاريخ بأن حريقا قد شب بعد عام من إنشاء تلك المدن  وألم بجل عرائشها،  وهذا الإشكال يعتبر من سلبيات هذا البناء،  وهذا الهاجس قد ترك أثره في حالة التوجس والحذر في السيكولوجية الاجتماعية هنا .

ومن الطريف أن مدينة البصرة ورد اسمها من كنه البناء في تلك البيئة، حيث حرف الاسم من مركب (بيت صرياثا) وبيت هنا تطلق على التجمعات الحضرية لكونها تسور مثل البيت الواحد، و (صرياثا)، ويقال لها (صريفة) اليوم، ومعناها العشة أو الكوخ المبني من القصب،  وهكذا أصبح المعنى (مدينة العشش أو الأكواخ المصنوعة من القصب).

والقصب مادة نباتية غير نفاذة للرطوبة والماء،  لدنة المراس مطواعة للإلتواء،  وكذلك متينة الطبع نظرا لوجود المفاصل العرضية  الداخلية  تكسبها صلادة وانتصاباً،  و إن احسن انواع القصب هو من نوع (القبارة) وتوجد له مناطق يعرفها الحاذقون من بنائي البيوت.وأن حزمة من القصب يمكنها أن تتحمل أثقال الشد المتوسط عليها

 والبناء هنا حذلقة إنشائية يوظف بها القصب كمادة أساسية للبناء. ويشاد الهيكل من الأساطين أو الأعمدة أو الصواري التي تصنع هنا من  عصب مجموعة غزيرة من القصب، ويطلق عليها أسم (شَبّة) ومجموعها (شباب ) وتضطلع بنقل العزوم الرأسية،  أما العزوم الأفقية الواردة من الرياح مثلا فتضطلع بتحملها حزم القصب التي تسمى  (الهطر)،  التي تربط بين الأعمدة. ثم يتم تغطية الهيكل البنائي بما يستر الفضاء المتكون ويعزله، ويستخدم لذلك نسيج متكون من خامة القصب تسمى بالعربية (الحصر العراقية) وتسمى محليا (البارية) ومجموعها (بواري )وهي ناتجة من  عملية نسج وتقضيب للقصب المشظى الى مجموعة من المساطر الرقيقة،  ونسج الحصيرة بعد  تقطيع القصبة بامتداد طولها إلى عدة شظايا). ويحاول صانعها أن يلغي الفراغات المحصورة بين شقائفها التي تعتبر الحذاقة بها مصدر فخر لصناعها.و تستعمل في تغليف البيوت القصبية و السقائف  كعنصر بناء غير نفاذ للماء.وهي منسوجة لعدد من  الأغراض والاستعمالات فهي أما حيطان أو سياج أوفرش لتكسي أرضية الديار،  أو تستعمل حتى في طبقات التسقيف في العمارة الطينية ووجدت في طبقات مباني العراقيين في سومر وبابل كمادة ماسكة لطبقات الطين أو مداميك الطوب كما في الزقورات. وما زالت تستعمل في العراق لاسيما الجنوبي منه وقد أتسع نطاق استعمالها حتى في الأقاليم المتاخمة للعراق مثل  الخليج  خلال عصر ما قبل النفط. واليوم نجد تلك الحصر وقد وضفت في صناعة الآثاث، وكخامة للديكور المنزلي.

و (البواري) كلمة ترد من مصدر اللغات العراقية القديمة بالرغم من زعم كتب التراث العربي بأنها فارسية. حيث ذكر (طه باقر) (معجم الدخيل من اللغة العربية-ص56) بأنها واردة من السومرية بصيغة (بورو Buru)   ثم وطأت الآرامية بصيغة (بوريا) ثم الفارسية بصيغة (بوريا) أيضا. وقال في هذه الكلمة (التاج) بأنه فارسي معرب وقال (القاموس) انه معرب من السريانية.وهي تعني العازل أو الحافظ وقد ورد ما يرادفها في العربية للدلالة على إحدى أسماء الله الحسنى (الباري).وقد نجد لها دلالات في اللغات الأوربية بما يعني الحماية أو العزل كما في الإنكليزية ( Barrier ).وهي تعني نفس المعنى. وهي مصنوعة من تسقيف القصب ونسجه بشكل مائل.

وتبنى البيوت بتلك الخامات وبنفس التقنية،  على اليابسة، لاسيما عند تخوم الهور أو ضفاف الأنهار. وهذا النوع من التجمعات يكون  أسهل بناءً وأقل مناعة.  أما النوع الأكثر إثارة وغرابة ومناعة هو نوع  المدائن أو القرى التي بنيت كمجموعة من الجزر الطافية على صفحة الماء الهادئة وسط مسطح (الهور)المائي. ويتم التحضير للجزر باختيار الموقع المناسب في وسط مسطحات الماء القريب من مصادر الرزق ناهيك عن عامل الأمان . ويتم صنع الجزيرة الإصطناعية من خلال عملية  ليّ حزم القصب والبردي وارقادها بحيث تتشكل في مجموعها مسطحا على صفحة الماء تمتد جذورها   في ارض البحيرة ثم يتم لاحقا نقل الطمي والطين من قاع البحيرة وتكديسه مع طبقات  البردي والقصب فوقها بأسلوب الدك،  حتى تصل إلى الارتفاع المناسب والمقاومة المناسبة لتلك الجزيرة الصناعية العائمة بما يطلقون عليها (جبيشة ) ومجموعها (جبايش) (ربما تكون قريبة من كبائس العربية). و عادة ما  يتركون فيها حفرا مناسبة لإرساء دعائم البيت المنظور. ويبلغ بعد الحفرة عن الأخرى بين متر ومترين لكي تغرس فيها  الأساطين لاحقا بعد أن تجف أرضها.

ومن مجموع هذا العدد من الجزر يتألف التجمع القروي الذي يصل أحيانا عشرات او حتى مئات كما في منطقة الصحين ومنطقة ( الجبايش) في الناصرية. وأن القرية من هذه تدعى (سَلَفْ) ومجموعها (سّلاف) وتكاد تختفي هده الجزر عند النظر إليها من الجو وربما كان هذا أحد مبررات منعتها بحيث أصبح الوصول إليها صعب المنال ويقتضى الأمر معرفة دقيقه بمسالك الماء المحصورة بين تجمعات القصب والبردي الذي يرتفع الى عدة أمتار، ويمنع الرؤيا.   ويمكن أن يكون  هذا أول أسباب اختيار تلك البيئة للحماية من الأعداء، وتذكر حوادث التاريخ الكثير من الشخصيات التي لاذت بتلك البيوت فرارا.

 وبعد أن يتم التحضير للبيت المزمع إنشاؤه،  على الجزيرة يشرع الجميع بعملية  حزم القصب بأقطار تتفاوت بحسب وسع الدار وأهميته ولكن عادة ما يكون قطرها بين 15 و20 سم ويصل حتى إلى 30 سم في حالة (المضائف) الواسعة وهذه الحزم  تشكل الهيكل البنائي للدار حيث تحزم بعد ذلك  بقوة، و بمعونة أربطة مصنوعة من قصب مشطر ملوي مثل الحبال يدعى (بنود ). وتكون هيئة تلك الأساطين  سميكة في قاعدتها وأقل سمكاً وصلابة وأكثر لدانة في طرفها العلوي لليها. وعند اكتمال العدد المطلوب الذي يكون عادة مكرر العدد 5 أو 7 وذلك بحسب السعه وتبعاً لما يرصد من أعمدة البيت التي تحدد سعة الدار. وتغرس الأساطين  في صفين محوريين متقابلين ومتناظرين. ويمثل البعد فيما بينها عرض البيت المزمع إنشاؤه ومجموع الأبعاد فيما بينها يشكل طول البيت. ويمتد توجيه البيت عادة من الشرق إلى الغرب ليتسنى لهم الاستفادة من الريح الغربي والشمالي الغربي البارد، ناهيك عن ولوج الشمس الى أعماقه.

يرفع  كل عمود وتغرز قاعدته السميكة في الحفرة المخصصة وتملا الحفرة بالتراب وتدك دكا قويا متقنا بأعمدة من خشب لضمان عدم ميل العمود،   ويكون  وضعه مائلا عادة إلى الوراء لأسباب ميكانيكية،  حيث يتم ثنيها باتجاه الداخل وذلك لتسبيق تحميله جهداً معاكساً. وتربط رؤوسها مع بعضها مكونة أقواسا هيكلية  تحضر لشكل القبو النهائي الذي تظهر به. وهذا المبدأ الإنشائي (المفصلية articulation) لربط حنايا الأعمدة من الوسط،  استعملت في الأزمنة المتأخرة لتنفيذ البناءات لاسيما في الهياكل المعدنية كما في (رواق المكائن Galarie de machin ) الباريسي.

وتجهز خلال هذا الوقت حزم القصب التي توصل أفقيا بين الأعمدة (الهطر) وطولها عادة بمقدار طول البيت فتكون روابط للهيكل تمنعه من الحركة أفقيا. ويتم ربطها بالأعمدة على مسافة لا تزيد على النصف متر بينها. و المهم أن تكون الحنايا متجانسة  بارتفاع واحد عن سطح البيت،  وأن يكون اسمكها واكثرها بأساً هو الذي يقع في منتصف تقويس الحنيات بحيث يكون متقاطعا مع كافة الأعمدة لأن العزوم  في هذا المكان تكاد تكون على اشدها. 

ثم تبدأ مرحلة التغليف أو (أعمال الإنهاء أو التشطيب) حيث  يصنع الجداران لسد فتحتي البيت الجانبيتين ويطلق عليها اسم (الكواسر) ويكون الباب في الفتحة الجنوبية من الصريفة أين الشمس الساطعة ساعات الصباح،  وقد يعمل على جانبي الباب مشبك  من القصب بشكل معينات تدعى (مشبج ) وتوحي كأنها (مشربية)،  ثم يكسى هيكل الدار كله بالحصران ( البواري )،  فتلقى أولا الحصر الجديدة فوق الهيكل بوجوهها اللّماعة  إلى الجهة السفلى ،  وتلقى فوقها طبقة تالية من الحصر القديمة المستخدمة سابقا والتي تشبعت بالرطوبة،  ثم تكسى فوقها بطبقة ثالثة من الحصر الجديدة وتثبت كلها بالـ (هطر) الخارجية للصريفة،   وتدفن أطراف الحصر السفلية الملامسة للأرض بالتراب لمنع دخول الهواء والمطر إلى داخلها. ثم يتم دفن أرضية البيت بالتراب الناعم النظيف،  وتدك جيدا وتسيج بالطين أحيانا وتفرش بالحصر كذلك ثم تفرش بالبسط والسجاد وترمى فوقها الوسائد والمخدات للاتكاء عليها.

ويمكن التفنن في تركيب(الصرائف) مع بعضها بحيث يشكل البيت شكل الحرف اللاتيني (T) أو  (I) في حالة تخصيص الحجرات للضيوف وللعائلة. ويمكن إقامة جزيرة مجاورة للأبناء لدى تكوينهم، و عند رغبتهم في الاستقلال. وأثاث المنزل عادة تتكون من دولاب خشبي بسيط (المحمل ) وتوضع فوقه أفرشة المنام خلال وقت النهار مكدسة فوق بعضها لتبقى نظيفة وتدعى هذه النضيدة ( الحواس ) وثراؤها مصدر فخر لأهل الدار. ويوجد أحيانا صندوق من الخشب المرصع يطلق عليه (فاتية) لخزن ما عز وغلا ثمنه وتزود الدار كذلك بزير الماء ( الكوز) وهي كلمة آرامية، ويكون مثبت على كرسي خشبي ومجموعة من الأواني الفخارية المستخدمة في خزن الحبوب والغلال وتسمى( السدانة).

ويتم النقل والتنقل ما  بين الجزر بقارب صغير يدعى (مشحوف ) أو اصغر يدعى (جلبوت) أما النقل الأبعد فيتم بقارب يدعى (البلم ). ولنقل بضائعهم تحمل بـ (المهيلة) أو(ام شراع أو عانية )  وثمة  قارب يزود بمحرك آلي يدعى (الماطور) وهذه واسطة بدأت منذ أقل من قرن وهي واسطتهم للاتصال بالمدن القريبة. و(البلم ) هنا من أكثر الوسائل شيوعا فهو ذو سعة تفي بعملية الصيد بواسطة الشباك للسمك أو للطير بنوعيها المهاجر والمحلي. ومن الجدير ذكره هنا بأن الناس على دراية واطلاع على بيئتهم بحيث أن  لكل نبتة أو نوع من الطين أو ما يدب  له اسم حتى اصبح  التواصل في حديثهم سلساً ولكنه معقد  لدى القادمين من المدن.

يعيش الناس هنا بألفة اجتماعية يحسدون عليها، وللمرأة في مجتمع الأهوار منزلة إستثنائية تتبع جهادها في العمل الإنتاجي. وتعج حياتهم بالروح التعاونية،  فبيوتهم تبنى جماعيا وحقولهم تزرع وتحصد جماعيا وصيدهم يتم جماعيا. والناس هنا على درجة من الصبر في شتحمل الصعاب. اما من الناحية الخلقية فهم رشيقوا القوام، أكتافهم عريضه، وسيقانهم طويلة وضعيفة،  وهم  أقوياء البنية. وبسبب تلك الألفة فان محياهم متفائل دائما والإبتسامة تعلوها علىالعموم رغم مصاعب الحياة.  ويقول في ذلك الأنكليزي جافين يونغ ( لو كانت الابتسامة دليل سعادة الإنسان فإني أجزم أن هؤلاء الناس هم اسعد ما في الأرض )،  ومن مزاياهم أنهم أصحاب مزاح ونكتة. أن زهدهم وصراحتهم وجودهم و مكارم أخلاقهم عالية،  وقد أطنب وأسهب  في ذكر ذلك (الفريد ثيسيغر).

لقد نالوا إعجاب كل من زارهم من الأجانب، ممن حفز في إعادة إكتشافهم من قبل مواطنيهم. وقد ذكرهم الكثيرون من الرحالة بإسهاب وإعجاب. ومنهم النرويجي (ثور هيردال) الذي اشاد بحضارتهم، ووصفها بانها ضرب من الحضارة الذي يسير متوازيا مع متطلبات الحياة، ليضمن ديمومتها، وعدم شيوختها وسقوطها، كما هو الحال مع كل الحضارات التي أنشأها الإنسان، والتي دبت اليها الشيخوخة، بعد رحلة النشوء والإرتقاء.

لقد نسي التاريخ وجودهم، لاسيما خلال الحقب التركية، ولم نجد في المدونات السلطانية، أي اشارة اليهم من بعيد او قريب. وفي الأزمنة الحديثة استمر الحال على ماهو عليه ماعدا التفاتات بعض المهتمين الأجانب. وحدث أن هاجر الكثير منهم الى المدن المتاخمة لأقليمهم خلال السبعين عاما الأخيرة، وتوج ذلك برحلات جماعية خلال عقد الخمسينات هربا من جور الإقطاع. بالرغم من أن نفوسهم أخذة بالتناقص بسبب الكوارث والأوبئة التي تأكل الحرث والنسل. وتوج ذلك بأنخراط أبنائهم في الخدمة العسكرية، وهو أول خروج لهم من أماكنهم إلى العالم الواسع.ثم جاء مسك الختام حينما جففت سلطة البعث الجاهلة الأهوار وسمم صدام ما تبقى من مائها. وتفتك بالناس  أمراض الملاريا والبلهازيا ولذلك فأن معدل أعمارهم منخفض وليس لديهم أي وعي صحي.

واليوم وبعد إعادة الروح إليها بعد أن عاد العراق إلى أهله،  نأمل أن تهتم الدولة بمصير الناس هنا، وتحاول أن تمد يد العون لهم في المكوث وتطوير ملكات و أساليب الحياة بما يحفظ بقاء تلك الثقافة التي مازالت ترتع في مكانها منذ أكثر من سبعة آلاف عام. ونأمل أن تكون (عمارة الصرائف) أسلوبا يستوحي منه المعماري العراقي، ناهيك عن إرساء أسس بنية تحتية سياحية تعتمد هذا الأسلوب البنائي وتكرسه وتطوره، مما سوف ينشط الحركة الاقتصادية في هذا الإقليم الباهي.

* معمار وباحث عراقي

thwanyali@hotmail.com

 


الفنانان التشكيلي السوري عبود سلمان.. الحياة التشكيلية مليئة بالأوصياء الذين يحاربون الجمال

دمشق ـ ابراهيم حاج عبدي

خرج من طمي الفرات، من رائحة الغبار والتيه والتعب، من منطقة مليئة بسعف النخيل، والوحول والمياه الطاهرة، من حكايا العجائز، وشموخ الخيام ، ونقوش البسط . . . فراح يصوغ هذه المفردات قصيدة ملونة حنونة مرصعة بلغة الفرات وبساطة أهله، يجد لها متنفسا في لوحة حزينة، هشة تسعى إلى تكريس خصوصية، هي خصوصية التفرد والأرض البكر المفعمة بتفاصيل تكاد تتلاشى في متاهة هذه الحياة.

عبود سلمان فنان وناقد تشكيلي سوري، ولد في مدينة الميادين على ضفاف الفرات ( دير الزور)، حائز على دبلوم التربية الفنية، درّس مادة الرسم في مدارس مدينته، ثم انتقل إلى السعودية ليتابع التدريس هناك ويكتب كذلك النقد التشكيلي في صحافتها.

أصدر ثلاثة كتب في النقد التشكيلي هي ( شخوص مدينة العجاج ) 1999، و (البذور والجذور) 2003، و ( ألفة الأمكنة ) 2004 ،فاز بجائزة النقد التشكيلي على مستوى الوطن العربي التي نظمتها مجلة (الصدى) الإماراتية 2003

أقام عدة معارض فردية في مختلف المدن السورية، وكذلك في بيروت، وباريس، وروما، كما شارك في عدة معارض جماعية في السعودية ومصر وسوريا حيث شارك مع مجموعة الفنانين التشكيليين العرب في معرض أقيم مؤخرا في دمشق تحت مسمى (عيون الأحبة)، خلال وجوده في دمشق أثناء هذا المعرض الجماعي كان لنا معه هذا الحوار:

*كيف بدأ تعلقك باللون، ولم اخترت اللوحة وسيلة لمخاطبة المتلقي ؟

- بدأ شغفي باللون من البيئة البدوية التي وجدت نفسي فيها، من طمي نهر الفرات، وزرقة مياهه، عانقت التربة وأنا طفل صغير، طفولتي شهدت ولادتها وحل النهر وأغنام القرية التي كنت أرعاها، وعندما كبرت بقي الحنين إلى تفاصيل الطفولة تلك إلى الزهور و العناصر المتعلقة بالطبيعة في بلدة ميادين بلدتي التي هي عشقي الدائم، هي مفردة لوحتي سواء رسمتها كامرأة أو كنخلة أو كبيت طيني قديم أو كلون اخضر مغسول بماء الفرات .

أخذت دروسي الأولى من تلك التفاصيل الحنونة والقاسية قسوة الطبيعة المحيطة مليئة بالتفاصيل وهذه القسوة المرتبطة بطبيعة المجتمع الشرقي المتمثلة في الغبار و ألوان الزوابع و العجاج و التربة الصفراء واللوحة لدي عاشت زركشة هذه الألوان وزخرفتها وضجيجها والسبب يعود إلى عدة أشياء منها السدو أو البساط التقليدي، فأمي بدوية كانت تنسج البسط في بيت الشعر وكنت أرى ذلك على الجدار أو المكحلة أو الابر في تفاصيل الحياة، هذه التفاصيل البسيطة هي التي اصطدمت بالعين عيني أنا كفنان أو كانسان قبل أن أحولها إلى اللوحة بأي تقنية كانت فاللون جاء بشكل طبيعي لأنه اصطبغ بشكل طبيعي  مع الذات العاشقة لهذا الجمال.

*وأنت تقف أمام القماشة البيضاء، وتشرع في الرسم. ما هي الأسئلة التي تراودك، ما هي هواجسك؟

- بداية لابد من الإشارة إلى إنني لا ارسم إلا إذا كنت أعاني حالة من الضيق النفسي والقلق، نادرا ما ارسم وأنا فرحان ومسرور،هذه الزركشة اللونية المتراقصة عبر صهيل هذه المسافات اللونية العاشقة ناتج طبيعي لهاجس شخصي أعيشه بشكل دائم نتيجة اصطدام يومي مع الواقع المادي و القيم الاستهلاكية في مدن مركبة بطريقة عجيبة وهي تحاصر إنسانيتنا وتحاصر عشقنا للجمال بغض النظر عن لعبة المادة، فالذات لدي مشاغبة من خلال اللون أجد نفسي أمام لوحة بيضاء واسعة ثم تتحول بفعل الذات القلقة إلى سواد يلفح كل شيء لان السواد كتلة من الفرح وهو سيد الألوان لأنه حامل لكتلة هذه الهموم والمشاعر فنادرا ما تغيب عن لوحتي تلك العتمة التي تلف حياتنا وأنا أحاول أن أضيء هذه العتمة من خلال هذه اللوحة.

*هل اللوحة بصمتها وهشاشتها قادرة على مجابهة هذا المجتمع الاستهلاكي الذي تصفه، وعلى تكريس قيم الخير والجمال؟

- هذا سؤال معقد وله أكثر من جواب مع ذلك أقول بان اللوحة بإمكانها أن تقاوم ولكن لن تتحول إلى بندقية، كما إننا يجب ألا ننسى بان هناك من يقف ضد الجمال ضد رؤى الكادحين والبسطاء والفنانين الحقيقيين الذين قد يجدون في حركة نملة أو تحليق عصفور جمالا و حالة وجدانية جديرة بان تصبح جزءاً من فن جميل. اللوحة تقاوم عندما تمتلك لغة المقاومة وهي لدى الفنان الموهبة والإبداع، لكن للأسف عدد هائل من الفنانيين على كل الصعد، ليس فقط الفن التشكيلي، جاءوا بولادة قيصرية: كان لديهم استعداد للتطفل، فامتلأت الحياة التشكيلية بالأوصياء عبر المؤسسات الرسمية والمحافل الدولية والمعارض و غيرها من المناسبات التشكيلية الذين جيروا العمل لصالح شيء تافه غير جميل خالٍ من الروح .

هذا الواقع جعل الفنان المكرس رسميا عاجزاً عن لغة المقاومة، بيد أن الفنان الحقيقي يمتلك لغة المقاومة فهي لغة بسيطة جدا لغة الصدق في اللوحة، والذي يكتب قصيدة لا يحتاج إلى أسلحة دمار شامل بل يحتاج إلى روح جميلة تقدر الجمال والمشاعر لكن المشكلة أن أصوات هؤلاء خافتة تطغى عليها لغة الأوصياء الذين لا يمتلكون تلك الروح وتلك البساطة التي تمنح اللوحة روعتها، انهم أعداء الجمال وبالتالي هم أعداء الفن الحقيقي الصادق.

*إزاء ذلك ما رأيك بالنقد التشكيلي الذي يكتب في الصحف والدوريات، لماذا لا يؤدي دورا في محاربة هذا الواقع المجحف بحق الفن الحقيقي؟ 

- مع انني اكتب النقد، لكنني لست ناقدا، أنا رسام، وهذا الإحساس بدأ حين كنت معزولا في حضن الطبيعة وجمالها بعيدا عن تلوث المعرفة لان المعرفة لها ملوثاتها، لدي إحساس بأن الفلاح والعامل البسيط مبدع، ولكن قيم المجتمع التي تفرض الحالة هي التي تقيد هذه التفاصيل مما يجعل الإنسان المبدع في حالة من الفراغ أشبه بالمسخ والجمال ضد المسخ، والنقد التشكيلي في الصحافة  لم يخدم الفن التشكيلي الحقيقي، وإن خدم ففي مساحة ضيقة، لان هذا النقد مكرس لبعض المدعومين والرسميين والأوصياء، لذلك لا تجد حيزاً نقدياً تشكيلياً ايجابياً، فالنقاد التشكيليون لا يمتلكون أقلاماً نزيهة بل يرتزقون من هذه الأقلام، العملية فيها ارتزاق والتكسب على جهد المبدع وهذه الرداءة شائعة في مختلف المجالات، في التشكيل، والمسرح، والسينما، والأدب، والرقص. أنا احترم بعض التجارب النقدية الصادقة وهي قليلة أما النقد السائد فهو الذي يبالغ في مدح هذا و في ذم ذاك ودائما يأتي المعيار النقدي للتقييم في السلم الأخير من الأولويات، ثمة طريقة عجيبة في التقييم فقد يهمل اسمك لأنك بدوي، ملفع بالغبار، غير معتق بالعلاقات الاجتماعية و(البرستيج)، وجاهل بمفردات عالم المال.

*كيف يوفق عبود سلمان بين مخزونه البصري المليء بالألوان القاتمة، وعناصر البيئة القاسية وبين ما تتطلبه أذواق المجتمع المخملي واللعبة التجارية؟

- بسبب هذه القضية وهذا الوجع أنا موجود في الربع الخالي. وجودي في السعودية اسميه وجودا في الربع الخالي بالمعنى المجازة، صحراء مترامية الأطراف بلا حياة، فتتخيل أصحاب الصالات الخاصة ومن في يدهم اللعبة التجارية ومساومات السوق، وكيف يخضعون مشاعرك الإنسانية لهذه المقاييس.بسبب هذه القضية أنا مبعد عن لغة القرار أو لغة العرض في مناسبات ذات طقس احتفالي مبارك من قبل تجار اللوحة لأنك في لوحتك خارج عن أي سلطة، سلطة الأسماء المكرسة ولا تخضع سوى لسلطة الجمال، وهذه تولد نوعا من القلق، وهي حالة صحية تغني التجربة ،وتتمخض عن خصوصية، برز اسم فان كوخ في تاريخ التشكيل، كأحد أهم الملونين العالميين، لأنه لم يكن ربيب الصالات والمدارس وخرج عن إطار التقليد والتكرار.

 السلطة أحيانا تبعدك عن لغة القرار وتقيدك في زنزانة، في صحراء، في عمل وظيفي رتيب يسقطك في الركض وراء لقمة العيش، أنا اعرف الكثير من المبدعين السوريين يعانون من ذلك ويحافظون على روحهم الجميلة.

*نستطيع أن نصفك، إذاً، بانك بدوي تقول (لا) في هذا الزمن الصعب ؟

- أنا قلت (لا) كثيرا ولكن لا أستطيع أن اصف نفسي، وأتذكر أن فاتح المدرس وصفني بـ (الذئب الآسيوي) فكان يلامس أوجاعاً كثيرة فتضاريس وجهي توحي باني هندي أو باكستاني الآن هذه التفاصيل مشذبة، ولكن في داخلي ما زالت مسالة الرفض قائمة، مااستنتجته أنت لا يبتعد كثيرا عن شخصيتي ويعجبني ما قاله ألبير كامو (أنت في وحدتك بلد مزدحم)، عندما يغيب المتلقي والمستمع الآخر الذي يحترم وجودك بغض النظر عن لونك و بشرتك ومنطقتك وجنسك ولغتك وملامح وجهك فانت بخير و لكن يتم التهميش نتيجة ظرف ما نتيجة قرار موظف رسمي غارق في الروتين والبيروقراطية وحماية مكاسب شخصية عندها لا يتم تصنيفك تحت أي مسمى، ولا يمكن عندئذ أن تصف العالم بأنه جميل فالألم كبير جدا لكن في داخلي بعض الفرح الملون الذي انقله الى لوحة صامتة لعلها تشكل بعض العزاء.

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة