الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

يا دجلة الخير..

شام شاكر

تصوير / نهاد العزاوي

من يقف في الطابق السابع من مدينة الطب تنفتح تحت ناظريه مشاهد ساحرة. النهر يتلوى بين الكرخ والرصافة بشكل افعواني، وثمة أجمات من البردي والقصب تكسر رتابة المياه. قوارب السابحين توحي بوجود سلام كامن ما بين تلك الضفاف. وتغيب الحروب هنيهات عن الخيال.  وتغيب السيارات المفخخة ودوي العبوات الناسفة. مياه دجلة في وسط النهر تتراوح بين الأزرق والبني، لكن من يدقق في الضفاف يرى خيوطا سوداً تنسرب من بين الأحراش والقصب، تنبع من مدينة الطب ذاتها، ومن الأبنية الصناعية، والمجاري المفتوحة دون رقيب، على امتداد أميال. منذ سنوات طويلة والرقابة على النهر ضعيفة وتكاد تنعدم، بل انعدمت في السنوات الأخيرة من عمر النظام، وعمت الفوضى، اذ لا أحد يفكر بمشكلة اسمها التلوث أمام قرع طبول الحرب وتعبئة الملايين للدفاع عن كراسي صارت عتيقة، وغير ملائمة للعصر. أصبح دجلة ما ان يدخل بغداد الى ان يخرج منها مكبا للنفايات: مواد كيمياوية ومعقمات ومياه ثقيلة وورق وبقايا علب بلاستيكية ومواد رصاص تضخها المطابع. ومع قليل من الخيال يستطيع المرء تصور ان معظم كائنات النهر ملوثة اليوم، ولكن يصعب اكتشافها.

الأكتشاف قد يأتي من الأمراض التي راحت تنتشر بين السكان، والأطفال منهم خاصة. الشجر كذلك يمتلك حساسية فائقة للتلوث، وكم نصادف من اشجار مريضة في الشوارع والساحات. نحن نشرب ماء ملوثا ونسقي بمياه غير صالحة ونتنفس فوق هذا هواء مشعا، كأنه قادم من مجرة بعيدة. تعقيم المياه لم يعد يكفي اذ بدأت تنسرب مكونات خطرة لا يفيد معها المعالجة العادية، اما السمك الذي صار غذاء مألوفا لأهالي بغداد فلم يعد احد يثق بخلوه من تلك المكونات. يقال ان نسبة الرصاص عالية جدا في سمك اليوم. والرصاص سبب اساس للسرطان باعتباره من العناصر المشعة.

مدابغ ومعامل كيمياوية وبقايا ردهات طبية ومياه ثقيلة تجعل من دجلة لا نهرا مسالما، يجلب المتعة والخيال، انما مخلوق قاتل يهدد حياة ملايين البشر. هل يعود الأمر الى غياب المسؤولية ايضا لدى المواطن؟ أو ربما نقص في الوعي المديني والصحي؟

مياه دجلة هي البناء التحتي للانسان، والمشكلة ليست ثانوية على الاطلاق، وتوازي مشكلة

الأمن التي يتحدث الناس عنها. معالجة هذا الخطر ينبغي ان تكون فورية، لأنه خطر داهم وراهن، والا ما فائدة كورنيشات جميلة ومقاه ومطاعم وأراجيح، تتخذ من ضفاف النهر مكانا للسياحة والمتعة، ولكن تقبع وراءها، هناك في المياه الخالدة الزرق، مخالب الموت التي لا ترحم؟


حقوق الإنسان بعيداً عن المجاملة والمزايدة والاحتيال

عادل العامل

لم يكن هناك أي اهتمام بحقوق الإنسان في العراق على امتداد تاريخه الحديث وفي مختلف عهوده السياسية المتباينة. ولم يقتصر هذا الإغفال لحقوق الإنسان على الأنظمة التي حكمت البلاد، بل تعداها حتى إلى القوى السياسية والقومية والدينية على مختلف توجهاتها الفكرية والمذهبية. بل كان موقف بعض هذه القوى من حقوق الإنسان أسوأ من موقف الأنظمة التقليدية على صعيدي النظرية والتطبيق. فقد اتسم موقفها من الناحية النظرية، في الغالب، بالازدواجية والانتهازية والحيادية المعيبة، وفقاً لموقف هذه القوى بعضها تجاه البعض الآخر. أما على صعيد الممارسة، فالشواعد معروفة عندما تسلمت بعض هذه القوى السلطة أو كان لها نفوذ كبير فيها.

واليوم تتسابق كل القوى والتيارات السياسية والفكرية والدينية في إظهار غيرتها على كرامة الإنسان وحقوقه في الحياة والتعبير والسكن اللائق والعمل والمستوى المعيشي العالي، بل أحياناً في المقاومة المسلحة للأجنبي و(أعوانه) واصحاب دور السينما ومحال الحلاقة والمشروبات الكحولية ولابسي بنطلونات الجنز والمستمعين لغير أغاني اللطم والتهديد بالبتر لمن يمس الحضرة الفلانية!

وكل ذلك لا غبار عليه، وإن كان عليه، في الحقيقة، غبار قرون من التخلف والرجعية والخيبة والمزايدة والابتزاز والتعامل النفعي. لكن الأفضل من ذلك كله لنا ولكل دعاة حقوق الإنسان الجدد هؤلاء ولحقوق الإنسان مرتبطاً بموضة مرحلية أو بدوافع مصلحية فئوية ضيقة، وأن لا يكون أيضاً مبالغاً فيه أو مبتذلاً إلى حد المطالبة باحترام حقوق قتلة وإرهابيين وطغاة يحترفون تدمير الحياة الإنسانية باعتباره بطولة أو تقرباً من الله!

ولهذا، فإن على القوى الوطنية والمنظمات الإنسانية ومؤسسات الدولة المعنية بحقوق الإنسان أن تظل ملتزمة بمبدأ ترسيخ احترام هذه الحقوق وحمايتها فعلاً، في جميع الأحوال وفقاً لضوابط قانونية وفنية يتفق عليها، لكن من دون الوقوع في مصيدة المزايدة أو الدعاية التجميلية أو ألاعيب حماة الإرهابيين والقتلة الذين يوظفون كل شيء - الدين والمبادئ الإنسانية والقوانين والأعراف الاجتماعية ووسائل الإعلام - لإنقاذ هؤلاء الأشرار، بل تسويقهم ضحايا يستحقون العطف والإعجاب في عيون الناس!

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة